الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الزِّنَا
الزِّنَا مَقْصُورٌ وَقَدْ يُمَدُّ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَالأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الزَّانَيَةُ وَالزَّانِي
…
} الآية (223) وَرَجَمَ صلى الله عليه وسلم مَاعِزًا (224) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأدِلَّةِ الشَّهِيْرَةِ.
إِيْلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتَهًى يُوْجِبُ الْحَدَّ، هذا ضابطُ ما يوجبُ الرَّجْمَ على الْمُحْصِنِ والْجَلْدَ على غيرهِ، وإذا انتفى من هذا الضابطِ قَيْدٌ انتفى الوجوبُ، وسيذكر المصنف ما احترز عنه قيدًا قيدًا، وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
(224)
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ؛ عَنْ أَبِيْهِ؛ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! طَهِّرْنِي؟ فَقَالَ: [وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ الله وَتُبْ إِلَيْهِ] قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيْدٍ، ثُمَّ جَاءَ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! طَهِّرنِي؟ فَقَالَ: [وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ الله وَتُبْ إِلَيْهِ] قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيْدٍ، ثُمَّ جَاءَ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! طَهِّرنِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَتِ الرَّابِعَةُ؛ قالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [فِيْمَ أُطَهِّرُكَ؟ ] فَقَالَ: الزِّنَى! فَسَألَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [أَبِهِ جُنُونٌ؟ ]، فَأُخْبِرَ أَنهُ لَيْسَ بِجُنُونٍ؛ فَقَالَ:[أَشَرِبَ خَمْرًا؟ ] فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ رِيْحَ الْخَمْرِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [أَزَنَيْتَ] فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجمَ. رواه مسلم فِي الصحيح: كتاب الحدود: باب من اعترف على نفسه بالزنى: الحديث (22/ 1695).
كَقُبُلٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأن هذا زنا فَأَشْبَهَ زنا المرأة، وملخَّصُ ما فِي دُبر الذكر طريقان؛ أحدهما: ثلاثة أقوال كما فِي المُحَرَّرِ والشرح، أحدُها: أن عقوبته القتلُ مطلقًا لحديثٍ فيه صحح الحاكم إسناده (225)، فعلى هذا يقتل بالسيف على الأصح من زوائد الروضة، وقيل: يُرْجَمُ، وقيل: يُهْدَمُ عليهِ جدارًا أو يُرمَى من شاهق حتَّى يَمُوتَ أخذًا من عذاب قوم لوط، والقولُ الثَّاني: أن الواجب فيه التعزيرُ كالبهيمة، والثالثُ: وهو أصحُّها: أنَّ حدَّهُ حدُّ الزنا فيرجمُ إن كان مُحْصِنًا ويُجْلَدُ ويُغَرَّبُ إن لم يكن محصنًا ك 4 القُبل، والطريق الثاني: إثباتُ القول الأول والثاني فقط، وأما دُبر الأنثى الأحنبية ففيه طريقان؛ أصحُّهما: أنَّه كاللواط بذَكَر؛ لأنه إتيان من غير المأتى فتجيء الأقوال، وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ، أي وكذا مقدمات وطئٍ وهذا ما احترز عنه بقيد الإِيْلَاجِ، وَوَطْئِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وِإحْرَامٍ، هذا ما احترز عنه بقوله (مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ) فإن التحريم فِي حق الحائض والصائمة والمُحْرِمَةِ ليس لعينِ الوطء وإنما يحرَّمُ وطء الحائض للأذى ومخامرة تلك النجاسة، ووطء الصائمة والمُحْرِمَةِ لحقِّ العبادة فلا يتعلق به الحد، وَكَذَا أَمَتِهِ المُزَوَّجَةِ وَالمُعْتَدَّةِ، والمقدرة لعدم تَأَبُّدِ التحريم، وَكَذَا مَمْلُوكَتِهِ المَحْرَمِ، أي برضاعٍ أو نسبٍ كأُخْتِهِ من الرضاع أو النسب أو كانت بِنْتَهُ أو أُمَّهُ من الرضاع أو موطوءة أبيه وابنه، وَمُكْرَهٍ فِي الأَظْهَرِ، لشبهة الملك المبيح فِي الأولى، والإكراه فِي الثانية، والثاني: يجب فيهما، أما فِي الأُولى؛ فلأنه وطء لا يستباح بحال فأشبه اللواط، وأما فِي الثاني؛ فلأن انتشار الآلة لا يكون إلا عن شهوة واختيار، وَكَذَا كُلَّ جِهَةٍ أبَاحَهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا
(225) عَنْ عِكْرِمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فاقْتُلواْ الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بِهِ]. رواه أبو داود فِي السنن: كتاب الحدود: باب فيمن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط: الحديث (4462). والترمذي في الجامع: كتاب الحدود: باب ما جاء فِي حَدِّ اللَّوطِيِّ: الحديث (1456). والحاكم فِي المستدرك: كتاب الحدود: الحديث (8047/ 24)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شواهد. ووافقه الذهبي فِي التلخيص.
شُهُودٍ عَلَى الصَّحِيْحِ، كمذهب مالك أو بلا ولي كمذهب أبي حنيفة أو بغيرهما كمذهب ابن عباس في المتعة للاختلاف في الصحة فلا حد للشبهة كما لو وطئ في عقدٍ وليَّه فاسق، وسواء كان يعتقد التحريم أم لا! والثاني: يجب في النكاح بلا وليّ على من يعتقد تحريمه فقط، والثالث: يجب على من اعتقد الإباحة إيضًا كما يُحد الحنفي بالنبيذ، وقوله (عَلَى الصَّحِيْحِ) صوابهُ على الأظهر كما بيَّنه الرافعي في تذنيبه، وعبر في المُحَرَّر بأن قال: الظاهر أنَّه لا حدَّ، وهذه الصورة مما احترز عنها بقوله (خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ).
فَرْعٌ: نقل الحازميُّ عن الشافعي إيجاب الحدِّ على واطئ جاريةِ امرأتهِ، ونقل عن أصحاب الرأي أنَّه لا يُحَدُّ إذا قال: ظننت الحِلَّ؛ أي لأجل الشبهة الحاصله بذلك، وعن الثوري: أنَّه إن كان يُعْرَفُ بالجهالة لم يُحد، وفي أبي داود أنَّه عليه السلام[قَضَى في ذَلِكَ بِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ أحَلَّتْهَا لَهُ جُلِدَ مِائَةً، وَإِلَّا رُجِمَ] لكن قال البخاري: أنا أنفي هذا الحديث (226)، وحديث سَلَمَةَ بْنِ المُحَبِّقِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[في رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرأَتِهِ إِنْ اسْتَكْرَهَهَا؛ فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ حَارِيَتُهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا](227) كان قبل أن تنزل الحدود كما رواه الحازمي عن عليٍّ رضي الله عنه (228).
وَلَا بِوَطْءٍ مَيِّتَةٍ في الأَصَحِّ، لأنه مما يَنْفِرُ الطبعُ عنه، وما ينفر الطبع عنه لا
(226) نقله الحازمي في الاعتبار: كتاب الجنايات: ص 163، وقال: قال البخاري: (أنا أنفي هذا الحديث). رواه عنه أبو عيسى الترمذي. والحديث رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب في الرجل يزني بجارية امرأته: الحديث (4458). والترمذي في الجامع: كتاب الحدود: باب ما جاء في الرجل يقع على جارية امرأته: الحديث (1451)، وقال: حديث في إسناده اضطراب.
(227)
رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: الحديث (4460). والترمذي في الجامع: كتاب الحدود: الحديث (1452).
(228)
رواه الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: كتاب الجنايات: باب ما جاء فيمن زنى بجارية امرأته من الاختلاف: ص 164.
يحتاج إلى الزَّجْرِ عنهُ كشرب البول، نَعَمْ: يُعَزَّرُ، والثاني: يُحدُّ؛ لأنه إيلاج في فرج لا شبهة له فيه فهو كفرج الْحَيَّةِ، والثالث: إن كان ممن لا يُحد بوطئها في الجملة كالزوجة فلا حد وإلا فيُحد، حكاه المصنف في شرح المهذب في باب الغسل. وهذه الصورة والتي بعدها احترز المصنف عنها بقوله (مُشْتَهًى)، وَلَا بَهِيمَةٍ في الأَظْهَرِ، أي بل الواجب التعزير، ومنهم من قطع به، لأن الطباع السليمة تأباهُ، ولا يوجد ذلك إلَّا نادرًا من الأراذل. ومثل ذلك لا يزجر عنه بالحد، والثاني: واجبه القتلُ مُحْصَنًا كان أو غيره، لحديث فيه صحح الحاكم: إسناده (229)، والثالث: واجبه حدُّ الزنا فيفرَّقُ بين المحصَن وغيرهِ.
وَيُحَدُّ فِي مُسْتَأْجَرَةٍ، لأنه عقدٌ باطلٌ فلا يؤثر في شبهة كما لو اشترى خمرًا فشربها، وَمُبِيْحَةٍ، لأنَّ الأَبْضَاعَ لا تباحُ بالإباحاتِ، وَمَحْرَمٍ، أي بنسب أو رضاع أو مصاهرة، وَإِن كَان تَزَوَّجَهَا، لأنه وطئ صادف محلًا ليس فيه شبهةٌ وهو مقطوع بتحريمه فيتعلَّقُ به الحدُّ.
فَرْعٌ: أولَج محصَنٌ في فرج خُنثى وأولج خُنثى في دبُرِ رجلِ وجب على الرجل الرَّجْمُ إن كان الخنثى امرأة والجلدُ والتعزير إن كان رجلًا، لأنه قد لاط برجل فيعزَّرُ قاله ابن المسلَّم في الخناثى.
فَصْلٌ: وَشَرْطُهُ: التَّكلِيفُ، أي فلا حَدَّ على صبي ومجنون للخبر المشهور (230)، إِلَّا السَّكرَانْ، أي فإنه يجب عليه الحد، وإن كان غير مكلف، وهذا الاستثناء مما زاده على المُحَرَّرِ في مواضع وقد تقدم في الطلاق وغيره أنَّه لا حاجة إلى استثنائه، وأنَّ إمَامَنا الشافعيَّ نصَّ على أنه مكلَّفٌ، وَعِلْمُ تَحْرِيْمِهِ، أي فلا حدَّ على من
(229) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَأْتِي بَهِيْمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُواْ البَهِيْمَةَ مَعَهُ]. رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الحدود: الحديث (8049/ 26)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وللزيادة في ذكر البهيمة شاهد.
(230)
تقدم في الجزء الأول: الرقم (314).
جهل تحريم الزنا لقرب عهده بالاسلام، أو بُعْده عن أهل العلم لرفع القلم عنه. وَحَدُّ المُحْصَنِ الرَّجْمُ، أي ولا جلد معه خلافًا لابن المنذر، وَهُوَ، يعني المحصن، مُكَلَّفٌ، أي فالصبي والمجنون ليسا محصنين، حُرُّ، أي فالرقيق ليس بمحصن؛ لأنها صفة كمال وهو ناقصٌ، وَلَوْ ذِمِّيٌّ، لأنه عليه السلام[رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَكَانَا قَدْ أَحْصَنَا] كما أخرجه أبو داود من حديث الزهري (231)، غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ في نِكَاحٍ صَحِيْحٍ، أي فالواطئ في دبر أو في ملك يمين أو في نكاح فاسد ليس بِمُحْصَنٍ، لَا فَاسِدٍ في الأَظْهَرِ، لأنه حرامٌ فلا تحصل به صفة كمال، والثاني: أنَّه يفيد الإحصان، لأن الفاسد كالصحيح في العدة والنسب فكذا في الإحصان، وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ التَّغْيِيْبِ حَالَ حُرُيَّتِهِ وَتَكْلِيْفِهِ، أي فلا يجب الرجم على من وطئ في نكاح صحيح وهو صبي أو مجنون أو رقيق، واحتج له بأن شرط الإصابة أن تحصل بأكمل الجهات، وهو النِّكَاح الصحيح، فيشترط حصولها من كامل، والثاني: لا يشترط ذلك، فإنه وطء يحصل به التحليل فكذا الإحصان، وَأَنَّ الْكَامِلَ الزَّانِي بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ، لأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح فأشبه ما إذا كانا كاملين، فإذا وجدت الإصابة والرجل في حال الكمال دون المرأة أو بالعكس كان الكامل محصنًا، وبهذا عبَّر الرافعي في المحرر وهو مقصود المصنف، أي وأن الزاني الكامل المصيب لناقصة محصن، والثاني: لا، لأنه وطء لا يصير فيه أحد الواطئين محصنًا به، وكذلك الآخر كما لو وطء بالشبهة، وَالْبِكْرُ الحُرُّ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيْبُ عَامٍ، أي ما سبق في المحصن، أما غيره وهو المعبَّر عنه بالبكر؛ فإن كان حُرًّا جُلِدَ مائة جلدة للآية (232)؛ وغُرِّبَ عامًا لحديث عبادة في صحيح مسلم (233)، إِلَى مَسَافَةِ
(231) رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب في رجم اليهوديين: الحديث (4450 و 4451).
(232)
(233)
عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [خُذُواْ عَنِّي؛ خُذُواْ عَنِّي؛ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيْلًا؛ الْبِكرُ بِالْبِكْرِ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ].
رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب حد الزنى: الحديث (12/ 1690).
قَصْرٍ، لأن ما دونها في حكم الْحَضَرِ وتتواصل إليه الأخبار فيها، والمقصود إيحاشهُ بالبعد عن أهله ووطنه، فَمَا فَوْقَهَا، أي فما فوق مسافة القصر، وذلك إذا رأى الإمام التغريب إليه، لأن الصِّدِّيْقَ رضي الله عنه غَرَّبَ إلَى فدكٍ (234)، وعُمر إلى الشَّام (235)، وعثمان إلى مصر (236)، وعلِيًّا إلى البصرة (237)، وظاهر كلام الحاوي الصغير المنع من التغريب على زيادة مرحلتين.
وَإِذَا عَيَّنَ الإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الأَصَحِّ، لأنه أليق بالزجر والتعنيف، والثاني: له ذلك؛ لحصول مسمَّى التغريب، وَيُغَرَّبُ غَرِيْبٌ مِن بَلَدِ الزِّنَا إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، تنكيلًا وإِبعادًا عن موضع الفاحشة، ولا يغرب إلى بلدِه، ولا إلى بلدِ بينه وبين بلده مسافة القصر، فَإِنْ عَادَ إِلَى بَلَدِهِ مُنِعَ في الأَصَحِّ، لأنه لا يحصل له الإيحاش، والثاني: لا يتعرض له، وهو ما في الوجيز فقط، ثم هذا المذكور في غريب له وطن، فإن لم يكن؟ بأن هاجر حربي إلى دار الإسلام؛ ولم يتوطن بلدًا، قال المتولي: يتوقف الإِمام حتَّى يتوطن بلدًا ثم يُغَرِّبُهُ.
وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا في الأصَحِّ، بَل مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ، لأنها إذا غُرِّبَتْ
(234) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الحدود: باب ما جاء في نفي البكر: الأثر (17447) و (17448).
(235)
قال البيهقي: (وكان عمر رضي الله عنه ينفي من المدينة إلى البصرة والى خيبر). ينظر: السنن الكبرى: كتاب الحدود: الحديث (17446)، وقال: رواه البخاري في الصحيح.
(236)
قال الماوردي: (فقد غرب عمر رضي الله عنه إلى الشام، وغرب عثمان رضي الله عنه إلى مصر). ينظر: الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: كتاب الحدود: باب حد الزنى والشهادة عليه: ج 13 ص 204.
(237)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الحدود: الأثر (17452).
وحدَها لم يؤمن عليها من التهتك، والثاني: تُغَرَّبُ وحدَها، لأنه سفر واجب، فأشبه الهجرة؛ فإنها إذا كانت تخاف الفتنة؛ فإن عليها أن تسافر وحدَّها كذا أطلق الخلاف مطلقون، وخصه الإمام والغزالي. بما إذا كان الطريق آمنًا وفي النسوة الثقاة عند أمن الطريق وجهان، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، لأنها من الأهبة، وهي في مالها لا في بيت المال على الأصح، فَإِنِ امْتَنَعَ، أي من الخروج، بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرُ في الأَصَحِّ، كما في الحجِّ، والثاني: تجبر للحاجة إلى إقامة الواجب.
وَالْعَبْدِ خَمْسُونَ، لأنه ناقص بالرق فليكن على النصف من الحر كالنِّكَاح والعدة، وَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، لأنه حد يتبعض فأشبه الجَلد، وَفِي قَوْلٍ: سَنَةٌ، كمدة الإيلاء، وَفِي قَوْلٍ: لَا يُغَرَّبُ، لأن في ذلك تفويتًا لحق السيد.
فَصْلٌ: وَيَثْبُتُ، أي حدُّ الزنا، ببَيِّنَةٍ، لقوله تعالى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (238)، أَوْ إقرَارٍ مَرَّةً، لأنه عليه الصلاة والسلام؛ عَلَّقَ الرَّجْمَ بِمُطْلَقِ الاعْتِرَافِ؛ حَيْثُ قالَ:[أُغْدُ يَا أُنَيْسٍ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا](239) وترديده صلى الله عليه وسلم ماعزًا إنَّمَا كَانَ لأنهُ رُبَّمَا ارْتَابَ في أَمْرِهِ، فَاسْتَثْبَتَهُ (•) ليعرف أَبِهِ جُنُونٌ أَوْ شُرْبُ خَمْرٍ أمْ لَا؟
فَرْعٌ: يشترط في الإقرار بالزنا التفسير كالشهادة كما صححه في الروضة في كتاب السرقة، وقال هنا: إنه الأقوى.
وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ، لأنه عليه الصلاة والسلام قالَ في قِصَّةِ مَاعِزٍ [لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ] رواه البخاري (240) واحترز بـ (الإقرار) عن البيِّنة؛ فإنه
(238) النساء / 15.
(239)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحدود: باب الاعتراف بالزنا: الحديث (6827 و 6828).
(•) في النسخة (2): فَاسْتَبْيَنَهُ.
(240)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحدود: باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك؟ الحديث (6824).
لا أثر لرجوعه، وَلَوْ قَالَ: لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ فَلَا فِي الأَصَحِّ، لأنه قد صرّح بالإقرار، ولم يصرح بالرجوع؛ نَعَمْ؛ يخلّى في الحال؛ ولا يتبع؛ فإن اتبع فرجم فلا ضمانَ، والثاني: يسقط؛ لإشعاره بالرجوع.
فَرْعٌ: هل يأتي هذا في قطع السرقة؟ الظاهرُ مجيئُهُ وإنْ لَمْ أرَهُ منقولًا.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزنَاهَا وَأَرْبَعُ، أي أربع، نِسْوَةٍ أَنَّهَا عَذرَاءُ لَمْ تُحَدَّ هِيَ، لشبهة بقاء العُذْرَةِ، وَلَا قَاذِفُهَا، لوجود الشهادة على الزنا واحتمال عود البكارة لترك المبالغة في الافتضاض، وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ زَاوَيةً لِزِنَاهَ وَالبَاقُونَ غَيْرَهَا لَمْ يَثبُتْ، لأنهم لم يتفقوا على زَنْيَةٍ واحدة فأشبه ما لو قال بعضهم: زنا الغداة، وقال بعضهم: زنا بالعشي.
فَصْلٌ: وَيَسْتَوْفِيْهِ، يعني الحد، الإِمَامُ أوْ نَائِبُهُ، للاتباع، مِنْ حُرٍّ وَمُبَعَّضٍ، أما الحُرُّ فما ذكرناه، وأما المبعضُ؛ فلأنه لا ولاية للسيد على الحد منه؛ والحد متعلق بجملته، وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ الإِمَامِ وَشُهُودِهِ، أي ولا يجب، لأنه عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَلَمْ يُحْضِرْهُمَا (241).
فَرْعٌ: يستوفيه من الإمام من يلي الحكم من تحت يده كما لو توجهت عليه حكومةٌ؛ قضى عليه حاكمه، كذا رأيتُ في فتاوى القفال.
وَيَحُدُّ الرَّقِيْقَ سَيِّدُهُ، لقوله عليه الصلاة والسلام [أَقِيْمُواْ الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَت أَيْمَانُكُمْ] رواه أبو داود والنسائي (242)، أَوِ الإِمَامُ، لعموم ولايته، فَإِنْ
(241) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: [إِذْهَبُواْ بِهِ فارْجِمُوهُ].
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطلاق: باب الطلاق في إغلاق: الحديث (5271). ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب من اعترف على نفسه بالزنا: الحديث (16) من الكتاب. والمشهور في المرأة: [أُغدُو يَا أُنَيْسُ] وقد تقدم في الرقم (239).
(242)
الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب إقامة الحد على المريض: الحديث (4473). والنسائي في السنن الكبرى: كتاب الرجم: =
تَنَازَعَا، أي في إقامته، فَالأَصَحُّ: الإِمَامُ، لما قلناه، والثاني: السيد لغرض إصلاح ملكه، وهما احتمالان للإمام فَاعْلَمْهُ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ، لأنه بعض الحد، والثاني: لا، وهو ضعيف، فإن عمر غَرَّبَ أَمَتَهُ إلى فدك.
وَأَنَّ المُكَاتَبَ كَحُرٍّ، لخروجه عن قبضة السيد، والثاني: لا، لأنه عبد ما بقي عليه درهم، وَأَنَّ الْفَاسِقَ؛ وَالْكَافِرَ؛ وَالمُكَاتَبَ يَحُدُّونَ عَبِيْدَهُمْ، لعموم الحديث السالف، والثاني: لا، نظرًا إلى معنى الولاية وهؤلاء ليسوا من أهلها، ونصَّ عليه في الأُمِّ في المكاتب، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُعَزِّرُ، كما يؤدبه لحق نفسه، والثاني: لا، لأنه غير مضبوط، ويفتقر إلى اجتهاد، وَيَسْمَعُ البَيِّنَةَ بِالْعُقُوبَةِ، كالإمام، والثاني: لا، لأنه من مناصب القضاة، فلا يزاحمهم فيه، بخلاف الضرب في الحد فهو تأديب.
فَصْلٌ: وَالرَّجْمُ بِمَدَرٍ وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، أي لا بصخرة تذفف، ولا يطول تعذيبه بحصيات خفيفة، وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ، أي عند رَجْمِهِ؛ واختلفت الرواية في ماعز هل حُفِرَ له؟ ففي مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: لا (243)، وفيه من حديث بريدة: نعم (244)، وَالأَصَحُّ: اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، لئلا تنكشف، ولأن الظاهر من الشهود عدم الرجوع فيكون الرجم في الحفرة أسهل، وإن ثبت بالإقرار؛ فلا؛ لأنه ربما عنَّ لها الرجوع والهرب، فلا تتمكن منه إذا كانت في حفرة، والثاني: يحفر لها مطلقًا؛ لأنه عليه السلام[حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إِلَى صَدْرِهَا وَكَانَتْ مُقِرَّةً] رواه مسلم (245)،
= باب إقامة الرجل الحد على وليدته: الحديث (7239). وأصله عند مسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب تأخير الحد عن النفساء: الحديث (34/ 1705).
(243)
رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب من اعترف على نفسه بالزنا: الحديث (20/ 1694). وفيه قال أبو سعيد رضي الله عنه: [فَأَمَرَنَا أنْ نَرْجِمَهُ] قَالَ: (فانْطَلَقْنَا بهِ إِلَى بَقِيْعِ الْغَرْقَدِ)، قَالَ:(فَمَا أوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ).
(244)
رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحدود: الحديث (23/ 1695) وَفِيْهِ أَنَّ بُرَيْدَةَ قالَ: (فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ حُفِرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَرُجِمَ).
(245)
رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحدود: الحديث (23/ 1695)، ولفظه: [ثُمَّ أُمِرَ =
والثالث: أن الأمر فيه إلى خيرة الإمام، ولا استحباب فيه.
وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ، لأنَّ نَفْسَهُ مُستَوْفَاةٌ، وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفرِطَيْنِ، كذلك أيضًا، وَقِيلَ: يُؤَخرُ إِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ، لأنه ربما رَجَعَ في أثناء الرمي فَيَعِيْنُ ذلك على قتله، وَيُؤَخَّرُ الجَلْدُ لِمَرَضٍ، أي إذا رُجيَ برؤه منه، لأن المقصود الردع دون القتل، والحد حينئذ معين على القتل، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جُلِدَ، أي ولا يؤخر إذ لا غاية تنتظر، لَا بِسَوْطٍ، لئلا يهلك، بَلْ بِعِثْكَالٍ، أي وهو العرجون، عَلَيهِ مِائَةُ غُصنٍ، شمراخ للنص فيه في سنن أبي داود (246)، فَإِنْ كَان خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ، ليكون المجموع مائة، قُلْتُ: ولا يتعين العثكال بل له الضرب بالنعال وأطراف الثياب، وَتَمَسُّهُ الأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الأَلَمِ، أي فإن لم تمسَّهُ أو لم ينكبس بعضها على بعض لم يسقط الحد، وكذا إذا شكَّ أيضًا وإن كان مقتضى نصه في الإيمان السقوط، فَإنْ بَرَأَ، أي بعد أن ضرب بما ذكرناه، أَجْزَأَهُ، أي بخلاف المغصوب إذا حجّ عنه ثم اتفق برؤه، لأنَّ الحَدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ، أما إذا بَرِئَ قبل ذلك، فإنه يحدُّ حدَّ الأصحَّاءِ لا محالة.
وَلَا جَلْدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، خشية الهلاك بل يُؤَخَّرُ إلى اعتدال الوقت، وكذا القطع في السرقة بخلاف القصاص وحد القذف، وَإِذَا جَلَدَ الإِمَامُ فِي مَرَضٍ
= بِهَا، فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا].
(246)
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيْفٍ؛ أَنَّهُ أخْبَرَهُ بَعْضُ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَنْصَارِ؛ أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أُضْنِيَ فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَت عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ، فَهَشَّ لَهَا؛ فوَقَعَ عَلَيْهَا؛ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ. وَقَالَ: اسْتَفْتُوا لِى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَإنَّي قَد وَقَعْتُ عَلَى جَاريَةٍ دَخَلَت عَلَيَّ. فَذَكَرُواْ ذَلِكَ لِرسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالُوا:(مَا رَأَيْنَا بِأحَدٍ مِنَ النَّاسِ من الضُّرَّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بهِ؛ لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ، مَا هُوَ إِلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ [فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأخُذُوا لَهُ مِائَة شِمرَاخٍ، فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب في إقامة الحد على المريض: الحديث (4472).
أَوْ حَرٍّ وَبَرْدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّصِّ، لأن التلف حصل من واجب أُقيم عليه، وفيه قول مُخَرَّجٌ فيما إذا خَتنَ أقلف في حرٍّ أو بردٍ شديدين؛ فإن النص هناك الضمان وهو الأصح فيه، والفرقُ أن الْجَلْدَ يثبتُ بالنص والختان بالاجتهاد، فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّأْخِيْرَ مُستَحَبٌّ، هو كما قال، لكن قال في الروضة: فالمذهب وجوبه.