الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الأشْرِبَةِ
شُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ .. } الآيَةُ (269)، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} (270) وَهُوَ الْخَمْرُ عِنْدَ الأَكْثَرِيْنَ، وَانْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى التَّحْرِيمِ بِنَصِّ الْكِتَابِ ثُمَّ أُكِّدَ بِنَصِّ السُّنَّةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ قُدَامَةَ بْنِ مَضْعُونٍ وَعَمْرٍو بن مَعْدِىِّ كَرْبٍ فِي ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ (271).
كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيْرُهُ حَرُمَ قَلِيْلُهُ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيْلِ مَا أُسْكِرَ
(269) المائدة / 90: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
(270)
(271)
في الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: كتاب الأشربة والحدُّ فيها: ج 13 ص 384؛ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: (وَحُكِيَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَضْعُونٍ أنَّهُ اسْتَبَاحَ الْخَمْرَ بِهَذِهِ الآيةِ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة / 93] وَقالَ: قَدِ اتَّقَيْنَا وَآمَنَّا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْنَا فِيْمَا طَعِمْنَا، وَأنَّ عَمْرَو بْنَ مَعَدْ كَربٍ اسْتَبَاحَ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ثُمَّ سَكَتَ وَسَكَتْنَا. فَرَدَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمَا لِفَسَادِ تَأوِيْلِهِمَا فَرجَعَا، وَلَمْ يَكُنْ لِخِلَافِهمَا تَأْثِيْرٌ، فَصَارَ الإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا عَلَى تَحْرِيْمِهِمَا بِنَصَّ الْكِتَابِ ثُمٌ أَكَّدَهُ نَصُّ السُّنَّةِ).
كَثِيْرُهُ] رواه النسائي بإسناد صحيح (272)، وفي الصحيحين:[كُلُّ شَرَابٍ أسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ](273).
وَحُدَّ شَارِبُهُ، أي وإن لم يُسْكِر لقوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ] الحديث رواه أحمد والحاكم (274)، إِلّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا، لرفع القلم عنهما، وَحَرْبِيًّا، لعدم الالتزام، وَذِمِّيًّا، لأنه لا يعتقد تحريمه؛ وكذا المعاهد، وَمُوْجَرًا، أي قهرًا لعدم تكليفه إذ ذاك، وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهِ عَلَى المَذْهَبِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[وُضِعَ عَنْ أمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُواْ عَلَيْهِ](275)، وقيل: وجهان.
وَمَنْ جَهِلَ كَونُهَا خَمْرًا، أي بأن شرب خمرًا وهو يظنها شرابًا لا يسكر، لَمْ يُحَدَّ، للعذر القائم، وَلَوْ قَرُبَ إِسلَامُهُ فَقَالَ: جَهلْتُ تَحْرِيْمَهَا لَمْ يُحَدَّ، لما ذكرناه، أَوْ جَهِلْتُ الْحَدَّ؛ حُدَّ، لأنه إذا علم التحريم فحقُّه أن يمتنع.
وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ، أي وهو ما تَبَقَّى في آخر الإناء الذي فيه الخمر، لَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيْقُهُ بِهَا، وَمَعْجُونٍ هِيَ فِيْهِ، لاستهلاكها، وَكَذَا حُقْنَةٍ؛ وَسعُوطٍ فِي الأَصَحِّ، لأن الحدَّ للزجر فلا حاجة إلى الزجر فيه، والثاني: يُحدُّ كما يحصل
(272) رواه النسائي في السنن: كتاب الأشربة وتحريم كل شراب أسكر كثيره: ج 8 ص 301 عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(273)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأشربة: باب الخمر من العسل، وهو التبع: الحديث (5585) عن عائشة رضي الله عنها. ومسلم في الصحيح: كتاب الأشربة: باب بيان أن كل مسكر خمر: الحديث (67/ 2001).
(274)
رواه الإمام أحمد في المسند: ج 2 ص 211. والحاكم في المستدرك: كتاب الحدود: الحديث (8114/ 92)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي قال: على شرط البخاري ومسلم.
(275)
في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: كتاب الحدود: باب في الناسي والمكره: ج 6 ص 250؛ قال ابن حجر الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن مصفى، وثقه أبو حاتم وغيره! وفيه كلام لا يضرُّ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
الإفطار، والثالث: يُحَدُّ في الثاني دون الأول، وَمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَسَاغَهَا، أي وجوبًا، بِخَمْرٍ إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، إنقاذًا للنفس من الهلاك؛ والسلامة بذلك قطعية؛ بخلاف التداوي وشربها للعطش، وقوله (غَصَّ) هو بفتح الغين كما ضبطِّهِ بخطه في الأصل، وقال في تهذيبه: إنه الأجوَد، وَالأصَحُّ: تَحْرِيْمُهَا لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ، لعموم النَّهْيِّ؛ ولأنها داء وليست دواء كما أخرجه مسلم (276)؛ ولأن بعضها يدعو إلى بعض؛ وهذا هو المنصوص أيضًا، والثاني: لا، كما يجوز التداوي بالنجاسات، والثالث: يجوز للتداوي دون العطش، والرابع: عَكْسُهُ، والخامس: يجوز للتداوي ويجوز للعطش، إلاّ أن تكون عتيقةً؛ والاضطرار لشربها لدفع الجوع كَهُوَ لدفع العطش؛ ثم الخلاف في التداوي مخصوص بالقليل الذي لا يسكر، ويشترط خبر طبيبٍ مُسلِمٍ أو معرفة المتداوي إن عرف؛ وأن لا يجد ما يقوم مقامه، وإنما يحرم التداوى بصرفها، فأما التِّرْيَاقُ المعجونُ بها فإنه جائز قطعًا.
فَرْعٌ: الْمُخْتَارُ أنه لا حدَّ على المتداوي؛ وإنما حكمنا بالتحريم لشبهة الخلاف، وأما شربُها للعطش فإنْ جَوَّزْنَاهُ؟ فلا حدَّ؛ وإلَّا فكالتداوي.
فَصْلٌ: وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ، للاتباع (277)، وَرَقِيْقٍ عِشْرُونَ، لأنه حَدٌّ يُبَعَّضُ، فبنصفٍ على العبد كحد الزنا؛ وهل المبعض كالرقيق أو كالحر؟ فيه نظر! بِسَوْطٍ؛ أَوْ يَدٍ؛ أو نِعَالٍ؛ أَو أَطْرَافِ ثِيَابٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام [كَانَ يَضْرِبُ
(276) عَن وَائِلِ الْحَضْرَمِيِّ؛ أنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجَعفِيِّ سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ أوْ كَرِهَ أنْ يَصْنَعَهَا! فَقَالَ: إِنَّمَا أصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ؟ فَقَالَ: [إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنهُ دَاءٌ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الأشربة: باب تحريم التداوى بالخمر: الحديث (12/ 1984).
(277)
عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ [أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ؛ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِيْنَ] قَالَ: (وَفَعَلَهُ أبو بَكَرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحمَنِ: أخَفُّ الحُدودِ ثَمَانِيْنَ، فَأمَرَ بهِ عُمَرُ). رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب حد الخمر: الحديث (35/ 1706).
بِالْجَرِيْدِ وَالنِّعَالِ] متفق عليه (278) وفي البخاري: أنَّهُ عليه الصلاة والسلام [أُتِيَ بِسَكْرَانٍ؛ فَأَمَرَ بضَرْبِهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بنَعْلِهِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ](279)، وَقِيْلَ: يَتَعَيَّنُ سَوْطٌ، لإجماع الصحابة على الضَّرْبِ بهِ (280)، وَلَوْ رَأَى الإِمَامُ بُلُوغَهُ ثَمَانِيْنَ جَازَ في الأَصَحِّ، اقتداءً بعمر، وروى مرفوعًا أيضًا (281)، والثاني: لا تَجُوْزُ الزيادة، لرجوع عليٍّ رضي الله عنه إلى أربعين (282)، وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيْرَاتٌ،
(278) عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ [أَنَّ النَّبِيَّ جَلَدَ - ضَرَبَ - فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيْدِ وَالنِّعَالِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحدود: باب ما جاء في شرب شارب الخمر: الحديث (6773). ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب حد الخمر: الحديث (36/ 1706).
(279)
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ:[اضْرِبُوهُ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (فَمِنَّا الضَّارِبُ بيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ! ) قَالَ: [لَا تَقُولُواْ هَكَذَا؛ لَا تُعِيْنُواْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحدود: باب الضرب بالجريد والنعال: الحديث (6777).
(280)
عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرٍ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ؛ كَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيْدِ: (إِنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَمَكُواْ في الشُّرْبِ حَتَّى تَحَاقَرُواْ الْحَدَّ وَالْعُقُوبَةَ؟ ) قَالَ: هُمْ عِنْدَكَ فَسَلْهُمْ! وَعِنْدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ - فَسَأَلَهُمْ! (فَأَجْمَعُواْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ ثَمَانِيْنَ). رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: الحديث (4489).
(281)
• عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه؛ قَالَ: [جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيْدِ وَالنَّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِيْنَ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيْفِ وَالْقُرَى، قَالَ لأَصْحَابِهِ: (مَا تَرَوْنَ؟ ) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلْهَا كأَخَفِّ الْحُدُودِ، فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِيْنَ]. رواه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 115، وفي لفظ: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَزِّرُ
…
] في المسند: ج 3 ص 180. ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب حد الخمر: الحديث (36/ 1706). وأبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب الحد في الخمر: الحديث (4479).
• وروي مرفوعًا عن أنس عند الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 176.
(282)
عَنْ حُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ؛ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ وَأُتِيَ بِالْوَليْدِ قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: أَزِيْدُكُمْ؟ ! فَشَهِدَ عَلِيْهِ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا حِمْرَانُ. أَنَّه شَرِبَ الْخَمْرَ؛ =
لأنها لو كانت حدًا لم يجز تركها؛ وتركها جائز، وَقِيْلَ: حَدٌّ، لأن التعزير لا يكون إلاّ على جناية محققة.
فَصْلٌ: وَيُحَدُّ بِإقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أي ولا يحد بغيرهما، كما لو علمنا شربه الْمُسْكِرِ، بأن رأيناه شرب من شراب في إناء شرب منه غيره فَسَكَرَ، لَا بِرِيْحِ خَمْرٍ؛ وَسُكْرٍ؛ وَقَيْءٍ، لاحتمال أن يكون شرب غالطًا أو مكرهًا، وَيَكْفِي في إِقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ شَرِبَ خَمْرًا، أي ولا يحتاج أن يقول هو مختار عالم به؛ لأن الأصل عدم الإكراه، وَقِيْلَ: يُشْتَرَطُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ، لاحتمال الجهل والإكراه، وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ، لأن المقصود منه الردع والزجر، وهو لا يرتدع ولا ينزجر، فلو فعل؛ ففي الاعتداد به وجهان حكاهما القاضي حسين، ونقل أبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيِّ من أصحابنا عن القاضي أبي حامد المروزي: أنه لا خلاف أن يقع الموقع.
وَسَوْطُ الْحُدُودِ بَيْنَ قَضِيْبٍ؛ وَعَصًا؛ وَرَطْبٍ؛ وَيَابِسٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام، (أُتِىَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ؛ فَقَالَ:[فَوْقَ هَذَا] وَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيْدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ! فَقَالَ: [دُونَ هَذَا] فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِّبَ بِهِ وَلَانَ فَأمَرَ بِهِ فَجُلِدَ)، رواه مالك مرسلًا وروى موصولًا أيضًا (283)، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الأَعْضَاءِ، لِئَلَاّ يَعْظُمَ أَلَمُهُ
= وَشَهِدَ الآخَرُ: أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ! فَقَالَ عُثْمَانُ: (إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا! ) فَقَالَ: (يَا عَلِيُّ! قُمْ فَاجْلِدْهُ) فَقَالَ عَلِيٌّ: (قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ) فَقَالَ الْحَسَنُ: (وَلِّ قَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا) - كَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ - فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرَ قُمْ فَاجْلِدْهُ) وَعَلِيٌّ يَعُدُّ؛ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِيْنَ! فَقَالَ: (أَمْسِكْ) ثُمَّ قَالَ: (جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِيْنَ؛ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِيْنَ؛ وَعُمَرُ ثَمَانِيْنَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ؛ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب حد الخمر: الأثر (38/ 1707). وأبو داود في السنن: كتاب الحدود: الحديث (4480).
(283)
• رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الحدود: باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا: الحديث (12) منه. ج 2 ص 825، مرسلاً. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة والحد فيها: الحديث (18065)، وقال: قال الشافعي: (هَذَا حَدِيْثٌ مُنْقَطِعٌ لَيْسَ مِمَّا يُثْبَتُ بِهِ هُوَ نَفْسُهُ حُجَّةً؛ وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا =
بالموالاة في موضع واحد (284)، إلَاّ الْمَقَاتِلَ، أى كثغرة النحر والفرج ونحوهما، لأن القصدَ الردعُ دونَ القتلِ (285)، وَالْوَجْهَ، للنهي عنه (286)، قِيْلَ: وَالرَّأْسَ، لشرفها، والأصح: المنع، لأنه مُغَطَّى بالشعر فلا يخاف تشويهه، وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ، بل يتركه ليتقي بها (287). وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ، للنهي عنه في الأثر وإن ضعف إسناده (288)، ويُوَالَى الضَّرْبُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيْلٌ، أى ولا يجوز أن يُفَرَّقَ فيضربُ كُلَّ يوم سوطًا أو سوطين، لأنه لا يحصل له تنكيل ولا إيلام.
فَصْلٌ: يُعَزَّرُ في كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ، بالإجماع، ويستثنى ما فيه كفارة المجامع في نهار رمضان، فإنه يجب فيه التعزير معها، كما نقله البغوي في شرح
= مَنْ يَعْرِفُهُ وَيَقُولُ بِهِ، فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ). قلتُ: قاله الشافعي في الأم: كتاب الحدود وصفة النفي: باب السوط الذي يضرب به: ج 6 ص 145.
• وصله البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة: جماع أبواب صفة السوط: باب ما جاء في الاستتار: الحديث (18092): عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ رَجمَ الأَسْلَمِيَّ قالَ:[اجْتَنِبُواْ هَذِهِ الْقَاذُورَةِ الّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا؛ فَمَنْ ألَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ عز وجل].
(284)
لأَثَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ قَالَ: (اضْرِبْ وَلَا يُرَى إِبْطُكَ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة والحد فيها: جماع أبواب السوط: باب ما جاء في صفة السوط: الأثر (18066).
(285)
لأَثَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه؛ قَالَ لِلْجَالِدِ: (اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاتَّقِ وَجْهَهُ وَمَذَاكِيْرَهُ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (18072).
(286)
لِحَدِيْثِ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [إِذَا ضَرَبَ أحَدُكُمْ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب البر والصلة: باب النهي عن ضرب الوجه: الحديث (112/ 2612).
(287)
لأَثَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ في خَمْرٍ؛ فَقَالَ: (دَعْ لَهُ يَدَيْهِ يَتَّقِي بِهِمَا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (18067).
(288)
الأَثرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَا يَحِلُّ في هَذِهِ الأُمَّةِ تَجْرِيْدٌ؛ وَلَا مَدٌّ؛ وَلَا غِلٌّ؛ وَلَا صَفَدٌ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (18067).
السنة عن إجماع الأمة وغير ذلك مما أوضحته في الأصل فراجعه منه، ونقل ابن القطان في شرح العمدة: أن بعض أصحابنا حكى وجهين في وجوب التعزير على من جَامَع في نهار رمضان وعلى المظاهر والقاتل، وإن الأرجح الوجوب لأنه حق لله تعالى؛ قال: وذكر بعضُ أصحابنا أن من جامع امرأته حائضًا؛ وقُلْنَا بوجوب الكفارة، عزر بلا خلاف. وفي القواعد الصُّغرى للشيخ عز الدين: أَنَّ مَنْ زَنَا بِأُمِّهِ في جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ؟ أَثِمَ سِتَّةَ آثَامٍ؛ ويلزمُهُ العتق؛ والبَدَنَةُ؛ ويُحَدُّ لِلزِّنَا؛ ويُعَزَّرُ لقطعِ رَحِمِهِ، ولاِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ الكعبةِ، وفي جامع السير من الشامل عن النَّصِّ: أنه إذا كتب بعض المسلمين إلى المشركين يخبر الإمام أنه يُعزَّرُ؛ إنْ لم يكن من ذَوِي الْهَيْئَاتِ؟ فإن كان منهم! عُذِرَ ولم يُعزرْ! لحديثْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ (289)، وقد اجتمع الحد والتعزير فيما إذا بلغ حد الشرب ثمانين
(289) • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [أَقِيْلُواْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَاّ الْحُدُدَ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب في الحد يُشْفَعُ فيه: الحديث (4375). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة: باب الإمام يعفو عن ذوي الهيئات: الحديث (18120 و 18121).
• قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه (وَذَوُو الْهَيْئَاتِ الَّذِيْنَ يُقَالُونَ عَثَرَاتِهِمُ الَّذِيْنَ لَيْسُواْ يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ؛ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمُ الزَّلَّةَ). نقله البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة: الأثر (18122، وقاله الشافعي في الأُم: كتاب الحدود: باب الوقت في العقوبة والعفو عنها: ج 6 ص 145.
• حديث حاطب بن أبي بلتعة؛ رواه البخاري في الصحيح: كتاب التفسير: السورة 60: باب {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} : الحديث (4890).
• تَنْبِيْهٌ: يلاحظ أن هذه الإقالة تكون قبل أن يرفع الأمر إلى السلطان، أما بعد أن يرفع الأمر إلى السلطان فلا شفاعة ولا إقالة في ترك التعزير، فلا يستدلُّ بحديث حاطب لأن فيه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم[إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. وَمَا يُدْرِيْكَ لَعَلَّ اللهَ يَكُونُ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اِعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ]؛ وهذا أيضًا خاص في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. أما بعد موته؛ فإن للسلطان ظاهر العمل، والأصل التقيد بالحكم الشرعي. والله أعلم.
على الصحيح كما سلف قريبًا، بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أوْ صَفْعٍ أوْ تَوْبِيْخٍ، قال الماوردي: وكذا إعراض، وَيَجْتَهِدُ الإِمَامُ في جنْسِهِ وَقَدْرِهِ، لأنه غير مُقَدَّرٍ فَوُكِّلَ إلى رأيه، وَقِيْلَ: إِن تَعَلَّقَ بِآدَمِيٍّ لَمْ يَكْفِ تَوْبِيْخٌ، لتأكد حق الآدمي، والأصح: الاكتفاء كما في حق الله تعالى، فَإِنْ جُلِدَ وَجَبَ أَن يَنْقُصَ في عَبْدٍ عَنْ عِشْرِيْنَ جَلْدَةً، وَحُرٍّ عَنْ أَرْبَعِيْنَ، لأن جنايته دون جناية الحُرِّ، وَقِيْلَ: عِشْرِيْنَ، لأن العشرين حد العبد، فهو داخل في المنع فى قوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ بَلَغَ حَدًا في غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِيْنَ] رواه البيهقي وقال: المحفوظ إرساله (290)، وفي وجه ثالث: لا يزاد في تعزيرهما على عشرة؛ للحديث الصحيح فيه؛ لكن أجيب بنسخه وتأويله (291).
وَيَسْتَوِي فِي هَذَا جَمِيْعُ الْمَعَاصِي في الأَصَحِّ، أى ويلحق ما هو من مقدمات موجبات الحدود بما ليس من مقدماتها، والثاني: لا، بل نقيس كل معصية بما يناسبها مما يوجب الحد، فلا يبلغَ بتعزيرِ مقدِّمَاتِ الزِّنَا حَدَّ الزنا، وله أن يزيد على حدِّ القذفِ؛ ولا يبلغ بتعزير السَّبِّ حَدَّ القذفِ، وله أن يزيدَ على حدِّ الشُّرْبِ، وقرب هذا من قولنا إن حكومة الجناية الواردة على عضو معتبر بأرش ذلك العضو.
وَلَوْ عَفَى مُسْتَحِقُّ حَدٍّ فَلَا تَعْزِيْرَ لِلإِمَامِ في الأَصَحِّ (292)، أوْ تَعْزِيْرٍ فَلَهُ فِي
(290) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة والحد فيها: جماع أبواب صفة السوط: باب ما جاء في التعزير: الحديث (18075) عن النعمان بن بشير. قال: والمحفوظ هذا الحديث مرسلٌ.
(291)
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأَنْصَارِيِّ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلَاّ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحدود: باب كم التعزير والأدب؟ الحديث (6848). ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب قدر أسواط التعزير: الحديث (40/ 1708). في فتح الباري شرح صحيح البخاري: قال ابن حجر بعد أن ذكر أقوال في شرح الحديث: (وَمِنْهَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ). إنتهى.
(292)
أي قبل أن يرفع إلى الإمام، لقوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة / 34]. ولحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه؛ أَنَّ =
الأَصَحِّ، لأن الحد مقدَّر لا نظرَ للإمام فيه، وإذا أسقطه لم يعدل إلى غيره، والتعزير يتعلق أصله بنظره، فلم يؤثر فيه إسقاط غيره، والثاني: له ذلك قطعًا، لأن فيه حقًا لله تعالى، ويحتاج إلى زجره وزجر غيره عن مثل ذلك، والثالث: لا مطلقًا، لأن مستحقه أسقطه (293).
خَاتِمَةٌ: صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التعزير بمثل فعل المعتدي به إذا لم يكن محرمًا، وهو قولُ عائشةَ: لَدَدْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ فَأشَارَ أَنْ لَا تَلُدُّونِي! فَقُلْنَا كَرَاهَةَ الْمَرَضِ؛ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: [لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَاّ لُدَّ غَيْرُ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ] وهذا لم يذكره أصحابنا إلاّ أن المصنف أعني النووي في شرحه لمسلم فسَّر به الحديث (294)، وَاللُّدُودُ مَا صُبَّ تَحْتَ اللِّسَانِ، وَقِيْلَ: مَا صُبَّ في جَانِبِ الْفَمِ، ذكره القاضي عيّاض في تنبيهاته.
= رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [تَعَافَوُا الْحُدُدَ فِيْمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان: الحديث (4376)، وإسناده صحيح.
(293)
إن للإمام أن يعزر إذا تعلق الحق به بوصفه سلطانًا، أما إذا كان لغيره ولم يرفع إليه فهو كما سبق. والله أعلم.
(294)
• رواه البخاري في الصحيح: كتاب المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته: الحديث (4458). ومسلم في الصحيح: كتاب السلام: باب كراهة التداوي باللدود: الحديث (85/ 2213).
• في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي: ج 14 ص 449 - 450؛ قال النووي: (وَإِنَّمَا أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بلَدِّهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حِيْنَ خَالَفُوهُ في إِشَارَتِهِ إِلَيْهِمْ لَا تَلُدُّونِي. فِفِيْهِ أَنَّ الإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ تَصْرِيْحُ الْعِبَارَةِ في نحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِيْهِ تَعْزِيْرُ الْمُتَعَدِّي بِنَحْوٍ مِنْ فِعِلِهِ اَلَّذِي تَعَدَّى بِهِ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُحَرَّمًا). إنتهى.