المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ الأَصْلُ فِي الْبَابِ آيَاتٌ مِنْهَا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النفقات

- ‌كتاب الجراح

- ‌بَابُ كَيفِيةِ القِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاختِلافِ فِيهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَّاتِ

- ‌بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

- ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

- ‌كِتَابُ البُغَاةِ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ

- ‌كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ

- ‌كِتَابُ الأشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ

- ‌كِتَابُ السِّيَّرِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الأضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُنَاضَلَةِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌كِتَابُ أمَّهَاتِ الأوْلَادِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ الأَصْلُ فِي الْبَابِ آيَاتٌ مِنْهَا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ

‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

الأَصْلُ فِي الْبَابِ آيَاتٌ مِنْهَا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (429).

حَيْوَانُ الْبَحْرِ السَّمَكُ مِنْهُ حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ، لما سلف فِي باب الصيد والذبائح، وقوله (كَيْفَ مَاتَ) أي: أنَّه لا فرق بين أن يموت حتف أنفه أو بسبب ظاهر كصدمة حجر وضغطةٍ ونحوها، وَكَذَا غَيْرُهُ، أي غير السمك من حيوان البحر مما ليس على صورته، فِي الأَصَحِّ، لإطلاق قوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} (430) وقوله صلى الله عليه وسلم[الْحِلَّ مَيْتَتُهُ](431)، وإنما قدرتُ فِي كلام المصنف ما قدمته؛ لأنه صحَّحَ فِي أصل الروضة إطلاق اسم السمك على جميع ما فِي البحر، وَقِيْلَ: لَا، لأنه عليه الصلاة والسلام خَصَّ السمكَ بالحلِّ فِي قوله [أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ] (432) فيبقى ما سواهما داخل تحت تحريم الميتة؛ لكن حَدِيْثَ حِلِّ الميتةِ عامٌّ، وَقِيْلَ: إِنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ حَلَّ، أي كالبقر والشاة حل، وَإلَّا فَلَا: كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ، اعتبارًا لما فِي البحر بما فِي البر؛ ولأن الاسم يتناوله فأجرى عليه حكمه؛ فعلى هذا إن وجد ما لا نظير له فِي البر فهو حلال لقصة العَنْبَرِ؛ وهي فِي الصحيح؛ ولا نظير لها فِي البر؛ وعلى هذا لا يحلُّ ما أشبهَ الحمارَ وإن كان فِي الْبَرِّ حمارُ الوحش.

(429) المائدة / 4.

(430)

المائدة / 96.

(431)

تقدم فِي الجزء الأول: الرقم (81).

(432)

تقدم تقدم فِي الجزء الأول: الرقم (211).

ص: 1746

فَرْعٌ: إذا حكمنا بِحِلِّ ما سوى السمك من حيوان البحر، فقيل: يشترط فيه الذكاة، والأصح: لا، بل تحلُّ مَيْتَتُهُ أيضًا.

وَمَا يَعِيْشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ: كَضِفْدَعٍ وَسَرَطَانٍ وَحَيَّةٍ حَرَامٌ، أما الضِّفْدَعُ؛ فلأنه صحَّ النهيُ عن قتلهِ (433) وَمَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ مُحَرَّمٌ، ولأنه مستخبثٌ، وقيل: هو سَمٌّ. وأما السَّرَطَانُ وَالْحَيَّةُ؛ فَلِما فيهما من الضَّرَرِ، وكذا ذاتُ السُّمُومِ، وقال المصنف فِي شرح المهذب: الصحيحُ المعتمدُ أنَّ جميع ما فِي البحر حلالٌ مِيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعُ، ويحمل ما ذكر الأصحاب أو بعضهم من السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنَّسْنَاسِ على ما يكون فِي غير البحر.

وَحَيْوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الأَنْعَامُ، بالإجماع: وهي الإبل؛ والبقر؛ والغنم، وَالخَيْلُ، لأنهُ عليه الصلاة والسلام [رَخَّصَ فِيْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ] متفق عليه (434)[وَأُكِلَ فِي بَيْتِهِ] كما رواه أحمد (435).

(433) عَنْ سَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ رضي الله عنه؛ قَالَ: [ذَكَرُواْ الضِّفْدَعَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِدوَاءٍ؛ فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا]. رواه أبو داود فِي السنن: كتاب الطب: باب فِي الأدوية المكروهة: الحديث (3871)، وفي كتاب الأدب: باب فِي قتل الضفدع: الحديث (5269). والنسائي فِي السنن: كتاب الصيد والذبائح: الضفدع: ج 7 ص 210. والإمام أحمد فِي المسند: ج 3 ص 453 وص 449. والبيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب الضحايا: جماع أبواب ما يحل ويحرم من الحيوان: الحديث (19922)، وقال: هذا أقوى ما ورد فِي الضفدع.

(434)

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه؛ قَالَ: [نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ؛ وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ]. رواه البخاري فِي الصحيح: كتاب الذبائح والصيد: باب لحوم الخيل: الحديث (5520)، وفي باب لحوم الحمر الإنسية: الحديث (5524). ومسلم فِي الصحيح: كتاب الصيد والذبائح: باب فِي أكل لحوم الخيل: الحديث (36/ 1941).

(435)

عَنْ أسْمَاءَ قَالَتْ: [ذَبَحْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَكَلْنَا نَحْنُ وَأهْلُ بَيْتِهِ] هذا لفظ رواية الدارقطني فِي السنن: كتاب الأشربة وغيرها: باب الصيد والذبائح: الحديث (77) منه. وهو عند الإمام أحمد [فَأَكَلْنَا مِنهُ] ج 6 ص 345 و 346 و 353.

ص: 1747

وَبَقَرُ وَحْشٍ وَحِمَارُهُ، لأنهما من الطيبات.

وَظَبْيٌ، بالإجماع، ولأنه من الطيبات أيضًا.

وَضَبْعٌ، لقوله عليه الصلاة والسلام [الضَّبْعُ صَيْدٌ فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيْهِ جَزَاءٌ كَبْشٌ مُسِنٌّ وَتُؤْكَلُ] رواه الحاكم من حديث جابر وقال: صحيح الإسناد (436)، ونابُهُ ضعيف لا يتقوى به ولا يفترس به ولا يعيش به، وقيل: أنَّه من أحمق الحيوان؛ لأنه يتناوم حتى يصطاد، وقَال أبو حنيفة ومالك بتحريمه لحديث فيه لا يصحُّ (437).

وَضَبٌّ، لأنه أُكِلَ بِحَضْرَتِهِ الْكَرِيْمَةِ؛ وَقَالَ [لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ] متفق عليه (438).

وَأَرْنَبٌ، لأنه عليه الصلاة والسلام [أَكَلَ مِنْهَا] كما أخرجه البخاري (439)،

(436) رواه الحاكم فِي المستدرك: كتاب المناسك: الحديث (1663/ 55)، وقال: هذا حديث صحيح. والبيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب الضحايا: جماع أبواب ما يحل ويحرم من الحيوان: باب ما جاء فِي الضبع: الحديث (19930).

(437)

الحديث عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ، قالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الضَّبُعِ؟ فَقَالَ: [أَوَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ؟ ] وَسَأَلْتُهُ عَنِ الذِّئْبِ؟ فَقَالَ: [أَوَ يَأْكُلُ الذَّئْبَ أَحَدٌ فِيْهِ خَيْرٌ؟ ]. رواه الترمذي فِي الجامع: كتاب الأطعمة: باب ما جاء فِي الضبع: الحديث (1792)، وقال: هذا حديث ليس إسناده بالقوي لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم وقد وقد تكلم بعض أهل الحديث فيهما. وضعفه البيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب الضحايا: باب ما جاء فِي الضبع فِي التعليق على الحديث (19931).

(438)

عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ رواه البخاري فِي الصحيح: كتاب الذبائح والصيد: باب الضب: الحديث (5536). ومسلم فِي الصحيح: كتاب الصيد والذبائح: باب إباحة الضب: الحديث (39 و 40 و 41/ 1943).

(439)

عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه؛ قالَ: [أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغِبُواْ؛ فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بَها أَبَا طَلْحَةَ؛ فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بوِركَيْهَا - أَوْ فَخْذَيْهَا، قالَ: فَخذَيْهَا لَا شَكَّ فِيهِ. فَقَبِلَهُ. قُلْتُ: وَأَكَلَ مِنْهُ؟ قالَ: وَأَكَلَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ]. رواه البخاري فِي الصحيح: كتاب الهدية وفضلها: باب قبول هدية =

ص: 1748

وأغرب أبو حنيفة بتحريمها، وَثَعْلَبٌ، لأنه من الطيبات ونابه ضعيف، وَيَرْبُوعٌ، لأن العرب تستطيبهُ ونابهُ ضعيفٌ أيضًا، وَفَنَكٌ، قيل: إلحاقًا له بالثعلب وهو بفتح الفاء والنون دابَّةٌ يَفْرَى جِلْدُهَا، وحكى في الْمُحْكَمِ كسر الفاء وسكون النون، وَسَمُّورٌ، إلحاقًا بالثعلب أيضًا وهو بفتح السين وتشديد الميم قال ابن دَرَسْتَوَيْهِ: وهو دابة بريَّةٌ مثل السنور ويتخذ من جلودها الفراء للينها وخفتها ودفائها وحسنها وهو أعجمي معرب، ووقع في تهذيب اللغات للمصنف: أنه طائر معروف.

وَيَحْرُمُ بَغْلٌ؛ وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ، للنهي عنهما كما صححه الحاكم (440)، والنهي عن الْحُمُرِ في الصحيحين (441)، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبَاعِ، وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ: كَأَسَدٍ؛ وَنَمِرٍ؛ وَذِئْبٍ؛ وَدُبًّ؛ وَفِيْلٍ؛ وَقِرْدٍ؛ وَبَازٍ؛ وَشَاهِيْنٍ؛ وَصقْرٍ؛ وَنَسْرٍ؛ وَعِقَابٍ، أي وجميع جوارح الطير لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ في الصحيحين (442) وَعَنْ كُلِّ ذِي مَخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ في مسلم (443). والمراد من ذي

= الصيد: الحديث (2572)، وفي كتاب الذبائح والصيد: باب الأرنب: الحديث (5535). ومسلم في الصحيح: كتاب الصيد والذبائح: باب إباحة الأرنب: الحديث (53/ 1953).

(440)

عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما؛ [أَنَّهُمْ ذَبَحُواْ يَوْمَ خَيْبَرَ الحُمُرَ وَالْبِغَالَ وَالْخَيْلَ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنِ الْخَيْلِ]. رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الذبائح: الحديث (7580/ 11)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

(441)

تقدم في الرقم (434).

(442)

عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشْنِيَّ رضي الله عنه؛ [أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبَاعِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الذبائح والصيد: باب أكل كل ذي ناب من السباع: الحديث (5530). ومسلم في الصحيح: كتاب الصيد والذبائح: باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباعِ: الحديث (12 - 14/ 1932).

(443)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ قَالَ: [نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبَاعِ، وَعَنْ كُلَّ ذِي مَخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصيد =

ص: 1749

النابٍ الذى يَعْدُو على الحيوان ويتقوَّى بنابه، والتحريمُ منوطٌ بِعَدْوِهِ بِنَابِهِ على النص، وَكَذَا ابْنِ آوَى؛ وَهِرَّةِ وحشِ فِي الأَصَحَّ، لأن العرب تستخبث الأول والهرة الوحشية تعدو بنابها، والثاني: لا؛ لضعف ناب الأول، وأما في الهرة فبالقياس على الحمار الوحشي، واحترز بـ (الوحشي) عن الهرة الأهلية؛ فإنها حرام على المعروف؛ لأنها تعدُو وتعيش بنابها وقد ورد في الخبر أنها سَبُعٌ (444).

وَيَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ: كَحَيَّةٍ؛ وَعَقْرَبِ؛ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ؛ وَحِدَأًةٍ؛ وَفَأْرَةٍ؛ وَكُلَّ سَبُعٍ ضَارًّ، أي كأسد ونمر وغيرهما مما سلف لقوله عليه الصلاة والسلام:[خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابَّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلَّ وَالْحَرَمِ: الْغَرَابُ؛ وَالحِدَأَةِ؛ وَالْفَأْرَةِ؛ وَالْعَقْرَبِ؛ وَالْكَلْبِ العَقُورِ] متفق عليه (445) وفي رواية لمسلم [الغُرَابُ الأَبْقَعُ]، وفي رواية له:[أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ خَمْسٍ فَوَاسِقَ فِي الحِلِّ وَالْحَرَمِ](446) وفي رواية لأبي داود والترمذي؛ وقال: حسنٌ من حديث أبي سعيد الخدري، ذَكَرَ السَّبُعَ الْعَادِيَ مَعَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ (447)، والسبب في حرمة ما أُمر بقتله من الحيوان: أن الأمر

= والذبائح: باب تحريم أكل كل ذي ناب: الحديث (16/ 1934).

(444)

عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي دَارَ قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَدُونَهُمْ دَارٌ. قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ تَأْتِي دَارَ فُلَانَ وَلَا تَأْتِي دَارَنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:[لأَنَّ فِي دَارِكُمْ كَلْبًا] قَالُواْ: فَإِنَّ فِي دَارِهِمْ سَنُورًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ السَّنُورَ سَبُعٌ]. رواه الإمام أحمد في المسند: ج 2 ص 327. والدارقطني في السنن: ج 1 ص 63. وفي سند الحديث عيسى بن المسيب وهو ليس بالقوي إلا أنه صدوق ولم يجرح. والحديث حسن إن شاء الله. والحاكم في المستدرك: كتاب الطهارة: الحديث (649/ 204).

(445)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب جزاء الصيد: باب ما يقتل الْمُحْرِمُ من الدواب: الحديث (1829). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب با يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب: الحديث (66/ 1198) واللفظ له. وفي البخاري من غير لفظ [الْحِلَّ].

(446)

رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: الحديث (70/ 1198).

(447)

• عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ المُحرِمُ؟ قَالَ: [الْحَيَّةُ؛ =

ص: 1750

بقتله إسقاطٌ لحرمتهِ ومنعٌ من اقتنائِهِ، وَكَذَا رَخْمَةٍ، لخبثِ غِذائها؛ وَبُغَاثَةٍ كَالْحَدَأَةِ وهي طائر أبيض بطيءُ الطيران أصغر من الحدأة وأوله فيه الحركات الثلاث (•).

وَالأَصَحُّ: حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ، أي وهو أَسْوَدٌ صغيرٌ يقال له الزَّاغُ وقد يكون مُحْمَرُّ المنقار والرجلين؛ لأنه مستطاب يأكل الزرع فأشبه الْفَوَاخِتَ، والثاني: أنه حرام؛ لأنه من جنس الغربان؛ وَيَحْرُمُ الغرابُ الأسود على الأصحِّ، وكذا الْغُدَافُ الصغير على الأصح في أصل الروضة؛ وإن كان ظاهر إيراد الرافعي تصحيحُ الْحِلِّ.

وَتَحْرِيْمُ بَبَغَا وَطَاوُسٍ نقله الرافعي عن تصحيح البغوي خاصة ولم يعلله ولا علل مقابله، وَالْبَبَغَاءُ بفتح الْبَاءَيْنِ والأُولى مفتوحةٌ والثانية مشدَّدةٌ ومنهم من ضبطها بإسكانِ الثانية، واقتصر المصنفُ فيما رأيته بخطَّهِ على تشديدِ الباء الثانيةِ وعَلَّمَ على الألف علامة القَصْرِ، قال الصَّاغَانِيُّ في عِبَابِهِ؛ ومن خطَّهِ نقلتُ: البَبَغَا هذا الطائرُ الأخضرُ المعروفُ يعني الدُّرَّةُ.

وَتَحِلُّ نَعَامَةٌ؛ وَكُرْكِيٌّ؛ وَبَطٌّ؛ وَإِوَزٌّ؛ وَدَجَاجٌ؛ وَحَمَامٌ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ وَإِنِ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيْبٍ؛ وَصَعْوَةٍ؛ وَزَرْزُورٍ، لأنها من الطيبات والإِوزُ بكسر الهمزة حكى عن البطليوسي وِزَّةٌ، وقال صاحب الواعي: الأَوَزُّ طيرُ الماءِ واحدُها إِوَزَّةٌ وهو الطيرُ الذي يقالُ له الْبَطُّ، وكذا قال ابن خَالَوَيْهِ الإِوَزُّ الْبَطُّ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ فينكرُ على المصنف جَمْعُهُ بينهما، والدجاجُ مُثَلَّثُ الدَّالِ حكاه غير واحد وقوله (عَبَّ وهدَرَ) الأشبه كما قال الرافعي: أن ما عبَّ

= وَالْعَقْرَبُ؛ وَالفُوَيْسِقَةُ؛ وَيُرْمَى الْغُرَابُ وَلَا يَقْتُلُهُ، وَالْكَلْبُ العَقُورُ، وَالحِدَأَةُ، وَالسَّبُعُ الْعَادِي] رواه أبو داود في السنن: كتاب المناسك: باب ما يقتل المحرم من الدواب: الحديث (1848). والترمذي في الجامع: كتاب الحج: باب ما يقتل المحرم من الدواب: الحديث (838)، وقال: هذا حديث حسن.

• وَقالَ التَّرمِذِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: (كُلُّ سَبُعٍ عَدَا عَلَى النَّاسِ أَوْ عَلَى دَوَابَّهِمْ، فَلِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ).

(•) بُغَاثَةٌ؛ بَغَاثَةٌ؛ بِغاثَةٌ.

ص: 1751

وهدَرَ، وَالْعَبُّ شِدَّةُ جُرَعِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ، وَالْهَديْرُ: تَرجِيْعُ الصَّوتِ وَمُوَاصَلَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْطِيْعٍ لَهُ، وَالْعُصْفُورُ بضمِّ العين وحكى فتحها، وَالعَنْدَلِيْبُ بفتح العين والدال وهو طائرٌ يقال لهُ الْهَزَّارُ، والجمعُ الْعَنَادِلُ؛ لأنك ترده إلى الرباعي ثم تبني منه الجمع، وَالْبُلْبُلُ يُعَنْدِلُ إِذَا صَوَّتَ قاله الجوهري، والصَعَوَةُ بفتح الصاد والعين المهملتين، لَا خُطَّافٌ، لورود النهي عن قتله (448) وهو الْخُفَّاشُ كما نص عليه أهل اللغة، وإن كان كلام المصنف في الروضة تبعًا للرافعي يقتضي تغايرهما، وَنَمْلٌ وَنَحْلٌ، للنهي عن قتلهما (449)، وعن الخطابي: أن النهي الوارد في قتل النمل المراد به السُليماني أي لانتفاء الأذى منه دون الصغير (450)، وكذا نقل عن شرح السُّنَّةِ أيضًا، وَذُبَابٌ وَحَشَرَاتٌ كَخُنْفَسَاءَ وَدُودٍ، لقوله تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (451)، وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، تغليبًا للتحريم، وَمَا لَا نَصَّ فِيْهِ

(448) • عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ المُرَادِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتلِ الْخَطَاطِيْفِ، وَقَالَ:[لَا تَقْتُلُواْ هذِهِ العُوَذَ؛ إِنَّهَا تَعُوذُ بِكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الضحايا: باب جماع أبواب ما يحل ويحرم من الحيوان: الحديث (19923).

• عَنْ عَبَّادِ بْنِ إِسْحَاقٍ عَنْ أَبيْهِ، قَالَ:[نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَطَاطِيْفِ عُوَذُ الْبَيْتِ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (19924).

• قال البيهقي: كلاهما منقطع.

(449)

عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ قَالَ: [إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ؛ وَالنَّحْلَةِ؛ وَالْهُدْهُدِ؛ وَالصُّرَدِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب في قتل الذر: الحديث (5267). وابن ماجه في السنن: كتاب الصيد: باب ما ينهى عن قتله: الحديث (3224).

(450)

في معالم السنن لأبي سليمان الخطابي: التعليق على الحديث: في الرقم (5106): ج 8 ص 113، تحقيق أحمد محمد شاكر: قال الخطابي: يقال إن النهي إنما جاء في قتل النمل في نوع منه خاص. وهو الكبار منها، ذوات الأرجل الطوال. وذلك أنها قليلة الأذى والضرر. إنتهى.

(451)

الأعراف / 157.

ص: 1752

إِنِ اسْتَطاَبَهُ أَهْلُ يَسَارٍ وَطِبَاعٍ سَلِيْمَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، أي مَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ عَلَيهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ، وَإنِ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا، لأن القرآن أُنْزِل بلغتهم وهم المخاطَبون به، ويشترط فيهم الشروط المذكورة فلا عبرة بأهل الحاجة ولا بالأجْلَافِ ولا بحال الْجَدْبِ، وَإن جُهِلَ اسمُ حَيَوَانٍ سُئِلواْ وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ، أي حِلًا وحُرمًا، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اعْتُبِرَ بِالأَشْبَهِ بِهِ، أى إما صورةً أو طبعًا أو طعمًا (452).

فَصْلٌ: وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ حَرُمَ أَكْلُهُ، لأنها صارت من الخبائث، وَقِيْلَ: يُكْرَهُ، لأن النهي الوارد فيه إنما كان لتغير اللحم وهو لا يوجب التحريم بدليل المذكى إذا جاف وهذا ما نقله الرافعي في الشرح والتذنيب عن إيراد الأكثرين، لا جَرَمَ عقّبه المصنف بقوله: قُلْتُ: الأَصَحُّ يُكْرَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ، وتبع الرافعي في المُحَرَّرِ الإمام والبغوي والغزالي لكنه اعترض عليه في التذنيب، والجلاّلة: هي التي تأكل العذرة والنجاسات سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم والدجاج، ثم قيل: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة، وإن كان الطّاهر أكثر فلا، وهذا قضية كلام المصنف في تحريره، والصحيح أنه لا اعتبار بالكثرة بل بالرائحة والنتن كما جزم به المصنف فإن وجد في عرقها وغيره ريح الجلالة فهو موضع النهي وإلاّ فلا، فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ، لَحْمُهَا، لزوال التغيير، حَلَّ، لزوال العلة.

فُرُوعٌ: كما يمنع لحمها يمنع لبنها، وكذا بيضها، ويكره الركوب عليها بدون حائل، وحكمُ السَّخْلَةِ الْمُرَبَّاة بِلَبَنِ كَلْبٍ كَالْجَلَّالَةِ.

(452) قلتُ: الأصل في الأشياء جواز الانتفاع بها ما لم يرد دليل المنع، وقد ورد دليل المنع بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال:[نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلَالةِ وَأَلْبَانِهَا]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأطعمة: باب النهي عن أكل الجلالة: الحديث (3785) وإسناده صحيح. والترمذي في الجامع: كتاب الأطعمة: باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة: الحديث (1824).

ص: 1753

وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ كَخَلًّ وَدُبْسٍ ذَائِبٍ حَرُمَ، أي أَكْلُهُ لأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَكُونُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ:[إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقَوْهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ] وقد سبق في النجاسات (453)، وفي البيع وجه أنه يمكن تطهير الدهن، فعلى ذلك الوجه إذا غسل يزول التحريم، وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ مَكْرُوهٌ، للنهي عنه (454)، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيْقَهُ وَنَاضِحَهُ، لأن مُحَيَّصَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ؟ فَنَهَاهُ عَنْهُ فَذَكَرَ لَهُ الْحَاجَةَ فَقَالَ:[أَعْلِفْهُ نَوَاضِحَكَ] حَسَّنَهُ الترمذيُّ وصححهُ ابنُ حبَّان (455)

(453) تقدم في الرقم (230) من الجزء الأول.

(454)

• الْمُخَامَرَةُ الْمُخَالَطَةُ؛ لحَدِيثِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي السَّمْنِ.

• أَمَّا النَّهْيُ عَنْ كَسْبِ الْحِجَامَةِ؛ فَلِحَديْثِ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَأمَرَ بِمَحَاجمِهِ فَكُسِرَتْ؛ وَقالَ:[إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسبِ الْبَغِيَّ؛ وَثَمنِ الدَّمِ، وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُستَوْشِمَةَ؛ وَآكِلَ الرَّبَا وَمُؤَكِلَهُ؛ وَلَعنَ الْمُصَوَّرَ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطلاق: باب مهر البغي والنكاح الفاسد: الحديث (5347).

• عَنْ رَافِع بْنِ خَدِيْجٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [كَسبُ الْحَجَّامِ خَبِيْثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيَّ خبِيْثٌ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيْثٌ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن: الحديث (40 و 41/ 1568).

• أَمَّا أَنَّ النَّهْيَ يُفِيْدُ الكَرَاهةَ؛ لِدَلَالَةِ لَفْظِ خَبِيْثٍ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَعْذَبِ فإِنَّها تُفِيْدُ مَعْنَى الْمَكرُوهِ، ثُمَّ لِحَديْثِ أَنسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أَبُو ظَبِيَّةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيْهِ فَخَفَّفُواْ عَنْهُ ضَرِبيَتَهُ، وَقَالَ:[إِنَّ مَثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالقُسْطُ الْبَحْرِيُّ، وَلَا تُعَذَّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ العُذْرَةِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطب: باب الحجامة من الداء: الحديث (5696). ومسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: باب حل أجرة الحجامة: الحديث (62/ 1577).

(455)

عَنِ ابْنِ مُحَيَّصَةَ أخِي بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إجارَةِ الْحَجَّامِ، فَنَهَاهُ عَنْهَا. فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ:[أَعْلِفْهُ نَاضِحَكَ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيْقَكَ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في كسب الحجام: الحديث (3422). والترمذي في الجامع: كتاب البيوع: باب ما جاء في كسب الحجام: الحديث =

ص: 1754

وأخرجه مالك في الموطأ عن ابن مُحَيَّصَةَ وزاد [وَأَطْعِمْهُ رَقِيْقَكَ](456) والفرق بين الحر والعبد أنه كَسْبُ دَنِيًّ والعبدُ دَنِيٌّ فصرف الدَّنِيُّ إلى الدَّنِيَّ، وقيل: يكرهُ للعبد أيضًا؛ ونسبه الماوردي إلى الأكثرين.

وَيَحِلُّ جَنِيْنٌ وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنٍ مُذَكَّاةٍ، أى سواء أشعرَ أم لا؟ لقوله عليه الصلاة والسلام:[ذَكَاةُ الْجَنِيْنِ ذَكاةُ أُمَّهِ] صححهُ ابن حبان (457)، قال الجويني: وإنما يحل إذا سكن في البطن عقب ذَبْحِ الأُمَّ، فأما لو بقي زمانًا طويلًا يضطرب ثم سكن وتحرك فالصحيح أنه حرام.

فَصْلٌ: وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مُخَوَّفًا وَوَجَدَ مُحَرَّمًا، أى كميتة؛ ودم؛ ولحم خنزير؛ وما في معناها، لَزِمَهُ أَكْلُهُ، كما يجب دفع الهلاك بأكل الحلال،

= (1277)، وقال: حسن صحيح. وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الإجارة: الحديث (5132).

(456)

• عَنِ ابْنِ مُحَيَّصَةَ الأَنْصَارِيّ؛ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي إجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهاهُ عَنْها، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ:[اعْلِفْهُ نُضَّاحَكَ] يَعْنِي رَقيْقَكَ. رواه مالك في الموطأ: كتاب الاستئذان: باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام: الحديث (28) منه: ج 2 ص 974.

• في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد: ج 4 ص 472: الحديث (239/ 1)، قال ابن عبد البر: الحديث مرسل؛ وفي ص 473 - 474 قال: وقد روى من غير حديث ابن شهاب متصلًا مسندًا؛ عَنْ مُحَيَّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ؛ أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلَامٌ حَجَّامٌ يُقَالُ لَهُ نَافِعُ أَبُو ظَبِيَّةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنْ خَرَاجِهِ؟ فَقَالَ:[لَا تَقْرَبُهُ] فَرَدَّدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: [أَعلِفْ بِهِ النَّاضِحَ اجعَلْهُ فِي كِرْشِهِ]. قلتُ: رواه الإمام أحمد في المسند: حديث محيصة بن مسعود: ج 5 ص 435.

(457)

عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [ذَكَاةُ الْجَنِيْنِ ذَكَاةُ أُمَّه]. رواه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 39. وفيه أنه قال: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجنينِ يَكُونُ فِى بَطْنِ النَّاقةِ أَوِ الْبَقرَةِ أَوِ الشَّاةِ؟ فَقَالَ: [كُلوهُ إِنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمَّهِ]. وأخرجه ابن حبان؛ في ينظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الذبائح: ذكر بيان بأن الجنين إذا ذكيت أمه حل أكله: الحديث (5859).

ص: 1755

وَقِيْلَ: يَجُوزُ، ولا يجب؛ لأنه قد يريدُ التَّوَرُّعَ لتردُّده في الانتهاء إلى حد الضرورة كَالْمَصُولِ عليهِ يتردَّدُ في القدر الدافع للصائل فيتورَّعُ.

فَرْعٌ: خوفُ طولِ مدَّةِ المرضِ كخوفِ الموتِ، وكذا الضعف عن المشي أو الركوب، وكذا الانقطاع عن الرفقة، وكذا إذا عيل صبره وجهده الجوع.

فَرْعٌ: ليس للعاصي بسفره أكل الميتة حتى يتوب على الصحيح.

فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالاً قَرِيْبًا لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدَّ الرَّمَقِ، لأندفاع الضرورة به، وَإِلَاّ، أي وإن لم يتوقعه، فَفِي قَوْلِ: يَشْبَعُ، أي بحيث تنكسر سورة الجوع؛ لأن ما يحل منه القدر الذي يسد الرمق يحل القدر المشبع كالطعام المباح، وَالأَظْهرُ: سَدُّ الرَّمَقِ، لاندفاع الضرورة به، إِلَّا أن يَخَافَ تَلَفًا إِنِ اقْتَصَرَ، على سد الرمق فإنه يشبع وجوبًا قطعًا؛ وإن كان في بلد وتوقع الحلال قَبْلَ عَوْدِ الضَّرُورَةِ، قال الإمام: يجب القطع بالاقتصار على سَدَّ الرَّمَقِ.

وَلَهُ أَكْلُ آدَمِيِّ مَيَّتٍ، لأن حرمة الحي أعظم فلا يأكل منه إلاّ ما يسد الرمق، وليس له طبخهُ وشَيِّهِ كما قال الماوردي، ويستثنى ما إذا كان الميت نبيًا؛ فإنه لا يجوز الأكل منه قطعًا كما قاله المروزي، وما إذا كان الميت مسلمًا والذمي مضطرًا على الأقيس في الروضة.

وَقَتْلُ مُرْتَدًّ وَحَرْبِيًّ، لأنهما ليسا معصومين، لَا ذِمَّيًّ وَمُسْتَأْمِنٍ وَصَبِيًّ حَرْبِيًّ، لحرمة قتلهم، قُلْتُ: الأَصَحُّ: حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلأَكْلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنهما ليسا بمعصومين وليس المنع من قتلهما في غير حالة الضرورة لحرمة روحهما بل لحق الغانمين، ألا ترى أنه لا تتعلق به الكفارة.

وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ، لدفع الإضرار، وَغَرِمَ، مراعاة لِحَقَّ الغيرِ، أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرًّ لَمْ يَلزَمْهُ بَذْلُهُ إِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، إبقاءً لمهجته، اللهم إلّا أن يكون غير المالك نبيًا؛ فإنه يجب على المالك بَذْلُه له، فَإِنْ آثَرَ مُسْلِمًا جَازَ، قال تعالى:

ص: 1756

{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ .... } الآية (458)، أما الكافر فلا، وإن كان ذميًا وكذا البهيمة، أَوْ غَيْرَ مُضْطَرًّ لَزِمَهُ إِطْعَامُ مُضْطَرًّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمَّيًّ، أى أو مستأمن، وكذا لو كان يحتاج إليه في تأتي الحال في الأصح، فَإِنِ امْتَنَعَ، أي المالك من إطعامه، فَلَهُ، أي للمضطر، قَهْرُهُ، أي على أخذه، وَإنْ قَتَلَهُ، أي ويكون مُهْدَرًا، وَإنَّمَا يَلْزَمُهُ، يعني المالك الإطعام، بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إِنْ حَضَرَ، وَإِلَّا فَبِنَسِيْئَةٍ، أى ولا يلزمه البذل مجانًا، فَلَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا فَالأَصَحُّ: لَا عِوَضَ، حملًا على المسامحة المعتادة في الطعام سيما في حق المضطر، والثاني: يلزمه؛ لأنه خَلّصَّهُ من الهلاك بذلك فرجع عليه بالبذل كما في العفو عن القصاص.

فَرْعٌ: كما يجب البذل لإبقاء الآدمي المعصوم يجب لابقاء البهيمة المحترمة وإن كانت ملكًا للغير.

وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ، أَوْ مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا فَالْمَذْهَبُ أَكْلُهَا، لأنه لا ضمان فيها، وفي الأُولى وجه: أنه يأكل الطعام؛ لأنه حلال العين، ووجه ثالث: أنه يتخير بينهما، وفي الثانية قول: أنه يأكل الصيد؛ لأن تحريم الميتة آكد وأغلظ؛ لأنه يَتَأَبَّدُ وَيَعُمُّ الْمُحرِمَ وغيره وتحريم الصيد بخلافه، وفي قول أو وجه: يتخيّر بينهما كما في الأَولى، وكان ينبغي للمصنف التعبير في الأُولى بالأصح؛ لأنها ذات ثلاثة أوجه، وقيل أقوال، وأما الثانية: فيصح التَعْبِيرُ فيها بالمذهب؛ لأن الأكثر على بناء الخلاف في أن ما يذبحه المُحرَّم هل يصير ميتة، إن قلنا: نعم أكل الميتة قطعًا، وإلّا فقولان، وَالأَصَحُّ: تَحْرِيْمُ قَطْعِ بَعْضِهِ لأَكْلِهِ، لأنه قطع لحم حي قد يتوقع منه الهلاك وكقطعه من غيره، والثاني: لا؛ لأنه إتلاف بعضٍ لاستبقاء الكل فأشبه قطع اليد بسبب الأكَلَةِ، قال الرافعي في شرحيه: ويشبه أن يكون هذا أظهر؛

ص: 1757

وبه قال الشيخ أبو حامد وغيره لا جرم اعترض المصنف عليه بقوله: قُلْتُ: الأَصَحُّ جَوَازُهُ، ثم قال: وَشَرْطُهُ، أي شرط قطع بعضه لأكله، فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، أي فإن وجد شيئًا يأكله حرم قطعًا، وَأَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مِنْ قَطْعِهِ أَقَلَّ، أي فإن كان أكثر حُرَّم قطعًا، وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ، أي من نفسه، لِغَيْرِهِ وَمِنْ مَعصُومٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ، إذ ليس فيه إتلاف البعض لإبقاء الكل.

ص: 1758