الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكل شبهة، بل الإيمان الراسخ، إيمان العوام، الحاصل في قلوبهم من الصبي بتواتر السماع والحاصل بعد البلوغ بقران لا يمكن التعبير عنها، وتمام تأكده بملازمة العبادة والذكر. فإن تأدت به العبادة إلى حقيقة التقوى وتطهير الباطن عن كدورات الدنيا وملازمة ذكر الله تعالى دائمًا، تجلت له أنوار المعرفة وصارت الأمور التي كان قد أخذها تقليدًا عنده كالمعاينة والمشاهدة. وذلك حقيقة المعرفة التي لا تحصل إلا بعد انحلال عقدة الاعتقادات وانشراح الصدر بنور الله {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه} كما سئل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عن معنى شرح الصدر فقال: نور يقذف في قلب المؤمن. فقيل وما علامته؟ فقال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود. فبهذا يعلم أن المتكلم المقبل على الدنيا، المتهالك عليها، غير مدرك حقيقة المعرفة ولو أدركها لتجافى عن دار الغرور قطعًا.
كلام الغزالي في الإحياء
وقال: في الإحياء: المقصود من الكلام حماية المعتقدات التي نقلها أهل السنة عن السلف لا غيره، وما وراء ذلك طلب لكشف حقائق الأمور منه بمعتقد مختصر، وهو القدر الذي أوردناه في كتاب قواعد العقائد من جملة هذه الكتب، والاقتصار فيه ما يبلغ قدر مائة ورقة، وهو القدر
الذي أوردناه في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد، ويحتاج إليه لمناظرة مبتدع، ومعارضة بدعة بما يفسدها، وينزعها عن قلب العامي، وذلك لا ينفع إلا مع العوام قبل اشتداد بعضهم.
وأما المبتدع بعد أن تعلم من الجدل ولو شيئًا يسيرًا فقل ما ينفع معه الكلام فإنك [إن أفحمته] لم يترك مذهبه، وأحال بالقصور على نفسه وقدر أن عند غيره جوابًا ما هو عاجز عنه، وإنما أنت ملبس بقوة المجادلة.
وأما العامي إذا صرف عن الحق بنوع جدل فيمكن أن يرد إليه بمثله قبل أن يشتد التعصب في الأهواء - فإذا اشتد تعصبهم- انقطع الناس عنهم إذ التعصب سبب ترسخ العقائد في القلوب وهذا أيضًا من آفات علماء السوء فإنهم يبالغون في التعصب للحق وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء فينبعث منهم الدعاوي بالمكافأة والمقابلة- ويتوفر بواعثهم على طلب نصرة الباطل- ويقوي غرضهم في التمسك بما نسبوا إليه.
ولو جاءوا من جانب اللطف والرحمة، والنصح في الخلوة لا في معرض الغضب والتحقير لأنجحوا فيه، ولكن لما كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع ولا يستميل الأتباع مثل الغضب واللعن والشتم للخصوم، اتخذوا التعصب عادتهم وآلهتهم.