الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"صون المنطق والكلام"
عن فن المنطق والكلام
مقدمة في سبب تأليف الكتاب
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. "وبعد" فقد كنت قديما في سنة سبع أو ثمان وستين وثمانمائة ألفت كتابا في تحريم الاشتغال بفن المنطق، سميته "القول المشرق" ضمنته نقول أئمة الإسلام في ذمه وتحريمه وذكرت فيه أن شيخ الإسلام أحد المجتهدين تقي الدين بن تيمية ألف كتابا في نقض قواعده، ولم أكن إذ ذاك وقفت عليه، ومضى على ذلك عشرون سنة فلما كان في هذا العام وتحدثت بما أنعم الله به علي من الوصول إلى رتبة الإجتهاد، ذكر ذاكر أن من شروط الاجتهاد معرفة فن المنطق يعني وقد فقد هذا الشرط عندي بزعمه. وما شعر المسكين أنى أحسنه أكثر ممن يدعيه، ويناضل عليه. وأعرف أصول قواعده، وما بنيت عليه وما
يتولد منها معرفة ما وصل إليها شيوخ المناطقة الآن -إلا شيخنا العلامة محيى الدين الكافيجى فقط -فطلبت كتاب ابن تيمية، حتى وقفت عليه فرأيته سماه (نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان) وأحسن فيه القول ما شاء من نقض قواعده قاعدة وبيان فساد أصولها. فلخصته في تأليف لطيف سميته "جهد القريحة في تجريد النصيحة" ثم إن كثيرًا من المخبطين، الذين هم عن تحقيق العلم بمعزل، لهجوا بأن يقولوا ما الدليل على تحريمه؟ وما مستند ابن الصلاح في إفتائه بذلك؟ ونحو ذلك من العبارات. والعجب أنهم يناضلون عن المنطق ولا يتقنونه، ويدأبون فيه وفي أبحاثهم لا يستعملونه، فيخبطون فيه خبط عشواء ولا يهتدون عند المناظرة والإستدلال إلا عمياء.
ولقد اجتمع بي بعض من قطع عمره في المنطق فرأي قول ابن الصلاح في فتاويه -وليس الاشتغال بتعلمه وتعليمه مما أباحه الشارع ولا استباحه أحد
من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والسلف الصالحين فقال: هذه شهادة على نفى فلا تقبل. فقلت. يا سبحان الله لا طريق أهل الشرع سلكتم ولا طريق أهل المنطق اعتمدتم.
أما أهل الشرع فيقولون: إن النفي إذا كان من أهل الاستقراء التام فإنه يقبل ويعتمد. وقد جرى على ذلك أهل الحديث وأهل الفقه وأهل العربية، لغة ونحوا وتصريفًا. وأهل البلاغة معاني وبيانا وبديعًا، وأهل العروض في مسائل يطول سردها.
وأما أهل المنطق فإنهم يقول: إن السالبة الكلية إنما تنقض بموجبة جزئية. وهو أن يقال بل أباحه فلان الصحابي أو التابعي أو المجتهد، فيحصل بذلك نقض كلام ابن الصلاح ولا سبيل إلى وجود ذلك عن أحد من المذكورين حتى يلج الجمل في سم الخياط.
وأما الدفع بالصدر وهو أن يقال ما هو صحيح أو من أين له ذلك فما هو طريقة أحد لا متشرع ولا متفلسف.
وقد رأيت أن أصنف كتابا مبسوطا [في تحريمه] على طريقة الاجتهاد والاستدلال جامعًا مانعًا، وبالحق صادعًا، أبين فيه صحة ما ادعاه ابن الصلاح من نسبة نفي الإباحة إلى المذكورين.
ولما شرعت في ذلك ولزم منه الانجرار إلى نقل نصوص الأئمة في
منع النظر في علم الكلام، لما بينهما من التلازم. سميت الكتاب "صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام" والله الموفق للمرام.
ذكر ابتداء وضع المنطق وابتداء دخوله في ملة الإسلام
وابتداء من جمع كتب الأصول به وابتداء فشوه في المتأخرين
أول من وضع فن المنطق أرسطاطاليس من أهل اصطخر في عهد أزدشير ابن دارا ذكره الشهرستانى في الملل والنحل، وابن
الصلاح والنووي في الطبقات، والكندي وابن زولاق في بتاريخ مصر وغيرهم، وإليه الإشارة بقول من قال:
قطعنا الأخوة من من معشر
…
بهم مرض من كتاب الشفا
فماتوا على دين رسطاطليس
…
ومتنا على ملة المصطفى
وقال ابن تيمية في كتابه المذكور وقول الآخر:
إذا شوركت في أمر بدون
…
فلا يلحقك عار أو نفور
ففي الحيوان يشترك اضطرارًا
…
أرسطاليس والكلب العقور
خص أرسطاليس بالذكر، لكونه واضع المنطق الذي قرر فيه أن في كل نوع حصة من جنسه، وأن الإنسان يشاركه الكلب وغيره من الحيوانات في الحيوانية. وقال ابن تيمية في كتابه المذكور: واضع المنطق أرسطو طاليس رجل من اليونان وهو أول من قال بقدم العالم. قال: وكان اليونان مشركين كفارًا يعبدون الكواكب والأصنام شرًا من اليهود والنصارى
بعد النسخ والتبديل بكثير، وكانوا قبل المسيح بأكثر من ثلثمائة سنة. ثم لما بعث المسبح تمسكوا بدينه، ثم لما غيرت ملة المسيح صاروا في دين مركب من حنيفية وشرك. بعضه حق وبعضه باطل، وهو خير من الدين الذي كان عليه أسلافهم انتهى.
وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: كانت اليونان من المشركين يعبدون الأوثان ويعانون السحر كما ذكروا ذلك عن أرسطو وغيره.
وكانت الشياطين، تضلهم وبهم يتم سحرهم، ولا يعرفون هم أن ذلك من الشياطين، وقد لا يقرون بالشياطين بل يفتون أن ذلك كله من قوة النفس أو من أمور طبيعية أو من قوة فلكية، فإن هذه الثلاثة هي أسباب عجائب العالم عندهم (وعند) ابن سينا وموافقيه وهم جاهلون بما سوى ذلك من أفعال الشياطين الذين هم أعظم تأثيرًا في العالم في الشر من هذا كله.
وقال في موضع آخر: كان مبدأ وضع المنطق من الهندسية فجعلوه أشكالا كالأشكال الهندسية، وسموه حدود لحدود تلك الأشكال، لينتقلوا من الشكل المجسوس إلى الشكل المعقول. قال وهذا لضعف عقولهم وتعذر المعرفة عليهم إلا بالطريق البعيدة والله تعالى يسر للمسلمين من العلم والبيان والعمل الصالح والإيمان ما برزوا به على كل نوع من أنواع جنس الإنسان والحمد لله رب العالمين. انتهى.
وأما ابتداء دخوله في ملة الإسلام، فقال الشيخ نصر المقدسي: من أئمة أصحابنا في كتابه "الحجة على تارك الحجة أنبأني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن سعد الأنصاري قال سمعت أبا محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه المالكي بالقيروان يقول: رحم الله بني أمية لم يكن فيهم قط خليفة ابتدع في الإسلام بدعة، وكان أكثر عمالهم وأصحاب ولايتهم العرب، فلما زالت الخلافة عنهم. ودارت إلى بني العباس قامت دولتهم بالفرس وكانت الرياسة فيهم، وفي قلوب أكثر الرؤساء منهم الكفار والبغض للعرب ودولة الإسلام. فأحدثوا في الإسلام الحوادث التي تؤذن بهلاك الإسلام ولولا أن الله تبارك وتعالى وعد نبيه صلى الله عليه وسلم -أن ملته وأهلها هم الظاهرون إلى يوم القيامة لأبطلوا الإسلام ولكنهم قد ثلموه، وعوروا أركانه، والله منجز وعده إن شاء الله.
فأول الحوادث التي أحدثوها إخراج كتب اليونانية إلى أرض الإسلام فترجمت بالعربية وشاعت في أيدي المسلمين وسبب خروجها من أرض الروم إلى بلاد الإسلام يحيى بن خالد بن يرمك وذلك أن كتب اليونانية كانت ببلد الروم، وكان ملك الروم خاف على الروم إن نظروا في كتب
اليونانية أن يتركوا دين النصرانية، ويرجعوا إلى دين اليونانية، وتتشتت كلمتهم وتتفرق جماعتهم. فجمع الكتب في موضع وبني عليها بناء مطمسة بالحجر والجص حتى لا يوصل إليها.
فلما أفضت رياسة دولة بني العباس إلى يحيى بن خالد، وكان زنديقا، بلغة خبر الكتب التي في البناء ببلد الروم، فصانع ملك الروم الذي كان في وقته الهدايا، ولا يلتمس منه حاجة فلما أكثر عليه جمع الملك بطارقته وقال لهم: إن هذا الرجل خادم العربي قد أكثر على من هداياه، ولا يطلب مني حاجة، وما أراه إلا يلتمس حاجة، وأخاف أن تكون حاجته تشق على. وقد شغل بالي فلما جاءه رسول يحيى قال له: قل لصاحبك إن كانت له حاجة، فليذكرها، فلما أخبر الرسول يحيى رده إليه وقال له: حاجتي الكتب التي تحت البناء يرسلها إلى، أخرج منها بعض ما أحتاج وأردها إليه فلما قرأ الرومي كتابه استطار فرحًا، وجمع البطارقة والأساقفة والرهبان وقال لهم: قد كنت ذكرت لكم عن خادم العربي أنه لا يخلو من حاجة، وقد أفصح بحاجته، وهي أخف الحوائج على. وقد رأيت رأيا سمعوه، فإن رضيتموه أمضيته، وإن رأيتم خلافه تشاورنا في ذلك حتى تتفق كلمتنا. فقالوا: وما هو قال: حاجته الكتب اليونانية يستخرج منها ما أحب ويردها. قالوا: فما رأيك؟ قال قد علمت أنه ما بني عليها من كان قبلنا إلا أنه خاف إن وقعت في أيدي النصاري وقرأوها كان سببا لهلاك دينهم، وتهديد جماعتهم رأنا أرى أن أبعث بها إليه وأسأله أن لا يردها، يبتلون بها، ونسلم نحن
من شرها؛ فإني لا آمن أن يكون بعدى من يجترئ على إخراجها إلى الناس فيقعوا فيما خيف عليهم. فقالوا: نعم الرأي رأيت أيها الملك، فأمضه.
فبعث بالكتب إلى يحيى بن خالد. فلما وصلت إليه جمع عليها كل زنديق وفيلسوف، فلما أخرج منها كتاب حد المنطق، قال أبو محمد بن أبي زيد: وقل من أنعم النظر في هذا الكتاب وسلم من زندقة. قال: ثم جعل يحيى المناظرة في داره والجدال فيما لا ينبغي، فيتكلم كل ذي دين في دينه، ويجادل عليه آمنا على نفسه.
قلت مقتضى هذا الكلام أن ذلك حدث في خلافة الرشيد فإن البرمكي كان وزيرا له، ثم أنه نكب في أيامه. وقتل في سنة سبع وثمانين ومائة.
وقال الصلاح الصفدى في شرح لامية العجم: حكى أن المأمون لما هادن بعض ملوك النصاري -أظنه صاحب جزيرة قبرص -كتب يطلب منه خزانة كتب اليونان وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد. فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك، فكلهم أشار عليه بعدم تجهيزها إليه، إلا بطراق واحد، فإنه قال: جهزها إليهم، فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها.
حدثني من أثق به أن الشيخ تقي بن تيمية -رحمة الله تعالى -كان
يقول: ما أظن أن الله يغفل عن المأمون ولابد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخاله هذه العلوم الفلسفية بين أهلها. أو كما قال.
ثم قال الصفدى: إن المأمون لم يبتكر النقل والتعريب بل نقل قبله كثير فإن يحيى بن خالد بن برمك عرب كثيرًا من كتب الفرس مثل كليله ودمنة، وعرب لأجله كتاب المجصطى من كتب اليونان.
والمشهور أن أول من عرب كتب اليونان خالد بن يزيد بن معاوية لما أولع يكتب الكيما.
وللتراجمة في النقل طريقان أحدهما طريق يوحنا بن الطريق وابن الناعمة الحصى وغيرهما وهو أن ينظر إلى [كل] كلمة مفردة من الكلمات اليونانية، وما تدل عليه من المعنى، فيأتي بكلمة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيبينها، وينتقل إلى الكلمة الأخرى كذلك، حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه وهذه الطريقة رديئة لوجهين: أحدهما أنه لا يوجد في الكلمات العربية كلمات تقابل جميع الكلمات اليونانية، ولهذا وقع في خلال هذا التعريب كثير من الألفاظ اليونانية على خلافها. والثاني أن خواص التركيب والنسب الاسنادية لا تطابق نظيرها من لغة أخرى دائمًا، وأيضا يقع الخلل من جهة استعمال المجازات وهي كثير في جميع اللغات.
(الطريق الثاني في التعريب) طريق حنين بن إسحاق والجوهري وغيرهما وهو أن يأتي إلى الجملة، فيحصل معناها في ذهنه، ويعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ الألفاظ أم خالقتها وهذه الطريق أجود، ولهذا لم تحتج كتب حنين بن إسحاق إلى تهذيب إلا في العلوم الرياضية، لأنه لم يكن قيما بها بخلاف كتب الطب والمنطق والطبيعي والإلهي، فإن ماعربه منها لم يحتج إلى إصلاح. فأما أر قليدس فقد هذبه ثابت بن قرة الحرانى، وكذلك المجصطى والمتوسطات بينهما.
ثم قال: والخلاف مازال في هذه الأمة منذ توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في موته ودفنه وأمر الخلافة بعده وأمر ميراثه وأمر قتال مانعي الزكاة إلى غير ذلك، بل في نفس مرضه (صلى الله عليه وسلم) لما قال: ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي -على ما هو مذكور في مواطنه. وقد روى أنس بن مالك أنه عليه السلام -قال: إن
بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وهو (صلى الله عليه وسلم) الصادق المصدوق الذي ما ينطق عن الهوى قد أخبر أن الأمة ستفترق ومتى افترقت خالف بعضها بعضا ومتى حالفت تمسكت بشبه وحجج، وناظرت كل فرقة من تخالفها، فانفتح باب الجدل واحتاج كل أحد إلى ترجيح مذهبه، وقوله بحجة عقلية أو نقلية أو مركبة منهما.
فهذا الأمر كان غير مأمون قبل المأمون، نعم زاد الشر شرا، والضر ضرا، وقويث به حجج المعتزلة وغيرهم، وأخذ أصحاب الأهواء مخالفوا السنة مقدمات عقلية من الفلاسفة، فأدخلوها في مباحثهم، وفرجوا بها مضايق جدالهم وبنوا عليها قواعد بدعهم، فاتسع الخرق على الواقع، وكاد منار الحق الواحد يشتبه بالثلاث الأثافي والرسوم البلاقع. انتهى كلام الصفدي.
وفي تاريخ ابن كثير في ترجمة خالد بن يزيد بن أمير المؤمنين معاوية ابن أبي سفيان أنه كان عالما شاعرًا وبنسب إليه شيء من علم الكيمياء وأنه كانت له معرفة بشيء من علوم الطبيعة، وأنه مات سنة تسعين من الهجرة.
فالحاصل من هذا كله أن علوم الأوائل دخلت إلى المسلمين في القرن الأول
لما فتحوا بلاد الأعاجم، ولكنها لم تكثر فيهم، ولم تشتهر بينهم لما كان السلف يمنعون من الخوض فيها، ثم اشتهرت في زمن البرمكى، ثم قوى انتشارها في زمن المأمون لما أثاره من البدع وحث علته من الاشتغال بعلوم الأوائل وإخماد السنة.
وفي تاريخ الذهبي أن أول من أدخل الفلسفة الأندلس أمير الأندلس عبد الرحمن ابن الحكيم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموى، وأنه كان يشبه بالمأمون العباسي في طلب الكتب الفلسفية وبالوليد بن عبد الملك في جبروتيته، وأنه أول من فخم الملك بالأندلس من الأموية وكساه أبهة الجلالة، وأحدث بالأندلس لبس الطرز وضرب الدراهم ولم يكن فيها دار ضرب منذ فتحها العرب، وكانت وفاته سنة 239.
وقال الغزالي في الإحياء: وأما الفلسفة فليست علما برأسها، بل هي أربعة أجزاء أحدها الهندسة والحساب والثاني المنطق والثالث الإلهيات والرابع الطبيعات، وسيأتي سوق عبارته بحروفها.
[أول من مزج كتب الأصول بالمنطق]
وأول من مزج كتب الأصول به، فقال ابن تيمية في كتابه: لم يكن
أحد من نظار المسلمين يلتفتون إلى طريق المنطقيين، بل الأشعرية والمعتزلة والكرامية والشيعة وسائر الطوائف كانوا يعيبونها ويثبتون فسادها، وأول من خلط المنطق بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي وتكلم فيه علماء المسلمين بما يطول ذكره.
وأما ابتداء فشوه في المتأخرين، فقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه سنة 687. بعد أخذ التتار ببغداد سنة عمل الخواجا نصير الطوسى، الرصد، وعمل دار حكمة فيها فلاسفة، لكل واحد في اليوم ثلاثة دراهم، ودار طب فيها للحكيم درهمان، وصرف لأهلي دار الحديث لكل محدث نصف درهم في اليوم، ومن ثم فشا الاشتغال بالعلوم الفلسفية وظهر. ولم يكن الناس يشتغلون بها إلا الآحاد في خفية وبدلت بغداد بعد تلاوة القرآن بالنغمات والألحان وإنشاد الأشعار، وكان وبعد سماع الأحاديث النبوية، يدرس الفلسفة اليونانية، والمناهج الكلامية، والتأويلات القرمطية، وبعد العلماء بالحكماء، وبعد الخليفة العباسي بشر الولاة من الأناسي، وبعد الرياسة والنباهة بالخساسة والسفاهة، وبعد الطلبة المشتغلين بالظلمة والعيارين، وبعد الاشتغال بفنون العلم من التفسير والحديث والفقه وتعبير الرؤيا بالزجل والموشح ودويت ومواليا، وما أصابهم ذلك إلا ببعض ذنوبهم {وما ربك بظلام للعبيد} هذا كلام ابن كثير.