الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا ذم علماء السلف النر في علم الأوائل: فإن علم الكلام مولد من علم الحكماء الدهرية، فمن أراد الجمع بين علم الأنبياء وبين علم الفلاسفة بذكائه، فلابد وأن يخالف هؤلاء وهؤلاء، ومن كف ومشى خلف ما جاءت به الرسل من إطلاق ما أطلقوا ولم يتخذلق ولا عمق فإنهم صلوات الله عليهم أطلقوا وما عمقوا فقد سلك طريق السلف الصالح، وسلم له دينه ويقينه، نسأل الله السلامة في الدين انتهى.
وقد يدعى دخول هذه الصورة بخصوصها -أعنى تحريم النظر في المنطق -تحت عموم النصوص الدالة على تحريم كل ما جر إلى فساد، أو خشى منه فتنة، فيكون التحريم مستفادًا عن عموم النصوص لا من خصوص القياس وللمستدل أن يستعمل كلا من الأمرين ويكون الدليلان تعاونا، طابق خصوص القياس، عموم النصوص.
[القرآن ورد على مذهب العرب واصطلاحهم]
تنبيه -يشهد لصحة ما أشار إليه الشافعي ما ذكره بعض أئمة المعقولات عند قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا". حيث قال هذا دليل إقناعي، وذلك لأنه رام تخريجه على قواعد الاستدلال المنطقي. والقرآن ورد على مذهب العرب واصطلاحهم في الاحتجاج، وقد أطبق أئمة البلاغة على إيراد هذه الآية في النوع البديعي المسمي عند المتأخرين بالمذهب الكلامي وبالاحتجاج النظري وأطبق العرب الذين نزل عليهم
القرآن، فمن بعدهم من المسلمين، على أن هذه الآية من أعظم الأدلة على الوحدانية. فإذا استحيا الإنسان من الله، لم يقل فيها مثل هذا الكلام، وليس غرضي بهذا الحط على الرجل المذكور، لكن بيان أن المنطق لا يجر إلى خير، وأن من لاحظه كان بعيدًا عن إدراك المقاصد الشرعية، فإن بينه وبين الشرعيات منافرة.
ونظير ذلك ما وقع للرجل المذكور أيضًا عند قوله تعالى {يسألونك عن الأهلة
…
} الآية. قال: سألوا عن الهلال لم يبدو دقيقًا، ثم متزايد حتى يمتلئ، فأجيبوا ببيان حكمة ذلك، وعدل عن جواب ما سألوا عنه، لأنهم ليسوا ممن يطلعون على دقائق الهيئة. بسهولة. وهذا الكلام منه خطأ صراح.
أما أولا، فلأن أسباب النزول دل على أنهم سألوا عن الحكمة لا عن ما ذكره ..
أما ثانيًا، فلا يليق أن يظن بالصحابة رضي الله عنهم -الذين هم أدق فهما من جميع العجم ومن كل الأمة، أنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق الهيئة بسهولة وقد اطلع عليها آحاد العجم المتأخرين.
وأما الثالثًا: فلم يسكن في القدرة الإلهية توصيل ذلك إلى أذهانهم بعبارة يفهمونها.
وأما رابعًا: فقد اطلع الصحابة -رضوان الله عليهم -على دقائق جمة من الفقه، وعويص الفرائض وأعمال القلوب، فأي شيء علم الهيئة بالنسبة إلى ذلك، هو أخس وأحقر، لو كان له أصل معتبر، فكيف وأكثره