الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ
السَّرِقَةُ: هِيَ، بِفَتْحِ السَّيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ السِّيْنِ وَكَسْرِهَا: أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ خِفْيَةً وَإِخْرَاجُهُ مِنْ حِرْزِهِ، مَأْخُوذٌ مِن المُسَارَقَةِ. وَأَصْلُ الْبَابِ الإِجْمَاعُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
…
} الآيَةُ (248)، وَالأخْبَارُ الشَّهِيْرَةُ فِيْهِ، وَلَمَّا نَظَمَ المَعَرِّي الْبَيْتَ الَّذِي شَكَّكَ فِيْهِ عَلَى الشَّرِيْعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ:
يَدٌ بِخَمْسِ مِئِيْنَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ
…
مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبُعِ ديْنَارٍ
أَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكيِّ بِقَوْلِهِ:
وِقَايَةُ النَّفْسِ أغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا
…
وِقَايَةُ الْمَالِ فَأفْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي
وهو جوابٌ بديعٌ مع اختصارٍ؛ ومعناهُ: أن اليد لو كانت تُؤَدَّى بما تقطع به، أو بما يقاربه، لكثرت الجنايات على الأطراف، لسهولة الغرم في مقابلتها؛ فَغَلَّظَ الغرم حفظًا لها، ولو كانت لا تقطعُ إلّا في سرقة ما تُؤَدَّى به لكثُرَتِ الجنايات على الأموال؛ فحفظ ذلك بالتعليل حفظًا لها.
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي المَسْرُوقِ أُمُورٌ:
• كَوْنُهُ رُبُعَ دِيْنَارٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلا في رُبُعِ دِيْنَارٍ
(248) المائدة / 38: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
فَصَاعِدًا] متفق عليه واللفظ لمسلم (249)، خَالِصًا، أي فإن سرق مغشوشًا قطع إن بلغ خالصًا ربعًا وإلّا فلا، أَوْ قِيْمَتّهُ، أي إما ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام [قَطَعَ في مِجَنَّ قِيْمَتُهُ - وَفِي لَفْظٍ ثَمَنُهُ - ثَلَاثَةُ دَرَاهِمٍ] وهي قيمةُ رُبُعِ دينار إذ ذاك (250).
فَرْعٌ: التقويم يكون بالمضروب، والقيمة تختلف بالبلاد والأزمان ويعتبر النصاب وقت إخراجه من الحرز.
وَلَوْ سَرَقَ رُبُعًا سَبِيْكَةٌ لَا يُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا فَلَا قَطْعَ فِي الأَصَحَّ، لأن المذكور في الخبر لفظ الدينار؛ وهذا الاسم يقع على المضروب؛ ويؤيّده أنّا نقوّم بالمضروب دون غيره، فإن غير المضروب مُقَوَّمٌ كالسلع، وهذا ما صححه الإمام وجزم به العبادي، والثاني: يجب القطع لبلوغ العين قدر النصاب كما في نصاب الزكاة، وبه قال الأكثرون، فينبغي به الفتوى حينئذ.
فَرْعٌ: لو سرق خاتمًا وزنه دون ربع؛ وقيمته بالصنعة تبلغ ربعًا؛ فلا قطع على الصحيح؛ اعتبارًا بالوزن.
فَرْعٌ: التَّبْرُ يقطع بسرقة ربع خالص منه.
وَلَوْ سرَقَ دَنَانِيْرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تُسَاوِي رُبُعًا قُطِعَ، لأنه قصد سرقة عينها، وَكَذَا ثَوْبٌ رَثٌّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ رُبُعِ دِيْنَارٍ جَهِلَهُ فِي الأَصَحِّ، لأنه أخرج نصابًا من حرزه على قصد السرقة؛ والجهل بجنس المسروق لا يؤثر كالجهل بصفته، والثاني: لا يجب؛ إذ لأنَّهُ لم يقصد سرقة نصاب؛ ويخالف ما ظنه فلوسًا؛ فإنه قصد سرقة عينها.
(249) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحدود: باب قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} :
الحديث: (6789)، ولفظه:[تُقْطَعُ الْيَد في رُبُعِ دِيْنَارٍ فَصَاعِدًا]. ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب حد السرق ونصابها: الحديث (2 و 3/ 1684).
(250)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحدود: الحديث (6795 - 6798). ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: الحديث (6/ 1686).
وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ، أي فصاعدًا؛ بأن أخرج مرة نصفه ومرة الباقي، فَإنْ تَخَلَّلَ عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ فَالإِخْرَاجُ الثَّانِي سرِقَةٌ أُخْرَى، أي فإن كان المخرج في كل دفعة دون النصاب لم يجب القطع، وَإِلَّا، أي وإن لم يتخلل علم المالك وإعادة الحرز، قُطِعَ في الأَصَحِّ، لأنه أخرج نصابًا كاملًا عن حرز مثله، فأشبه ما إذا أخرج دفعة واحدة، والثاني: لا قطع؛ لأنه أخذ النصاب من حرز مهتوك، وصورة المسألة: أنه أخذ أولًا دون النصاب، وأخذ ثانيًا تمامه لا غير كما قال القاضي حُسين؛ وإن كان في كلام القاضي أبى الطيب خلافه.
وَلَوْ نَقَبَ وِعَاءَ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا فَانْصَبَّ نِصَابٌ قُطِعَ في الأَصَحِّ، لأنه بما فعل هتك الحرز وفوت المال، والثاني: لا يقطع؛ لأنه خرج بسبب؛ لا بمباشرة. والسبب ضعيف ولا يقطع به وسواء انْصَبَّتْ دُفعة أو شيئًا فشيئًا على الأصح.
وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي إِخْرَاجِ نِصَابَيْنِ قُطِعًا، لأن كل واحد منهما سرق نصابًا، وَإِلَّا فَلَا، أي وإن اشتركا في إخراج نصاب فلا قطع عليهما، لأن كُلًّا منهما لم يسرق إلّا نصفه وقال عليه السلام:[لَا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبُعِ دِيْنَارٍ فَصَاعِدًا](251) وليس كالشركة في القتل حيث يجب القصاص عليهما؛ لأن مقصود القصاص وقاية الروح والعضو، فلو سقط لأدَّى إلى التواطئ فيفوت مقصوده، ومقصود السرقة الاستكثار من المال والتواطؤ لذلك لا يحصله.
وَلَوْ سرَقَ خَمْرًا؛ وَخِنْزِيْرًا؛ وَكَلْبًا؛ وَجِلْدَ مَيْتَةٍ بِلَا دَبْغٍ، فَلَا قَطْعَ، أي سواء سرقَهُ مسلمٌ أو ذميٌّ؛ لأنه ليس بمال، فَإِنْ بَلَغَ إِنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا قُطِعَ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنه سرق نصابًا من حرز، والثاني: المنع، لأن ما فيه مستحق الإزالة فيصير شبهة في دفعه، وَلَا قَطْعَ في طُنْبُورٍ وَنَحْوِهِ، لأنه من آلات الملاهي فأشبه الخمر، وَقِيْلَ: إِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا قُطِعَ به لأنه سرق نصابًا من حرز، وهذا ما صححه الأكثرون فلذلك قال المصنف عقبه، قُلْتُ: الثَّانِي أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ، ثم محل الخلاف ما إذا
(251) تقدم في الرقم (249).
كان ذلك لمسلم، فإن كان لذمي فيقطع قطعًا قاله ابن داود، ومحله أيضًا ما إذا قصد السرقة فأما إذا قصد بإخراجها تيسر فسادها، فلا قطع قطعًا، كما جزم به في أصل الروضة.
فَرْعٌ: لو سرق قُفْلَ الحرز، نقل بعض الشيوخ فيه خلافًا، قال: والتحقيق وجوب القطع، لأنه يُحْرِزُ غَيْرَهُ فَنَفْسَهُ أَوْلى.
• الثَّانِي، أي الشرط الثاني: كَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، أي فلا قطع على من سرق مال نفسه من يد غيره كيد المرتهن والمستأجر ونحوهما، فَلَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ وَغَيْرِهِ، أي كشراء وهبة، قَبْلَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِيْهِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ، كإحراق، لم يُقْطَعْ، أما في الأُولى؛ فلأنه ما أخرج إلّا ملكه، وأما في الثانية؛ فلأنه لم يخرج من الحرز نصابًا، واحترز بقوله (نَقَصَ فِيْهِ) عما إذا نقص بعد الإخراج فإنه يقطع، وَكَذَا إِنِ ادَّعَى، يعني السارق، مِلْكَهُ عَلَى النَّصِّ، لأن ما يدعيه محتملٌ، فصار شبهة في القطع، وهذا هو السارق الظريف كما يُروى عن الشافعي رضي الله عنه، قال القفال في فتاويه: والفرقُ بَيْنَ هذا وبينَ ما إذا قامت بينة على زناه بامرأة معيَّنة؛ فقال: كنت نكحتها حين وطئتها، فلا يسقط عنه الحد بهذه الدعوى، سواء كانت حرة أو أمَة، وفي الأَمَة وجه إذا ادَّعى أن مولاها وهبها منه وأقبضها أن المال يجري فيه التحقيق، وفي وجهٍ أو قولٍ مخرجٍ: أنه لا يسقط القطع بذلك كيلا يتخذ الناس ذلك ذريعة لدفع الحد، وحمل النص على ما إذا أقام بينة بما ادعاه؛ قال الروياني في الحلية: ولهذا وجه في زمن الفساد، ومحل هذا الوجه أو القول ما إذا حلف مدعي السرقة أن العين له ولم يأذن في أخذها، أما إذا لم يحلف المدعى عليه لم يُقْطَع قطعًا، ولو أقر المسروق منه أن المال كان ملك السارق، فلا قطع قطعًا، ومحل الخلاف أيضًا في سقوط القطع كما هو صريحٌ في كلام المصنف، أما في المال فلا يقبل قوله فيه، بل القول قول المأخوذ منه بيمينه.
وَلَوْ سَرَقَا وَادَّعَاهُ أحَدُهُمَا لَهُ أولَهُمَا فَكَذَّبَهُ الآخَرُ لَمْ يَقْطَعِ المُدَّعِي، وَقُطِعَ
الآخَرُ فِي الأَصَحَّ، لأنه مقرٌّ بأنه سرق نصابًا بلا شبهة، والثاني: لا؛ لأنه ادعى ما لو صدق فيه لسقط القطع، فصار كما لو قال المسروق منه أنه ملكه فيسقط القطع. وَإِنْ سرَقَ مِنْ حِرْزٍ شرِيْكِهِ مُشْتَرَكًا فَلا قَطْعَ في الأَظْهَرِ، وَإنْ قَلَّ نَصِيْبُهُ، لأن له في كل جزء حقًا، فأشبه وطء الجارية المشتركة، والثاني: يجب، إذ لا حق له في نصيب الشريك.
• الثَّالِثُ: عَدَمُ شُبْهَةٍ فِيْهِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[إِدْرَؤُواْ الحُدُودَ عَنِ الْمُسْلمِيْنَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّو سَبِيْلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَن يُخْطِئَ فِي العُقُوبَةِ] قال الحاكم: صحيح الإسناد (252)، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ، لما بينهما من الاتحاد، وخرج بالأصول والفروع ما عداهما؛ كالإخوة وغيرهم فإنه يقطع لانتفاء ما ذكرناه، وَسَيِّدٍ، لشبهة استحقاق النفقة ويده كَيَدِ سيده، وَالأَظْهَرُ: قَطْعُ أَحَدِ زَوْجَيْنِ بِالآخَرِ، أي إذا كان المال محرزًا عنه لعموم الآية، والثاني: لا، للشبهة فإنها تستحق النفقة في ماله، وهو يملك الحجر عليها ومنعها من التصرف عند مالكٍ. ويملك أيضًا منعها من الخروج لاحراز مالها فصار الحرز معه واهنًا، نَعَمْ: لو استحقت عليه كسوة أو نفقة أو مهرًا؛ فيظهر أن لا قطع إذا أخذت بقصد الاستيفاء كما في حق رب الدين إذا سرق نصابًا من مال المديون.
وَمَنْ سرَقَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ إِنْ فُرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ قُطِعَ، إذ لا شبهة له من ذلك، قال الإمامُ: وكذا الفيء الْمُعَدُّ للمرتزقة تفريعًا على أنه مِلْكَهُمْ، وَإِلَّا، أي وإن سرق من غير المفروز، فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَسرُوقِ كَمالِ مَصَالِحَ وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَا، للشبهة المذكورة، والثاني: يقطع مطلقًا كما في سائر الأموال، وَإِلَّا قُطِعَ، لانتفائها وهذا إذا سرق من مال الصدقات، فإن سرق
(252) رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الحدود: الحديث (8163/ 140)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وضعفه الذهبي في التلخيص.
من مال المصالح فلا. كذا فصله في الْمُحَرَّر وهو في الروضة تبعًا للرافعي، وكأنه حذفه هنا لذكره له قَبْلٌ؛ ثم هذا في المسلم، أما الذمي إذا سرق من مال المصالح! فالصحيح: أنه يقطع لأنه مخصوص بالمسلمين، وكذا إذا سرق من مال مَنْ مَاتَ ولم يخلف وارثًا بناء على انتقاله ارثًا؛ وقال الروياني: ظاهر المذهب عندي أنه إن كان مُعَدًّا لوجوه المصالح العامة لم يقطع؛ لأنه يدخل فيها تبعًا للمسلمين وإن كان لمصالح المسلمين قُطع.
وَالْمَذْهَبُ: قَطْعُهُ بِبَابِ مَسْجِدٍ وَجِذْعِهِ، أي وكذا تَأْزِيْرُهُ وسِوَارَيْهِ كسائر الأموال، وهذا ما أجاب به أكثرهم، ورأى الإمامُ تخريج وجه في الأبواب والسقوف لأنها أجزاء المسجد، والمساجد يشترك فيها المسلمون؛ وتتعلق بها حقوقهم كمالِ بيت المال، لَا حُصْرِهِ، أي المعدة للاستعمال، وَقَنَادِيْلَ تُسْرَجُ، لأن ذلك لمصلحة المسلمين فله فيه حق كبيت المال، وهذا ما قطع به جماعةٌ، بل ادعى القاضي حسين الإجماع فيه، والفرق بين الباب والجذع وما نحن فيه أن الحصر أعدت لينتفع الناس بها، والقناديل ليستضيئوا بها، والأبواب والسقوف والجذوع لتحصين المسجد وعمارته لا للانتفاع، والقناديل التي لا تسرج ولا يقصد منها إلا الزينة كالأبواب، وذكر الإمام في الحصر والقناديل ونحوهما ثلاثة أوجه، ثالثها: الفرق بين ما يقصد بها الاستضاءة أو الزينة وكل هذا في المسلم، أما الذمي إذا سرق الباب أو الحُصْرَ أو غيرهما فإنه يُقْطَعُ قطعًا كما ذكره في الروضة تبعًا للرافعي، وَالأَصَحُّ: قَطْعُهُ بِمَوْقُوفٍ، كما في أستار الكعبة لأنَّهُ مالٌ محرز، والثاني: لا يقطع، أما إذا قلنا أن الملك فيه لله تعالى وحده؛ فلأنه منفك عن ملك الآدميين كالمباحات، وأما على غير هذا القول فلضعف الملك، ومحل الخلاف إذا لم يكن فيه استحقاق ولا شبهة استحقاق؛ فإن كان فلا قطع قطعًا.
فَرْعٌ: لو سرق من غلة الأرض الموقوفة أو ثمرة شجرة موقوفة قطع بلا خلاف.
فَرْعٌ: لو سرقَ مالًا موقوفًا على الجهات العامة أو على وجوه الخير! قال الماوردي: لا يقطع، قال الروياني: وإن كان السارق ذميًا! لأنه تبع للمسلمين في المصالح.
وَأُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً، لأنها مملوكة مضمونة بالقيمة كالعبد القِنِّ، ويخالف المكاتَبُ؛ لأنه في يد نفسه، وكذا مَنْ بَعْضُهُ حر وبعضه رقيق، والثاني: لا، لضعف الملك.
فَرْعٌ: الصحيح وجوب الحد على من زنا بجارية بيت المال؛ وإن لم يجب القطع بسرقة ماله.
• الرَّابِعُ: كَوْنُهُ مُحْرَزًا، أي فلا قطع بسرقة ما ليس بمحرز، ويختلف الحرز باختلاف الأموال والأحوال، والتعويل في إحراز المال وصيانته على شيئين ذكرهما المصنف حيث قال: بِمُلَاحَظَةٍ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ اشْتُرِطَ دَوَامُ لِحِاظٍ، أي بكسر اللام، وَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ، أي كدارٍ وحانوت، كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ، أي ولا يشترط دوامه، وَإِسْطَبْلٌ حِرْزُ دَوَابَّ (•)، أي مع نفاستها وكثرة قيمتها، لَا آنِيَةٍ وَثِيَابٍ، لأن إخراج الثياب مما يظهر، وَيَبْعُدُ الاجتراء عليه؛ بخلاف ما يخف ويسهل حمله وإخراجه، وَعَرْصَةُ دَارٍ وَصُفَّتُهَا حِرْزُ آنِيَةٍ وَثِيَابِ بِذْلَةٍ، لَا حُلِيًّ وَنَقْدٍ، لأن العادة فيهما الإحراز في المخازن، وكذا الثياب النفيسة تحرز في الدور وفي بيوت الخانات والأسواق المنيعة.
وَلَوْ نَامَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ تَوَسَّدَ مَتَاعًا فَمُحْرَزٌ، لأن العرف قاضٍ بذلك، فَلَوِ انْقَلَبَ فزَالَ عَنْهُ فَلَا، لأنه ما بقي مُحْرَزًا، وكذا لو رفع السارق النائم عن الثوب أولاً ثم أخذ الثوب، وَثَوْبٌ وَمَتَاعٌ وَضَعَهُ بِقُرْبِهِ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَاحَظَهُ مُحْرَزٌ، وَإِلَّا فَلَا، لقضاء العرف بذلك. وهل يشترط أن لا يكون في الموضع زِحمةٌ الطارقين؟ فيه وجهان؛ أصحُّهما: نَعَمْ، وَشَرْطُ الْمُلَاحِظِ قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ، أي فالضعيفُ الذي لا يُبالي السارقُ به في الموضع البعيد عن العمران ضائع مع المال، وَدَارٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الْعِمَارَةِ إِنْ كاَنَ بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانٌ حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ لاقتضاء العرف ذلك، وَإِلَاّ فَلَا، أي وإن لم يكن فيها أحد
(•) في النسخة (2): قال الناسخ في الهامش: صوابه (الدَّوَابَّ).
فليست محرزة، سواء كان الباب مفتوحًا أو مغلقًا، وكذا إن كان فيها أحد وهو غير قوي أو قويًا ولكنه نائم والباب مفتوح، فإن كان مغلقًا؟ فوجهان؛ أحدهما: أنها ليست محرزة أيضًا، وهو ظاهر كلام المصنف تبعًا للمحرر، والثاني: أنها محرزة، قال في الشرح الصغير: وهو الأقرب، قال في الروضة: أنه الأقوى، وَمُتَّصِلَةٌ حِرْزٌ مَعَ إِغْلَاقِهِ وَحَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٌ، لأن السارق على خطر من اطلاعه وتنبيهه بحركاته واستعانته (•) بالجيران، وَمَعَ فَتْحِهِ، أي الباب، وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلاً، لأنه المضيَّع، وَكَذَا نَهَارًا فِي الأَصَحَّ، كما لو لم يكن فيها أحد والباب مفتوح، والثاني: يكون حرزًا عتمادًا على نظر الجيران ومراقبتهم، وهذا الوجه محله في زمن الأمن من النهب وغيره؛ وإلا فالأيام كالليالي كما بيّنه في أصل الروضة، وَكَذَا يَقْظَانٌ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ في الأَصَحَّ، لتقصيره بإهمال المراقبة مع فتح الباب، والثاني: أنها حرز، ولعل وجهه عسر المراقبة دائمًا، ومحل الخلاف ما إذا لم يبالغ في الملاحظة، فإن بالغ فيها فانتهز السارق الفرصة فيقطع قطعًا، فَإِنْ خَلَتْ، يعني الدار فلم يكن فيها أحد، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا حِرْزٌ نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ وَإِغْلَاقِهِ، أي وليست حرزاً في وقت الخوف ولا في الليالي، وإن كان مفتوحًا لم يكن حرزًا أصلًا وهذا معنى قوله: فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ فَلَا. قال الرافعي: وهذا هو الظاهر وهو الجواب في التهذيب، ومن جعل الدار المنفصلة عن العمارة حرزًا عند إغلاق الباب؛ فَأَوْلَى أن يجعل المتصلة بها عند الإغلاق حرزًا، وعبَّر المصنف هنا وفي الروضة بالمذهب لأجل ذلك، وَخَيْمَةٌ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَمْ تُشَدَّ أَطْنَابُهَا وَتُرْخَى أَذْيَالُهَا فَهِيَ وَمَا فِيْهَا كَمَتَاعٍ بِصَحْرَاءَ، وَإِلَاّ، أي وإن شدت أطنابها وأرسل أذيالها، فَحِرْزٌ بِشَرْطِ حَافِظٍ قَوِيًّ فِيْهَا وَلَوْ نَائِمٌ، أي ولو بقربها لحصول الإحراز عادة، فإن لم يكن فيها أحد فلا، قال الأئمة: والشرط في الضمان أن يكون هناك من يتقوّى به، فأما إذا كان في مفازةٍ بعيدة عن الغوث وهو مِمَّنْ لا يُبَالَى به فلا إحراز، وَمَاشِيَةٌ بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْعِمَارَةِ مُحْرَزَةٌ بِلَا
(•) في النسخة (1): وَاسْتِغَاثَتِهِ.
حَافِظٍ، للعادة، وَبِبَرَّيَّةٍ يُشْتَرَطُ حَافِظٌ وَلَوْ نَائِمٌ، لما قلناه، وَإِبِلٌ بِصَحْرَاءَ مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ يَرَاهَا، أي كلها؛ ويبلغُهَا صوتهُ إذا زجَرَها، فإن لم يرَ بعضها؛ لكونه في وهدة؛ أو خلف جبل أو حائط فذاك البعض غير محرز؛ وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاءً بالنظر؛ لأنه إذا قصد ما يراه أمكنه العَدْوُ إليه؛ وتبعهم المصنف، وَمَقْطُورَةٌ يُشْتَرَطُ الْتِفَاتُ قَائِدِهَا إِلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، أي حميعها؛ فإذا كان لا يرى البعض؛ لحائلٍ جبلٍ أو بناءٍ! فذلك البعضُ غير مُحْرَزٍ، وَأَنْ لَا يَزِيْدَ قِطَارٌ عَلَى تِسْعَةٍ، للعادة الغالبة، فإن زاد فكغير المقطورة، قال الرافعي: والأحسن أنه في الصحراء لا يتقيد بعدد، وفي العمران يتقيد بالعادة وهو من سبعة إلى عشرة، فإن زاد لم تكن الزيادة محرزة، وجعله في أصل الروضة الأصح، وقال ابن الصلاح: الصحيح في نُسَخِ الوسيط سبعة لا تسعة وعليه العرف، وَغَيْرُ مَقْطُورَةٍ لَيْسَتْ مُحْرَزَةً فِي الأصَحَّ، لأن الإبل لا تسير كذلك غالبًا، قال في المحرر: وهذا هو الأشبه، ونقله في الشرح عن إيراد البغوي خاصة، وقال صاحب الإفصاح: لا فرق بين أن تكون مقطورة أو لا تكون، وبهذا أخذ الروياني، وقال: المعتبر أن يقرب منها ويقع نظره عليها ولا تعتبر صورة التقطير، وهذا هو المقابل لكلام المصنف، قال في الشرح الصغير: وهو أولى الوجهين، قلت: لكن المنصوص عليه فى الأُم هو الأول فاستفده، وَكَفَنٌ فِي قَبْرٍ بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ مُحْرَزٌ لَهَا، أي فيقطع بسرقة الكفن منه، قال الإمامُ: وكذا لو كانت المقبرة محفوفة بالعمارة يندر تخلف الطارقين عنها في زمن يأتي فيه النبش، أو كان عليها حراس، لأنه سارق، وإن اختص باسم النبش فاندرج في الآية.
فَرْعٌ: هذا في الكفن المشروع وهو خمسة أثواب أو ثلاثة، فإن كفن في الزائد لم يقطع سارقه في الأصح.
وَكَذَا بِمَقْبَرَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ فِي الأَصَحَّ، لأنه حرز فِي العادة، وقيده المارودي بما إذا كان (•) القبر عميقًا؛ فلو كان قريبًا من وجه الأرض فلا قطع، وفي فتاوى
(•) في النسخة (1): بما إذا ظنَّ القبرَ عميقًا.
البغوي ما يخالفه، والثاني: المنع، لأنه ليس دونه باب مغلق، ولا عليه حارسٌ؛ فصار كالمتاع الموضوع هناك، فإن كان عليه حارس؛ قُطع قطعًا، وَلَا بِمَضْيَعَةٍ في الأَصَحَّ، لأن السارق يأخذ من غير حرز، والثاني: أن القبر حرز للكفن كيف كان، لأن النفوس تهابُ الموتى.
فَصْلٌ: يُقْطَعُ مُؤَجَّرُ الْحِرْزِ، إذا سرق من مال المستأجر، لأن المنافعَ بعقد الإجارة مستحقة للمستأجر؛ والإحرازُ من المنافع، قال الرافعي: وفي هذا التوجيه ما يبين أن التصوير فيما إذا استحق المستأجر إيواء المتاع إليه بالإجارة وإحرازه دون من استأجر أرضًا للزراعة فآوى إليها ماشيته مثلًا وتبعه على ذلك في الروضة فيتقيد إطلاقه في الكتاب بذلك، وَكَذَا مُعِيْرُهُ، أي إذا سرق من مال المستعير، فِي الأَصَحَّ، لأنه سرق النصاب من الحرز، وإنما يجوز له الدخول إذا رجع، وعليه أن يمهل المعير بقدر ما ينقل فيه الأمتعة، والثاني: لا يقطع، لان الإعارة لا تلزم، وله الرجوع متى شاء فلا يحصل الإحراز عنه، والثالث: إن دخل الحرز بنيّة الرجوع عن العارية، فلا قطع وإلا فيقطع.
وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا لَمْ يُقْطَغْ مَالِكُهُ، لأن له الدخول والهجوم عليه فلا يكون محرزًا عنه، وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ في الأَصَحَّ، لأن الإحراز من المنافع؛ والغاصب لا يستحقها، والثاني: نعم، لأنه لا حق له فيه وليس له الدخول.
وَلَوْ غَصَبَ، أي وكذا لو سرق، مَالاً وَأَحِرْزَهُ بِحِرْزِهِ فَسَرَقَ الْمَالِكُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ، أي أو المسروق، أَوْ أَجْنَبِيٌّ الْمَغْصُوبَ، أى أو المسروق، فَلَا قَطْعَ فِي الأَصَحَّ، أما في الأُولى؛ فلأنَّ له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله؛ فالذي يأخذه من الغاصب يَأْخذهُ وهو غير محرز عنه، ووجه مقابله: أنه إن أخذ مال الغاصب عرفنا أنه هتك الحرز للسرقة لا لأخذ ماله، وأما في الثانية؛ فلأنه حرز يرضه المالك وهو في يده بغير حق، ووجه مقابله: أنه سرق نصابًا من حرز مثله بلا شبهة.
فَرْعٌ: لو وضع متاعه بدار غيره من غير علمه ورضاه فسرق هل يقطع؟ قال
الحناطي في فتاويه ومنها نقلتُ: قد قيل لا يقطع، لأن الموضع لا يكون حرزًا في حقه؛ أي في حق الواضع وإن كان في نفسه حرزًا لمن أطلق له إحراز المتاع به، وقيل: يقطع؛ لأن الحرز يرجع إلى صون المتاع وهو موجود هنا. قال: وهو أشبه عندي بالحق.
وَلَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ، أي وهو من يأخذ معتمدًا على الهرب عيانًا، وَمُنْتَهِبٌ، أي وهو من يأخذ عيانًا معتمدًا على قوّتِه، وَجَاحِدُ وَديْعَةٍ، لقوله عليه الصلاة والسلام [لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ واَلْخائِنِ قَطْعٌ] صححه الترمذي (253).
وَلَوْ نَقَبَ وَعَادَ في لَيْلَةٍ أُخْرَى فَسَرَقَ قُطِعَ فِي الأَصَحَّ، كما لو نقب في أول الليل وأخرج المال في آخره، والثاني: لا، لأنه عاد بعد انهتاك الحرز فصار كما لو جاء غيره وأخذ المال، قُلْتُ: هَذَا إِذَا يَعْلَمِ الْمَالِكُ النَّقْبَ ، وَلمْ يَظْهَرْ للِطَّارِقِيْنَ، وَإِلَاّ، أى وإن عَلِمَ لمالك أو ظهر للطارقين، فَلَا يُقْطعُ قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ، لانهتاك الحرز، وَلوْ نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ، أي وليس هناك أحد، فَلَا قَطْعَ، أي على واحد منهما، لأن الناقب لم يسرق، والآخذ أخذ من غير حرز، أما لو كان صاحبها فيها وهو يلاحظها قطع الأخذ، لأنها محرزة، وإن كان نائمًا؛ فلا في الأصح كمن نام والباب مفتوح.
وَلَوْ تَعَاوَنَا فِي النَّقْبِ وَانْفرَدَ أَحَدُهُمَا بِالإِخْرَاجِ أَوْ وَضَعَهُ نَاقِبٌ بِقُرْبِ النَّقْبِ فَأَخْرَجَهُ آخُرُ، أي مع معاونته له في النقب، قُطِعَ الْمُخْرِجُ، لأنه السارق، وَلَوْ وَضَعَهُ بِوَسطِ نَقْبِهِ فأخَذَهُ خَارِجٌ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَيْنِ لَمْ يُقْطعَا فِي الأَظْهَرِ، لأن كلًا منهما لم يخرجه من كمال الحرز، والثاني: يقطعان لاشتراكهما في الهتك والإخراج.
(253) رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب القطع في الخلسة والخيانة: الحديث (4391 و 4392). والترمذي في الجامع: كتاب الحدود: ما جاء في الخائن والمختلس: الحديث (1448)، وقال: حديث حسن صحيح.
فَرْعٌ: الأصحُّ حصول الشركة وإن أخذ هذا لَبِنات وهذا لَبِنات.
وَلَوْ رَمَاهُ إِلَى خَارِج حِرْزٍ، أَوْ وَضَعَهُ بِمَاءٍ جَارٍ، أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ سَائِرَةٍ، أَوْ عَرَّضَهُ لِرِيْحٍ هَابَّةٍ فَأَخْرَجَتْهُ قُطِعَ، أما في الأولى؛ فكما لو أخرجه بيده، وأما في الثانية؛ فلأنه الْمُخْرِجُ، واحترز بـ (الجاري) عن الراكد، وحكمه إنْ حَرَّكَهُ بيده حتى خرج به فهو كالجاري، وإن حرّكه غيره فخرج فالقطع على المحرك، وإن زاد الماء بانفجار أو مجيء سيل فخرج به لم يقطع على الأصح، وأما في الثالثة؛ فلأنه إخراج مالٍ من حرزه، وأما في الرابعة فَلِتَسَبُّبِهِ، واحترز بـ (الْهَابَّةِ) عما إذا كانت راكدة ووضعه على طرف النقب فهبت وأخرجته فالظاهر أنه لا يجب شيء، أَوْ وَاقِفَةٍ فَمَشَتْ بِوَضْعِهِ فَلَا فِي الأَصَحَّ، لأن لها اختيارًا في السَيْرِ؛ فإذا لم يَسُقْهَا فقد سارت باختيارها، والثاني: نعم، لأن الخروج حصل بفعله، فإنها إذا أُثْقِلَتْ بالحمل سارت، والثالث: إن سارت عقب الوضع، قطع. وإلا فلا، وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدٍ، وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ، أي وإن كان طفلًا؛ لأنه ليس بمالٍ.
وَلَوْ سَرَقَ صَغِيْرًا بِقِلَادَةٍ، أي تليق به تساوي نصابًا، فَكَذَا فِي الأَصَحَّ، لأن يده ثابتة عليه ولهذا لو كان على الليقط مال فهو له وصار كمن سرق حملاً وصاحبه راكبه، والثاني: يقطع؛ لأنه سرق نصابًا، أما إذا لم يلقْ الحلي به؛ فإن أخذ الصبي من حرز الحلي قطع، وإن أخذ من حرز الصبي فقط؛ فلا، وأجرى الرافعي في المحرر الخلاف في القلادة فيما إذا كان معه مال ولم يذكرها المصنف.
وَلَوْ نَامَ عَبْدٌ عَلَى بَعِيْرٍ، أي وعليه أمتعة كما صرح به في الْمُحَرَّرِ، فَقَادَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنِ الْقَافِلَةِ قُطِعَ، لأنه في نفسه مسروق يتعلق به القطع، أَوْ حُرٌّ فَلَا فِي الأَصَحِّ، لأن البعير والمتاع بيده، والثاني: يقطع مطلقًا، لأنه أخرج نصابًا من الحرز والمأمن إلى مضيعةٍ، والثالث: لا مطلقًا.
وَلَوْ نَقَلَ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ إِلَى صَحْنِ دَارٍ بَابُهَا مَفْتُوحٌ قُطِعَ، لأنه أخرجه من حرزه وجعله في محل الضياع، وَإِلاْ فَلَا، أي وإن كان باب البيت مفتوحًا وباب
الدار مغلقًا فلا قطع، إذا لم يخرج من تمام الحرز، وكذا إن كانا مفتوحين، فإن المال ضائع إذا لم يكن محرزًا باللِحَاظِ، وَقِيْلَ: إِنْ كَانَا مُغْلَقَيْنِ قُطِعَ، لأنه أخرجه من حرزه، والأصح: المنعُ، لأنه لم يخرج من تمام الحرز، فأشبه ما إذا أخرج من الصندوق إلى البيت ولم يخرج من البيت، وَبَيْتُ خَانٍ وَصَحْنُهُ كَبَيْتٍ وَدَارٍ في الأَصَحِّ، أي فيفترق الحال بين أن يكون باب الخان مفتوحًا أو مغلقًا فيما إذا أخرج من البيت إلى صحن الدار، والثاني: يجب القطع بكل حال؛ لأن صَحْنَ الخان ليس حرزًا لصاحب البيت بل هو مشترك بين السكان فهو كالسكة المشتركة بين أهلها.
فَرْعٌ: الْمَدَارِسُ وَالرُّبَطُ كَالْخَانِ.
فَصْلٌ: لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ، للخبر الصحيح في رفع القلم عنهما، ومُكْرَهٌ، بفتح الراء لقوله عليه الصلاة والسلام [وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنَّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُواْ عَلَيْهِ](254)، وهل يجب على المُكْرِهِ بكسرها؟ قال القاضي: هنا أصلان؛ أحدهما المكرِهُ على القتل عليه القودُ، والثاني: المكرهُ على الزنا لا حدَّ عليه؛ فألحقه به؛ لأن كلاًّ منهما حق لله تعالى.
فَرْعٌ: في السكران الخلاف في الطلاق وغيره.
وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمَّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيًّ، أي يقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمّي، والذمّي بسرقة مال المسلم ومال الذمّي لالتزامه الأحكام، أما الحربي فلا حد عليه لعدم التزامه أحكامنا، وَفِي مُعَاهِدٍ، أي وكذا من دخل بأمان، أَقْوَالٌ؛ أَحْسَنُهَا: إِنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، لأنه إذا عهد على هذا الشرط فقد التزمه، والثاني: لا قطع مطلقًا لما سيأتي، والثالث: يقطع مطلقًا كالذمّي، قُلْتُ: الأَظْهَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: لَا قَطْعَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. لأنه لم يلتزم الأحكام فأشبه الحربي.
وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِيَمِيْنِ الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَةِ فِي الأَصَحِّ، كما إذا ادعى على شخص
(254) سيأتي في الرقم (275)، ورواه ابن ماجه في السنن: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره: الحديث (2045).
بسرقة نصاب يوجب القطع وأنكر ونكل عن اليمين وحلف المدعي فإن المال يثبت، وفي القطع الخلاف المذكور؛ وجهُ الثبوت أنَّ اليمين المردودة كالإقرار أو كالبيّنة، والقطع يجب بالأمرين جميعًا، فأشبه القصاص؛ فإنه يثبت باليمين المردودة، ووجه مقابله أن القطع في السرقة حقُّ لله تعالى فأشبه ما لو قال أكره أَمَتي على الزنا فحَلَفَ المدعي بعد نكول المدعى عليه؛ يثبت المهر دون حدِّ الزنا، وصححه الرافعي والمصنف في الدعاوى والحاوي الصغير هنا، أَوْ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ، أي ولا يشترط تكرره خلافًا لأحمد لقوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ](255) وجه الاحتجاج: أنه لم يفرق بين أن يكرَّرَ أو لا، وَالْمَذْهَبُ: قَبُولُ رُجُوعِهِ، كما يسقط حد الزنا بالرجوع، وفي قول: لا يقبل كما في المال، والطريق الثاني: القطع بسقوط القطع وبقاء الغرم، وَمَنْ أَقَرَّ بعُقُوبَةِ للهِ تَعَالَى، فَالصَّحِيْحُ: أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، لأنه عليه الصلاة والسلام قَالَ لِمَاعِزٍ:[لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ] رواه البخاري (256)، وقال لِمَنْ أَقَّر عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ:[مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ] رواه أبو داود وغيره (257)، وَلَا يَقُولُ: اِرْجِعْ، أي يُعَرِّض له ولا يحمله على الرجوع صريحًا؛ بأن يقول: ارجع عن الإقرار أو اجحد، والثاني: لا يفعل ذلك، ونقله الإمام عن الجمهور، والثالث: إن لم يكن عالمًا بجواز الرجوع عَرَّضَ له وإلا فلا، فعلى الأول هل يستحب للقاضي التعريض؟ وجهان؛ أصحهما: لا، واحترز المصنف بالإقرار عما إذا ثبت زناهُ بالبينة، فإن القاضي لا يحمله على الإنكار، وبقوله لله تعالى عن حقوق الآدميين، فإنه لا يعرض بالرجوع عنها.
(255) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ آنَ لَكُمْ أنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللهِ. مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا؛ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ. فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ] رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الحدود: باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا: الحديث (12) منه: ج 2 ص 825.
(256)
تقدم في الرقم (240).
(257)
رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب في التلقين في الحد: الحديث (4380). والنسائي في السنن: كتاب الحدود: تلقين السارق: ج 8 ص 67.
وَلَوْ أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ زَيْدٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ فِي الأَصَحَّ، لأنه ربما حضر وأقرّ أنه كان أباحَهُ له فسقط الحد، وإن كذبه السارق فإنه يسقط بالشبهة، والثاني: يقطع في الحال، لظهور الموجب بإقراره، فأشبه ما لو أقرَّ أنه زنا بفلانة، لا ينتظر حضورها، أَوْ أَنَّهُ أَكْرَه أَمَةَ غَائِبٍ عَلَى زِنَا حُدَّ في الْحَالِ فِي الأَصَحِّ، لأن حد الزنا لا يتوقف على طلبٍ، ولو حضر وقال: كنت أَبَحْتُهَا لهُ لم يسقط حد الزنا بذلك، والثاني: ينتظر حضور المالك لاحتمال أنه يقرُّ أنه وقف عليه مِلْكَ الجارية فتصير شبهة قي سقوط الحد.
وَيَثْبُتُ، أي القطع، بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، كسائر العقوبات، وشهادة الزنا هي التي خصَّت بمزيد العدد، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌّ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ، كما لو علق الطلاق أو العتق على غصب أو سرقة فشهد رجل وامرأتان بالغصب أو السرقة ثبت المال دون الطلاق والعتق، كذا ذكر الرافعي هذا التنظير هنا وذكر فيه تفصيلاً في الشهادات.
وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ شُرُوطَ السَّرِقَةِ، أي ولا تقبل مطلقًا لاختلاف المذاهب فيها، وفي شروط تعلَّق القطع بها؛ فلا بد وأن يبين السارق بالإشارة إلى عينه إن كان حاضرًا، ويذكر اسمَهُ ونسبَهُ بحيث يتميز إن كان غائبًا، ويكفي عند حضوره أن يقول سرق هذا، ويشترط أن يبينَ المسروقُ والمسروقَ منهُ، وكون السرقة من حرز أو صفته.
وَلَوِ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ كَقَوْلِهِ: سَرَقَ بُكْرَةً وَالآخَرُ عَشِيَّةً: فَبَاطِلَةٌ، إذا لم تتم حجة أحدهما، وقوله (بَاطِلَةٌ) مقتضاه أنه لا يلزمه شيء؛ لكنه قال في الروضة تبعًا للشرح: أن المشهود له لو حلف مع أحدهما غرم المال.
فَصْلٌ: وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدَّيَهُ](258)، فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ، جبرًا لما فات، وَتُقْطَعُ يَمِيْنُهُ، أولاً بالإجماع كما
(258) رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في تضمين العارية: الحديث (3561) عن الحسن عن سمرة. والترمذي في الجامع: كتاب البيوع: ما جاء في أن العارية مُؤَدَّاة: =
نقله القاضي أبو الطيب، وإنما لم يقطع ذَكَرُ الزاني قياسًا على السارق لأوجهٍ: أحدُها: أنَّ للسارقِ يدٌ أُخرى بخلاف الزاني، ثانيها: ما فيه من إبطالِ النَّسْلِ، وثالثها: أنَّ اليدَ تَبْرَأُ غالبًا بخلافه، فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، اقتداء بالشيخين ولا مخالف لهما (259)، وَثَالِثًا يَدُهُ الْيُسْرَى، وَرَابِعًا رِجْلُهُ الْيُمْنَى، لخبر فيه (260) واستوعبناها للضرورة، وَبَعْدَ ذَلِكَ، أي بعد قطع اليدين والرجلين، يُعَزَّرُ، لأن القطع ثبت بالكتاب والسنة، ولم يثبت بعد ذلك شيء آخر، والسرقةُ معصية فتعين التعزير.
وَيُغْمَسُ مَحِلُّ الْقَطْعِ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنٍ مَغْلِيَّ، لينقطع الدم إذ لو استمرَّ هلك،
= الحديث (1266)، وقال: حديث حسن صحيح. وفي تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج: ج 2 ص 280؛ قال ابن الملقن: وردَّهُ ابن حزم، بأن قال: الحسن لم يسمع من سمرة، وهو أحد مذاهب ثلاثة فيه. ورأي البخاري وجماعة أنه سمع منه مطلقًا.
(259)
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيْهِ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرَّجْلِ؛ قَدِمَ. فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْر الصَّدَّيْقِ. فَشَكَا إِلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ قَدْ ظَلَمَهُ. فَكَانَ يُصَلَّي مِنَ اللَّيْلِ؛ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: (وَأَبِيْكَ. مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ). ثُمَّ أَنَّهُمْ فَقَدُواْ عِقْدًا لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبي بَكْرِ الصَّدَّيْقِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ. فَوَجَدُواْ الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ؛ زَعَمَ أَنَّ الأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الأَقْطَعُ. أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ. فَأمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصَّدَّيْقُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ اليُسْرَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: (وَاللهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ). رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الحدود: باب جامع القطع: الحديث (30) منه: ج 2 ص 835. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب السرقة: باب السارق يعود: الحديث (17753).
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ (أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَطَعَ يَدًا بَعْدَ يَدٍ وَرِجْلٍ) أخرجه البيهقي عن سعيد بن منصور في السنن الكبرى: الأثر (1775).
(260)
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيْعَةَ؛ قَالَ: أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَقَالُواْ:[يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا غُلَامٌ لأَيْتَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ؛ وَاللهِ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مَالاً غَيْرَهُ، فَتَرَكَهُ؛ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةُ فَقَطَعَ يَدَهُ؛ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ السَّادِسَةُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ؛ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ السَّابِعَةُ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّامِنَةُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (17752)، وهو مرسل فيه نظر.
قال الماوردي: وهذا في الحضري، أما البدوي؛ فيحسم بالنار لأنه عادَتُهُمْ، قِيْلَ: هُوَ تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ، لأن فيه مزيد إيلام وما زال الولاة يفعلون ذلك على كراهة من المقطوعين ولم يراعوا ذلك في قطع الأطراف قصاصًا، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَقطُوعِ، لأن الغرض المعالجة ورفع الهلاك عنه بنزفِ الدَّم، فَمُؤنَتُهُ عَلَيهِ وَلِلإِمَامِ إِهْمَالُهُ، أي إذا فرعنا على الثاني؛ فإن فرعنا على الأول ففي مؤنته الخلاف فِي مؤنة الجلاد وليس له إهماله؛ قاله الإمام والرافعي.
وَتُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الْكُوْعِ، بالإجماع، وَالرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ، اتباعًا لعمر رضي الله عنه (261) فيه كما رواه ابن المنذر، وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا بِلَا قَطْعٍ كَفَتْ يَمِيْنُهُ، لأن السبب واحد فتداخلت لحصول الحكمة وهو الزجر، وَإِنْ نَقَصَتْ أَرْبَعَ أَصَابِعَ، أي فإنه يُكْتَفَى بها ولا يعدل إلى الرجل لحصول الإيلام والتنكيل، قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ ذَهَبَتِ الخَمْسُ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لما ذكرناه، والثاني: لا يكفي، وتقطع الرجل اليسرى لانتفاء البطش، وادعى القاضي: أنه المذهب.
فَرْعٌ: الخلاف جار فيما إذا سقط بعض الكف أيضًا وبقي محل القطع.
وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَةٌ أُصْبُعًا في الأَصَحِّ، أى ولا يبالي بالزيادة لأن المراد التنكيل، والثاني: لا، بل تقطع رجله اليسرى كما في القصاص، لكن الفارق أن القصاص مقصوده المساواة، والمقصود هنا الزجر والتنكيل، وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يَمِيْنُهُ بِآفَةٍ، أو جناية، سَقَطَ الْقَطْعُ، أي فلا يعدل إلى الرجل، لأن القطع تعلق بعينها وقد زالت.
فَرْعٌ: لو شُلَّتْ يمينُهُ بعد السرقة وخشي من قطعها تلف النفس، فهو كما لو سقطت.
أَوْ يَسَارُهُ فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ، لوجود اليمنى وهي محل القطع، وعن أبي إسحق:
(261) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِيْنَارٍ؛ قَالَ: (كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقْطَعُ السَّارِقَ مِنَ الْمِفْصَلِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب السرقة: الحديث (17740).
أنه يسقط القطع في اليمين على قول، كما في مسألة الجلاد، قال الرافعي: وضعفه كل من نقله، وقالوا في صورة الغلط: يساره مقطوعة بعلَّةِ السرقة، فلو أثبتنا (•) القطع في اليمين لذهبت يداه بعلة السرقة ولم يوجد هذا فيما إذا سقطت يساره بآفة.
(•) في النسخة (1): أبقينا.