المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة الناشر 1 - في مكتبة الأزهر مخطوط هام في تاريخ - صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم بقلم الدكتور عبد الحليم محمود الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الناشر

- ‌مصادر التحقيق

- ‌مقدمة في سبب تأليف الكتاب

- ‌ذكر من صرح بذم المنطق أو تحريمه من أئمة المسلمي

- ‌ذكر النص الذي ورد عن الإمام الشافعي

- ‌أول من سأل عن متشابه القرآن

- ‌[تحريم الشافعي النظر في علم الكلام]

- ‌[القرآن ورد على مذهب العرب واصطلاحهم]

- ‌فصل [إن سبب الابتداع الجهل بلسان العرب]

- ‌[ابن قتيبة في كتابه تأويل مشكل القرآن]

- ‌فصل [علة في تحريم الكلام للشافعي تأتي في المنطق]

- ‌فصل [علة أخرى في تحريم الكلام للشافعي تأتي في المنطق]

- ‌[إشارة إلى تحريم العلوم الفلسفية نص للشافعي]

- ‌[نص لأبي خنيفة في ذم العلوم الفلسفية]

- ‌[تحريم المتأخرين من أرباب المذاهب للمنطق]

- ‌نصوص الأئمة في تحريم الكلام

- ‌[باب البيان]

- ‌[باب] (شدة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -يخاف على هذه الأمة من الأئمة المضلين والمجادلين في الدين)

- ‌[باب كراهية تشقيق الخطب وتدقيق الكلام والتكلم بالأغاليط]

- ‌باب ذم الجدال والتغليظ فيه وذكر شؤمه

- ‌باب ذم اتباع متشابه القرآن والجدال به

- ‌[باب مخافة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب ذكر اعلام المصطفى صلى الله عليه وسلم -أمته كون المتكلمين فيهم]

- ‌[باب في ذكر أشياء من هذا الباب ظهرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب] (إنكار أئمة الإسلام ما أحدثه المتكلمون في الدين من أصحاب الكلام والشبه والمجادلة)

- ‌[الطبقة الأولى]

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌[الطبقة الرابعة]

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌الطبقة الثامنة

- ‌الطبقة التاسعة

- ‌باب: كراهية أخذ العلم عن المتكلمين وأصل البدع

- ‌كلام الحارث المحاسبي

- ‌كلام البخاري صاحب الصحيح

- ‌كلام ابن جرير الطبري

- ‌كلام أبي أحمد بن محمد الخطابي

- ‌ذكر كلام أبي القاسم اللالكائي

- ‌[باب ذكر من ترسم بالإمامة في السنة]

- ‌كلام الآجري في كتابه ((الشريعة))

- ‌كلام أبي طالب المكي

- ‌كلام الحافظ أبي عمر بن عبد البر

- ‌باب: ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن، والقياس على غير أصل

- ‌كلام الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي

- ‌كلام الإمام أبي المظفر بن السمعاني

- ‌باب الحث على السنة والجماعة والإتباع وكراهة التفرق والابتداع

- ‌[ما ورد عن الأئمة في ذم الكلام]

- ‌فصل فيما روى عنهم من ذم الجدال والخصومات في الدين وما كرهوا من ذلك

- ‌سؤال من أهل الكلام

- ‌فصل الجواب عن قولهم أن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم

- ‌أصل الدين هو الاتباع

- ‌فصل معنى العقل ومقامه من الدين عند أهل السنة

- ‌ذكر كلام إمام الحرمين

- ‌ذكر كلام الغزالي في التفرقة بين الإيمان والزندقة

- ‌كلام الغزالي في الإحياء

- ‌مناظرة جرت بين متى بن يونس

- ‌ذكر إنكار العلماء على من أدخل المنطق في أصول الفقه

- ‌ذكر الإنكار على من أدخل المنطق في علم النحو

الفصل: ‌ ‌مقدمة الناشر 1 - في مكتبة الأزهر مخطوط هام في تاريخ

‌مقدمة الناشر

1 -

في مكتبة الأزهر مخطوط هام في تاريخ الفكر الإسلامي اسمه "صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام" وهذا المخطوط هو الرسالة الثانية في مجموعة هناك برقم 204 مجاميع تحتوى على 19 رسالة في موضوعات مختلفة جد الاختلاف وكلها كما يبدو -مما كتب على ظاهر الغلاف -من تأليف الحافظ المشهور عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي عالم مصر في العهد الأوسط من عهود المماليك. أما ما كتب على الغلاف فهو: "مجموع من مؤلفات السيوطي -نفعنا الله تعالى به -بخطه".

والخط الذي كتبت به المجموعة دقيق ولا يظهر فيه تفاوت، والورق من صنف واحد، والصفحات مملوءة بالكتابة، تكاد تكون خالية من البياض، وفي كل صفحة 52 سطرًا تقريبًا.

وفي آخر الرسالة التاسعة ما نصه:

"تم من خط مصنفه بآخر يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة 889. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى جميع الأنبياء والمرسلين".

وفي آخر الرسالة التاسعة.

"آخر الجزء -ألفته يوم السبت تاسع عشر من صفر سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة أحسن الله عقباها".

وتنتهي الرسالة الحادية عشرة كما يأتي:

"علقه مؤلفه يوم الأربعاء لعشر خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة -وكتب سنة 886".

ص: 11

أما باقي الرسائل فليس فيه تاريخ.

لكن هل كتبت المجموعة حقًا بخط السيوطي كما تذكر تلك العبارة التي نقلناها من ظاهر الغلاف -يبدو أن ثمت أسبابًا قوية تنفي نفيًا باتًا كتابة السيوطي للمجموعة التي بين أيدينا بخطه -وهاكم الأسباب:

أولا: ما كتب في الصحيفة الثالثة سطر 35 "صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للفقير إلى عفو ربه عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي الشافعي غفر الله لنا وله" وقد كتبت هذه العبارة بخط لا يختلف بتاتًا عن باقي خطوط المجموعة، وهي تدل دلالة صريحة على أنها لم تكتب بخط السيوطي -وبالتالي لم تكتب المجموعة بخطه.

ثانيًا: ما كتب في آخر الرسالة السابعة "تم من خط مصنفه، أي تم نقله من نسخة بخط المؤلف.

ثالثًا: في المجموعة أخطاه نحوية متعددة -ولا يمكن على الإطلاق -أن يقع السيوطي -وهو عالم اللغة الممتاز في أمثال تلك الأخطاء -أو أن يسهو في الكتابة -فيفلت منه بعض منها -وقد لاحظت في جميع ما ترك من مجموعاته الخطية أنه لا يخطئ خطًا لغويًا أو نحويًا -ولم يؤد به النسيان أو السهو -وهو الحافظ المشهور -إلى أي خطأ من نوع تلك الأخطاء.

رابعًا: وأخيرًا نصل إلى رابع الأسباب وأقطعها -هو أن مجموعات السيوطي الخطية تسير على قاعدة لا تخف عنها إطلاقًا -وهي أنها "غير منقوطة" بينما المجموعة التي بين أيدينا منقوطة.

ومن هنا يتبين أن هذه المجموعة لم تكتب بخط السيوطي. ولكن إذا ما حاولنا أن نحدد العصر الذي كتبت فيه الرسائل، لتوصلنا إلى أنه القرن العاشر الهجري، وهو القرن الذي مات السيوطي في أولى العقد الثاني

ص: 12

منه، وأكاد أرجح أن هذه المجموعة نقلت مباشرة عن مجموعة بخط السيوطي نفسه وفي عصر قريب جدًا منه.

والكتاب الذي تقوم بنشره الآن من هذه المجموعة هو كما قلت -الرسالة الثانية منها -وقد كتب اسم الكتاب على الهامش وبخط غير مشابه لخط المتن "كتاب صون المنطق والكلام عن فن المنطق للجلال السيوطي" وكتب في صدر المتن صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للفقير إلى عفو ربه عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي الشافعي غفر الله لنا وله" ومن المؤكد أن هذا هو إسم الكتاب الحقيقي -أما ما كتب على الهامش فقدسها كاتبه عن كتابه لفظ الكلام في المقطع الثاني من العبارة -وليس ثمت فاصل في الكتابة بين هذا الكتاب والرسالة السابقة لها وهي رسالة "إيمان أم النبي".

أما آخر الكتاب فقد كتب فيه "تم كتاب صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للجلال السيوطي.

ثم كتب بخط مغاير لخط المتن "الحمد لله -وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم -وبعد فقد طالعه العبد الفقير إليه سبحانه أحمد بن عبد الحي الحسني القدسي داعيًا لمالكه بحسن الختام ولجميع المسلمين" ويوجد فاصل كبير بين نهاية رسالة صون المنطق والرسالة الثالثة، ولا نعرف على وجه اليقين من هو أحمد بن عبد الحي الحسيني هذا. ولعله أحد طلبة العلم من أهل القدس كما هو ظاهر من الاسم، كما أننا لم نصل إلى تاريخ المخطوط، من امتلكه من الناس، ومن هو مالكه الذي يشير إليه القدسي، على أننا نستطيع أن نؤكد أن أيدي قليلة جدًا تناولت هذا الكتاب، إذ أن هوامشها قليلة، والورق على العموم نظيف وليس هناك تعليقات في نهاية

ص: 13

الكتاب ولا في أوله ولا أسماء من تناولوه أو قرأوه سوى الحسيني القدسي المذكور. والكتاب في 35 صحيفة من القطع المتوسط -وصحائفه مملوءة بالكتابة الدقيقة الواضحة -وقد ذكرت أن عدد الأسطر في كل صحيفة من المجموعة حوالي 52 سطرًا.

2 -

هل الكتاب للسيوطي حقا؟ هنا تقابلنا المشكلة الثانية في بحث المخطوط. وقد رجعنا إلى ترجمة السيوطي التي كتبها لنفسه، فلم نعثر لهذا الكتاب على ذكر ولكن حاجى خليفة ذكره فقال "صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام -مجلة للسيوطي -ذكره في فهرست مؤلفاته في فن الفقه".

فهل معنى أن السيوطي ذكره في كتاب آخر غير حسن المحاضرة؟ قد رجعنا إلى فهارست مؤلفاته في كتبه المطبوعة، فلم نجد لهذا الكتاب ذكرا أيضًا. ولكن وجدت في حسن المحاضرة ذكرًا لرسالتين ثانيتين تفصلان أو ثق صلة بموضوع كتابنا هذا، وهما "القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق، فصل الكلام في ذم الكلام".

وقد ذكر اسم الكتاب الأول في الكتاب الذي بين أيدينا الآن "كنت قديما في سنة سبع وثمان وستين وثمانمائة ألف كتابا في تحريم الاشتغال بفن المنطق سميته القول المشرق ضمنته نقول أئمة الإسلام في ذمه وتحريمه"

ص: 14

وذكر أيضًا اسم الكتاب الثاني "ولما شرعت في ذلك -أي في الكلام عن المنطق -ولزم منه الانجرار إلى نقل نصوص الأئمة في منع النظر في علم الكلام -لما بينهما من التلازم، سميت الكتاب صون المنطق والكلام"

فهل نستطيع أن نفهم من هذا أن كتاب صون المنطق والكلام، هو مجموع هاتين الرسالتين، أو أن السيوطي ضمن كتابه هذا هاتين الرسالتين مع نصوص أخرى أضافها -من المحتمل هذا كثيرا، ومن المحتمل أيضا أن يكون كتاب صون المنطق تصنيفا مستقلا عن هذين الكتابين.

على أنه بالرغم من أن السيوطي لم يذكر اسم هذا الكتاب في مؤلفاته التي بين أيدينا فإنه من المحقق -استنادا على النقد الخارجي والداخلي للنص الذي بين أيدينا -أن كتاب صون المنطق والكلام له أسباب متعددة. أهمها:

أولا: ما ذكره صاحب كشف الظنون -وهو ثبت ثقة في تاريخ الكتاب الإسلامي.

ثانيها: أسلوب الجمع في الكتاب -تسيطر على الكتاب الروح السيوطيه والتأليف جليلة واضحة -روح الجمع وتلخيص الكتب وقد كان هذا أسلوب السيوطي وعمله الذي تميزيه.

ثالثها: أسلوب أهل الحديث -ألف السيوطي صون المنطق والكلام على أسلوب المحدثين. وهذا ظاهر في جميع أجزاء الكتاب.

رابعها: كان كتابة هذا الكتاب ضرورة قصوى اضطر إليها السيوطي

ص: 15

وقد كانت تكتنف حياته الروحية عوامل غريبة، فقد ادعى الرجل الاجتهاد سنة 888، ويبدو أن بعض أعدائه هاجموه بأنه لا يتقن المنطق -وهو شرط من شروط الاجتهاد منذ دعا الغزالي إلى هذا -خاصة وأنه ذكر في ترجمته لنفسه في حسن المحاضرة أنه لم يحب المنطق ولم يتمكن من إجادته وقد كنت في مبادئ الطلب قرأت شيئا في علم المنطق، ثم ألقى الله كراهته في قلبي، وسمعت أن ابن الصلاح أفنى بتحريمه -فتركته لذلك -فعوضني الله تعالى عنه علم الحديث الذي هو أشرف العلوم، فاضطر إلى أن يكتب كتابه هذا. يقول في مقدمة كتابه "لما كان هذا العام -ومن المحتمل أن يكون 887 أو 888 - وتحدثت بما أنعم الله به على من الوصول إلى رتبة الاجتهاد ذكر ذاكر أن من شروط الاجتهاد معرفة فن المنطق يعني وقد فقد هذا الشرط عندي بزعمه وما شعر المسكين أني أحسنه أكثر ممن يدعيه ويناضل عليه، وأعرف أصول قواعده وما بنيت عليه".

كل هذه الأسباب -التي لجأنا فيها إلى النقد الخارجي والداخلي للكتاب الذي بين أيدينا -تثبت اثباتا قاطعا صحة نسبة هذا الكتاب للسيوطي.

أما تاريخ كتابه صون المنطق والكلام فيبدو أنه سنة 887 أو 888 على أكثر تقدير -وهي السنة التي عيب عليه فيها عدم معرفته للمنطق.

3 -

كتاب ابن تيمية: ذكر السيوطي في مقدمة كتابه أنه لخص كتاب ابن تيمية: يقول "تطلبت كتاب ابن تيمية حتى وقفت عليه فرأيته سماه نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان، وأحسن فيه القول

ص: 16

ما شاء من نقض قواعده -قاعدة، قاعدة وبيان فساد أصولها، فلخصته في تأليف لطيف سميته، جهد القريحة في تجريد النصيحة.

ويفتتح كتاب جهد القريحة بما نصه "ذكر ما لخصته من كتاب ابن تيمية الذي ألفه في نقض قواعد المنطق -كتاب جهد القريحة في تجريد النصيحة للفقير إلى عفو ربه عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي الشافعي لخصته من كتاب نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان للعلامة تقي الدين بن تيمية.

ثم يبدأ الكتاب بالبسملة والحمد له -ويذكر أن لابن تيمية كتابين أحدهما صغير والآخر كبير هو "نصيحة

" ثم يذكر أنه سيقوم بتلخيصه وسيسميه "جهد القريحة

" ومع أن السيوطي لخص لنا في "صون المنطق" كتابا كثيرة، غير أنه لم يبدأها بالحمدله ولا بالبسملة كما فعل في هذا الكتاب فهل يعني هذا أننا بصدد كتاب مستقل عن الكتاب الأصلي.

إذا ما رجعنا إلى ما كتب عن هذا الكتاب لم تجد له ذكرا في حسن المحاضرة. أما صاحب كشف الظنون فقال "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان لابن تيمية -اختصره السيوطي وسماه جهد القريحة في تجريد النصيحة" ومن هذا النص يتبين لنا أن هذا الكتاب مستقل تمام الاستقلال عن كتاب صون المنطق والكلام وأنه ليس جزءا منه.

ودليل آخر -هو أنه يوجد مخطوط لمختصر السيوطي منفصل عن صون المنطق والكلام في مكتبة ليدن في مجموعة فارنر المشهورة، وهذه المجموعة برقم 474، وفيها كتب أخرى للسيوطي غير كتابنا هذا.

ص: 17

ودليل أخير -فقد ذكر السخاوى في ترجمته للسيوطي "وأول ما أبرز جزء له في تحريم المنطق جرده من مصنف لابن تيمية" فنحن إذن أمام كتابين للسيوطي أحدهما كتابه الأصلي، صون. والآخر مختصر لكتاب ابن تيمية، أما عن كتاب ابن تيمية الأصلي، فقد ذكره ابن عبد الهادي في في ترجمته المشهورة فقال "وله كتال في الرد على المنطق، مجلد كبير وله مصنفان آخران في الرد على المنطق نحو المجلد" وهذا ما ذكره أيضا ابن القيم الجوزية في كتابه مفتاح دار السعادة كما ذكره صاحب كشف الظنون كما بينا من قبل.

والكتاب الأصلي موجود في الهند -على ما ذكر السيد سليمان بدوي في بحث له هام.

ولكن يبدو أن المخطوط رديء الخط مخروم في كثير من أجزائه بحيث لم يتمكن من نشره بالرغم من أنه أعلن منذ مدة بعيدة أن دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد الدكن ستقوم بطبعه.

فالسيوطي إذن قد قدم لنا فائدة علمية لا تقدر إذ أنه حفظ لنا صورة قريبة جدًا من النص الأصلي لابن تيمية. كما حفظ لنا صور الكتب أخرى مفقودة أو متعذر الوصول إليها -ولقد كانت هذه إحدى أيادي السيوطي السابغة على الفكر الإسلامي.

ص: 18

لكن ما الذي دعا السيوطي إلى انتهاج هذا النهج في كتبه. قد لا يتضح هذا على أتم وجه إلا في ضوء تحليل موجز لحياة الرجل.

4 -

حياة السيوطي. عاش السيوطي في عصر المماليك في طوره الأوسط وفي عهد من عهود العلم الزاهرة لا من ناحية طرفة تراثها العلمي -إنما من ناحبة قدرة علماء هذا العصر ومفكريه على الجمع وتلخيص الكتب -كان العقل الإسلامي قد توقف في هذه الفترة عن الإبداع -في نطاق العلوم الفكرية وانتهى فيه عهد الأصالة المطلقة التي انبثقت آخر مرة، وفي صورة زاهية لامعة في تقي الدين بن تيمية. اتجه العلماء نحو كتب المفكرين الذين سبقوهم يتدارسونها ويلخصونها. ويضفون عليها أحيانًا بعض الابتكار غير الكثير وأحيانًا ينقلونها كما هي في ملخصات تقترب كثيرًا من النص الأصلي، وكان السيوطي واحدًا من هؤلاء الأخيرين، خلت كتبه حقًا من الطراقة والأبداع ولكنها كانت حافظة ممتازة حوت نصوصًا من مختلف العلوم والفنون لا يعرفها العالم الإسلامي الآن عن طريقه، هذا علاوة عن أهميتها الكبرى في ملء فجوات في تاريخ الفكر الإسلامي، وقد أفرغ السيوطي جهده في هذا العمل الشاق -وأرهفت حواسه له لكي يحقق تلك الأمنية الملحة التي ترددت في نفسه. والتي أعلنها في فترات متعددة في صور مختلفة حتى وصل إعلانه لها إلى حد الجدال واللجاج وأنكرها عليه علماء عصره أشد إنكار وحاربوه أشد محاربة -أما تلك الأمنية فهي كونه مجتهد الأمة الإسلامية -ثم مناداته بعد ذلك بأنه المبعوث من الله على رأس التاسعة ليجدد شباب دينه

أما اسم السيوطس الكامل -فهو أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر جلال الدين الخضيري السيوطي؛ وأما عن نسبته للخضيرية -فيقول

ص: 19

هو في ترجمته لنفسه في حسن المحاضرة "وأما نسبته للخضيرى فلا أعلم ما تكون إليه هذه النسبة، ألا الخضيرية محلة بغداد، وقد نشأ السيوطي من أسرة فارسية من ناحية الأب، عاشت في بغداد، أما أمة فكانت أمة تركية ثم انتقلت أسرته من بغداد إلى أسيوط، وبرز كثير من أفرادها على ما يذكر هو أيضًا لكن لم يشتغل بالعلم من أفرادها سوى والد السيوطي. وقد ولد السيوطي ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانية - (3 أكتوبر 1455) وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر فقام بأمره صوفي من أصدقاء والده -وختم القرآن وهو دون ثمان سنين -ثم بدأ في دراساته على علماء عصره -حتى أجاد جميع فروع العلم الإسلامي.

وقد تركت لنا المصادر المختلفة أسماء شيوخه الكثيرين: الجلال المحلي والزين العقبي والشمس السيرامي. والشمس المرزباني والشهاب الشارمساحي والعلم البلقينى والشرف المناوى وعدد كبير من العلماء. يقول صاحب شذرات الذهب "وقد ذكر تلميذه الدودى في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعا مرتين على حروف المعجم فبلغت عدتهم أحدًا وخمسين نفسا.

وقد أجيز السيوطي بتدريس العربية سنة 866. وذلك بعد عودته من زيارة لبعض مدن مصر والحج إلى مكة. وقد بدأ التأليف في هذه

ص: 20

السنة وفي سنة 872 تولى بواسطة أستاذه علم الدين البلقينى التدريس في الشيخونية مكان والده في سنة (891 هـ - 1486 م) قرر التدريس في البيبرسية يقول بن إياس "قرر شيخنا السيوطي في مشيخة البيبرسية عوضا عن الجلال البكري بحكم وفاته وكان الساعي له السيد الخليفة عبد العزيز" ويبدو أن صلته بالخليفة العباسي المتوكل على الله عبد العزيز كانت صلة طيبة إذا أن السيوطي أوحى إليه سنة في 902 هـ = 1466 م "أن يجعله قاضيًا كبيرًا على القضاة يولى منهم من يشاء ويعزل منهم من يشاء مطلقا في سائر ممالك الإسلام وهذه الوظيفة لم ينلها قط القاضي تاج الدين بن بنت الأعز في دولة بني أيوب".

علم القضاة بالأمر "فثاروا واستخفوا عقل الخليفة في ذلك. وقالوا ليس للخليفة مع وجود السلطان حل ولا ربط ولا ولاية ولا عزل ولكن الخليفة استخف السلطان لكونه صغيرًا" وعلم الخليفة بثورة القضاء وخشى مغبة الأمر فتراجع وأعلن أن السيوطي خدعه -ثم رجع عن عهده -وبعث من يأخذ العهد الذي كتبه للشيخ.

يقول ابن إياس "وكادت أن تكون فتنة بسبب ذلك ووقعت أمور يطول شرحها. ثم سكن الحال بعد مدة".

وفي سنة 906 قامت ضجة أخرى ضد السيوطي إذ أنه تلاعب بأموال الصوفية الحانفاه البيبرسية -وقد رمى المؤرخون السيوطي بالطمع -فثاروا

ص: 21

عليه وكادوا أن يقتلوه ثم حملوه بأثوابه ورموه في الفسقية.

عزل السيوطي من وظيفته -ورأى الدنيا قد أدبرت عنه وجمع من معاصريه يهاجمونه بكل الوسائل. فاعتكف في جزيرة الروضة. يقول صاحب شذرات الذهب: "أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع لله تعالى والاشتغال به صرفا والأعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم":

وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال" النفسية فيردها. وأهدى إليه الغورى هدايا لم يقبلها. وطلبه مرارًا فلم يحضر إليه".

وفي سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأول (17 أكتوبر سنة 1055) توفي جلال الدين السيوطي عن إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة. ومازال قبره في مكانه إلى الآن. وقد حقق وجوده العالم المشهور تيمور باشا في بحث لطيف له.

إن ما يستخلصه الإنسان من حياة السيوطي في فتراته المتعددة هو أنه كان رجلا من العلماء، حاول أن يصل بكل ما لديه من وسائل إلى أوج المجد سواء كان علميا أو ماديا -فاتصل بالخليفة والسلطان وكبراء عصره وكانت له صلات طيبة بهم حتى عهد إليه الخليفة بالمنصب الذي ذكرنا، ولكن القضاة ثاروا عليه وفوتوا عليه غرضه.

أما عن مجده العلمي -فقد ادعى السيوطي أنه مجتهد الأمة الإسلامية

ص: 22

وأنه أحاط بعلوم عصره جميعها.

يقول في حسن المحاضرة "رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع على طريقة العرب والبلغاء لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة. والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم الستة، سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها منها، لم يصل إليه ولا يوقف عليه أحد من الأشخاص. فضلا عمن هو دونهم.

وأما علم الحساب فهو أعسر شيء على وأبعده عن ذهني وإذا نظرت في مسألة تتعلق به فكأنما أحاول جبلا أحمله، وقد كملت عندي آلات الجهاد" وقد أفاض في هذا في كثير من كتبه الأخرى.

ولم يسلم له علماء عصره بهذا وساعدهم على ذلك حدة أخلاقه وغروره في بعض الأحيان فهاجموه وانتقصوا من قدره وقدر مؤلفاته هاجمه السخاوى في الضوء اللامع هجوما عنيفا كما حدثت بينه وبين معاصريه ابن ظهير، والقاضي برهان الدين محمود محدث دمشق والقسطلاني عداوات ومنازعات ولكن برغم هذا كله، بقى السيوطي كاتب العربية الكبير وأحد حفاظ العلم الإسلامي في مختلف فروعه. وكانت كتبه معينا لا ينضب للباحثين قد احتوت الثقافة الإسلامية المتعددة النواحي، بالرغم من خلوها من الابتكار وقد اختلف الباحثون في عدد هذه الكتب. فذهب فلو جل إلى أنها تبلغ 561 كتابًا أما بروكلمن فقد عدله 415 كتابا ويقول العيدروسي "ولكن

ص: 23

كثيًرا من مؤلفاته هذه المذكورة صغيرة وبعضها في كراس وكراسين".

وقد ذكر الباحثون قوائم بأسماء كتبه -وبقى معظم تلك الكتب -ومازال لها في العالم الإسلامي أكبر اعتبار. ونحن لا نجد على سبيل المثال كتابا يضارع "الإتقان في علوم القرآن" في شهرته عند الناس وأحاطته بالموضوع الذي حرر فيه ومن كتبه الهامة تفسير للقرآن وقد نشر هذا التفسير وعلى هامشه، لباب النقول في أسباب النزول. ومن المعروف أن الجلال المحلي (المتوفي سنة 864 = 1459) كان قد بدأ هذا الكتاب ثم توفي فأتمه السيوطي وسمى هذا الكتاب تفسير الجلالين، وهو كتاب له شهرة هامة في العالم الإسلامي وغير هذين الكتابين من كتب هامة ذكرها السيوطي في حسن المحاضرة كما ذكرها صاحب النور السافر والداودى تلميذه في بحث لم ينشر بعد عن حياة أستاذه ومؤلفاته. ونحن نعلم أن للسيوطي كتبا هامة أخرى كالمزهر وغيره.

5 -

وأما عن الكتاب الذي نقوم بنشره الآن فهو وثيقة فريدة في التراث العربي، حوت نصوصا كثيرة غير معروفة عن موقف علماء المسلمين من الكلام والمنطق، وحاولت تتبع تلك للدراسة التي حاربت البحث النظري في العقائد من ناحية وأنكرت المنطق اليوناني -العنصر المميز للفتنة اليونانية في العالم الإسلامي -من ناحية أخرى. ونحن لا نجد في تاريخ العصور الوسطى محاولة لنقد المنطق الأرسططالى، فالمسلمون إذن هم أصحاب تلك المحاولة الفريدة في العصور الوسطى -وقد سبقوا بهذا Roger Bacn، Bawus وقد أتى هذان الأولان في أعقاب العصور الوسطى و Flanci Bac pn

ص: 24

وغيرهم من مفكري أوربا المحدثين -وقد صور السيوطي نزعة النقد عند طائفة من علماء المسلمين، الفقهاء -وإن كان هذا النقد يبدو في صورة ساذجة أحيانًا -غير أنه كان في كثير من الأحيان على جانب من الطرافة -ولن نحاول نحن هنا تحليل عناصر هذا الكلام. فإن هذا جزء من محاولة كبرى قمت بها في بحث هام تحت الطبع هو: نقد مفكري الإسلام للنطق الأرسططالى. يتناول موقف المسلمين عامة -من فلاسفة ومتكلمين وأصوليين وفقهاء وصوفية -من المنطق الأرسططالى. يتناول موقف المسلمين عامة -من فلاسفة ومتكلمين وأصوليين وفقهاء وصوفية -من المنطق الأرسططاليسى ومحاولتهم هدمه؛ وإقامة منطق جديد مع روح الحضارة الإسلامية. ولقد ذهب الباحثون إلى مختلف الآراء والنظريات في بحث هذا الروح وحاولوا -بطرائقهم المختلفة من فيلولوجية وروحية وغيرها -اكتناء العنصر المميز لهذه الحضارة. ولكنهم لم يصلوا -فيما اعتقد -إلى رأى راجع في حل المشكلة، وبقيت معلقة إلى أكبر حد.

وإني لأعتقد أن بحثي الذي ذكرت، قد يلقى شجاعا جديدًا على هذه المشكلة العميقة.

وأياما كان الأمر -فإن كتاب السيوطي "صون المنطق والكلام" وتلخيصه لكتاب ابن تيمية "نصيحة أهل الإيمان" يعاونان الباحثين في تاريخ الحضارة الإسلامية -على اختلاف طرقهم وغاياتهم معاونة كبيرة -على الكشف عن العبقرية الإسلامية في أرفع مظاهرها العقلية.

6 -

طريقة نشر المخطوط. كانت بيدي نسخة واحدة هي نسخة المجموعة الأزهرية التي ذكرتها آنفًا وهي النسخة الوحيدة الموجودة من هذا الكتاب في مكتبات العالم -وقد عثر على هذه النسخة منذ سنوات مضت أستاذي الجليل الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر وسيد الباحثين

ص: 25

المعاصرين في الفلسفة الإسلامية وقد قرأت عليه كتاب ذم الكلام للهروى الذي أورده السيوطي في مقدمة كتابه.

ثم بدأنا العمل في إعداد المخطوط للطبع ولكن فضيلته تولى الوزارة بعدئذ وحالت أعمالها دون إشرافه على العمل في إخراج الكتاب كله فقمت بالعمل بمفردي.

وقد اتجهت أولا إلى محاولة تقديم النص سليما من الأخطاء، كاملا غير منقوص. وقد تبين لي أن بالنسخة أغلاطا لغوية ونحوية كثيرة، وعبارات كثيرة ساقطة وأخرى غير مفهومة وقطعا كبيرا.

أما الأغلاط اللغوية والنحوية فقد أصلحتها، وهي في غالب الأحيان سهو من الناسخ. ثم اجتهدت في إضافة عبارات مكان السقط والجمل المحذوفة ووضعت هذه العبارات بين معقوفتين دلالة على إضافة من الناشر وعلى أنها لم تكن في صلب المتن، ثم حذفت بعض العبارات غير المفهومة إذا تعذر على فهمها أصلا -وأبقيت البعض في المتن إذا ما شككت في المعنى، غير أنني في كل تلك الحالات أثبت في الهوامش أو في نهاية الكتاب ما قمت به من تصحيح لخطأ أو إضافة أو حذف لحرف أو لكلمة أو لعبارة، ثم أكملت القطع الكبير في المخطوط.

ولقد عاينت في هذا العمل كثيرًا، وأنفقت جهدًا يدركه تمام الإدراك من عانى نشر كتاب استنادًا على محظوظ واحد. وحين انتهيت من تصحيح النص، بدأت في عمل آخر لا يقل عناءا عن العمل السابق، فقد نقل السيوطي أو لخش لنا في كتابه الأول "صون المنطق، كتبا كثيرة بعضها موجود وبعضها مفقود والموجود منها بعضه مطبوع والبعض الآخر مخطوط فرجعت

ص: 26

إلى جميع ما ذكر من كتب موجودة مطبوعة وبخثت عن الفقرات التي ذكرها وقمت بمقارنة دقيقة بين هذه الفقرات من كتابه وبينها في كتبها المنشورة ونصصت على ما قصد يوجد من اختلافات بينها في حواشي الكتاب وقد كان عدد هذه الكتب كبيرًا، ولكنني لم آل جيدًا في حصرها وتوصلت في حالات كثيرة إلى تصحيح نص السيوطي في ضوء النص المنشور.

أما عن الكتاب الثاني -وهو تلخيص السيوطي لكتاب ابن تيمية -فقد لجأت إلى طريقة أخرى في تاريخه. فقد قمت بمقارنة كثير من المواضع التي ذكرها ابن تيمية في كتابه بما يشبهها في كتبه الأخرى، فهو على سبيل المثال يتكلم في الكتاب الذي بين أيدينا عن قياس التمثيل وقياس الشمول ص 302 - فأشرت إلى أنه يتكلم عن نفس الموضوع في كتابه "شرح العقيدة الأصفهانة" من 302 - وهكذا

وقد اضطررت إلى قراءة التراث التيمى كله الذي بين أيدينا، حتى تمكنت من إيراد المواضع المتشابهة بين كتابنا هذا وبين كتبه الأخرى.

ولم تم إلى هذا العمل المقارن في الكتابين، بدأت بمراجعة الآيات القرآنية على المصحف الشريف. وعينت مواضعها آية وسورة، ثم أرخت لكثير من الأعلام في الكتاب الأول. ولسائرها في الكتاب الثاني ولسائر لكتب في الكتابين.

* * *

ويؤسفني بعد ذلك أن بعض الأخطاء المطبعية قد حدثت، لأسباب خارجة عن إرادتي، وقد أثبتنا في آخر الكتاب أغلب هذا الخطأ غير مقصود.

ص: 27

وإني لأشكر من هاونوني على نشر هذا الكتاب وطبعه، وأخص بالذكر والدي رحمة الله عليه -فقد عاونتى معاونة جليلة في مراجعة النص، رحمة الله رحمة واسعة وأجزل له عنى خير الجزاء. ثم أشكر صديقي العزيز الأستاذ مصطفى طريح شرف، على إشرافه على طبع جزء من الكتاب أثناء تغيبي في الإسكندرية -ثم أشكر السيد محمد نجيب أمين الخانجي على قيامه بطبع الكتاب على نفقته.

الإسكندرية في 29 محرم 1366 هـ

و23 ديسمبر 1946 م

على سامي النشار

مدرس تاريخ الفلسفة بكلية الآداب

جامعة فاروق الأول

ص: 28