المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلام الحارث المحاسبي - صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم بقلم الدكتور عبد الحليم محمود الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الناشر

- ‌مصادر التحقيق

- ‌مقدمة في سبب تأليف الكتاب

- ‌ذكر من صرح بذم المنطق أو تحريمه من أئمة المسلمي

- ‌ذكر النص الذي ورد عن الإمام الشافعي

- ‌أول من سأل عن متشابه القرآن

- ‌[تحريم الشافعي النظر في علم الكلام]

- ‌[القرآن ورد على مذهب العرب واصطلاحهم]

- ‌فصل [إن سبب الابتداع الجهل بلسان العرب]

- ‌[ابن قتيبة في كتابه تأويل مشكل القرآن]

- ‌فصل [علة في تحريم الكلام للشافعي تأتي في المنطق]

- ‌فصل [علة أخرى في تحريم الكلام للشافعي تأتي في المنطق]

- ‌[إشارة إلى تحريم العلوم الفلسفية نص للشافعي]

- ‌[نص لأبي خنيفة في ذم العلوم الفلسفية]

- ‌[تحريم المتأخرين من أرباب المذاهب للمنطق]

- ‌نصوص الأئمة في تحريم الكلام

- ‌[باب البيان]

- ‌[باب] (شدة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -يخاف على هذه الأمة من الأئمة المضلين والمجادلين في الدين)

- ‌[باب كراهية تشقيق الخطب وتدقيق الكلام والتكلم بالأغاليط]

- ‌باب ذم الجدال والتغليظ فيه وذكر شؤمه

- ‌باب ذم اتباع متشابه القرآن والجدال به

- ‌[باب مخافة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب ذكر اعلام المصطفى صلى الله عليه وسلم -أمته كون المتكلمين فيهم]

- ‌[باب في ذكر أشياء من هذا الباب ظهرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب] (إنكار أئمة الإسلام ما أحدثه المتكلمون في الدين من أصحاب الكلام والشبه والمجادلة)

- ‌[الطبقة الأولى]

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌[الطبقة الرابعة]

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌الطبقة الثامنة

- ‌الطبقة التاسعة

- ‌باب: كراهية أخذ العلم عن المتكلمين وأصل البدع

- ‌كلام الحارث المحاسبي

- ‌كلام البخاري صاحب الصحيح

- ‌كلام ابن جرير الطبري

- ‌كلام أبي أحمد بن محمد الخطابي

- ‌ذكر كلام أبي القاسم اللالكائي

- ‌[باب ذكر من ترسم بالإمامة في السنة]

- ‌كلام الآجري في كتابه ((الشريعة))

- ‌كلام أبي طالب المكي

- ‌كلام الحافظ أبي عمر بن عبد البر

- ‌باب: ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن، والقياس على غير أصل

- ‌كلام الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي

- ‌كلام الإمام أبي المظفر بن السمعاني

- ‌باب الحث على السنة والجماعة والإتباع وكراهة التفرق والابتداع

- ‌[ما ورد عن الأئمة في ذم الكلام]

- ‌فصل فيما روى عنهم من ذم الجدال والخصومات في الدين وما كرهوا من ذلك

- ‌سؤال من أهل الكلام

- ‌فصل الجواب عن قولهم أن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم

- ‌أصل الدين هو الاتباع

- ‌فصل معنى العقل ومقامه من الدين عند أهل السنة

- ‌ذكر كلام إمام الحرمين

- ‌ذكر كلام الغزالي في التفرقة بين الإيمان والزندقة

- ‌كلام الغزالي في الإحياء

- ‌مناظرة جرت بين متى بن يونس

- ‌ذكر إنكار العلماء على من أدخل المنطق في أصول الفقه

- ‌ذكر الإنكار على من أدخل المنطق في علم النحو

الفصل: ‌كلام الحارث المحاسبي

الإمام الزاهد أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري. من ذرية أبي أيوب الأنصاري. كان حنبليًا حافظًا للحديث، بارعًا في اللغة، آية في التصوف والوعظ، إمامًا متفننا، قائمًا بنصر السنة ورد المبتدعة. وهو صاحب كتاب منازل السائرين. مات في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

‌كلام الحارث المحاسبي

في كتاب الرعاية

ذكر ما وقفت عليه من كلام الحارث بن أسد المحاسبي في ذلك. والحارث هذا قد عده الأستاذ أبو منصور التميمي في الطبقة الأولى من أصحاب الشافعي وقال إمام المسلمين في الفقه والتصوف والحديث والكلام والزهد والورع والمعرفة. مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

قال في كتابه: الرعاية ((باب الغرة بالجدال وحسن البصر بالاحتجاج)) والرد على أهل الأديان.

وفرقة جدلة خصمة مغترة بالجدال، والرد على المختلفين من أهل الأهواء وأهل الأديان. يتأول في ذلك أنه لا يصح لأحد عمل حتى يصح

ص: 126

إيمانه، والقول بسنة النبي- صلى الله عليه وسلم فليس عند أحدهم أحد يعرف ربه، ولا يقول عليه الحق غيره، أو من كان مثله.

ثم هم فرقتان: فرقة ضالة مضلة لا تفطن لضلالته، لا تساعها في الحجاج، ومعرفتها بدقائق مذاهب الكلام، وحسن العبارة بالرد على من خالفها، فهم عند أنفسهم من القائلين على الله بالحق، والرادين لكل ضلالة، لا أحد أعلم منهم بالله، ولا أولى به منهم. والفرقة الثانية من المغترين بالجدل والبصر بالحجاج، تقول بالحق ولا تدين بغيره، وقد اغترت بالجدل. ترى أنه لا يصح لها قول دون الفحص والنظر وقيام الحجة على من خالفها، فقد اغترت بذلك، حتى قطعت أعمارهم بالاشتغال عن الله وعمى عليها أكثر ذنوبها وخطاياها، وهي تظن أن ذلك أولى بها وأقرب لها إلى ربها، وهي أيضًا لا تسلم في مجادلتها من أن تخطئ في تأويلها، وقولها: إلا أن اعتقادها السنة مع اغترارها.

ثم قال: (باب) ما تنفى به الغرة بالجدل والحجاج: أما الفرقة الضالة فإنها تنفي ذلك بأن ترجع إلى نفسها، فتعلم أن من القرآن محكمًا ومتشابهًا، وكذلك (من) السنة فلا يقضى بمتشابه على محكم، ويقضى بالمحكم على المتشابه، وأن الخطأ في التأويل لا يحصى، فتتهم نفسها وتعلم أن الله سائلها عما تدين به. والجماعة قد مضت على الهدى وسنة نبيها- صلى الله عليه وسلم فلا تخرج من إجماعها وإن حسن ذلك في عقولها فإن تثبتت كما وصفت لك أبصرت ضلالها ولم تغتر بشدة حجاجها إذا علمت أن غيرها ممن خالفها شديد الحجاج.

ص: 127

بصير بالجدل، وهو عندها ضال مضل، وكذلك لا تأمن أن تكون هي عند الله كذلك، وإن أبصرت الجدل والخصومة، فإن اتهمت نفسها على الآراء والتأويل، وتثبتت عند المتشابه فقضت بالمحكم عليه، وأوقفت فيما لم يجعل لها النظر فيه. ولم تخرج عن إجماع من مضي زالت عنها غرتها وثابت إلى ربها من ضلالها.

وأما الفرقة المصيبة للحق مع غرتها (عن الله)، بالخصومات والجدل عما هو أولى بها، فإنما تنفي غرتها بذلك، بأن تعلم أن الله تعبد من مضي بما تعبدها. وقد أدرك كثير منهم أهل البدع والأهواء فما جعل عمره ولا دينه غرضًا للخصومات، ولا اشتغل بذلك عن النظر لنفسه والعمل ليوم فقره، إلا أن يرى موضع حاجة يظن أنه إن تكلم بالحق قبل منه. فيقول بالحق ويحذر أن يخطي على الله فيرد الباطل بالباطل، فكانوا على ذلك، وذموا الجدل والخصومات.

ورووا ذلك عن النبي- صلى الله عليه وسلم رواه عنه أبو أمامة أنه قال: ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل. وذم الله تعالى ذلك فقال {ألد الخصام} وقال لقريش {بل هم قوم خصموم} فذم المراء والجدل فليرجع إلى نفسه، فيقول لها: إنما تدعينني إلى الإتباع والسنة بجدلك لأهل الأهواء ودعائك لهم بالجدل، والمراء ترك السنة، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم نهى بسنته عن الجدل والخصومات وغضب على أصحابه حتى كأنما فقئ في

ص: 128

وجهه حب الرمان- جمرة الغضب- إذ خرج عليهم (وهم) يختصمون، وهم أولي الخلق بالفهم والبصر بالحجاج، فقال: ألهذا بعثتم أم بهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض. انظروا ما أمرتم به، فاعملوا به، وما نهيتم عنه فانتهوا.

ثم هو في نفسه- صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى جميع أهل الأديان، فما جادلهم إلا بما تلى عليهم من التنزيل، ولو شاء كلمهم بالمقاييس ودقيق الكلام. ولو كان ذلك هدي كان أولى به وعليه أقوى، فلم يقم عليه الحجة إلا بالتنزيل، وضرب عن جدلهم بالدقائق وعلم أن ذلك رضى ومحبة لربه. فترك الجدل والخصومات من السنة.

ونرجع إليها أيضًا بأخرى من التذكرة، فنقول: إني لو نجوت وعطب أهل الأرض من أهل الأهواء ما ضرني ذلك ولو عطبت ونجوا ما نفعني، فإقامتي الحجة عليهم وتركي أن أقيم الحجة على نفسي، لله عز وجل من تضييع أمره، حتى أؤدي ما أمرني به، وأنتهي عما نهاني عنه. وأربح أيام عمري ليوم فقري وفاقتي أولى بي. فقد شغلني عن نفسي و (عن العمل) نجاتي.

ومع ذلك ما يؤمنني أن أقيم الحجة ببعض التأويل أو القياس أرى أنه هدى، وهو عند الله (ضلال) كذب عليه. وقد تبين لي ذلك فيما مضى من عمري، فقد كنت أقول القول ثم يتبين لي أنه خطأ فأرجع عنه، فما كانت حالي عند ربي أن لو مت على حالي تلك، فلذلك لا آمن مثلها، ثم أموت عليها، قبل أن أعرف خطئي. فإذا أنا قد أهلكت نفسي بطلبي لنجاة غيري.

ص: 129

ومع ذلك أنه لو كانت المجادلة من السنة ولم أكن أشتغل بها عن العمل لآخرتي، وأمنت الخطأ في حجاجي لما كان لكلامهم موضع فيه بر وخير في آخرتي، إذا لم أر أحدًا منهم رجع عن قوله ولا تاب من بدعته، فلو كان ذلك كذلك لكنت معنيًا بنفسي فكيف وقد نهيت عن الجدل وهو يشغلني عن العمل لنجاتي، ومع ذلك أتعرض للخطأ على الله والكذب عليه، أو في دينه، وأنا لا أشعر.

فإذا رجع إلى نفسه بذلك، أبصر غرته. واهتم بنفسه، وعلم أنه كان في غرور وزخرف من رأيه، وأنه قد مضى عمره بترك ما هو أولى به، فحينئذ يهتم للعمل، ويتفقد عيوبه، والتوبة منها قبل لقاء ربه عز وجل.

ص: 130