الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ
اَلشَّهَادَةُ: الإِخْبَارُ بِمَا شُوهِدَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشُّهُودِ وَالْحُضُورِ، أَوْ مِنَ الإِعْلَامِ، وَالأَصْلُ فِيْهَا قَبْلَ الإِجْمَاعِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (515) وَقَوْلُهُ {وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (515) وَهُوَ أَمْرُ إِرْشَادٍ لَا وُجُوبٍ، وَمِنَ السُنَّةِ أَحَادِيْثٌ شَهِيْرَةٌ.
شَرْطُ الشَّاهِدِ: مُسْلِمٌ؛ حُرٌّ؛ مُكَلَّفٌ؛ عَدْلٌ ذُو مُرُوءَةٍ؛ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، أي فلا يقبل من ضدهم لما لا يخفى، ويشترط أيضًا فيه النُّطْقُ.
وَشَرْطُ الْعَدَالَةِ: اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، وَالإِصْرَارُ عَلَى صَغِيْرَةٍ، أي دون الاجتناب الكلي فَقَلَّ مَن يسلم منها، والمعتبرُ في الإصرارِ الإكثارُ منها سواء كانت من نوع أو أنواع على الأوفق لقول الجمهور، فلا تَضُرُّ المداومةُ على نوع من الصغائر إذا غَلَبَتِ الطَّاعَاتُ.
وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ عَلَى الصَّحِيْحِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيْرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيْرٍ وَدَمِهِ] رواه مسلم (516)، والثاني: أنه كاللعب بالشطرنج،
(515) البقرة / 282.
(516)
رواه مسلم في الصحيح: كتاب الشعر: باب تحريم اللعب بالنردشير: الحديث (10/ 2260). وأبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب في النهي عن اللعب بالنرد: الحديث (4939). وابن ماجه في السنن: كتاب الأدب: باب اللعب بالنرد: الحديث (3763).
نَعَمْ هُوَ أَشَدُّ، وَيُكْرَهُ بِشِطْرَنْجٍ، لأثر عَلِيًّ فِيْهِ (517)، وقد ذكرت في الأصل أنه رُوي اللعب به عن جماعة من الصحابة والتابعين. فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَالٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَقِمَارٌ، أي فإن أخرج احدهما مالًا ليبذله إن غُلِبَ ويُمْسِكُهُ إن غَلَبَ فليس بقمار؛ بل هو عقد مسابقة على غير آلة قتال فلا يصحُّ، فلو اقترن به فُحْشٌ أو إخراجُ صلاةٍ عن وقتها عمدًا رُدَّتْ بذلك الْمُقَارِنُ، فإن لم يكن عمدًا بل شغله اللعبُ به حتى خرج وهو غافل وأكثر منه ردت أيضًا.
وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ وَسَمَاعُهُ، لما فيه من إيقاظ النَّوَامِ وتنشيطِ الإبل للسير وقد ورد فيه أحاديث (518)، وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ بِلَا آلَةٍ، وَسمَاعُهُ، لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
(517) • عَنْ عَلِيًّ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (الشَّطْرَنْجُ هُوَ مَيْسِرُ الأَعَاجِمِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الشهادات: جماع أبواب من تجوز شهادته: باب الاختلاف في اللعب الشطرنج: الحديث (21531)، وقال: هذا مرسل ولكن له شواهد. إنتهى. قلتُ: رواته ثقات.
• عَنْ مَيْسَرَةِ بْنَ حَبِيْبٍ قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَى قوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشَّطْرَنْجِ فَقَالَ: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء / 52]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (21532)، وإسناده حسن، وهو مرسل.
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: (لأَنْ يَمَسَّ جَمْرًا حَتَّى يَطْفَأَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا). رواه البيهقي في الرقم (21533) وإسناده لا بأس به مع إرساله.
(518)
• نقل البيهقي قال: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: (وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْحُدَاءَ وَالزَّجْرَ). من السنن الكبرى: كتاب الشهادات: باب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، وَكَانَ غُلَامٌ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ يَحْدُو لَهُمْ وَيَسُوقُ بِهِمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيْرِ] يُعْنِي النِّسَاءَ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأدب: باب المعاريض مندوحة عن الكذب: الحديث (6210). ومسلم في الصحيح: كتاب الفضائل: باب رحمة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (70 - 72/ 2323).
• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلاً إِلَى خَيْبَرَ، قَالَ: =
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (519) قاله جماعة: إنه الغناء (520) وليس بحرام على المشهور، وقد أَوْضَحْتُ الكلام على ذلك وغيره في أوراق في الأصل فَارْحَلْ إِلَيْهِ.
وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ آلَةٍ مِنْ شِعَارَ الشَّرَبَةِ كَطُنْبُورٍ؛ وَعُودٍ؛ وَصَنْجٍ؛ وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيًّ، وسائر المعازف؛ وهي الملاهي والأوتار أي كَالرَّبَابِ؛ وَالْجَنْكِ؛ وَالْحَفَانَةِ؛ وَالسَّنْطِيْرِ؛ وَالْكَمَنْجَةِ؛ وغيرها، وَاسْتِمَاعُهَا، للآية السالفة، قال ابن عباس والحسنُ:
= فَسِرْنَا لَيْلاً؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِن الْقَوْمِ لِعَامِرٍ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرُ رَجُلًا شَاعِرًا! فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ الرَّجْزَ:
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
…
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا
…
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِيْنَةً عَلَيْنَا
…
إِنَّا إِذَا صِيْحَ بِنَا أتَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُواْ عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ ] فَقَالُواْ: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ. قَالَ: [يَرْحَمُهُ اللهُ]. رواه البخاري بقصته في الصحيح: كتاب الأدب: باب ما يجوز من الشعر والرجز: الحديث (6148). ومسلم في الصحيح: كتاب الجهاد: باب غزوة خيبر: الحديث (123/ 1802) وما بعده.
• قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَأَمَرَ - أَيْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ابْنَ رَوَاحَةَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: [حَرِّكِ الْقَوْمَ؟ ] فَانْفَعَ يَرْجُزُ. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيْرٍ لَهُ؛ فَقَالَ لَهُ: [يَا ابْنَ رَوَاحَةَ، انْزِلْ فَحَرِّكِ الرِّكَابَ]، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ تَرَكْتُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه: اسْمَعْ وَأَطِعْ؛ قَالَ: فَرَمَى بِنَفْسِهِ وَقَالَ [الرَّجْزَ]:
وَاللهِ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
…
وَمَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
رواه البيهقي في السنن: كتاب الشهادات: جماع أبواب من تجوز شهادته: باب لا باس باستحداء الحداء: الحديث (21638).
(519)
لقمان / 6.
(520)
عَنْ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ فِي هَذِهِ الآيَةِ {مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قَالَ: (نَزَلَتْ فِي الْغِنَاءِ وَأَشْبَاهِهِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الشهادات: جماع أبواب من تجوز شهادته: الأثر (21589).
إنه الْمَلَاهِي (521)، لَا يَرَاعَ فِي الأَصَحِّ، لأنه ينشِّطُ على السير في الأسفار فأشبه الْحِدَاءَ (522)، قُلْتُ: الأَصَحُّ تَحْرِيْمُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، كَالْمِزْمَارِ وَالْيَرَاعِ وَالشُبَّابَةُ (523).
وَيَجُوزُ دُفٌّ لِعُرْسٍ وَخِتَانٍ، للنصِّ في العُرس؛ والخِتانُ مثلُهُ (524)، وَكَذَا غَيْرِهِمَا فِي الأَصَحِّ، لأنه قد يراد إظهار السرور لسائر الأسباب الحادثة، والثاني: المنع؛ لأن عمر كان إذا سمع صوتًا أنكره (525)، فإن كان عرسًا أو ختانًا أَقَرَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيْهِ
(521) نقله البغوي عن ابن عباس في التهذيب: كتاب أدب القاضي: ج 8 ص 267.
(522)
• الْيَرَاعُ: الْقَصَبَةُ الَّتِي يُزَمِّرُ فِيْهَا الرَّاعِي.
• عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا، قَالَ: فَوَضَعَ إصْبِعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، وَنَأَى عَنِ الطَّريْقِ؛ وَقَالَ لِي (يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا؟ ) قَالَ: فَقُلْتُ: لَا! قَالَ: فَرَفَعَ إِصْبِعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، وَقَالَ:(كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا؛ فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا). رواه أبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب كراهية الغناء والزمر: الحديث (4924)، وقال: هذا حديث منكر.
(523)
الشَّبَابَةُ؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ جَوْفِهَا.
(524)
• عَنِ الرَّبِيْعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيَّ غَدَاةَ بُنِيَ بِي، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ لِمَجْلِسِكَ مِنِّي. وَجُوَيْرِيَاتٍ لَنَا يَضْرِبْنَ بِدُفُوفِهِنَّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ. إِلَى أَنْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ:(وَفِيْنَا يَعْلَمُ مَا فِي الْغَدِ) فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ، وَقُولِي الَّذِي كنْتِ تَقُوليْنَ قَبْلَهَا]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب النكاح: باب ضرب الدف في النكاح والوليمة: الحديث (5147). وأبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب في النهي عن الغناء: الحديث (4922). والترمذي في الجامع: كتاب النكاح: باب ما جاء في إعلان النكاح: الحديث (1090).
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [أَعْلِنُواْ هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُواْ عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ]. رواه الترمذي في الجامع: الحديث (1089)، وقال: هذا حديث غريب حسن في هذا الباب. وعيسى بن ميمون يضعف في الحديث. وعيسى بن ميمون الذي يروى عن ابن أبي نجيح التفسير هو ثقة.
(525)
• في المغني: كتاب الشهادات: فصل في الملاهي: حكم الضرب بالدف: ج 12 ص 40؛ قال موفق الدين المقدسي رحمه الله: (يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ =
جَلَاجِلُ، أي يَحِلُّ الدُّفُّ وإن كان فيه جلاجل لاطلاق الأدلة، ومِنْ ادّعى أنها لم تكن بجلاجل فعليه الإثبات.
وَيَحْرُمُ ضَرْبُ الْكُوْبَةِ، بضم الكاف وسكون الواو؛ لأن الله حرمها كما رواه أبو داود وصحَّحَهُ ابنُ حبان (526)، وَهِيَ طَبْلٌ طَوِيْلٌ ضَيِّقُ الْوَسَطِ، كذا فسّره المصنف تبعًا للرافعي، ولم أرَ مَنْ قيده من أهل اللغة به، وإنما أطلقوا أنها النَّرْدُ أَوِ الطَّبْلُ، وقال ابن الأعرابي: الأظهر أنها الْبَرْبَطُ (•)، وَلَا الرَّقْصُ، أي فإنه لا يحرم؛ لأنه مجرد حركات على استقامة أو اعوجاج، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيْهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ الْمُخَنَّثِ، فإنه حرامٌ على الرجال والنساء.
وَيُبَاحُ قَوْلُ شِعْرٍ وَإِنْشَادُهُ، لأنه عليه الصلاة والسلام كَانَ لَهُ شُعَرَاءُ يُصْغِي إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ (527)
= الدَّفِّ بَعَثَ فَنظَرَ! فَإِنْ كَانَ فِي وَليْمَةٍ سَكَتَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا عَمِدَ بالدِّرَّةِ).
• عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:(نُبِّئْتُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا اسْتَمَعَ صَوْتًا أَنْكَرَهُ، وَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَإِنْ قِيْلَ عُرْسٌ أَوْ خِتَانٌ! أَقَرَّهُ). رواه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف: كتاب النكاح: باب ما قالوا في اللهو: النص (16396). وينظر: مصنف عبد الرزاق: ج 11 ص 5.
(526)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْخَمْرَ؛ وَالْمَيْسِرَ؛ وَالْكُوبَةَ] وَالْكُوبَةُ الطَّبْلُ. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأشربة: باب في الأوعية: الحديث (3696) وإسناده صحيح. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الشهادات: باب ما جاء في ذم الملاهي: الحديث (21592 و 21593). وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الأشربة: فصل في الأشربة: ذكر الخبر الدال على أن النبيذ إذا اشتد كان خمرًا: الحديث (5348).
(•) في هامش النسخة (2): قال: قال الزمخشري: الكوبة النرد بلغة أهل اليمن. وقال ابن الأعرابي: هي النرد، وقال الخطابي: غلط من قال هي الطبل، بل هي النرد. إنتهى. قلتُ: قال في القاموس: الْبَرْبَطُ: الْعُودُ، مُعَرَّبٌ أَيْ صَدْرُ الإِوَزِّ لأَنَّهُ يُشْبِهُهُ.
(527)
حَسَّانُ بْنُ ثَابتٍ الأَنْصَاريُّ؛ الشَّاعِرُ؛ يُكَنَّى أَبَا الْوَليْدِ. كَانَ يُقَالُ لَهُ شَاعِرُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. =
وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ (528)، وَاسْتَنْشَدَ الشَّرِيْدَ شِعْرَ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ وَاسْتَمَعَ إِلَيْهِ (529)، إِلَّا أَنْ يَهْجُوَ، في شعره بما هو صادق أو كاذب؛ فإنه لا يباح وتُرَدُّ شهادته، أَوْ يُفْحِشَ، أَوْ يُعَرِّضَ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فإنها تُرَدُّ شهادته بذلك لما فيه من الإيذاء والإشهار والقذف إِنْ صرَّحَ.
فَصْلٌ: وَالْمُرُوءَةُ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، وهو أحسن ما قيل في حدها (530)، فَالأَكْلُ فِي سُوقٍ، أي وكذا الشرب من سقايات الطريق إلاّ أن يكون
= قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: وَانْتُدِبَ لِهَجْوِ الْمُشْرِكِيْنَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ. فَكَانَ حَسَّانُ وَكَعْبٌ يُعَارِضَانِهمْ بِمِثْلِ قَوْلهِمْ فِي الْوَقَائِعِ وَالأَيَّامِ وَالْمَآثِرِ، وَيُذَكُرَانِ مَثَالِبَهُمْ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يُعَيِّرُهُمْ بِالْكُفْرِ وَعِبَادَةِ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يَنْفَعُ. ينظر ترجمة حسان رضي الله عنه في الاستيعاب لابن عبد البر: ج 1 ص 400: الرقم (525) وما بعدها.
(528)
• عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ الْخَزْرَجِيّ الأَنْصَارِيّ. يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، أَحَدُ النُّقَبَاء شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَدْرًا؛ وَأُحُدًا، وَالْخَنْدَقَ؛ وَالْحُدَيْبِيَةَ، وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ؛ وَالْمَشاهِدَ كُلَّهَا إِلَّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ، لأَنَّهُ قُتِلَ شَهِيْدًا يَوْمَ مُؤْتَةَ. ترجمته في الاستيعاب: الرقم (1548).
• عَنِ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ؛ فَقَامَ أَهْلُهَا سِمَاطَيْنِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يدَي رِسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ:
خَلَّو بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيْلِهِ
…
فَالْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيْلِهِ
ضَرْبًا يُزِيْلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيْلِهِ
…
وَيُذْهِلُ الْخَلِيْلَ عَنْ خَلِيْلِهِ
يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنُ بِقِيْلِهِ
فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ أَفِي حَرَمِ اللهِ، وَبَيْنَ يَدَي رَسُولِ اللهِ تَقُولُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[مَهْ يَا عُمَرُ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَلَامُهُ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الشهادات: الحديث (21641).
(529)
عَنْ عَمْرو بْنِ الشَّرِيْدِ عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: [هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟ ] قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: [هِيهِ] قَالَ: فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا! فَقَالَ: [هِيهِ] فَأَنْشَدْتُهُ حَتَّى بَلَغْتُ مِائَةَ بَيْتٍ. رواه البيهقي في السنن: كتاب الشهادات: الحديث (21631).
(530)
• عَنِ طَلْحَةَ بْنِ كَرِيْزٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ اللهَ كَرِيْمٌ يُحِبُّ =
سُوقِيًّا أو شرب لغلبة عطش. وَالْمَشْيُ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، أي والبدن إذا لم يكن الشخص ممن يليق به مثله، وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ، وَلُبْسُ فَقِيْهٍ قِبَاءٌ وَقَلَنْسُوَةً، وهي مما يُلْبَسُ على الرأس، حَيْثُ لَا يُعْتَادُ، وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ شِطْرَنْجٍ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ سَمَاعِهِ، وَإِدَامَةُ رَقْصٍ يُسْقِطُهَا، يعني المروءة، وَالأَمْرُ فِيْهِ يَخْتَلِفُ بِالأَشْخَاصِ وَالأَحْوَالِ وَالأَمَاكنِ، أي فقد يُسْتَقْبَحُ من شخص ولا يستقبح من غيره، والإكباب على اللعب بالشطرنج في الخلوة ليس كاللعب به في السُّوقِ مَرَّةً على ملإٍ من الناس، وَحِرْفَةٌ دَنِيْئَةٌ كَحِجَامَةٍ؛ وَكَنْسٍ؛ وَدَبْغٍ، أي وقَيِّمِ حمَّام وحارس ونَخَّالٍ وإسْكَافٍ وقَصَّارٍ، مِمَّنْ لَا تَلِيْقُ بِهِ تُسْقِطُهَا، لإشعار ذلك بقلة مروءته، فَإِنِ اعْتَادَهَا وَكَانَتْ حِرْفَةَ أَبِيْهِ فَلَا فِي الأَصَحِّ، لأنها حرفة مباحة والناس محتاجون إليها وهي من فروض الكفايات، ولو رَدَدْنَا شهادتهم لم نأمن أن يتركوها، والثاني: نعم؛ لأن اشتغالهم بهذه الحرفة ورضاهم بها يُشْعِرُ بِالْخِسَّةِ وقِلَّةِ الْمُرُوءَةِ، وقال في الروضة: ولم يتعرَّضِ الجمهورُ لهذا القيد؛ وينبغي أن لا يُقَيَّدَ بِصَنْعَةِ آبائه بل ينظرُ هل يليقُ به هو أمْ لَا؟ !
فَصْلٌ: وَالتُّهْمَةُ أَنْ يَجُرَّ إِلَيْهِ، بشهادته، نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ، أي المأذون، لأن ما شهد به فهو له، وَمُكَاتَبِهِ، لأن له في مال مكاتبه علقة حال الكتابة، لأن له المنع من بعض التصرفات ويرجع إليه بعد العجز، وَغَرِيْمٍ لَهُ
= مَعَالِيَ الأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الشهادة: باب بيان مكارم الأخلاق: الحديث (21377)، وقال: هذا مرسل.
• عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه؛ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ:[إِنَّ خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الفضائل: باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم: الحديث (68/ 2321).
• وَمِمَّا يُنْقَلُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (الْمُرُوءَةُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالسَّخَاءُ، وَالتَّوَاضُعُ، وَالشُّكْرُ). وَقَال: (الْمُرُوءَةُ عِفَّةُ الْجَوَارِحِ عَمَّا لا يَعْنِيْهَا). وَقَالَ: (وَاللهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ يَثْلَمُ مِنْ مُرُوءَتِي شَيْئًا، مَا شَرِبْتُ إِلَّا حَارًّا).
مَيِّتٍ أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ، لأنه إذا اثبت للغريم شيئًا أثبت لنفسه المطالبة.
فَرْعٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الغَرِيْمِ لِغَرِيْمِهِ الْمُوسِرِ، وَكَذَا الْمُعْسِرِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ، لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِذِمَّتِهِ.
وَبِمَا هُوَ وَكِيْلٌ فِيْهِ، لأنه يثبت بشهادته ولاية في المشهود به، وَبِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمِنَهُ، أي وكذا بالأداء لأنه يسقط شَهَادَةَ المطالبة عن نفسه، وَبِجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ، للتهمة، وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثٍ لَهُ مَرِيْضٍ أَوْ جَرِيْحٍ بِمَالٍ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ قُبِلَتْ فِي الأَصَحِّ، لما سلف في كتاب دعوى الدم والقسامة؛ فإنه ذكرها هناك أيضًا، واحترز بـ (قَبْلَ الاِنْدِمَالِ) عما بعده؛ فإنها تقبل إلاّ أن يكون أصلًا وفرعًا، وَتُرَدُّ شَهَادَةُ عَاقِلَةٍ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ، أي يحملونه كما أسلفه في الكتاب المذكور أيضًا، وَغُرَمَاءِ مُفْلِسٍ بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ، لأنهم يدفعون عنهم ضرر المزاحمة، وَلَوْ شَهِدَا لإِثْنَيْنِ بِوَصِيَّةٍ فَشَهِدَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ قُبِلَتِ الشَّهَادَتَانِ فِي الأَصَحِّ، لانفصال كل شهادة عن الأخرى ولا تجرُّ شهادته نفعًا، والثاني: نعم؛ لتهمة المواطأة، وخالف ذلك في الروضة فعبّر بالصحيح فجعل الخلاف ضعيفًا وجعله هنا قويًا، وَلَا تُقْبَلُ لأَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ، للريبة، وعن القديم القبول؛ لأن الشخص لا يكون صادقًا في شيء دون شيء وهو باطل تُمنع شهادته لنفسه.
فَرْعٌ: لا تقبل لمكاتب والده أو ولده وَمَأْذُونِهِمَا.
وَتُقْبَلُ عَلَيْهِمَا، لانتفاء التهمة، وَكَذَا عَلَى أَبِيْهِمَا بِطَلَاقِ ضُرَّةِ أُمِّهِمَا، أي وأُمهما تحته، أَوْ قَذْفِهَا فِي الأَظْهَرِ، لأنها شهادة على أبيه لغير أمه، والثاني: المنع؛ لأنه مُتَّهَمٌ إذ يَجُرُّ بها إلى أُمِّهِ نَفْعًا، وهو انفرادها بالأب فإن الطلاق ينجز ذلك، والقذف يحوج إلى اللعان، وَإِذَا شَهِدَ لِفَرْعٍ وَأَجْنَبِيٍّ قُبِلَتْ لِلأَجْنَبِيِّ فِي الأَظْهَرِ، أي من الخلاف في تفريق الصفقة، قُلْتُ: وَتُقْبَلُ لِكُلًّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، أي للآخر لأن الحاصل بينهما عقد يطرأُ ويزول فلا يمنع قبول الشهادة كما لو شهد الأجير للمستأجر، وفيه قول آخر قال به الأئمة الثلاثة، وَلأَخٍ وَصَدِيْقٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنهما
لا يُتَّهَمَانِ تهمة الأب والابن، وَلَا تُقْبَلُ مِنْ عَدُوٍّ، لتهمته، وَهُوَ مَنْ يُبْغِضُهُ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ، وَيَحْزَنُ بسُرُورِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيْبَتِهِ، وَتُقْبَلُ لَهُ، إذ لا تهمة، وَكَذَا عَلَيْهِ فِي عَدَاوَةِ دِيْنٍ كَكَافِرٍ وَمُبْدِعٍ، لأن العداوة الدينية لا توجب رَدَّ الشهادة.
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ، إِلَّا الْخِطَابِيَّةُ فإنهم يشهدون بالموافقة، فإن ذكر في شهادته ما يقطع الاحتمال قُبِلَتْ، لَا مُغَفَّلٍ لَا يَضْبِطُ، لعدم الوثوق بقوله، نعم لو فصَّل الشهادة فوصف المكان أو الزمان وتأنق في ذكر الأوصاف قبلت والغلط اليسير لا يقدح، وَلَا مُبَادِرٍ، للتهمة، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى، وَفِيْمَا لَهُ فِيْهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ، أي لا يتأثر برضى الآدمي، كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ، وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا، وَحَدٍّ لَهُ، كحد الزنا وقطع الطريق والسرقة، وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنه متعلق حقوق الله تعالى كالطلاق والعتاق، والثاني: لا تقبل فيه، وصححه الغزالي، واحترز بـ (حق الله تعالى) عن حق الآدمي كالقصاص وحد القذف والبيوع والأقارير، فإن شهادة الحسبة لا تقبل فيه، فإن لم يعلم صاحب الحق أعلمه الشاهد حتى يدعى ويستشهده فيشهد.
فَصْلٌ: وَمَتَى حَكَمَ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، لأنه يتيقن الخطأ كما لو حكم باجتهاد ثم بَانَ النصُّ بخلافه، وَكَذَا فَاسِقَانِ فِي الأَظْهَرِ، كسائر المسائل المذكورة، وأولى؛ لأن اعتبار العدالة منصوص عليه، قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
…
} الآية (531)، والثاني: لا ينقض، لأن فسقهم إنما يعرف ببيّنة تقوم عليه، وعدالة تلك البيّنة لا تدرك إلّا بالاجتهاد، والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، لعدم
(531) الحجرات / 6: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} .
تهمتهم بدفع العار بخلاف الفاسق فإنه يخفي فسقه، والرد يظهر فيسعى في الدفع، ومراده مظهر الكفر، أما إذا كان يستتر به وأعادها فالأصح في الروضة وهو القياس في الرافعي: فاسقٌ عدم القبول، أَوْ فَاسِقٍ تَابَ فَلَا، لما قلناه، وسواء المستتر به والمعلن على الأصح، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِهَا، أي على غير تلك الشهادة التي شهد بها حال فسقه ثم تاب إذ لا تهمة، بِشَرْطِ اِخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتهِ، لأن التوبة من أعمال القلوب، وهو مُتَّهَمٌ بترويج شهادته فاعتبر الشارع ذلك ليقوي ما ادعاه، وَقَدَّرَهَا الأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ، لأن لمضي الفصول الأربعة تأثيرًا بَيِّنًا في تهييج النفوس وانبعاثها لمتشابهاتها، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة، وقد اعتبر الشرع السَّنَةَ في العُنَّةِ (532) والزكاة والجزية، وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلَ، كما أن التوبة من الردة بكلمتي الشهادة، فَيَقُولُ الْقَاذِفُ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إِلَيْهِ، أي ولا يكلف أن يقول كذبت فربما كان صادقًا؛ فكيف نأمره بالكذب.
فَرْعٌ: إذا تاب بالقول اشترط مضي المدة المذكورة إذا كان القذف على وجه السبِّ والإيذاء لا على وجه الشهادة على المذهب فيهما.
وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ، أي فيقول في التوبة منها كذبت فيما قلت ولا أعود لمثله، قُلْتُ: وَغَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ يُشْتَرَطُ إِقْلَاعٌ، أى عن المعصية، وَنَدَمٌ، وَعَزْمٌ أَن لَا يَعُودَ، قال الله تعالى:{فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ثم قال: {وَلَمْ يُصِرُّوا} (533)، وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، فَيُرَدُّ المغصوب مثلًا إن كان باقيًا وإلَّا فَبَدَلَهُ أو يستحل فيبرئه المغصوب منه أو وارثه.
فَصْلٌ: لَا يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ إِلَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فِي الأَظْهَرِ، لما تقدم في بابه، وقد ذكرت في الأصل هنا مسائل أُخر يحكم فيها بقول واحد، فسارع إلى استفادتها
(532) العُنَّةُ: هي مُدَّةُ التغريب من الزنا.
(533)
آل عمران / 135.
منه فإنها مهمة، وَيُشْتَرَطُ لِلزِّنَا أَرْبعَةُ رِجَالٍ، لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
…
} الآية (534)، وَلِلإِقْرَارِ بِهِ إثْنَانِ فِي الأَظْهَرِ، كغيره من الأقارير، وَفِي قَوْلٍ: أَرْبَعَةٌ، لأنه إقرار بفعل فلا يثبت إلَّا بما يثبت به ذلك الفعل لاستوائهما في الموجب، وَلِمَالٍ وَعَقْدٍ مَالِيِّ كَبَيْعٍ وَإِقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ، وَحَقٍّ مَالِيٍّ كَخِيَارٍ وَأَجَلٍ: رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، لقوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (535) فكان على عمومه إلّا ما خَصَّهُ دَلِيْلٌ. ولا تثبت بشهادة النساء وحدهن لظاهر الآية، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ، أى مما ليس بمالٍ ولا يقصد منه مال، مِنْ عُقُوبَةٍ للهِ تَعَالَى، أي كحد الشرب وقطع الطريق والقتل بالردة، أَوْ لآدَمِيٍّ، أي كقصاص وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رِجَالٌ غَالِبًا كَنِكَاحٍ؛ وَطَلَاقٍ؛ وَرَجْعَةٍ؛ وَإِسْلَامٍ؛ وَرِدَّةٍ؛ وَجَرْحٍ؛ وَتَعْدِيْلٍ؛ وَمَوْتٍ؛ وَإِعْسَارٍ؛ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ؛ وَشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ: رَجُلَانِ، أما في العقوبات؛ فلقول الزُّهْرِيِّ:(مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَلِيْفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ)(536). وأما فيما يطلع عليه الرجال غالبًا؛ فلأن الله تعالى نصَّ في الشهادة فيما سوى الأموال على الرجال دون النساء في ثلاثة مواضع: في الطلاق؛ والرجعة؛ والوصية (537)، ونص عليه الصلاة والسلام في النكاح، وقال ابن شهاب: (مَضَتِ
(535)
البقرة / 282.
(536)
رواه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف: كتاب الحدود: باب في شهادة النساء في الحدود: النص (28705).
(537)
• نصَّ الله في الشهادة في الطلاق والرجعة على الرجال دون النساء في قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
…
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ} [الطلاق / 1 - 2] فطلاقهن وإمساكهن إذا بلغن أجلهن اقترن بوجوب الشهادة عليه من ذوي عدل.
• أما الوصية فهي في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ =
السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلَا فِي النِّكَاحِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ) (538) وهذا وإن كان مُرسلًا؛ فالخصم يقول بِحُجِّيَّتِهِ.
فَرْعٌ: في فتاوى الغزالي: أنها إذا ادَّعَتْ أنه نكحها؛ وطلبت الإرث؛ فمقصودُها المال؛ فيثبت برجل وامرأتين وشاهد ويمين، وكذا إذا ادَّعت زوجته طلاقًا وطلبت نصف المهر.
وَمَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ النِّسَاءُ أَوْ لَا يَرَاهُ رِجَالٌ غَالِبًا كَبَكَارَةٍ؛ وَوِلَادَةٍ؛ وَحَيْضٍ؛ وَرَضَاعٍ؛ وَعُيُوبٍ تَحْتَ الثِّيَابِ، أي كَرَتْقٍ؛ وَقَرْنٍ؛ وَبَرَصٍ؛ وغيره؛ سواءٌ ما تحت الازار وغيره مما للمحارم النظر إليه خاصة، كما قاله في الحاوي والبحر، يَثْبُتُ بِمَا سَبَقَ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أما النِّسْوَةُ الْمُنْفَرِدَاتُ؛ فلقول الزُّهْرِيِّ:(مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيْمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَةِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ) رواه ابن أبي شيبة (539)، وأما اعتبار الأربع؛ فإقامة لكل امرأتين مقام رجل، وإذا ثبت قبولهن منفردات فرجلان ورجل وامرأتان بالقبول أولى، وهو مراد المصنف بما سبق، وخرج بقوله (وَعُيُوبٍ تَحْتَ الثِّيَابِ) العيوب الظاهرة، فإن البغوي قال: العيب الذي في
= أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة / 106 - 107].
(538)
• بهذا اللفظ حكاه الماوردي في الحاوي الكبير: كتاب الشهادات في البيوع: باب عدة الشهود: ج 17 ص 9.
• قال ابن حجر في تلخيص الحبير: ج 4 ص 228. ولا يصح عن مالك. ورواه أبو يوسف في الخراج عن الحجاج عن الزهري به.
(539)
في الكتاب المصنف: كتاب البيوع والأقضية: باب ما تجوز فيه شهادة النساء: النص (20701).
وجه الحُرَّةِ وكَفَّيْهَا لا يثبت إلَّا برحلين تفريعًا على أنهما ليسا من العورة، وفي وجه الأمَة وما يبدو منها عند المهنة يثبت برجل وامرأتين لأن المقصود منه المال، وأطلق الماوردي نقل الإجماع على أن عيوب النساء في الوجه والكفين لا يُقبل فيهما إلَّا الرجال دون النساء، ولم يفصل بين الحرة والأمَة، وصرح به القاضي فيهما.
وَمَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وامْرَأَتَيْنِ لا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِيْنٍ، لأن الأول أقوى، وَمَا ثَبَتَ بِهِمْ، أي برجل وامرأتين، ثَبَتَ بِرَجُلٍ وَيَمِيْنٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام [قَضَى بِيَمِيْنٍ وَشَاهِدٍ] رواه مسلم من حديث ابن عباس وله طرق أخرى رواه عشرون صحابيًا فأكثر مرفوعًا (540)، إِلَّا عُيُوبَ النَّسَاءِ وَنَحْوَهَما، أي فإنها لا تثبت برجل ويمين لخطر أمرها بخلاف المال، وَلا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِيْنٍ، وَإنَّمَا يَحْلِفُ المُدَّعِي بَعْدَ شَهادَةِ شاهِدِهِ وَتَعْدِيْلِهِ، ليُقوى جانبه إذًا، وَيَذْكُرُ فِي حَلِفِهِ صِدْقَ الشَّاهِدِ، أي وجوبًا، فإِن تَرَكَ الْحَلِفَ وَطَلَبَ يَميْنَ خَصْمِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، لأنه قد يكون له غرض في التورع عن اليمين، فإن حلف سقطت الدعوى، فَإِنْ نَكَلَ، أي المدعى عليه، فَلَهُ، أي للمدعي، أَنْ يَحْلِفَ يَمِيْنَ الرَّدِّ فِي الأَظْهَرِ، كما لو لم يكن له إلّا شاهد ونكل المدعى عليه؛ فإن للمدعي أن يحلف يمين الرد في الأظهر، والثاني: لا؛ لأنه لا يمكنه الحلف مع الشاهد.
فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَمَةٌ وَوَلَدُها، يَسْتَرِقُّهُمَا، فَقالَ رَجُلٌ: هَذِهِ مُسْتَوْلَدَتِي عَلِقَتْ بِهَذا فِي مِلْكِي وَحَلَفَ مَعَ شاهِدٍ ثَبَتَ الاِسْتِيْلَادُ، لأن حكم المستولدة حكم المال فتسلم إليه، وإذا مات حكم بعتقها بإقراره، لا نَسَبُ الْوَلَدِ وَحُرَّيَّتُهُ فِي الأَظْهَرِ، لأنهما لا يثبتان بهذه الحجة فيبقى الولد في يد صاحب اليد، والثاني: يثبتان تبعًا لها فينزع الولد منه ويكون حرًا نسيبًا بإقرار المدعي.
وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ غُلَامٌ؛ فَقالَ رَجُلٌ: كَانَ لِي وَأَعْتَقْتُهُ وَحَلَفَ مَعَ شاهِدٍ،
(540) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الأقضية: باب القضاء باليمين والشاهد: الحديث (3/ 1712).
فَالْمَذْهَبُ: انْتِزاعُهُ وَمَصِيْرُهُ حُرًّا، كذا نص عليه؛ فمنهم من خرَّج فيه قولًا من المسألة قبلها؛ لأنها شهادة بملك متقدم، ومنهم من قطع بالنص وفَرقَ بأن المدعى عليه هنا يدعي ملكًا؛ وحُجَّتُهُ تصلح لإثباته، والعتق يترتب عليه؛ بخلاف الاستيلاد وجعلها في أصل الروضة المذهب؛ وهو من تَصَرُّفِهِ.
وَلَوِ ادَّعت وَرَثَةٌ مَالًا لِمُوَرَّثِهِمْ! وَأَقامُوا شاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ بَعْضُهُم أَخَذَ نَصِيْبَهُ، وَلا يُشارَكُ فِيْهِ، كذا نص عليه هنا، ونص في الصلح فيما لو ادّعيا دارًا إرثًا! فَصَدَّقَ المدَّعى عليه أحدهما وكذب الآخر، فإن المكذب يشارك المصدق، فخرج بعضهم من الصلح قولًا: أن ما أخذه الحالف يشاركه فيه من لم يحلف؛ لأن الارث ثبت على الشيوع، وقطع به الجمهور بما نص عليه، وفرقوا بأن الثبوت هنا بشاهد ويمين، فلو أثبتنا الشركة لَمَلَّكْنَا الناكل بيمين غيره، وهناك الثبوت بإقرار المدعى عليه ثم يترتب عليه إقرار المصدق بأنه إرث، وَيَبْطُلُ حَقُّ مَنْ لَمْ يَحْلِف بِنُكُولِهِ إِنْ حَضَرَ وَهُوَ كَامِلٌ، أي حتى لو مات لم يكن لوارثه أن يحلف قاله الإمام، وفي كلام غيره ما ينازع فيه، فَإِنْ كَانَ غائِبًا أوْ صَبِيًّا أو مَجْنُونًا، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ نَصِيْبَهُ فَإِذَا زالَ عُذْرُهُ حَلَفَ وَأَخَذَ بِغَيْرِ إِعادَةِ شَهادَةٍ، وفي قول: يقبض ويوقف (•). ولو تغيَّر حال الشاهد ففى إعادة الشهادة تردُّدٌ.
فَصْلٌ: وَلا تَجُوزُ شَهادَةٌ عَلَى فِعْلٍ كَزِنَا وَغَضْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ إِلَّا بِالإِبْصَارِ، لأنه يصل به إلى العلم من أقصى جهاته، وَتُقْبَلُ مِنْ أَصَمَّ، لحصول العلم له بالمشاهدة، وَالأَقْوَالُ كَعَقْدٍ، أي وفسخ، يُشْتَرَطُ سَمْعُهَا وَإِبْصَارُ قَائِلِهَا، أي ولا يكفي التسامع لأن ما أمكن إدراكه بعلم الحواس لم يجز أن يعمل فيه بالظن ولا تقبل فيها شهادة الأصم الذي لا يسمع شيئًا، وَلَا يُقبَلُ، الشهادة من، أعْمَى، لانسداد طريق المعرفة عليه مع اشتباه الأصوات وإمكان التصنع فيها، إِلَّا أَنْ يُقَرَّ فِي أُذُنِهِ، أي بطلاق أو إعتاق أو مال، فَيَتَعَلَّقَ بِهِ حَتَّى يشْهَدَ عِندَ قاضٍ بِهِ عَلَى الصَّحِيْحِ، لحصول العلم
(•) في النسخة (1): وقيل: اراد أنه لا يؤخذ نصيبه.
بأنه المشهود عليه، والثاني: لا يقبل حسمًا للباب، ولجواز أن يكون المقر غيره، قال القاضي حسين: ومحل الخلاف ما إذا جمعهما مكان خالٍ؛ وألصق فاه باذنِهِ وضبطه كما سلف، فلو كان هناك جماعة وأقرَّ في اذنِهِ لم يُقبل.
وَلَوْ حَمَلَها بَصِيْرٌ ثُمَّ عَمِيَ شَهِدَ إِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعْرُوفِي الاِسْمِ وَالنَّسَبِ، لحصول العلم، وكذا لو عميَ ويد المقر في يده فشهد عليه كمعروف الاسم والنسب، وإن لم يكن كذلك لم تقبل شهادته؛ لأنه لا يمكنه تعيين المشهود عليه والإشارة إلى المشهود له.
تَنْبِيهٌ: تقبل شهادته أيضًا فيما شهد فيه بالاستفاضة كالموت وغيره مما سيأتي على الأصح إذا لم يحتج إلى تعيين وإشارة، وتقبل أيضًا في الترجمة على الأصح كما سلف في أثناء باب القضاء، قال ابن الصباغ: وينبغي قبولها؛ يعني فيما إذا عرف شخصًا وعرف صوته ضرورة لأنه تعيّن.
وَمَنْ سَمِعَ قَوْلَ شَخْصٍ أَوْ رَأَى فِعْلَهُ، فَإِنْ عَرَفَ عَيْنَهُ واسْمَهُ وَنَسَبَهُ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ إِشارَةً، وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، لحصول التمييز بذلك، فَإِنْ جَهِلَهُمَا، يعني اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، لَمْ يَشْهَد عِنْدَ مَوْتهِ وَغَيْبَتِهِ، لعدم العلم والاشتباه فيحضر بعد موته يشاهد صورته ويشهد على عينه فإن دفن لم ينبش وتعذرت الشهادة عليه.
وَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُ شَهادَةِ عَلَى مُتَنَقَّبَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا، لاشتباه الأصوات، فَإِنْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ بِاسْمٍ وَنَسَبٍ جازَ، أي التحمل ولا يضر النقاب، وَيَشْهَدُ عِنْدَ الأَدَاءِ بِمَا يَعْلَمُ، وَلَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ عَلَيْهَا بِتَعْرِيْفِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ عَلَى الأَشْهَرِ، أي وهو الذي أورده أكثرهم، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ، أي أنه يجوز التحمل عليها بذلك، قال جماعة: ويكفي واحد سلوكًا به مسلك الأخبار، وقال الشيخ أبو حامد: إذا سمع من عدلين أنها فلانة بنت فلان جاز التحمل ويشهد على اسمها ونسبها عند الغيبة.
وَلَوْ قَامَتْ بَيَّنَةٌ عَلَى عَيْنِهِ بِحَقًّ، فَطَلَبَ الْمُدَّعِي التَّسْجِيْلَ؟ سَجَّلَ الْقَاضِي بِالْحِلْيَةِ لَا بِالاِسْمِ والنَّسَبِ مَا لَمْ يَثْبُتَا، أي ولا يكفي فيهما قول المدعي ولا إقرار مَنْ قامت عليه البينة، فإن نسب الشخص لا يثبت بإقراره، وَلهُ الشَّهادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى نَسَبٍ مِنْ أَبٍ أَوْ قَبِيْلَةٍ، لأنه لا يدرك بطريق القطع بل بالظاهر، فلم يكلف فيه القطع كيلا يمتنع، قال في الأشراف: وتجوز الشهادة به وإن لم يعرف المنسوب إليه، وَكَذَا أُمِّ فِي الَأصَحِّ، أي كالأب، والثاني: لا، لإمكان رؤية الولادة، وَمَوْتٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، كالنسب، والطريق الثاني: أنه على الخلاف في الولادة وما في معناه لا يمكن فيه المعاينة، لا عِتْقٍ وَوَلَاءٍ وَوَقْفٍ وَنِكَاحٍ وَمِلْكٍ فِي الأَصَحَّ، لأن مشاهدتها متيسرة، قُلْتُ: الأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقَّقِيْنَ وَالأَكْثَرِيْنَ فِي الْجَمِيْعِ الْجَوَازُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لِمَسِيْسِ الحاجة إلى إثباتها به، وَشَرْطُ التَّسَامُعِ سَمَاعُهُ مِنْ جَمْعٍ يُؤمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، أي ويقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ولا يكفي قول عدلين، نَعَمْ لو أشهداه شهد على شهادتهما، وَقِيْلَ: يَكْفِي، سماعه، مِنْ عَدْلَيْنِ، كما يجوز للحاكم الحكم بشهادتهما، وَلا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكِ بِمُجَرَّدِ يَدٍ، لأنها لا تستلزم الملك، وفيه قول بعيد: أنه يجوز، نعم يجوز أن يشهد له باليد إذا رآه في يده مدة طويلة، والتصرف لا يفيد جواز الشهادة على الملك أيضًا، فلو اجتمع اليد والتصرف فقد ذكره حيث قال: وَلا بِيَدٍ وَتصَرُّفٍ في مُدَّةٍ قَصِيْرَةٍ، وَتَجُوزُ فِي طَوِيْلَةٍ فِي الأَصَحِّ، لأن امتداد اليد والتصرف من غير منازعة لمنازع يغلب ظن الملك، والثاني: المنع؛ لأن الغاصب والمستأجر والوكيل أصحاب يد وتصرف؛ فان انضم إلى اليد والتصرف الاستفاضة ونسبةُ الناس الملك إليه جازت الشهادة قطعًا.
فَرْعٌ: طول المدة وقصرها يرجع فيها إلى العرف في الأصح؛ وقيل: الطويلة سَنَةٌ.
وَشَرْطُهُ، يعني التصرف المعتبر في هذا الباب: تَصَرُّفُ مُلَّاكٍ مِنْ سُكْنَى وَهَدْمٍ وَبِناءٍ وَبَيْعٍ، أي وفسخ، وَرَهْنٍ، لأن هذه الأمور ظاهرة في إثبات اليد (•) وكذا
(•) في النسخة (2): الملك.
الإجارة في الأصح، ولا يكفي التصرف مرة واحدة؛ فإنه لا يفيد الظن، وَتُبْنَى شَهَادَةُ الإِعْسَارِ عَلَى قَرَائِنَ وَمَخَائِلَ الضُّرِّ وَالإِضَاقَةِ، أي بأن يراقب في خلواته لأنه مما يشاهد ويعسر الاطلاع عليه، وشرط شاهده خبرة باطنة كما سلف في بابه كالشهادة على أنه لا وارث لفلان إلا فلان.
فَصْلٌ: تَحَمُّلُ الشَّهادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي النّكَاحِ، لتوقف الانعقاد عليه، وَكَذَا الإِقْرَارُ، وَالتَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ، وَكِتَابَةُ الصَّكَّ فِي الأَصَحَّ، للحاجة إليها، وعبّر في الروضة في الأولين بالصحيح فخالف، والثاني: المنع؛ لأن الصحة واستيفاء المقاصد لا يتوقف عليه، وإذا قلنا بالافتراض في الأولين فذاك إذا حضره المتحمل له، أما إذا ادعى للتحمل فلا تجب الإجابة في الأصح إلّا أن يكون المتحمل له معذورًا بمرض أو حبس أو كانت مخدَّرة إذا أثبتنا للتخدير أثرًا، وكذا لو دعاه القاضي ليشهد على أمر ثبت عنده لزمه الإجابة وكذا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إِلَّا اثْنَانِ، أي بأن لم يتحمل سواهما أو مات الباقون أو جُنوا أو فسقوا أو غابوا، لَزِمَهُما الأَدَاءُ، لقوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا
…
} الآية (541)، فَلَوْ أَدَّى واحِدٌ وامْتَنَعَ الآخَرُ وَقالَ: احْلِفْ مَعَهُ عَصَى، لأن من مقاصد الاشهاد التورع عن اليمين، وَإِنْ كَانَ، أي في الواقعة، شُهُودٌ فَالأَدَاءُ فَرضُ كِفَايَةٍ، لأن الفرض يحصل بالبعض فأشبه
رد السلام، فَلَوْ طَلَبَ مِنَ اثْنَيْنِ لَزِمَهُمَا فِي الأَصَحِّ، لئلا يفضي إلى التواكل، والثاني: لا كالتحمل، والأول فرَّقَ بأنه هنا يتحمل أمانة وهناك يؤديها، ومحل الخلاف كما قال الإمام ما إذا علم المدّعون أن في الشهود من يرغب في الأداء أو لم يعلموا من حالهم رغبة ولا إباء، أما إذا علموا إباءهم فليس ذلك موضع الخلاف، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ إِنْ كَانَ فِيْمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِيْنٍ، وَإِلَّا فَلَا، لأن المقصود لا يحصل إلَّا به، وَقِيْلَ: لا يَلْزَمُ الأَدَاءُ إِلَّا مَنْ تَحَمَّلَ قَصْدًا لا اتّفاقًا، لأنه لم يوجد منه التزام، والأصح: لا فرق؛ لأنها أمانة حصلت عنده فعليه الخروج عنها.
وَلِوُجُوبِ الأَدَاءِ شُرُوطٌ:
1 -
أَنْ يُدْعَى مِن مَسافَةِ الْعَدْوَى، أي وهي التي يرجع منها مبكرًا ليلًا كما سلف للحاجة إلى الاثبات وتعذره بالشهادة على الشهادة، وَقِيْلَ: دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، الخلاف مبنيٌّ على أن الشهادة على الشهادة في مثلها هل تقبل؟ والأصحُّ: نعم؛ وعدم وجوب الإجابة للمشقة، فإن دُعي من مسافة القصر لم تجب الإجابة جزمًا.
2 -
وَأنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَإِنْ دُعِيَ ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، أي ظاهر أو خفي، قِيْلَ: أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيْهِ، لَمْ يَجِبْ، أما في المجمع عليه فظاهر؛ بل يحرم عليه أن يشهد فضلًا عن الوجوب، وأما في المختلف فيه كشرب النبيذ؛ فلأن الظاهر استمراره على اجتهاده، والأصحُّ: الوجوب فيه وإنْ عَهِدَ من القاضي التَّفْسِيقُ وردُّ الشهادة به، لأنه قد يتغير اجتهاده.
3 -
وَأَنْ لَا يَكُون مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، أي كمن خاف على ماله أو تعطل كسبه في ذلك الوقت، فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى شَهادَتِهِ أَوْ بَعَثَ القاضِي مَنْ يَسمَعُهَا، رَفْعًا للمشقة عنه.
فَصْلٌ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ، أي كالأموال والأنكحة والعقود والفسوخ ونحوها لدعاء الحاجة إلى ذلك لأن شهود الواقعة قد يغيبون أو يموتون، وَفِي عُقُوبَة لآدَمِيًّ عَلَى الْمَذْهَبِ، أي كالقصاص وحد القذف لا في حد
الله تعالى، لأن حقَّ الآدميَّ مبنيٌّ على الشح وحقه تعالى على المسامحة لاستغنائه، وهذا كما في كتاب القاضي إلى القاضي فإن الأصح المنع في حق الله تعالى دون حق الآدمي، وقد يرتب فيقال: إن جوّزنا في حق الله ففي حق الآدمي أولى، فإن منعنا هناك فهنا قولان، وَتَحَمُّلُهَا بِأَنْ يَسْتَرْعِيْهِ، يعني الأصل، فَيَقُولُ: أَنا شاهِدٌ بِكَذَا وَأُشْهِدُكَ أَوْ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أي وكذا إذا استَشْهَدْتَ على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد، أَوْ يَسْمَعُهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قاضٍ، لأنه لا يتصدى لإقامة الشهادة عند القاضي إلا بعد تحقق الوجوب، أوْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، لأن الاستناد إلى السبب يقطع احتمال الوعد والتساهل، وَفِي هَذا وَجْهٌ، أي أن الاستناد إلى السبب لا يكفي للتحمل، حكاه الإمام وقال: إنه أظهر، وذكر ابن القاصّ: أنه إذا سمع الشاهد يحمل شاهدًا؛ فيصح تحمله على شهادته مسترعيًا، وينبغي أن يجوّز للسامع التحمل لأن القصد معرفة عدم التساهل، وَلَا يَكْفِي سَمَاعُ قَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذا، أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا، أَوْ عِنْدِي شَهادَةٌ بِكَذَا، لأن الناس قد يتساهلون في إطلاق ذلك على عدة ونحوها، وَليُبَيَّنِ الْفَرْعُ عِنْدَ الأَدَاءِ جِهَةَ التَّحَمُّلِ، أي فإن استرعاه الأصلَ قال: اشهد أن فلانًا شَهِدَ أنَّ لفلان على فلان كذا، وأشهدَني على شهادته، وإن لم يسترعِهِ بَيَّنَ أنَّه شَهِدَ عند القاضي، أو أنه أسندَ المشهود به إلى سببه؛ لأن الغالب على الناس الجهل بطريق التحمل، فَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ، أي جهة التحمل، وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فَلَا بَأْسَ، لانتفاء المحذور، نَعَمْ؛ يُسْتَحَبُّ للقاضي أنْ يسأله بِأَيِّ سبب ثبتَ هذا المال؟ وهل أخبرك به الأصل؟
وَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَى شهادَةِ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ، لأنه غير مقبولها، وَلا تَحْمِلُ النَّسْوَةُ، أي وإن كانت الأصول أو بعضهم نساء وكانت الشهادة في ولادة أو رضاع أو مال، لأن شهادة الفرع تثبت بشهادة الأصل لا ما شهد به الأصل، ونفس الشهادة ليست بمال يطلع عليه الرجال، وفيه وجه شاذٌّ، فَإن مَاتَ الأَصْلُ أوْ غابَ أَوْ مَرِضَ لَمْ يَمْنَعْ شَهَادَةَ الْفَرْعِ، لأن ذلك ليس نقصًا، وَإِنْ حَدَثَ رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَداوَةٌ مَنَعَتْ، لأن هذه الأحوال لا تَهْجُمُ دُفْعَةً واحدة بل الفسق يورث الريبة
فيما تقدم، والرّدَّةُ تُشْعِرُ بِخُبْثٍ في العقيدة سابقٍ، والعداوَةُ تنشأُ لِضَغَائِنَ كانت مسكنة وليس لمدة الريبة من قبل ضبط فينعطف إلى حالة التحمل، وَجُنُونُهُ، يعني الأصل، كَمَوْتِهِ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنه لا يوقع ريبة فيما مضى، والثاني: يمنع كالفسق.
وَلَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ فَاسِقٌ أَوْ عَبْدٌ، أي، أَوْ صَبِيٌّ فَأَدَّى وَهُوَ كَامِلٌ قُبِلَتْ، كما في الأصل إذا تحمل وأدّى في حال الكمال، وَيَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، لأنها شهادة على شخصين فجاز أن يجتمعا عليهما في حقين كما لو شهدا على مقرّين، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رَجُلٍ وامْرَأَةٍ اثْنَانِ، لأنهما إذا شهدا على شهادة أحد الأصلين كانا كشاهد واحد قام بها شهادة أحد الشطرين فلا يقوّم بها الشطر الثاني، كما لو شهد مرة على شيء لا يشهد مرة أخرى، وربما سُمِّيَ هذا الجديد والأول القديم، ووقع في الكفاية: أن النووي صحَّحَ هذا وكأنه وهم.
وَشَرْطُ قَبُولِهَا، يعني شهادة الفرع على الأصل، تَعَذُّرُ أَوْ تَعَسُّرُ الأَصِيْلِ بِمَوْتٍ أوْ عَمًى، أوْ مَرَضٍ يَشُقُّ حُضُورُهُ، أي لا مطلق المرض، أَوْ غَيْبَةٍ لِمَسَافَةِ عَدْوَى، وَقِيْلَ: قَصْرٍ، كذا وقع في الكتاب، وصوابه زيادة لفظة (فَوْقَ) قبل مسافة العَدْوَى فإنه الذي يسوّغ شهادة الفرع، كما قرره في الروضة تبعًا للرافعي، ووقع في الْمُحَرَّرِ على الصواب كما بَيَّنَهُ في الأصل فَلَيْتَهُ تَابَعَهُ، وَأَنْ تُسَمَّيَ الأُصُولَ، لتعرف عدالتهم، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَكّيَهُمُ الْفُرُوعُ، أي بل لهم إطلاق الشهادة، والقاضي يبحث عن عدالتهم، وقيل: يشترط، فَإِنْ زَكَّوْهُمْ قُبِلَ. وَلَوْ شَهِدُواْ عَلَى شَهادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ لَمْ يَجُزْ، لأن القاضي قد يَعْرِفَهُمْ بالجرح لو سُمُّواْ.
فَصْلٌ: رَجَعُواْ، يعني الشهود، عَنِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ، أي الحكم بشهادتهم لأنه لا يدري أصدقوا في الأول أو في الثاني فلا ينفى ظن الصدق، أَوْ بَعْدَهُ، أي بعد الحكم، وَقَبْلَ اسْتِيْفاءِ مالٍ اسْتُوفِيَ، لأن القضاء قد تَقَدَّمَهُ (•) وليس هو مما يسقط بالشبهة حتى يتأثر بالرجوع، أَوْ عُقُوبَةٍ، أي كقصاص وحد قذف،
(•) في النسخة (1): قد نفذ به.
فَلَا، لأنها تسقط بالشبهة وهو شبهة بخلاف المال، أَوْ بَعْدَهُ، أي بعد الاستيفاء، لَمْ يُنْقَضْ، لتأكد الأمر، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْفَى قِصَاصًا أَوْ قَتْلَ رِدَّةٍ أَوْ رَجْمُ زِنًا أَوْ جَلْدِهُ وَمَاتَ وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا فَعَلَيْهِمْ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، أي موزعة على عدد رؤوسهم لتسببهم (•) إلى ذلك ويُحدّون في شهادة الزنا حد القذف أولًا ثم يقتلون، وهل يرجمون أو يقتلون بالسيف؟ فيه احتمالان للعبادي والأصح الأول، وَعَلَى الْقَاضِي قِصَاصٌ إِنْ قَالَ: تَعَمَّدْتُ، أي ورجع هو دون الشهود أو دية مغلظة، وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَهُمْ فَعَلَى الْجَمِيْعِ قِصَاصٌ إِنْ قَالُواْ: تعَمَّدْنَا، لتسببهم إلى قتله عدوانًا، فَإِنْ قَالُواْ: أَخْطَأْنَا فَعَلَيهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَيْهِمْ نِصْفُ، دية، وَلَوْ رَجَعَ مُزَكًّ، فالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَضْمَنُ، لأنه بالتزكية يلجئ القاضي إلى الحكم المفضي إلى القتل، والثاني: لا؛ لأنه لم يتعرض للمشهود عليه وإنما أثنى على الشاهد، والحكم يقع بشهادة الشاهد فكان كالممسك مع القاتل، أَوْ وَلِيٌّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ، لأنه المباشر، أَوْ مَعَ الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ، لأنه المباشر وهم معه كالممسك مع القاتل، وهذا التصحيح من تصرف المصنف، وَقِيْلَ: هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءٌ، لتعاونهم على القتل، وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ بَائِنٍ؛ أَوْ رَضَاعٍ، أي مُحَرَّمٍ، أَوْ لِعَانٍ؛ وَفَرَّقَ الْقَاضِي؛ فَرَجَعا؛ دامَ الْفِراقُ، لأن قولهما في الرجوع محتمل فلا يردُّ القاضي بقول محتمل، وَعَليْهِمْ مَهْرُ مِثْلٍ، لأنه بدلُ ما فَوَّتَاهُ، وَفِي قَولٍ: نِصْفُهُ إِنْ كَانَ قَبْلَ وَطْءٍ، لأنه الذي فات على الزوج، وفيه قول آخر: نصف المسمَّى، وخرج بالطلاق البائن الرجعي، فإنه إذا رجع لا غرم إذ لا تفويت وإلَّا (•) غرم.
وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ وَفَرَّقَ فَرَجَعَا فَقامَتْ بَيِّنَة أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ، أي مُحَرِّمٌ، فَلا غُرْمَ، إذا لم يفوّتا شيئًا، وَلوْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ غَرِمُواْ فِي الأَظْهَرِ، لحصول الحيلولة بشهادتهم، والثاني: لا، وهو ظاهر المذهب، وعُزِيَ إلى الجديد لأنه
(•) في النسخة (2): لنسبتهم.
(•) في النسخة (1): ولا.
لم يوجد تفويت حقيقة لأن المشهود عليه لو صدقهم في الرجوع لزمه رد المال، ووقع في الكفاية: أن النووي صححه وهو وهْمٌ، وَمَتَى رَجَعُواْ كُلُّهُمْ وُزَّعَ عَلَيْهِمُ الْغُرْمُ، أي بالسوية، أَوْ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ نِصَابٌ، أي كما إذا رجع من الثلاثة في العتق أو القتل واحد، فَلا غُرْمَ، أي على الراجع لأنه بقي من تقوم به الحجة فكأن الراجع لم يشهد، ووقع في الرافعي: أن ابن الحداد قال بهذا، والذي في فروعه الجزم بوحوب الغرم وفيه أيضًا وجوب القصاص، وَقِيْلَ: يَغْرَمُ قِسْطَهُ، لأن الحكم وقع بشهادة الجميع وكل منهم قد فوّت قسطًا فيغرّم ما فوّت، وَإِنْ نَقَصَ النَّصَابُ وَلَمْ يَزِدِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ، أي بأن رجع من شاهِدَي القتل أحدهما، فَقِسْطٌ، من النصاب، فَإذا زَادَ، أي بأن رجع من الثلاثة اثنان، فَقِسْطٌ مِنَ النَّصَابِ، بناء على أنه لا غرم إذا بقي نصاب فيجب النصف على الراجعين من الثلاثة، وَقِيْلَ: مِنَ الْعَدَدِ، أي فيجب الثلثان عليهما؛ لأن البيّنة إذا نقص عددها زال حكمها وصار الضمان متعلقًا بالأثلاث وقد استووا فيه.
وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وامْرَأَتَانِ فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُمَا نِصْفٌ؛ أَوْ وَأَرْبَعٌ فِي رَضَاعٍ فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ وَهُنَّ ثُلُثَانِ، فَإِنْ رَجَعَ هُوَ أَو ثِنْتَانِ فَلَا غُرمَ فِي الأَصَحِّ، لبقاء الحجة، والثاني: عليه أو عليهما ثلث الغرم، وَإِنْ شَهِدَ هُوَ وَأَرْبَعٌ بِمالٍ فَقِيْلَ كَرَضَاعٍ، أي فعليه ثلث وعليهن ثلثان، وَالأَصَحُّ: هُوَ نِصْفٌ وَهُنَّ نِصْفٌ سَوَاءٌ رَجَعْنَ مَعَهُ أوْ وَحْدَهُنَّ، أي بخلاف الرضاع لأن المال لا يثبت بشهادة النساء وإن كثرن، فنصف الحجة تقوم بالرجل معهن كم كنّ، وَإِنْ رَجَعَ ثِنْتَانِ، فَالأَصَحُّ: لَا غُرْمَ، لبقاء الحجة، والثاني: عليهما ربع الغرم، وَأَنَّ شُهُودَ إحْصَانٍ أَوْ صِفَةٍ مَعَ شُهُودِ تَعْلِيْقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَا يَغْرَمُون شَيْئًا، أي إذا رجعوا، أما في شهود الإحصان؛ فلأنهم لم يشهدوا بما يوجب عليه عقوبة؛ وإنما وصفوه بصفة كمال، وأما في شهود الصفة مع شهود تعليق الطلاق أو العتق؛ فلأنهم لم يشهدوا على فعله وهو الموجب للطلاق والعتق وإنما أثبتوا صفة، والثاني: يغرمون؛ لأن الرجم لا يتوقف على ثبوت الزنا والإحصان جميعًا، فالقتل لم يستوفَ إلا بهم وكذلك الطلاق والعتق وقع بقولهم.