المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الصيد والذبائح - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النفقات

- ‌كتاب الجراح

- ‌بَابُ كَيفِيةِ القِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاختِلافِ فِيهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَّاتِ

- ‌بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

- ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

- ‌كِتَابُ البُغَاةِ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ

- ‌كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ

- ‌كِتَابُ الأشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ

- ‌كِتَابُ السِّيَّرِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الأضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُنَاضَلَةِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌كِتَابُ أمَّهَاتِ الأوْلَادِ

الفصل: ‌كتاب الصيد والذبائح

‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

الأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (390) وَقَوْلُهُ: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (391) وَالْمُذَكَّى مِنَ الطِّيِّبَاتِ، وَمِنَ السُّنّةِ مَا سَيَأْتِي؛ وَالإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.

ذَكَاةُ الْحَيْوَانِ الْمَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أوْ لَبَّةٍ، أي بفتح اللام، إِن قَدَرَ عَلَيْهِ، لقول عمر وابن عباس [الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ] رواه الشافعي وروي مرفوعًا بضعف (392)، وَإِلَّا، أي وإن لم يقدر عليه، فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ، لما سيأتي.

وَشَرْطُ ذَابِحٍ وَصَائِدٍ: حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ، وَتَحِلُّ ذَكاَةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ، أي وإن كان لا يحل مناكحتها إذ لا أثر للرق في الذبيحة بخلاف المناكحة قال تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (393) والمراد بالطعام الذبائح، وهذا تصريح بحلّ ذبائح أهل

(390) المائدة / 2.

(391)

المائدة / 4.

(392)

• عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَالَ: (الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تَعْجَلُواْ الأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الضحايا: باب الذكاة في المقدور عليه: الأثر (19658).

• عَن عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنه قال: (الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الضحايا: الأثر (19656 و 19657).

• قال البيهقي: وقد روي هذا من وجه ضعيف مرفوعًا، وليس بشيء.

(393)

المائدة / 5.

ص: 1723

الكتاب وبتحريم ذبائح من عداهم كالمجوس وعباد الأوثان وغيرهما، وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوِ اصْطِيَادٍ حَرُمَ، تغليبًا للتحريم، وَلَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ، فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَ أَوْ أَنْهَاهُ إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ حَلَّ، أي ولا يقدح فيه ما وجد من المجوسي، كما لو ذبح مسلم شاةً ثم قدَّها المجوسي، وَلَوِ انْعَكَسَ، أي بأن سبق آلة المجوسي، أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يُذَفّفْ أَحَدُهُمَا حَرُمَ، تغليبًا للتحريم، ومسألة ما إذا جهل من زيادات المصنف على الْمُحَرَّرِ والشرح.

وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيًّ مُمَيِّزٍ، لصحة قصده، وَكَذَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ، وَمَجْنُونٍ، وَسَكْرَانَ فِي الأَظْهَرِ، لأن لهم قصدًا وإرادة في الجملة، والثاني: لا؛ لفساد قصدهم، ورجحه جماعة، قال البغوي: فإن كان للمجنون أدنى تمييز؛ وللسكران قصدٌ حلت قطعًا، وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى، لأنه قد يُخْطِئُ الْمَذْبَحَ، وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ أَوْ كَلْبٍ فِي الأَصَحِّ، لأنه ليس له قصد صحيح فصار كما لو استرسل الكلب بنفسه، والثاني: يحل كذبحه، قال الرافعي: والأشبه أن الخلاف مخصوص بما إذا أدّله بصير على أن بحذائه صيدًا فرمى أو أرسل الكلب عليه بدلالته.

فَرْعٌ: أُجْرَي الخلاف المذكور في اصطياد الصبي والمجنون بالرمي والكلب أيضًا؛ قال في شرح المهذب: والمذهب هنا الحِلُّ.

فَصْلٌ: وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، بالإِجماع، وخالف أبو حنيفة في السمك الطافي والسُّنَّةُ الصَّحِيْحَةُ قَاضِيَةٌ عَلَيْهِ (394)، وَلَوْ صَادَهُمَا، يعني السمك والجراد،

(394) • لحديث أبي هريرة: وجابر بن عبد الله، أنَّهُ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ:[هُوَ الْحِلُّ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ]. وقد تقدم في الجزء الأول: الرقم (81).

• عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه؛ سُئِلَ عَنْ مِيْتَةِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ:(هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ؛ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصيد والذبائح: الأثر (19495). =

ص: 1724

مَجُوسِيٌّ، فإنه يحلُّ مَيْتَتَهُمَا ولا اعتبار بفعله قاله في الروضة، وكذا لو ذبح المجوسي سمكةً فإنها تحل أيضًا، وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ طَعَامٍ كَخَلًّ؛ وَفَاكِهَةٍ؛ إِذَا أُكِلَ مَعَهُ فِي الأَصَحِّ، لأنه يشقُّ تمييزه فعُفي عنه بخلاف ما إذا كان منفردًا لانتفاء ذلك، والثاني: يحل مطلقًا، لأنه كجزء منه طبعًا وطعمًا، والثالث: يحرم مطلقًا، لأنه ميتة والخلاف جارٍ، وإن قلنا بنجاسة ميتة الدود كما هو المشهور. وَلَا يَقْطَعُ بَعْضَ سَمَكَةٍ حَيَّةً، لما فيه من التعذيب، فَإنْ فَعَلَ أَوْ بَلَعَ سَمَكَةً حَيَّةً حَلَّ فِي الأَصَحِّ، لأن المبان كالميت، وميتة هذا الحيوان حلال، ولأنه ليس في ابتلاعها أكثر من قتلها وهو جائز، والثاني: لا فيهما، أما الأول؛ فلإطلاق ما أُبينَ من حي فهو ميت، وأما الثاني؛ فلما في جوفها، والخلاف جارٍ في الجراد أيضًا.

وَإِذَا رَمَى صَيْدًا مُتَوَحِّشًا أَوْ بَعِيْرًا نَدَّ، أي هرب، أوْ شَاةً شَرَدَتْ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسْلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ في الْحَالِ حَلَّ، أما في الْوَحْشِيِّ (•) فإجماع، وأما في الأنسي إذا توحش كهرب البعير وشرود الشاة فلحديث رافع بن خديج في البعير المحبوس بالسهم والشاة بالقياس، وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيْرٌ وَنَحْوُهُ في بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ فَكَنَادٍّ، أي في حله بالرمي، وفي السنن الأربعة من حديث أَبِي الْعُشَرَاءِ الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيْهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَاّ في الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: [لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ] قال الترمذي: غريب (395)، قُلْتُ: الأَصَحُّ: لَا يَحِلُّ، أي المتردي، بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ، وَصَحَّحَهُ

• أما دليل من كره أكل السمك الطافي، فهو ما روي عن جابر موقوفًا أنه كان يقول:(مَا ضَرَبَ بِهِ الْبَحْرُ أوْ جَزَرَ عَنْهُ، أَوْ صِيْدَ فِيْهِ فَكُلْ! وَمَا مَاتَ فِيْهِ ثُمَّ طَفَا فَلَا تَأْكُلْ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصيد والذبائح: باب من كره أكل الطافي: الأثر (19515)، وقال: رواه أبو أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعًا، وهو واهم فيه.

(•) في النسخة (1): الْمُتَوَحِّشِ.

(395)

رواه أبو داود في السنن: كتاب الأضاحي: باب ما جاء في المتردية: الحديث (2825)، =

ص: 1725

الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأن الحديد يستباح به الذبح مع القدرة والكَلْبُ بخلافه، والشاشي في حليته لم يصححه وإنما نقل تصحيحه عن الماوردي، ووجه الحل القياس على البعير النادِّ، وَمَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ بِعَدْوٍ أَوِ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ فَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ، أي فلا يحل بالرمي وارسال الكلب عليه وإنما يحل بالذبح في المذبح، وَيَكْفِي في النَّادِّ وَالمُتَرَدِّي جُرْحٌ يُفْضِي إلَى الزُّهُوقِ، أي كيف كان لما أسلفناه في الخبر من ذكر الفخذ، وَقِيْلَ: يُشْتَرَطُ مُذَفِّفٌ، لينزل منزلة قطع الحلقوم والمريء في المقدور عليه.

وَإِذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ كَلْبًا أَوْ طَائِرًا عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ فَإنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيْهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، أوْ أدْرَكَهَا وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيْرٍ بِأَنْ سَلَّ السِّكَّيْنَ فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكانٍ أَوِ امْتَنَعَ بِقُوَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ حَلَّ، أما فيما إذا لم يدرك فيه حياة مستقرة فكما لو ذبح شاة فاضطربت، وأما في إدراكها وتعذر الذبح من غير تقصير، فكما لو لم يدركه حيًّا، وَإِنْ مَاتَ لِتَقصِيْرهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ سِكِّيْنٌ أَوْ غُصِبَتْ أَوْ نَشِبَتْ في اْلغِمْدِ، أي علقت به، حَرُمَ، كما لو تردى بعير فلم يذبحه حتى مات فحقه أن يستصحب الآلة في غمد يواتيه.

وَلَوْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ حَلًا، أي وكذا لو قطعه قطعتين متفاوتتين، وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ، أي أزال من الصيد، عُضْوًا، أي كَيَدٍ ورجلٍ، بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ، أي بسيف وغيره ومات في الحال، حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ، لأن محل ذكاة الصيد كل البدن، أَوْ بِغَيْرِ مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا حَرُمَ الْعُضْوُ، لأنه أُبينَ من حي،

وقال: وهذا لا يصلح إلا في المتردية والمتوحش. والترمذي في الجامع: كتاب الأطعمة: باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللَّبَّة: الحديث (1481)، وقال: وفي الباب عن رافع بن خديج، وقال: هذا حديث غريب. وقال في العلل: وإن كان هذا الحديث. مشهورًا عند أهل العلم. ينظر: الجامع: ج 5 ص 711. والنسائي في السنن: كتاب الضحايا: باب المتردية: ج 7 ص 228. والدارمي في السنن: كتاب الأضاحي: باب في ذبيحة المتردية: الحديث (1972)، وقال: قال حماد: حملناه على المتردَّي.

ص: 1726

وَحَلَّ الْبَاقِي، فإن لم يبنه بالجراحة الأولى فقد صار مقدورًا عليه فتعين الذبح ولا تجزئ سائر الجراحات، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالجُرْحِ، أي الأول، حَلَّ الْجَمِيْعُ، لأن الجرح السابق كالذبح للجملة فيتبعها العضو، وَقِيْلَ: يَحْرُمُ الْعُضْوُ، لأنه أُبينَ من حي فأشبه ما إذا قطع إلية شاة ثم ذبحها لا تحل الإلية، وهذا الوجه صححه الرافعي في شرحيه والمصنف في الروضة وتبع هنا المحرر، أما باقي البدن فلا خلاف في حله.

فَرْعٌ: لو جرحه جراحة أخرى والحالة هذه بأن كانت مذففة فالصيد حلال والعضو حرام وإلّا فالصيد حلال أيضًا والعضو حرام على الصحيح، لأن الإِبانةَ لم تتجرد ذكاة للصيد.

فَصْلٌ: وَذَكَاةُ كُلَّ حَيْوَانٍ قَدَرَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ كُلَّ الحُلْقُومِ وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ وَالمَرِئِ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، أي والشراب، لأن الحياة توجد بهما وتفقد بفقدهما، وخرج بالقطع ما لو اختطف رأس عصفور أو غيره بيده أو ببندقة فإنه ميتة وبقوله قدر عليه بما لا يقدر عليه وقد سلف، وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الوَدَجَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَي الْعُنُقِ، لأنه أوحى وأسهل لخروج الروح فهو من الإحسان في الذبح، وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ عَصَى، لزيادة الإيلام، فَإِنْ أَسْرَعَ وَقَطَعَ (•) الحُلْقُومَ وَالمَرِئ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، كما لو قطع يد حيوان ثم ذكاه، وِإلاّ فَلَا، أي وإن لم يسرع بل لما قطعهما انتهى إلى حركة مذبوح فإنه لا يحل.

فَرْعٌ: القطع من صفحة العنق كالقطع من القفا.

وَكَذَا إِدْخَالُ سِكَّيْنٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ، أي ليقطع الحلقوم والمرئ داخل الجلد فإن فيه التفصيل المذكور في مسألة الذبح من القفا حتى يصل إليهما، وَيُسَنُّ نَحْرُ إِبِلِ وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ، للاتباع (396)؛ ويجوز عكسه أي من غير كَرَاهَةٍ لأنه لم يَرِدْ فيه نهيٌ.

(•) في النسخة (1): فَقَطَعَ، بدل وَقَطَعَ.

(396)

• النَّحْرُ فِي اللُّغَةِ مَوْضِعُ القِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ؛ وغيره أوله؛ وقيل آخره، كأنه ينحر =

ص: 1727

فَرْعٌ: الخيل كالبقر وكذا حمار الوحش وبقره والزرافة إن قلنا بحلها، والبط والأوز، ويقتضي تعليل نحر الإبل أنه أسرع لخروج روحها لطول عنقها الحاقًا بها.

وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيْرُ قَائِمًا مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ، أي اليسرى للإتباع (397)، وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضجَعَةٌ لِجَنْبِهَا الأَيْسَرِ، أما في الشاة فللاتباع (398)، وأما في البقر فبالقياس،

الذي قبله.

• وَالذَّبْحُ فِي اللُّغَةِ شَقُّ حَلْقِ الْحَيْوَانِ.

• وَنَحْرُ الإبلِ أَوْ كُلُّ ذِي عُنُقٍ طَويْلٍ كَالإِوَزِّ وَالْبَطِّ وَالزُّرَافَةِ أنْ يَقْطَعَ فِي اللَّبَّةِ؛ وَهِيَ أَسْفَلُ العُنُقِ، وَالْمَعْنَى فِيْهِ أنَّهُ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَزَوَالِ الْحَيَاةِ بالذَّكَاةِ.

• عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه؛ فَذَكَرَ الْحَدِيْثَ في الإِهْلَالِ؛ وَقَالَ: [وَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قَائِمًا، وَذَبَحَ بِالْمَدِيْنَةِ كَبْشَينَ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحج: باب التحميد والتكبير قبل الإهلال: الحديث (1551). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الضحايا: الحديث (19666) واللفظ له.

• قال البيهقي: (اسْتِدْلَالاً بِمَا رُوِينَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللّبَّةِ. قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: يُجْزِي الذَّبْحُ مِنَ النَّحْرِ، وَالنَّحْرُ مِنَ الذَّبْحِ، فِي الْبَقَرِ وَالإِبِلِ). ينظر: السنن الكبرى: كتاب الضحايا: باب جواز النحر فيما يذبح والذبح فيما ينحر: الحديث (19667).

(397)

عَنْ جَابِرٍ، وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، [أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ، كَانُواْ يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ اْليُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا]. رواه أبو داود في السنن: كتاب المناسك: باب كيف تنحر البدن: الحديث (1767). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الحج: باب نحر الإبل قيامًا معقولة أو معقولة اليسرى: الحديث (10351). وحديث جابر موصول، وحديث عبد الرحمن بن سابط مرسل.

(398)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: [ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأضاحي: باب من ذبح الأضاحي بيده: الحديث (5558) وأطرافه في الرقم (5564، 5565، 7399) في الصحيح. ومسلم في الصحيح: كتاب الأضاحي: باب استحباب الأضحية وذبحها مباشرة: الحديث (17/ 1966).

• في شرح الحديث قال النووي رحمه الله: (وفيه استحباب إضجاع الغنم في =

ص: 1728

وَيُتْرَكُ رِجلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ، كما ذكره بعد، ووقع في الكفاية ترك الرجل اليسرى فكأنه سبق قلم.

وَأَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ، للأمر به (399)، وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيْحَتَهُ، لأنها أفضل الجهات وذلك فى الأضحية ونحوه آكد؛ لأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَجَّهَ كَبْشَهُ إِلَى الْقِبلَةِ (400)، وأصح الأوجه: أنه يوجه مذبحها إلى القبلة ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضًا الاستقبال. وَأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللهِ، لقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (401) وأما قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (402) فالمراد ما ذبح للأصنام هنا قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (403) وسياق الآية دال

الذبح، وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة؛ بل مضجعة، لأنه أرفق بها، وبهذا جاءت الأحاديث، وأجمع المسلمون عليه، واتفق العلماء وعمل المسلمون على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر، لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار). إنتهى من شرح المناهج على صحيح مسلم. وكذلك نقله ابن حجر في الفتح: شرح الحديث (5558).

(399)

عَنْ شَدَّادِ بنِ أوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُواْ الْقَتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُواْ الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصيد والذبائح: باب الأمر بإحسان الذبح: الحديث (57/ 1955). وأبو داود في السنن: كتاب الأضاحي: باب في النهي عن صيد البهائم: الحديث (2851).

(400)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه؛ قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَبْشَيْنِ أقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ يَومَ الْعِيْدِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: ] وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا] وَفِي رِوَايَةٍ: [وَجَّهَهُمَا إِلَى الْقِبْلَةِ حِيْنَ ذَبَحَ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الضحايا: باب السنة في أن يستقبل بالذبيحة القبلة: معلقًا.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ (أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ أن يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ إِذَا ذَبَحَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (19710).

(401)

الأنعام / 118.

(402)

الأنعام / 121.

(403)

المائدة / 3: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ =

ص: 1729

عليه فإنه قال {وَإِنَّهُ فِسْقٌ} (404) وقد أجمعنا على أن من أكل ذبيحة مسلم لم يسمّ الله عليها ليس بفاسق، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قياسًا على سائر المواضع (405)، وَلَا يَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدٍ، فإن قال حرم؛ لأن من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه واليمين باسمه والسجود له لا يشاركه في ذلك مخلوق.

فَصْلٌ: يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلْيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ بِكُلَّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ كَحَدِيْدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ إِلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرِ الْعِظَامِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[مَا أَنْهَرَ الدَّمُ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، وَلَيْسَ السَّنَّ وَالظُّفْرَ. وَسَأُحَدَّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السَّنُّ فَعَظْمٌ؛ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ] متفق عليه (406)، ولا يستثنى من الظفر إلا ما قتله الكلب ونحوه بظفر أو نَابِهِ فإنه يحلُّ

وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ

}.

(404)

الأنعام / 121.

(405)

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ رضي الله عنه؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [لَقِيتُ جبْرِيلَ عليه السلام؛ فَقَالَ: إِنَّي أُبَشَّرُكَ أَنَّ اللهَ عز وجل يقُولُ: مَن سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ صَلْى عَلَيكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ]. رواه البيهقي في كتاب الضحايا: باب الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة: الحديث (19713). والحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (810/ 137)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي قال: على شرطهما.

• نقل البيهقي قول الشافعي؛ قال: (وَلَا أكْرَهُ مَعَ تَسْمِيَتِهِ عَلَى الذَّبِيْحَةِ أَنْ يَقُولَ: صَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، بَلْ أُحِبُّهُ لَهُ؛ وَأحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكْثِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، فِي كُلَّ الْحَالَاتِ، لأَنَّ ذِكْرَ اللهِ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ إِيْمَانٌ وَعِبَادَةٌ لَهُ، يُؤجَرُ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ قَالَهَا).

• أما حديث: [لَا تَذْكُرُونِي عِنْدَ ثَلَاثٍ: تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ، وَعِنْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ العُطَاسِ] فهو منقطع ضعيف، بل ربما موضوع. قاله البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (19717 و 19718).

(406)

عن رافع بن خديج أَنَّهُ سَأَلَ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّا نَرْجُو - أو نَخَافُ - =

ص: 1730

للحاجة، فَلَوْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ ثِقَلٍ مُحَدَّدِ كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ أَوْ سَهْمٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ أَوْ جَرَحَهُ نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيْهِ عُرْضُ السَّهمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا، أَوِ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ، أي منصوبة له، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ حَرُمَ، أما في الأول؛ فلأنه موقودة قال الله تعالى:{وَالْمَوْقُوذَةُ} ، وأمَّا في الباقي؛ فلإجتماع الْمُبِيْحِ وَالْمُحَرِّمِ فيغلب المحرمُ وموته بالأحبولة يدخل في قوله تعالى:{وَالْمُنْخَنِقَةُ} ، وأما إذا أصابه سهم فوقع على جبل ثم سقط منه؛ فإنه لا يدري من أيهما مات، وقوله (فَوَقَعَ بِأَرْضٍ) كذا رأيته في خطه ولعل صوابه فوقع بسطح ثم سقط منه كما هو في المحرر والشرح والروضة لأنه سيجزم في مسألة ما إذا وقع بأرض ثم مات بالحل حيث قال، وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ حَلَّ، لأن الوقرع على الأرض لا بد منه فعفى عنه كما لو كان الصيد قائمًا فوقع على جنبه لما أصابه السهم وانصدم بالأرض ولو لم يجرحه السهم في الهواء لكن كسر جناحه فوقع فمات فإنه حرام لأنه لم يصبه جرح يحال الموت عليه، ولو كان الجرح خفيفًا لا يؤثر مثله ولكنه عطل جناحه فسقط فمات فإنه حرام.

فَصْلٌ: وَيَحِلُّ الاِصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِيْنٍ، لقوله تعالى:{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ .... } الآية (407)، واستبعد الإمام تعليم الفهد، بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً بِأَنْ تَنْزَجِرُ جَارِحَةُ السَّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ وَتَسْتَرْسِلُ بِإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكُ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ، أي فإن

= الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيسَت مَعَنَا مُدىً، أفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ:

الحديث. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الشركة: باب قسمة الغنم: الحديث (2488). ومسلم في الصحيح: كتاب الأضاحي: باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم: الحديث (20/ 1968).

(407)

المائدة / 4: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .

ص: 1731

لم تكن معلَّمة لم يحل ما قتلته، وإن أدركه وفيه حياة مستقرة فلا بد من ذبحه لقوله عليه الصلاة والسلام لأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشْنِيِّ [وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ] متفق عليه (408)، وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الأَظْهَرِ، كما في جوارح السباع، والثاني: لا؛ لأنه لا يمكن التحامل عليها، وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الأُمُورِ، أي المعتبرة في التعليم، بِحَيْثُ يَظُنُّ تَأَدُّبَ الْجَارِحَةِ، والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح، وقيل: يشترط تكرره ثلاث مرات وهو ظاهر كلام الحاوي الصغير، وَلَوْ ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ، قبل قتله أو بعده، لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الأَظْهَرِ، لأن عدم الأكل شرط في التعليم ابتداءً فكذا دوامًا، والثاني: يحل لأن الأصل بقاؤه على التأدب، والأكل يحتمل أن يكون لشدة جوع أو غيظ على الصيد إذا أتعبه، وفصَّل جماعة فقالوا إن أكَلَ عقب القتل فقولان وإلا فيحل قطعًا، فَيُشْتَرَطُ تَعْلِيْمٌ جَدِيْدٌ، أي إذا قلنا بالتحريم، ولو أتى بالفاء بدل الواو لكان أحسن لِيُنِيْهَ على التفريع ولا ينعطف التحريم على ما اصطاده من قبل خلافًا لأبي حنيفة، وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ، لأنه لم يتناول ما هو مقصود الصائد.

وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنَ الصَّيْدِ نَجِسٌ، كغيره، وَالأصَحُّ: أَنَّ لَا يُعْفَى عَنْهُ، كوُلُوغِهِ، والثاني: نعم لعسر الاحتراز، وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ، أى سبعًا كغيره، وَلَا يَجِبُ أَن يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ، والثاني: لا، بل يقوَّرُ ذلك الموضع ويطرح؛ لأنه تَشَرَّبَ

(408) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشْنِيَّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ؛ أَصِيْدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ؛ فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ:[أمَّا مَا ذكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَإنْ وَحَدْتُمْ غَيْرَهَا! فَلَا تَأْكُلُواْ فِيْهَا؛ وَإِنْ لَم تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُواْ فِيْهَا. وَمَا صِدْتَ بقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ؛ فَكُلْ. وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ؛ فَكُلْ. وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الذبائح والصيد: باب صيد القوس: الحديث (5478). ومسلم في الصحيح: كتاب الصيد والذبائح: باب الصيد بالكلاب المعلمة: الحديث (8/ 1930).

ص: 1732

لُعابه فلا يتخلله الماء، وَلَوْ تَحَامَلَتِ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقْلِهَا حَلَّ فِي الأَظْهَرِ، لعموم قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (409)، والثاني: لا، لأن الله تعالى سمَّاها جوارح فينبغي أن تجرح والأول قال الجوارح الكواسب.

فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكَّيْنٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ الصَّيْدُ، فمات، أَوِ احتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيْئُهَا أَوِ استَرْسَلَ كَلْبٌ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ لَمْ يَحِلَّ، لأنه في الأُولى والثانية لم يذبح ولم يقصد الذبح، وفي الثالث لم يرسل، وَكَذَا لَوِ اسْتَرسَلَ كَلْبٌ فَأَغْرَاهُ صاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ لَم يَحِلَّ فِي الأَصَحِّ، تغليبًا للتحريم، والثاني: يحل؛ لأنه قد ظهر أثر الإغراء فينقطع الاسترسال ويصير كأنه خرج بإغراء صاحبه، واحترز بقوله فزاد عدوه عما إذا لم يزد فإن إغراؤه لا يؤثر، ويحرم الصيد جزمًا وبقوله فأغراه عما إذا زجره، فإنه إن وقف فأغراهُ وقتل حلَّ جزمًا، وإن لم ينزجر ومضى على وجهه لم يحل جزمًا.

وَلَوْ أَصَابَهُ، يعني الصيد، سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيْحٍ، أى وكان يقصر عنه لولا الريح، حَلَّ، لأن الاحتراز عن هبوبها لا يمكن ولا يتغير به حكم الإرسال، وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لاِخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إِلَى غَرَضٍ فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ فِي الأَصَحِّ، لانتفاء القصد، والثاني: لا؛ لوجود قصد الفعل، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ سِرْبَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَةٌ حَلَّتْ، أما الأولى؛ فلأنه قتله بفعله ولا اعتبار بظنه كما لو قطع حلق شاة وهو يظنه ثوبًا، وأما في الثانية؛ فلأنه قصد السرب وهذه منها، وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً، أى من السرب، فَأَصَابَ غَيْرَهَا حَلَّتْ فِي الأَصَحِّ، لوجود قصد الصيد، والثاني: المنع لأنه أصاب غير ما قصده وصححه في البويطي، وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ، لاحتمال موته بسبب آخر ولا أثر لتضمخه بدمه فربما جرحه الكلب وأصابته جراحة أخرى، فَإِنْ جَرَحَهُ وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ فِي الأَظْهَرِ؛ لأنه يحتمل أن يكون الموت بسبب آخر، والتحريم يحتاط له،

(409) المائدة / 4.

ص: 1733

والثاني: أنه يحل لأنه لم يتحقق سبب سوى الجرح الذي أصابه، فالوجه إضافة الموت إليه وهذا ما اختاره الغزالي في الإحياء، وقال المصنف في الروضة: إنه أصح دليلًا ولم يثبت في التحريم شيء، ومحل الخلاف ما إذا وجده بدون جرح (•) آخر غير الجراحة، أما إذا وجد عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى أو وجده في ماء ونحو ذلك فإنه حرام قطعًا، قال الأصحاب: وَتُسَمَّى هذه المسألة مسألةُ الإِنْمَاءِ.

فَصْلٌ: يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِضَبْطِهِ بِيَدِهِ، وَبِجَرْحٍ مُذَفَّفٍ، وَبِإِزْمَانِ وَكَسْرِ جَنَاحٍ، أي بحيث يعجز عن الطيران والعدو جميعًا، وَبُوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ نَصبَهَا، وَبِإِلْجَائِهِ إِلَى مَضِيْقٍ لَا يُفْلِتُ مِنهُ، أي وكذا بإرساله الكلب على صيد فأثبته، والضابط الجامع لذلك إبطال الامتناع وحصول الاستيلاء عليه، وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي مِلْكِهِ وَصَارَ مَقْدُوْرًا عَلَيْهِ بِتَوَحُّلِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الأَصَحَّ، لأنه لم يقصد بسقي الأرض الاصطياد والقصد مَرْعِيٌّ في التملك، والثاني: يملكه كما لو وقع في الشبكة، قال الإمام: ومحل الخلاف فيما إذا لم يكن سقي الأرض مما يقصد به توحل الصيد، فإن كان فكنصب الشبكة، وللروياني نحوه كذا نقله الرافعي عنهما هنا وتبعه المصنف وأقراهما عليه ونقلا عن الإمام في كتاب إحياء الموات الجزم بعدم الملك وأقرّاه عليه هناك، وَمَتَى مَلَكَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِانْفِلَاتِهِ، كما لو أبق عبده، وَكَذا بِإِرْسَالِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الأَصَحِّ، كما لو سَيَّبَ دابته، ولا يجوز أن يفعل ذلك؛ لأنه يشبه السَّوَائِبَ، وَالثَّانِي: يجوز، كما لو أعتق عبده، والثالث: إن قصد بإرساله التقرب إلى الله زال وإلا فلا.

وَلَوْ تَحَوَّلَ حَمَامُهُ إِلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ، لبقاء ملك الأول عليه، فإن حصل بينهما بيض أو فرخ فهو تابع للأنثى دون الذكر، فَإِنِ اخْتَلَطَ وَعَسُرَ التَّمْيِيْزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ، فإنه لا يتحقق الملك فيه، وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهِ فِي الأَصَحِّ، للضرورة، والثاني: لا، وينبغي تخصيص الخلاف بما إذا جهلا

(•) في النسخة (2): أثر.

ص: 1734

العدد والقيمة، فإن علماها فيظهر القطع بالصحة لصيرورتها شائعة، فَإِنْ بَاعَاهُمَا، أى باعا الحمام المختلط ولا يدرى واحدٌ منهما عين ماله، وَالْعَدَدُ مَعْلُومٌ، أي كمائتين ومائة، وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ صَحَّ، أي وتحتمل الجهالة في المبيع للضرورة، وَإِلَاّ فَلَا، لأنه لا يعرف كل واحد ما يستحقه من الثمن، وفيه بحث للرافعي للضرورة.

وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ، فَإِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الأَوَّلِ فَهُوَ لِلثَّانِي، أي ولا شيء على الأول بجراحته لأنه كان مباحًا حينئذ، وَإِنْ ذَفَّفَ الأَوَّلُ فَلَهُ، أي وعلى الثاني أرش ما نقص من لحمه وجلده؛ لأنه حتى على ملك الغير، وَإِنْ أَزْمَنَ فَلَهُ، أي للأول أيضًا لإزمانه إياه، ثُمَّ إِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي بقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِئٍ فَهُوَ حَلَالٌ، وَعَلَيْهِ لِلأَوَّلِ مَا نَقُصَ بِالذَّبْحِ، وَإِنْ ذَفَّفَ لَا بِقَطْعِهِمَا أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ، لأن المقدور عليه لا يحل إلاّ بقطعهما وتغليبًا للتحريم في الأخير، وَيَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلأَوَّلِ، لإفساد ملك الأول عليه، وفيما يضمنه تفصيل ذكرته في الأصل فَرَاجِعْهُ، وَإِنْ جَرَحَا مَعًا وَذَفَّفَا أَوْ أَزْمَنَا فَلَهُمَا، لاشتراكهما في سبب الملك، وَإِنْ ذَفَّفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الآخَرِ فَلَهُ، لانفراده بسبب الملك ولا ضمان على الآخر، وَإِنْ ذَفَّفَ وَاحِدٌ وَأَزْمَنَ آخَرُ وَجُهِلَ السَّابِقُ حَرُمَ عَلَى الْمَذْهَبِ، لاحتمال تقدُّمِ الإزمان فلا تحلُّ بعده إلاّ بقطع الْحُلْقُومِ وَالْمَرِئِ، والطريق الثاني: حكاية قولين كمسألة الإِنْمَاءِ السالفة، ووجه الشبه اجتماع المبيح والمحرِّمِ، ومن قال بالأول؛ قال: هناك جرح يحال عليه الموت وهو معهود في القصاص وغيره وهنا بخلافه.

فَرْعٌ: الاعتبار في الترتيبِ وَالْمَعِيَّةِ بالإصابة لا بابتداءِ الرمي.

ص: 1735