الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ
قَاطِعُ الطَّرِيقِ: سُمِّيَ بذَلِكَ لامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنَ الْمُرُورِ خَوْفًا مِنْهُ، وَالأَصْلُ فِيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
…
} الآيَةُ (262)، نَزَلَتْ فِيْهِمْ، وَقِيْلَ: فِي العُرنيين، وَقِيْلَ: فِي الْمُشرِكِيْنَ (263).
هُوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَهُ شَوْكَةٌ، أي فأضدادهم ليس لهم حُكم قاطع الطريق، لَا مُخْتَلِسُون يَتَعَرَّضُون لآخِرِ قَافِلَةٍ يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ، لانتفاء الشوكة، وَالَّذِيْنَ يَغْلِبُونَ شِرْذِمَةً بِقُوَّتهِمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ، أي وإن لم يكثر عددهم لاعتمادهم على الشوكة والنجدة بالإضافة إلى الشرذمة، لَا لِقَافِلَةٍ عَظِيْمَةٍ، لأنه يتأتى دفعهم ومقاومتهم، فالاستسلام لهم يُعَدُّ تقصيرًا وتضييعًا وفيه بحث للرافعي، نعم لو نالت كل طائفة من الأخرى بالقتال فأصحُّ احتماليْ الإمام أنهم قُطَّاعٌ، وَحَيْثُ يَلْحَقٌ غَوْثٌ لَيْسَ بِقُطَّاعٍ، لإمكان الاستغاثة، نعم هم منتهبون، وَفَقْدُ الْغَوْثِ يكُونُ لِلْبُعْدِ، أي بُعد السلطان وبعد أعوانه، أَوْ لِضَعْفٍ، أي ضعف السلطان، وَقَدْ يغْلِبُونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي بَلَدٍ فَهُمْ قُطَّاعٌ، لوجود الشروط فيهم.
فَرْعٌ: لو دخل جماعة بالليل دارًا فتكاثروا ومنعوا أصحاب الدار من الاستغاثة
(262) المائدة / 33.
(263)
قال القرطبي: (أختلف الناس في سبب نزول هذه الآية، فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في الْعُرَنِيَّيْنَ): الجامع لأحكام القرآن: ج 6 ص 148.
مع قُوَّةِ السُّلْطَانِ وحضورهِ؛ فالأصح: أنهم قطَّاعٌ، وقيل: سُرَّاقٌ، وَنَسَبَهُ بعضهم إلى الأكثرين، وقيل: مختلسون.
فَرْعٌ: لا يشترط في قاطع الطريق الذكورة، ولا شَهْرُ السلاح، ولا العدد، كما أفهمه كلام المصنف حيث لم يذكر ذلك في شروطه.
وَلَوْ عَلِمَ الإِمَامُ قَوْمًا يُخِيْفُونَ الطَّرِيْقَ وَلَمْ يَأْخُذواْ مَالًا وَلَا نَفْسًا عَزَّرَهُمْ بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ، لأنهم تعرضوا للدخول في معصية عظيمة فصار كَالتَّعَرُّض لِلزِّنَا بالقُبْلَةِ.
فَصْلٌ: وَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ نِصَابَ السَّرِقَةِ! قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ فَيُسْرَاهُ وَيُمْنَاهُ، للآية السالفة وهي وإن اقتضى ظاهرها التخييرُ؛ فالمراد بها الترتيب عندنا اقتداءً بابن عباس وغيره (264)، واحترز بـ (النصاب) عما دونه فإنه لا قطع على الأصح كالسرقة.
فَرْعٌ: لا قطعَ مع الشبهةِ.
وَإِن قَتَلَ، أي عمدًا عدوانًا من يكافئه وهو معصوم لأجل أخذ المال، قُتِلَ حَتْمًا، لقول ابن عباس وغيره في تفسير الآية السَّالفة إذا قتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ولم يُصْلَبُواْ، ومعنى الانحتام أن لا يسقط بعفو الولي ولا بعفو السلطان، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالاً قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ، لقول ابن عباس وغيره في تفسير الآية السالفة:[إِذَا قَتَلُواْ وَأخَذُواْ الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُواْ](265) وإنما صُلِبَ بعد قتله، لأنَّ في صَلْبِهِ قَبْلَهُ زيادةُ تعذيبٍ وهو
(264) ينظر الرقم (259).
(265)
عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيْقِ: (إِذَا قَتَلُوا وَأخَذُواْ المَالَ، قُتِلُوا أو صُلِبُواْ، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَم يَأْخُذُواْ الْمَالَ، قُتِلُواْ وَلَمْ يُصْلَبُوا؛ وَإِذَا أخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا، قُطِعَتْ أيْدِيْهِمْ وَأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أخَافُوا السَّبِيْلَ وَلَمْ يَأخُذُواْ مَالاً، نُفُواْ فِي الأَرْضِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب السرقة: جماع أبواب ما لا قطع فيه: الأثر (17805).
منهيٌّ عنه، ولو مات قبل صلبه لم يصلب على الأصح لأنه تابع، ثَلَاثًا، ليشتهر الحال ويتم النكال، ثُمَّ يُنَزَّلُ، اكتفاءً بما حصل من النكال، وَقِيْلَ: يُبْقَى حَتَّى يَسِيْلَ صَدِيدُهُ، تغليظًا عليه، وَفِي قَوْلٍ: يُصلَبُ قَلِيْلاً ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ، لأن الصَّلْبَ شُرِّعَ عقوبةٌ له فيقام عليه وهو حي، وَمَنْ أَعَانَهُم وَكَثَّرَ جَمعَهُمْ عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيْبٍ وَغَيْرِهِمَا، كسائر المعاصي، ولا حدَّ كما لا حدَّ في مقدمات الزنا، وَقِيْلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيْبُ إِلَى حَيْثُ يَرَاهُ، لأن النفي في الآية عقوبة مقصودة، وأجاب الأول بأن معنى نفيهم من الأرض: أنهم إذا هربوا من حبس الإمام طلبوا حتى يؤخذوا فيقام عليهم الحدُّ أو التعزير.
فَصْلٌ: وَقَتْلُ القَاطِعِ يُغَلَّبُ فِيْهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، لأنه قتل في مقابلة قتل، وَفِي قَوْلٍ: الْحَدُّ، لأنه لا يصح العفو عنه ويتعلق استيفاؤه بالسلطان لا بالولي، ولا شك أن كلا منهما موجود فيه وَالْمُغَلَّبُ الأول على الأصح (•)، فعَلَى الأَوَّلِ: لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ وَذِمِّيِّ، أي وكذا بعبد لانتفاء المكافأة، وعلى الثاني: نعم، وَلَوْ مَاتَ فَدِيَةٌ، أي من تركته، وعلى الثاني: لا دية.
وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا قُتِلَ بِوَاحِدٍ وَلِلْبَاقِيْنَ دِيَاتٌ، كما في القصاص، وعلى الثاني: لا دية، وَلَو عَفَى وَلِيُّهُ بِمَالٍ وَجَبَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ ويُقْتَلُ حَدًّا، كمرتد استوجب القصاص، وعُفي عنه، وإن فرعنا على الثاني فالعفو لغوٌ.
وَلَوْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ، كما في القصاص، وإن فرعنا على الثاني فيقتل بالسيف كالمرتد.
وَلَوْ جَرَحَ فَانْدَمَلَ لَمْ يَتَحَتَّمْ قِصَاصٌ في الأَظْهَرِ، لأن التحتم تغليظ لحق الله تعالى فاختص بالنفس كالكفارة. والثاني: نَعَمْ، كما يَتَحَتَّمُ القتل عند القتل؛ والثالث: يَتَحَتَّمُ في اليدين والرجلين، لأنهما مما يستحقان في المحاربة دون الأنف
(•) في النسخة (1): على الصحيح.
والأذن والعين وغيرهم، واحترز بقوله (فَانْدَمَلَ) عما إذا سرى إلى النفس وقد سلف حكمه، ولو كان الجرح مما لا قصاص فيه كالجائفة؛ فالواجب المال فقط فلا قتل، فمحل الخلاف فِى الكتاب بما إذا كان فيه قصاص كقطع اليد مثلاً، ولا خلاف أنه يقابل بمثل ما فعل، وإنما الخلاف في تحتم القصاص في الجراحة.
وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ بِتَوْبَتِهِ قَبلَ الْقُدْرَةِ علَيْهِ، لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ
…
} الآية (266)، لَا بَعْدَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، لمفهوم الآية المذكورة، وقيل: قولان كالقولين في سقوط حد الزاني والشارب والسارق بالتوبة، وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ بِهَا، أي كحدِّ الزنا والسرقة والشرب في حق غير قاطع الطريق، وفي حقه قبل القدرة وبعدها، فِي الأَظْهَرِ، لأن العمومات الواردة فيها لم تفصل بين ما قبل القدرة وما بعدها بخلاف قاطع الطريق، والثاني: تسقط بها لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (267) وقوله: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (268) وَقِيْسَ حدُّ الشرب عليهما بل أَوْلى لأنه أخفُّ، وصححه جماعة وجزم به صاحب الاستقصاء فيما إذا زَنَى الْمُحَارِبُ أو سرقَ أو شربَ ثم تاب قبل القدرة عليه.
فَصْلٌ: مَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ؛ وَقَطْعٌ؛ وَحَدٌّ قَذْفٍ؛ وَطَالَبُوهُ! جُلِدَ؛ ثُمَّ قُطِعَ؛ ثُمَّ قُتِلَ، إذ هو أقرب إلى استيفاء الْكُلِّ، ويُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ لَا قَطْعِهِ بَعْدَ جَلْدِهِ إِنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ، لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت قصاص النفس وتذهب النفس هدرًا، وَكَذَا إِنْ حَضَرَ وَقَالَ: عَجِّلُواْ الْقَطْعَ في الأَصَحِّ، خوفًا من هلاكه بالموالاة، والثاني: يبادر؛ لأن التأخير كان لحقه وقد رضي بالتقديم، وِإذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ جُلِدَ فَإذَا بَرِئَ قُطِعَ، أي ولا يقطع قبل البرء خشية أن يفوت قصاص النفس.
وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ جُلِدَ، أي ويتعذرُ القتل لِحَقِّ مستحقِّ الطرف، وَعَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ، لئلا يفوت حقه، فَإِنْ بَادَرَ فَقَتَلَ
(266) المائدة / 34.
(267)
النساء / 16.
(268)
المائدة / 39.
فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ، لأنه فات عليه، ومستحق النفس استوفى حقه.
وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ صَبْرُ الآخَرِيْنَ، لئلا يفوت بفعلهما حقه، وَلَوِ اجْتَمَعَ حُدُودٌ للهِ تَعَالَى، أي بأن شَرِبَ وَزَنَا وهو بكرٌ وسَرَقَ ولزمهُ قتل بِرِدَّةٍ، قُدَّمَ الأخَفُّ فَالأخفُّ، أي وجوبًا سعيًا في إقامة الجميع، وأخفها حد الشرب فيقام؛ ثم يمهّل حتى يبرأ؛ ثم يجلد للزنا ويمهل؛ ثم يقطع فإذا لم يبق إلاّ القتل، قتل ولا يُمْهَلُ، أَوْ عُقُوبَاتٌ للهِ تَعَالَى وَلآدَمِيِّيْنَ، أي بأن انضم إلى هذه العقوبات حَدُّ قذفٍ، قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى زِنَا، كذا نص عليه، واختلفوا لِمَ قُدِّمَ! فالأصح: لأنه حَقُّ آدميِّ، وقيل: لأنه أخف، وَالأَصَحُّ: تَقْدِيْمُهُ عَلَى حَدِّ شُرْبٍ، لأنه حق آدمي، والثاني: عكسه؛ لأنه أخف، وَأنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا، وهذا بناء على المعنيين أيضًا.
فَرْعٌ: لو اجتمع مع الحدود التعزير، قال الماوردي: قُدِّمَ عليها كلها لِخِفَّتِهِ؛ ولأنه حقٌّ آدمي.