الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن، والقياس على غير أصل
وقال في موضع آخر: ((باب)) ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن، والقياس على غير أصل، وعيب الإكثار من المسائل. وروى فيه بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة، قوم يقيسون الدين برأيهم يحزمون ما أجل الله ويحلون به ما حرم الله؛ ورواه من طريق آخر بلفظ، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال. قال أبو عمر هذا هو القياس على غير أصل، والكلام في الدين بالتخرص والظن. ألا ترى قوله في الحديث ((يحلون الحرام ويحرمون الحلال)). ومعلوم أن الحلال ما في كتاب الله وسنة ورسوله تحليله والحرام كذلك. فمن جهل ذلك وقال فيما سئل عنه بغير علم وقاس برأيه ما خرج منه عن السنة، فهذا هو الذي قاس الأمور برأيه، فضل وأضل. ومن رد الفروع في علمه إلى أصلها فلم يقل برأيه.
قلت. قال بعض العلماء لما أمر- عليه السلام بالإتباع، وحذر من الابتداع وحث على الاقتداء بأصحابه كان فيه منع من الرأي، وهو ينقسم قسمين صحيح وفاسد. فالفاسد ما كان منه في أصول الدين. وأما في
فروعه: فالأمر واسع، والقياس على الصول حجة ثابتة، وقد نبه عليه الكتاب والرسول- صلى الله عليه وسلم واستعمله الصحابة والتابعون، والمخطئ في ذلك بعد الاجتهاد، وهو من أهله مثاب غير مأزور، والمصيب فيه رفع المنزلة عند الله سبحانه وتعالى والقائل بالرأي في القرآن، وسائر أصلو الدين محدث في الابتداء، ومخطئ مع إصابته في المعنى مأثوم في ذلك، وقد وعد بالنار، إن أخطأ فيه. والخطأ فيه يؤول بصاحبه إلى الجحد والتكذيب. ويلزمه الكفر مرة، والبدعة أخرى عند العلماء. وقد كان بعض العلماء يكره أن يثبت رأيه في الفروع لجواز رجوعه عنه فيما بعد، فكيف في الأصول.
ذكر أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرازق حدثنا معمر قال سمعت عمرو بن دينار يقول يسألونا عن رأينا فنخبرهم فيكتبونه كأنه نقر في حجر لعلنا نرجع عنه غدا. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله، وبرهة بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم ثم يعملون بالرأي، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا. وقال عمر بن الخطاب وهو على المنبر ((يا أيها الناس إن الرأي إنما كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم مصيبًا لأن الله كان يريه وإنما هو منا بالظن والتكلف. وقال عمر أيضًا: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها. فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا. قال أبو بكر بن أبي داود: أهل الرأي أهل البدع. وهو القائل في قصيدته في السنة:
ودع عنك آراء الرجال وقولهم *** فقول رسول الله أزكى وأشرف
وقال في موضع آخر: العلوم عند جميع أهل الديانات ثلاثة: علم
أعلى، وعلم أوسط، وعلم أسف. فالعلم الأعلى عندهم علم الدين الذي لا يجوز لأحد الكلام فيه بغير ما أنزله الله في كتبه وعلى ألسنة أنبيائه: نصا، ومعنى، ونحن على يقين مما جاء به نبينا- صلى الله عليه وسلم عن ربه، وسنة لأمته من حكمته، ولسنا على يقين مما تدعيه اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل، لأن الله تعالى قد أخبر عنهم أنهم يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، وكيف يؤمن من خان الله وكذب عليه. قال الله عز وجل {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} ، وقد اكتفينا والحمد لله بما أنزل على نبينا من القرآن وما سنه لنا عليه السلام.
فمن الواجب على من لم يعرف اللسان الذي نزل به القرآن وهي لغة النبي- صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من ذلك ما يكتفي به ولا يستغنى حتى يعرف تصاريف القول وفحواه، وظاهره ومعناه؛ وأنه عون على علم الدين، الذي هو أرفع العلوم وأعلاها، به يطاع الله ويعبد ويحمد ويشكر فمن علم من القرآن ما به الحاجة إليه، وعرف من السنة ما يعول عليه، ووقف من مذاهب الفقهاء على ما نزعوا به وانتزعوا من كتاب الله وسنة نبيهم، حصل على علم الديانة، وكان على أمة نبيه- صلى الله عليه وسلم مؤتمنًا حق الأمانة، إذا اتقى الله تعالى وحمل ولم تمل به دنيا تستهويه، أو هوى يرديه، فهذا عندنا العلم الأعلى الذي يحظى به في الآخرة والأولى.