المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القضاء على الغائب - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النفقات

- ‌كتاب الجراح

- ‌بَابُ كَيفِيةِ القِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاختِلافِ فِيهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَّاتِ

- ‌بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

- ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

- ‌كِتَابُ البُغَاةِ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ

- ‌كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ

- ‌كِتَابُ الأشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ

- ‌كِتَابُ السِّيَّرِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الأضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُنَاضَلَةِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌كِتَابُ أمَّهَاتِ الأوْلَادِ

الفصل: ‌باب القضاء على الغائب

دون شيء، وهذا ما نصَّ عليه في الأُمِّ والمختصَرِ، وحكاهُ في الشامل والبيان عن أكثرهم، والأَوَّلُونَ أَوَّلُواْ هذا النصَّ وجعلوه تأكيدًا لا شرطًا، وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ، أي بخلاف التعديل لأن أسبابه مختلف فيها، وَيَعْتَمِدُ فِيْهِ، يعني في الجرح، المُعَايَنَةَ أَوِ الِاسْتِفَاضَةَ، أي بأن رآه يزني أو يشرب الخمر؛ والسماعُ كما ذكره في الْمُحَرَّرِ: بأن يسمعه يَقْذِفُ أو يُقِرُّ على نفسه بالزنا؛ أو الاستفاضة أي وكذا خبر التواتر لحصول العلم، ولا يجوز الجرح بناء على خبر عدد يسير، لكن يشهد على شهادتهم بشرط الشهادة على الشهادة، وَيُقَدَّمُ، أي بينة الجرح، عَلَى التَّعْدِيْلِ، لأن معه زيادة علم، فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ: عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ وَأصْلَحَ قُدِّمَ، لما ذكرناه، ويقدم أيضًا فيما إذا شهد بجرحه ببلد ثم انتقل إلى غيره فعدله آخران فيها وهو ظاهر إذا كان بين انتقاله من الأول إلى الثاني مدة الاستبراء وإلاّ لم يقدم، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكفِي فِي التَّعْدِيْل قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ عَدْلٌ، وَقَدْ غَلِطَ، فيما شهد به بل لا بد من البحث والتعديل لحق الله تعالى ولهذا لا يجوز الحكم بشهادة فاسق، والثاني: يحكم بشهادتهما بلا بحث؛ لأن البحث لِحَقِّهِ وقد اعترف بعدالتهما.

‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

هُوَ جَائِزٌ، للحاجة إليه، إِنْ كَانَ، عَلَيْهِ، بَيِّنَةٌ، وإلا فلا فائدة لهذه الدَّعْوَى، وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ، فَإنْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، لأنها لا تقام على مُقِرٍّ، وِإِنْ أَطْلَقَ، أي ولم يتعرض لجحوده ولا لإقراره، فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا تُسْمَعُ، لأنه قد لا يعلم جحوده في غيبته ويحتاج إلى الإثبات فجعلت الغيبة كالسكوت، والثاني: لا تسمع إلا عند تعرض الْبَيِّنَةِ للجحود؛ لأن البَيِّنَةَ إنما يحتاج إليها عنده، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبُ مُسَخَّرٍ، أي بفتح الخاء المشددة، يُنْكِرُ عَنْ الْغَائِبِ؛ لأن الغائب قد يكون مُقِرًّا فيكون إنكار المسخر كذبًا، والثاني: يلزمه لتكون البيّنة على إنكار منكر، وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَن الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذمَّتِهِ، احتياطًا للمحكوم

ص: 1815

عليه، لأنه لو حضر لربما ادّعى ما يبرئه، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، لأن باب التدارك إن كان هناك دافع غير مُنْحَسِمٍ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، أي وكذا ميّت، والوجوب فيهم أولى لعجزهم عن التدارك، وَلَوْ ادَّعَى وَكِيْلٌ عَلَى غَائِبٍ فَلَا تَحْلِيْفَ، أي بل يعطى المال إن كان المدّعى عليه هناك مال؛ لأن الوكيل ليس له أن يحلف لفعل غيره.

وَلَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهَ وَقَالَ لِوَكِيْلِ الْمُدَّعِي: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ! أُمِرَ بِالتَّسْلِيْمِ إِلَى الْوَكِيْلِ، لأنّا لو وقفنا الأمر إلى أن يحضر الموكل لانْجَرَّ الأمرُ إلى أن يتعذر استيفاء الحقوق بالوكالة، وله أن يثبت الإبراء بعد أن كانت له حجة.

وَإذَا ثَبَتَ مَالٌ عَلَى غَائِبٍ؛ وَلَهُ مَالٌ! قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، لأنه حقٌّ وجبَ عليه وتعذر وفاؤه من جهة من عليه فقام الحاكم مقامه، كما لو كان حاضرًا فامتنع، وَإِلَاّ، أي وإن لم يكن له مال حاضر، فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إِنْهَاءَ الْحَالِ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ؟ أَجَابَهُ؛ فَيُنْهِي سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِي الْمَالَ، أَوْ حُكْمًا لِيَسْتَوْفِي، وَالإِنْهَاءُ أَنْ يُشهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ، مسارعة إلى قضاء الحقوق، ويُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ، أي ولا يجب؛ لأن الاعتماد على الشهادة، وفائدة الكتاب تذكُّرُ الشهود وإلزام المكتوب إليه، يَذْكُرُ فِيْهِ، يعني فِي الكتاب، مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، من اسمٍ وَكُنْيَةٍ وَقَبِيْلَةٍ وَصَنْعَةٍ وَحِلْيَةٍ، وكذا المحكوم له ليسهل التمييز، وَيَخْتِمُهُ، حفظًا له وإكرامًا للمكتوب إليه، ويدفع إلى شاهدين نسخة غير مختومة ليطالعاها ويتذكرا عند الحاجة، وَيَشْهَدَانِ عَلَيْهِ إِنْ أَنْكَرَ، أي إذا وصل كتاب القاضي وحامله إلى قاضي بلد المكتوب إليهَ أُحْضِرَ الْخَصْمُ، فإن أقر بالْمُدَّعَى به؛ فذاك؛ وإلا شهد الشاهدان بحكم القاضي الكاتب، فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابِ صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ، لأن الأصل عدم تسميته بهذا الاسم، فَإِنْ أَقَامَهَا، يعني البيّنة بأنه اسمه ونسبه، فَقَالَ: لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الاِسْمِ وَالصِّفَاتِ، لأن الظاهر

ص: 1816

أنه المحكوم عليه، وَإِنْ كَانَ، أي بأن عرفه القاضي أو قامت عليه بيّنة، أُحْضِرَ، يعني المشارك، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ وَتُرِكَ الأوَّلُ، وَإِلَّا، أي وإن أنكر، بَعَثَ، يعني الحاكم، إِلَى الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنَ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا، أي فإن لم يجد مزيدًا وقف الأمر حتى ينكشف.

وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ فَفِي إِمْضَائِهِ إِذَا عَادَ إِلَى وِلَايَتهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، أي فإن قلنا: نَعَمْ فَنَعَمْ، وإن قلنا: لا؛ فعن بعضهم تجويزه أيضًا، والأصح: المنع، كما لا يجوز الحكم بشهادة سمعها في غير محل ولايته.

وَلَوْ نَادَاهُ فِي طَرَفَي وِلَايَتِهِمَا أَمْضَاهُ، لأنه أبلغ من الشهادة والكتاب، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ كَتَبَ سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَان، وَيُسَمِّيْهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا، أي ولا حاجة هنا إلى تحليف المدعي، وَإِلَّا، أي وإن عدلها، فَالأَصَحُّ: جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ، كما أنه إذا حكم استغنى عن تسمية الشهود، والثاني: لا، وهو قول الإمام والغزالي، قال الرافعي: والقياس الأول وهو المفهوم من إيراد البغوي وغيره؛ ثم قال: ويجوزُ أن يُقدَّرَ فيه خلافٌ، فجزمه هنا بحكاية وجهين مخالف لذلك، وَالْكِتَابُ بِالْحُكمِ يَمْضِي مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَبِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقبَلُ عَلَى الصَّحِيْحِ إِلَّا مِنْ مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ، أي وهي مسافة العدوى لا القَصْرِ على الأصح كما سيأتي، والفرق بينهما أن الحكم هناك قد تَمَّ وليس بعده إلا الاستيفاء، وسماعُ الْبَيِّنَةِ بخلافه؛ فإنه إذا لم تبعد المسافة لم يعسر إحضار الشهود عند القاضي الآخر.

فَصْلٌ: ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنِ الْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ؛ وَعَبْدٍ؛ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ؟ سَمِعَ بَيِّنَتَهُ؛ وَحَكَمَ بِهَا؛ وَكَتَبَ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلَّمَهُ لِلْمُدَّعِي، كما يسمع البيّنة ويحكم على الغائب، وقوله (مَعْرُوفَاتٍ) هو مما غَلَّبَ فيه ما لا يعقل على من يعقل، والقاعدة العكسُ فنقولُ مَعْرُوفِيْنَ كما نطق به الْمُحَرَّرُ وهو في

ص: 1817

الروضة تبعًا للشرح، وَيَعْتَمِدُ فِي الْعِقَارِ حُدُودَهُ، أي وموضعه كما صرح به في المحرر لأجل التمييز، وينبغي أن يتعرض للحدود الأربعة، ولا يجوز الاقتصار على حدين أو ثلاثة ذكره ابن القاصّ، وفي فتاوى البغوي: أنها إذا صارت معروفة بثلاثة حدود جاز الاقتصار على ذكرها ولا يجب التعريض للقيمة على الأصح لحصول التمييز دونه، أَوْ لَا يُؤْمَنُ، أي كغير المعروف من العبيد والدَّوَابِّ وغيرهما، فَالأَظْهَرُ: سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، كما تسمع على الشخص الغائب اعتمادًا على الْحِلْيَةِ والصِّفَةِ؛ ولأنه يحتاج إليه كالعقار، والثاني: لا، لكثرة الاشتباه.

وَيُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي الْوَصْفِ، أي بما يمكن من الاستقصاء، وَيَذْكُرُ الْقِيْمَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا، أي بما قامت الْبَيَّنَةُ عليه؛ لأن الحكم مع خطر الاشتباه والجهالة بعيد، والثاني: نعم كالعقار، والحاصل ثلاثة أقوال؛ أظهرها: كما ذكره المصنف تسمع البيّنة ولا يَحْكُمُ، وثانيها: لا تسمع ولا يحكم، وثالثها: تسمع ويحكم، ثم فرع المصنف على الصحيح وهو السماع وعدم الحكم فقال: بَلْ يَكْتُبُ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِمَا شَهِدَتْ بهِ فَيَأْخُذُهُ وَيَبْعَثُهُ إِلَى الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُواْ عَلَى عَيْنِهِ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إِلَى الْمُدَّعِي بِكَفِيْلٍ بِبَدَنِهِ؛ فَإِنْ شَهِدُواْ بِعَيْنِهِ كَتَبَ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيْلِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ، والقول الثاني: أن القاضي بعد الانتزاع يَبِيْعُهُ للمدعي ويقبضُ منه الثمنَ ويضعهُ عند عَدْلٍ أو يكفله بالثمن، فإن سَلَّمَ المدَّعي بشهادة الشهود على عينه عند القاضي الكاتب كتب بردِّ الثمن أو إبراء الكفيل، وبَان بطلان البيع وإلا فالبيع صحيح ويسلم الثمن إلى المدعي عليه، وهذا بيع يتولاه القاضي للمصلحة كما يبيع الضوال، أَوْ غَائِبَةً عَنِ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ أمَرَ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ إِحْضَارُهُ لِيَشْهَدُواْ بِعَيْنِهِ وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ، تشبيهًا بما إذا كان المدَّعى عليه حاضرًا في البلد، ولا تسمع الشهادة وهو غائب عن مجلس الحكم، واحترز بـ (ما يمكن إحضاره) عما لا يمكن كالعقار، فإن المدَّعي يحدَّهُ ويقيم البيِّنة عليه بتلك الحدود! إلا أن يكون مشهورًا فلا حاجة إلى تحديده، وَإِذَا وَجَبَ إِحْضَارٌ فَقَالَ: لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ! صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ، لأن الأصل عدمُ عَيْنٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ

ص: 1818

لِلْمُدَّعِي، أي بعد ذلك، دَعْوَى الْقِيْمَةِ، لاحتمال أنها هلكت، فَإِنْ نَكَلَ، أي المدعى عليه عن اليمين، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً كُلِّفَ الإِحْضَارَ وَحُبِسَ عَلَيْهِ وَلَا يُطْلَقُ إِلَّا بِإِحْضَارٍ أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ، فتؤخذ منه القيمة ويقبل منه دعوى التلف، وإن كان خلاف قوله الأول للضرورة.

وَلَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي؛ هَل تَلِفَتِ الْعَيْن؟ فَيَدَّعِي قِيْمَةً أَمْ لَا؛ فَيَدَّعِيْهَا فَقَالَ: غَصَبَ مِنِّي كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَإِلا فَقِيمَتُهُ سُمِعَتْ دَعوَاهُ، للحاجة، وعليه عمل القضاة، فعلى هذا يحلَّفُ أنه لا يلزمه ردُّ العين ولا قيمتها، وَقِيْلَ: لَا، لأنها غير جازمة، بَلْ يَدَّعِيْهَا وَيُحَلِّفُهُ ثُمَّ يَدَّعِي الْقِيْمَةَ وَيَجْرِيَانِ فِيْمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِدَلَّالٍ لِيَبِيْعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ، أَمْ أَتْلَفَهُ! فَقِيْمَتَهُ، أمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ، أي فعلى الأول يدعي أن عليه ردُّ الثوب أو ثمنه أو قيمته، ويحلف الخصم يمينًا واحدة أنه لا يلزمه تسليم الثوب ولا ثمنه ولا قيمته، فلو نكل ورُدَّتِ اليمينُ على المدّعي! فهل يَحْلِفُ على التردد كما ادَّعى على التردد أم يُشترط التعيين؟ وجهان؛ وعلى الثاني: يدّعى العين في دعوىً، والقيمة في أخرى، والثمن في أخرى.

فَرْعٌ: جميع ما ذكرناه فيما إذا كان الخصم حاضرًا، فإن كان غائبًا والمال في البلدِ كما وصفناه، أُحضر مجلس الحكم أيضًا، وأخذه ممن هو في يده لتشهد الشهود على عينه (•).

وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الإِحْضَارَ فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِى اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَي عَلَيْهِ، لأنه المحوج إلى ذلك، وَإِلَّا فَهِيَ، يعني مؤنة الإحضار، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَّعِي، لأنه المحوج إليه.

فَصْلٌ: الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبيِّنَةُ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيِدَةٍ، لأن القريب يسهل إحضاره، وَهِيَ، ويعني المسافة البعيدة، الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إِلَى مَوْضِعِهِ

(•) فرع في النسخة (1) فقط.

ص: 1819

لَيْلًا، أي فإن كان يرجع فقريبة، وتسمَّى مسافة الْعَدْوَى كما سيأتي، وللقاضي أن يحكم على من غاب إلى الأُولى؛ لأن في إحضاره مفارقة الأهل ليلاً، وَقِيْلَ: مَسَافَةُ قَصْرٍ، أي والقريبة ما دونها، وَمَنْ بِقَرِيْبَةٍ كَحَاضِرٍ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَيُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، أي بل يحضر ليأتي بمطعن إن أمكن بخلاف البعيد فإن انتظاره يطول، إِلَّا لِتَوَارِيْهِ أَوْ تَعَزُّزِهِ، أي فإنها تسمع ويحكم عليه وإلا اتخذ الناس التواري والامتناع ذريعة إلى إبطال الحقوق، وَالأَظْهَرُ: جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَمَنْعُهُ فِي حَدِّ اللهِ تَعَالَى، لأن حقَّ الله تعالى مَبْنِيٌّ على المسامحة لاستغنائه، وحقُّ الآدمي مبني على التضييق لاحتياطه، والثاني: المنع مطلقًا؛ لأن الحدَّ يسعى في دفعه ولا يوسع بابه، والثالث: الجواز مطلقًا، كما في الأموال فيكتب إلى قاضي بلد المشهود عليه ليأخذه بالعقوبة.

وَلَوْ سَمِعَ بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَسْتَعِدْهَا بَلْ يُخْبِرُهُ، أي بالحال، وَيُمَكّنُهُ مِنْ جَرْحٍ، أي وإن قدم بعد الحكم فهو على حجته في إقامة البيّنة بالأداء والإبراء وجرح الشهود، لكن يشترط أن يُؤَرِّخَ الجارحُ فِسْقَهُ بيوم الشهادة؛ لأنه إذا أطلق احتمل حدوثه بعد الحكم ، وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ وُلِّيَ وَجَبَتِ الِاسْتِعَادَةُ، لبطلانها بالعزل.

فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتُعْدِيَ عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ، أي على طلبه، أَحْضَرَهُ بِدَفْعِ خَتْمِ طِيْنٍ رَطْبٍ؛ أَوْ غَيْرِهِ، ليعرضه على الخصم، وليكن مكتوبًا عليه أجب القاضي، أَوْ بِمُرَتَّبٍ لِذَلِكَ، أي وَهُمُ الأعوانُ سواءٌ عرف أن بينهما معاملة أم لا؟ ! صيانةً للحقوق، ولاحتمال أن له عليه حقًا بجهة إرث أو إتلاف، فَإِنِ امْتَنَعَ بِلَا عُذْرٍ أَحْضَرَهُ بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَعَزَّرَهُ، أي بما يراه، فإن امتنع به كمرض ونحوه بعث إليه من يحكم بينه وبين خصمه أو يأمره بنصب وكيل ليخاصم عنه، أَوْ غَائِبٍ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ، محل، فَلَيْسَ لَهُ إِحْضَارُهُ، لانتفاء ولايته عليه، أَوْ فِيْهَا وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً وَيَكْتُبُ إِلَيْهِ، لأن في إحضاره مشقَّة مع إمكان الحكم في

ص: 1820