المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْعِتْقِ اَلْعِتْقُ: أَصْلُهُ مِنْ: عَتَقَ الْفَرْخُ إِذَا اسْتَقَلَّ، وَهُوَ شَرْعًا: - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النفقات

- ‌كتاب الجراح

- ‌بَابُ كَيفِيةِ القِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاختِلافِ فِيهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَّاتِ

- ‌بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

- ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

- ‌كِتَابُ البُغَاةِ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ

- ‌كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ

- ‌كِتَابُ الأشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ

- ‌كِتَابُ السِّيَّرِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الأضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُنَاضَلَةِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌كِتَابُ أمَّهَاتِ الأوْلَادِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْعِتْقِ اَلْعِتْقُ: أَصْلُهُ مِنْ: عَتَقَ الْفَرْخُ إِذَا اسْتَقَلَّ، وَهُوَ شَرْعًا:

‌كِتَابُ الْعِتْقِ

اَلْعِتْقُ: أَصْلُهُ مِنْ: عَتَقَ الْفَرْخُ إِذَا اسْتَقَلَّ، وَهُوَ شَرْعًا: إِزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ آدَمِيٍّ لَا إِلَى مَالِكٍ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ تَعَالَى. وَالأَصْلُ فِيْهِ قوْلُهُ تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} (551) وقوله: {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} (552) وَأَمْرُهُ بِالتَّحْرِيْرِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكَفَّارَاتِ. وَالأَحَادِيْثُ الصَّحِيْحَةُ الشَّهِيْرَةُ (553) وَالإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ.

إِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، أي مسلمًا كان أو ذمَّيًّا أو حربيًّا؛ لأنه تصرف في المال في حال الحياة فأشبه الهبة، فلا تصح من صبيٍّ ومجنون وسفيه، وَيَصِحُّ تَعْلِيْقُهُ، أي بالصفات كالتدبير؛ ويصحُّ تعليقه بعوض أيضًا، وَإِضَافَتُهُ إِلَى جُزْءٍ، أي مُعَيَّنٍ أو شائعٍ، فَيَعْتِقُ كُلُّهُ، تشوفًا للتكميل، وسواء الموسر وغيره، وَصَرِيْحُهُ: تَحْرِيْرٌ وَإِعْتَاقٌ، لأنه ثبت لهما عرف الشرع والاستعمال، وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ فِي الأَصَحِّ، لوروده في القرآن، والثاني: أنَّه كناية لاستعماله في العتق وغيره، وَلَا يَحْتَاجُ، أي

(551) البلد / 13.

(552)

الأحزاب / 37.

(553)

منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قَال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [أَيُّمَا رَجُلٍ أعْتَقَ امْرِءًا مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنهُ مِنَ النَّارِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب العتق: باب في العتق وفضله: الحديث (2517)، وفي كتاب كفارات الأيمان: باب قوله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} : الحديث (6715). ومسلم في الصحيح: كتاب العتق: باب فضل العتق: الحديث (21 و 22/ 1509).

ص: 1867

الصريح، إِلَى نِيَّةٍ، لأنه لا يفهم منه غيره عند الإطلاق، فلم يحتج لتفويته بالبينة، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهَا كِنَايَتُهُ، أي وإن اختلفت بها قرينة لاحتمالها غير العتق فلا بد من نية التمييز، وَهِيَ، يعني الكناية، لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، لا سُلْطَانَ، لا سَبِيْلَ، لَا خِدْمَةَ، أَنْتَ سَائِبَةٌ، أَنْتَ مَوْلَايَ، لأن المولى مشترك بين معانٍ منها المعتق، وَكَذَا كُلُّ صَرِيْحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ، أي كناية هنا لاشعارها بإزالة القيد، نَعَمْ يستثنى من ذلك لفظ العدة والاستبراء في حق العبد لاستحالة ذلك في حقه، ولو قال: مِنْكَ حُرٌّ! فالأصحُّ: أنَّه ليس بكناية هنا بخلاف أنا منك طالق لشمول الزوجية الزوجين بخلاف الملك.

وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ: أَنْتِ حُرَّةٌ، وَلأَمَةٍ: أَنْتَ حُرٌّ صَرِيْحٌ، أي ولا يضر الخطأ في التذكير والتأنيث، وَلَوْ قَالَ: عِتْقُكَ إِلَيْكَ أَوْ خَيَّرْتُكَ، وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إِلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ، كما في الطلاق، أَوْ أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ، أو قَالَ لَهُ الْعَبْدُ: أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ؟ فَأَجَابَهُ؛ عُتِقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَهُ الأَلْفُ، كما في الطلاق أَيضًا، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ، فَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ، كما لو قال: أعتقتُكَ على مالٍ، هذا ظاهر المذهب، وذكرَ الربيعُ قولًا: إنه لا يصح البيع؛ لأن السيد لا يبايع عبده، فمن الأصحاب من أثبته وضعفه، ومنهم من قطع بما ذكره المصنف، وقال: هذا من تخريج الرَّبيع، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ، كما أعتقه على مالٍ، وفي وجه: أنَّه لا ولاء عليه.

وَلَوْ قَالَ لِحَامِلٍ: أَعْتَقْتُكِ أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكِ عَتَقَا، لأنه كالجزء منها، وإنما لم يبطل العتق هنا باستثناء الحمل لقوته، وَلَوْ أَعْتَقَهُ، يعني الحمل، عَتَقَ دُونَهَا، لأن الأم لا تتبع الحمل وهذا إذا نفخت فيه الروح وإلاّ فلا يعتق قاله القاضي في فتاويه. وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَالْحَمْلُ لَآخَرَ لَمْ يُعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعَتقِ الآخَرِ، لأنه لا اسْتِتْبَاعَ مع اختلاف المالكين، وَإِذَا كَانَ بَينَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيْبَهُ عَتَقَ نَصِيْبَهُ، لأنه جائز التصرف، وقد وجه العتق على ملكه، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ الْبَاقِي لِشَرِيْكِهِ، أي ولا يسري العتق إليه لحديث ابن عمر في ذلك متفق

ص: 1868

عليه (554)، وَإِلَّا، أي وإن لم يكن معسرًا، سَرَى إِلَيْهِ، للحديث المذكور، اَوْ إِلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ، لتقرب حاله من الحرية والاستقلال، وَعَلَيْهِ قِيْمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الإِعْتَاقِ، أى وقته؛ لأنه وقت الاتلاف أو وقت سببه، وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الإِعْتَاقِ، لظاهر حديث ابن عمر في ذلك كما أخرجه البخاري (555). وَفِي قَوْلٍ: بِأَدَءِ الْقِيْمَةِ، لأن في رواية له قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ (556). وَقَوْلٍ: إِنْ دَفَعَهَا بَانَ أَنَّهَا بِالإِعْتَاقِ، أي وإن لم يدفعها بَانَ أنه لم يعتق رعاية للجانبين، ويستثنى من كلام المصنف ما إذا كاتب الشريكان الرقيق المشترك ثم نَجَّزَ أحدهما عتق نصيبه فإنه يقوّم نصيب الشريك عليه بعد العجز عن أداء نصيب الشريك، ولا يسري في الحال في الأصح، فإن في التعجيل ضررًا على السيد بفوات الولاء وبالمكاتب لانقطاع الكسب عنه.

وَاسْتِيْلَادُ أَحَدِ الشَّرِيْكَيْنِ الْمُوسِرِ يَسْرِي، كالعتق، وَعَلَيْهِ قِيْمَةُ نَصِيْبِ شَرِيْكِهِ وَحِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ، وَتَجْرِي الأَقوَالُ، أى المذكورة، فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ، أى فإن قلنا، فَعَلَى الأَوَّلِ وَالثَّانِي، أي وهو الحصول بنفس العلوق، وَالثَّالِثِ، وهو التبيين؛ لَا تَجِبُ قِيْمَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الْوَلَدِ، أي وإن قلنا بالثاني وهو الحصول باداء القيمة فتجب، وَلَا يَسْرِي تَدْبِيْرٌ؛ لأنه يمنع البيع فلا يقتضي السراية، كما لو علق

(554) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيْمَة عَدْلٍ؛ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب العتق: باب إذا أعتق عبدًا بين اثنين، أو شركة بين الشركاء: الحديث (2522). ومسلم في الصحيح: كتاب العتق: الحديث (1/ 1501).

(555)

عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أنْ يَعْتِقَ كُلَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرُ ثَمَنِهِ يُقَامُ قيْمَةَ عَدْلٍ وَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَّتَهُمْ وَيُخَلَّى سَبِيْلُ الْمُعْتَقِ]. رواه البخارى في الصحيح: كتاب الشركة: كاب الشركة في الرقيق: الحديث (2503).

(556)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب العتق: باب إذا أعتق عبد بين اثنين: الحديث (2521) ولفظه: [مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ].

ص: 1869

عتق نصيبه بصفة، وفيه قولٌ كالاستيلاد، وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي الأَظْهَرِ، لأنه مالك لما في يده نافذ تصرفه، ولهذا لو اشترى به عبدًا وأعتقه نفذ، والثاني: يمنع لأنه غير موسر، وَلَوْ قَالَ لِشَرِيْكِهِ الْمُوسِرِ: أَعْتَقْتَ نَصِيْبَكَ فَعَلَيْكَ قِيْمَةُ نَصِيْبِي؛ فَأَنْكَرَ! صُدِّقَ بِيَمِيْنهِ، عملًا بالأصل، فَلَا يَعْتِقُ نَصِيْبُهُ وَيُعْتِقُ نَصِيْبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ وَإِن قُلْنَا: يَسْرِي بِالإِعْتَاقِ، لاعترافه بسبب اعتاق المدعى عليه فيسري إلى نصيبه (•)، فإن قلنا بالتأخير فلا، وَلَا يَسْرِي إِلَى نَصِيْبِ الْمُنْكِرِ، أى وإن كان المدعي موسرًا؛ لأنه لم يُنْشِئْ العتق، وَلَوْ قَالَ لِشَرِيْكِهِ: إِنْ أَعْتَقْتَ نَصِيْبَكَ فَنَصِيْبِي حُرٌّ، أي وكذا جميعه حُرٌّ، بَعْدَ نَصِيْبِكَ فَأَعْتَقَ الشَّرِيْكُ، أي نصيبه، وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إِلَى نَصِيْبِ الأَوَّلِ إِنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ بِالإِعْتَاقِ؛ وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهُ، لأن السراية أقوى من العتق بالتعليق؛ لأن السراية قهريةٌ تابعة لعتق النصيب لا مدفع لها، وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه، فان قلنا بالتبيين، فالحكم كذلك إذا أديت القيمة خلافًا لما يوهمه كلام المصنف وإن قلنا بالاداء فنصيب المعلق عمن يعتق، فيه وجهان؛ أحدهما: كن المعلق لوجود الصفة ونصيبه في ملكه، والثاني: عن المعتق وعليه قيمته، واحترز بقوله (مُوسِرٌ) عما إذا كان معسرًا فإنه يعتق على كل واحد منهما نصيبه على المعقول له بالتنجيز (•) وعلى المعلق بمقتضى (•) التعليق.

وَلَوْ قَالَ: فَنَصِيْبِي حُرٌّ قَبْلَهُ، فَأَعْتَقَ الشَّرِيْكُ، فَإِن كَانَ الْمُعَلَّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيْبُ كُلٍّ عَنْهُ، لوجود المعلق علية في التعليق ولوجود التنجيز، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، وكذا إن كانا معسرين، وَكَذَا إِنْ كَان مُوْسِرًا، أى المعلق، وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ، أي اللفظي وهو الأصح فيعتق نصيب كل واحد منهما عنه ولا شيء لأحدهما على الآخر كما لو قال مع نصيبك، وَإِلَّا، أي وإن لم يبطل الدور، فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ، لأنه لو نفذ اعتاق المقول له في نصيبه لعتق نصيب القائل قبله، ولو عتق لسرى، ولو

(•) في النسخة (2): المدعى إلى نصيبه.

(•) في النسخة (2): بالتخيير.

(•) في النسخة (2): بمعنى.

ص: 1870

سرى لبطل عتقه فيلزم من نفوذه عدم نفوذه.

وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ نِصْفُهُ، وَلآخَرَ ثُلُثُهُ، ولآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الآخَرَانِ نَصِيبَهُمَا مَعًا فَالْقِيْمَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأن ضمان المتلف يستوي فيه القليل والكثير كما لو مات من جراحاتهما المختلفة، والطريق الثاني حكاية قولين أحدهما هذا، والثاني: أنها على المِلكين كنظيره من الشفعة، وفَرَّقَ الأولُ بأن الأخذ بها من مرافق الملك كالثمرة، وهنا سبيله سبيل ضمان المتلف، ومحل الخلاف ما إذا كانا موسرين، فإن كان أحدهما موسرًا فقط قوم عليه نصيبه الثالث.

وَشَرْطُ السِّرَايَةِ إِعْتَاقُهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ لَمْ يَسْرِ، لأن التقويم سبيله سبيل غرامة المتلف ولم يوجد منه صنعٌ وقصد اتلاف، وعبر في الْمُحَرَّرِ بالقريب بدل الولد وهو أعم، ومراده به الذى يعتق عليه ولو ملكه بطريق لا يقصد به التملك غالبًا، لكن يتضمنه بأن كاتَبَ عبدًا فاشترى شقصًا ممن يعتق على سيده ثم عجز سيده فصار الشقص له وعتق لم يسرِ فى الأصح؛ لأنه لم يقصد التملك وإنما قصد التعجيز وحصل الملك ضمنًا وإن عجز المكاتب نفسه لم يسرِ لعدم اختيار سَيِّدِهِ.

فَرْعٌ: لو باع شِقْصًا ممن يعتق على وارثه بأن باع ابن أخيه بثوبٍ ومات! ووارثه أخوه فوجد بالثوب عيبًا فرده واسترد الشقص وعتق عليه ففي السراية وجهان، فإنه تسبب في ملكه لكن مقصوده رد الثوب، وصحح في الروضة هنا من زوائده السراية، لكنه ذكر في موضع آخر ما يقتضي عدمها، ولو وجد مشتري الشقص به عيبًا فرده فلا سراية كالارث.

تَنْبِيْهٌ: من شروط السراية أن لا يتعلق بمحلها حق لازم، وأن يوجه الاعتاق إلى ملكه ليعتق نصيبه ثم يسري، كما ذكرهما في الروضة، وأوضحتهما في الأصل، ولا يرد الأول لأنه لو أعتق نصيبه ونصيب شريكه مرهون فالأَصح السراية، وكذا إن كان مدبرًا، نعم لو كان مستولدًا بان استولدها وهو معسر فلا سراية على الأصح.

وَالْمَرِيْضُ مُعْسِرٌ إِلَاّ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، أي فإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه في

ص: 1871

مرض الموت ولم يخرج من الثلث إلّا نصيبه فلا سراية، وكذا إذا خرج نصيبه وبعض نصيب شريكه فلا سراية في الباقي، وَالْمَيَّتُ مُعْسِرٌ، فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيْبِهِ، أي بعد موته، لَمْ يَسْرِ، أي وإن خَرَّجَ كُلَّهُ من الثُّلُثِ؛ لأن المال ينتقل بالموت إلى الوارث ويبقى الميت معسرًا ولا يقوم على من لا يملك شيئًا وثبت نفوذ العتق في نصيبه، بل لو كان العبد له فأوصى باعتاق نصيبه لم يسر، وكذا لو دبر أحدهما نصيبه.

فَصْلٌ: إِذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أصْلَهُ أوْ فَرْعَهُ عَتَقَ، ، أما في الأصول فلقوله عليه الصلاة والسلام:[لَا يُجْزِئُ وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ] رواه مسلم (557)، وقوله فَيُعْتِقَهُ أي بالشراء، قال ابن الرفعة: وهذه الرواية محمولة على الأخرى فيعتق عليه، وأما في الفروع فلقوله تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (558) فدل على امتناع اجتماع الْبُنُوَّةِ وَالْمِلْكِ، وشمل قوله (أَصْلَهُ أوْ فَرْعَهُ) الذكور منهما والإناث عَلَواْ أو سَفَلوا؛ مُلِكوا قهرًا أو اختيارًا؛ وخرج ما عداهما من الأقارب، فإنهم لا يعتقون بالملك، ولو ملك أصله أو فرعه من الرضاع لم يعتق بالاجماع، وخرج بأهل تبرع الصبي والمجنون، وسنذكره على الأثر، نَعَمْ؛ لو أوصى له ببعض من يعتق على وارثه بأن أوصى له ببعض ابن أخيه فمات وقبل الأخ الوصية عتق الشقض ولا سراية على الأصح. وكذا إذا باع ابن أخيه بثوب ومات ووارثه أخوه كما سلف في الفصل قبله، ولو ملك ابن أخيه ومات وهو معسر وعليه دين مستغرق وورثه أخوه فقط، وقلنا الدَين لا يمنع الارث كما هو الأصح، فإن الأخ يملك ابنه ولا يعتق عليه، ولو كان الوارث غير الأخ ممن يعتق عليه العبد فأعتقه والحالة هذه وهو مُعسر لم يعتق على الأصح، كما رجحه الإمام، وَلَا يَشْتَرِي لِطِفْلٍ قَرِيْبَهُ، أي الذي يعتق عليه؛ لأنه يعتق عليه وقد يطالب بالنفقة، وفي ذلك اضرار فإن اشترى فباطل، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أوْ وَصَّى لَهُ، فَإِنْ كَانَ كَاسِبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُ، وَيَعْتِقُ وَيُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ، لانتفاء الضرر وحصول الكمال للاب،

(557) في الصحيح: كتاب العتق: باب فضل عتق الوالد: الحديث (25/ 1510).

(558)

الأنبياء / 26.

ص: 1872

ولا نظر إلى احتمال توقع وجوب النفقة في المستقبل لِزَمَانِهِ نظرًا للشَّكِّ فيه، وَإِلَّا، أي وإن لم يكن كاسبًا، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا وَجَبَ الْقَبُولُ، لأنه يعتق عليه فيحصل له بذلك كمال وثواب بلا ضرر، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لأنه من مَحَاوِيْجِ المسلمين، أَوْ مُوسِرًا حَرُمَ، أي القبول؛ لأنه يعتق عليه ويطالب بنفقته وفي ذلك ضرر.

فَرْعٌ مُسْتَثْنًى: لو وهب منه جده وعمه معسر بحيث يجب عليه نفقة أبيه المذكور الذي هو جد الموهوب له لم يحرم قبوله، وإن كان الموهوب له موسرًا والجد غير كاسب.

فَرْعٌ: لو وهب له بعض قريبه أو أوصى له به، فالأظهر: عدم القبول أيضًا، ووقع في تصحيح التنبيه تصحيح مقابله وأنه يعتق عليه ولا يسري (•).

وَلَوْ مَلَكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيْبَهُ بِلَا عِوَضٍ، أي كما إذا ورثه مثلًا، عَتِقَ مِن ثُلُثِهِ، لأنه دخل في ملكه وخرج بلا مقابل فاعتبر من الثلث كما لو تبرع به، وَقِيْلَ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لأنه حصل في ملكه بلا مقابل، وأخرجه الشرع من ملكه فكأنه لم يدخل في ملكه، وهذا الوجه قال الرافعي في الشرح: إنه أولى بالترجيح، وصححه المصنف في أصل الروضة أيضًا، وتبع هنا المحرر؛ فإنه صحح الأول، وكذا صححه في الشرح الصغير أيضًا، أَوْ بِعَوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ، أي بل بثمن مثله، فَمِنْ ثُلُثِهِ، لأنه فوت على الورثة ما بذله في الثمن ولم يحصل لهم في مقابله شيء، وَلَا يَرِثُ، لأن عتقه من الثلث وصية، ولا يجمع بين الوصية والميراث، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيْلَ: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ، لأن تصحيحه يؤدي إلى ملكه ولا يعتق عليه فلم يصح، كما لا يصح شراء الكافر العبد المسلم، وَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، إذ لا خلل فيه، وَلَا يَعْتِقُ بَلْ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ، وعلله في البيان بأنَّ موجب الشراء الملك، والدين لا يمنع منه فلم يمنع صحة الشراء، وعتقه معتبر من الثلث والدين يمنع منه كما يمنع الدين العتق بالاعتاق،

(•) في النسخة (2): ولا يشتري.

ص: 1873

ويخالف شراء الكافر للمسلم؛ لأن الكفر يمنع الملك للعبد المسلم، أوْ بِمُحَابَاةٍ فَقَدْرَهَا كَهِبَةٍ، أي فيأتي الخلاف فيما لو وهب منه، وَالْبَاقِي مِنَ الثُّلُثِ، وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدٍ بَعْضَ قَرِيْبِ سَيِّدِهِ؛ فَقَبِلَ؛ وَقُلْنَا: يَسْتَقِلُّ بِهِ، أي بالقبول دون مراجعة السيد، عَتَقَ وَسَرَى، وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيْمَةُ بَاقِيْهِ، لأن قبوله حينئذ كقبول سيده شرعًا، قال في الروضة وهذا مشكل وينبغي أن لا يسري؛ لأنه دخل في ملكه قهرًا بالارث، وهذا الاشكال الذى ذكره هو المذهب في الروضة تبعًا للرافعي في أثناء الباب الثاني من الكتابة وقالا: إن السراية وهو ما جزما بها؛ وهنا وجه غريب عن البسيط؛ وإن لم يوجد في النهاية، وهذا من الغرائب فَتَنَبَّهْ لَهُ.

فَصْلٌ: أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ، لأنه تبرعٌ والتبرعات تعتبر منه كما سلف في الوصايا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَعْتَقْ شَيْءٌ مِنْهُ، لأن العِتْقَ وَصِيَّةٌ والدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عليها، وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيرَهُمْ، قِيْمَتُهُمْ سَوَاءٌ عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ، لحديث عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ في ذلك أخرجه مسلم (559)، وَكَذَا لَو قَالَ: أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ أَوْ ثُلُثُكُمْ حُرٌّ، لتمييز الْحُرِّ من غيره، وَلَوْ قَالَ: اَعْتَقْتُ ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ أُقْرِعَ، لأن العبيد له على الخلوص، وإعتاق بعض العبد الخالص كاعتاق كله وصا كما لو قال: أَعْتَقْتُكُمْ، وَقِيْلَ: يَعْتِقُ مِن كُلًّ ثُلُثُهُ، أي ولا إقراع لتصريحه بالتبعيض، وَالْقُرْعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٍ، يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ رِقٌّ، وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ، وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ كَمَا سَبَقَ، أي في باب القسمة، وَتُخْرَجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ اَحَدِهِمْ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الآخَرَانِ، أَوِ

(559) عن عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ؛ (أنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِيْنَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ؛ فَدَعَا بِهِمْ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا؛ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُم؛ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً؛ وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيْدًا). رواه مسلم في الصحيح: كتاب الأيمان: باب من أعتق شركًا له في عبد: الحديث (56 و 57/ 1668). وأبو داود في السنن: كتاب العتق: باب فيمن أعتق عبيدًا: الحديث (3958). والترمذي في الجامع: كتاب الأحكام: الحديث (1364)، وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 1874

الرِّقُّ، رَقَّ وَأُخْرِجَتْ أُخْرَى بِاسْمِ آخَرَ، أي فإن خَرَجَ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الثالث؛ وإن خرج الرِّقُّ فبالعكس، وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ، أي في الرقاع، ثُمَّ تُخْرَجُ رُقْعَةٌ عَلَى الحُرِّيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقّا، لأنه به يفصل الأمر أيضًا، وَإِنْ كَانُواْ ثَلَاثَةً قِيمَةُ وَاحِدٍ مِائَةٌ، وَآخَرَ مِائَتَانِ، وَآخَرَ ثَلاثُمِائَةٍ أُقْرِعَ بسَهْمَي رِقٍّ، وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ، أي وتم الثلث، وَرَقًا، الآخران لزيادتهما عليه، أو لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ، لأنه الثلث، أَو لِلأَوَّلِ عَتَقَ، ثُمَّ يُقرَعُ بَيْنَ الآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَمَنْ خَرَجَ تُمَّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ، أي وَرَقَّ الباقي.

وَإِنْ كاَنُواْ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيْعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيْمَةِ كَسِتَّةٍ قِيْمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُواْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أي وَصَنَعْنَا كما صَنَعْنَا في الثلاثة المتساوية القيم، أَوْ بِالْقِيْمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيْمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيْمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، وَثَلَاثَةٍ مِائَةٌ، جُعِلَ الأَوَّلُ جُزْءًا، وَالاِثْنَانِ جُزْءًا، وَالثَّلَاثَةِ جُزْءًا، أي وأقرعنا.

وَإِنْ تَعَذَّرَ، أي توزيعهم، بِالْقِيْمَةِ كأَرْبَعَةٍ قِيْمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَفِي قَوْلٍ: يُجَزَّؤُنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ، وَاثْنَانِ، لأن ذلك أقرب إلى فعله عليه الصلاة والسلام، فَإنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ لِتَتْمِيْمِ الثُّلُثِ، أوْ لِلاِثْنَيْنِ رَقَّ الآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الآخَرِ، وَفِي قَوْلٍ: يُكَتَّبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتَقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الثَّانِي، لأن ذلك أقرب إلى فصل الأمر فيخرج رقعة على العتق، فمن خرج اسمه عتق ثلثه، وكلام المصنف يُوهِمُ أنه يعتق ثلث الثاني من غير إعادة قرعة، وليس كذلك بل يعاد كما ذكرنا وهو صريح كلام الْمُحَرَّرِ، قُلْتُ: أَظْهَرُهُمَا الأَوَّلُ، وَللهُ أَعْلَمُ، أي أنهم يجزؤن ثلاثة أجزاء بحيث يقرب من التثليث لما قدمناه من كونه أقرب إلى فعله عليه الصلاة والسلام وهو ما صححه الرافعي في شرحه أيضًا، وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ، وَقِيْلَ: إِيْجَابٍ، وكلامه في الروضة تبعًا للشرح يقتضي ترجيح الثاني.

وَإِذَا أَعْتَقْنَا بعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ؛ فَظَهَرَ مَالٌ؛ وَخَرَجَ كُلُّهُمْ مِنَ الثُّلُثِ؛ عَتَقُواْ وَلَهُمْ

ص: 1875

كَسْبُهُمْ مِن يَوْمِ الإِعْتَاقِ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ، كمن نكح امرأة نكاحًا فاسدًا على ظن أنه صحيح؛ ثم فَرَّقَ القاضي بينهما لا يرحع بما أنفق، وَإِنْ خَرَجَ بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ، أي من الثلث كما إذا أعتقنا واحدًا من ثلاثة ثم ظهر مال يخرج به آخر، أُقْرِعَ، أي بين الباقين فمن خرجت له فهو حر مع الأول، وَمَنْ عَتَقَ بِقُرْعَةٍ، حُكِمَ بِعَتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الإِعْتَاقِ، أى لا من يوم القرعة، وَتُعْتَبَرُ قِيْمَتُهُ حِيْنَئِذٍ، أي بخلاف من أوصى بعتقه فإنه تعتبر قيمته يوم الموت لأنه وقت الاستحقاق، وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمَئِذٍ، أي من يوم الإعتاق، غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنَ الثُّلُثِ، أي سواء كسبه في حياة المعتق أو بعد موته لحصوله على ملكه، وَمَنْ بَقِيَ رَقِيْقًا قُوِّمَ يَوْمَ الْمَوْتِ وَحُسِبَ مِنَ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ الْمَوْتِ، لَا الْحَادِثِ بَعْدَهُ، لحصوله على ملكهم، فَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيْمَةُ كُلِّ، واحد، مِائَةٌ وَكَسْبُ أحَدِهِمْ مِائَةٌ أُقْرِعَ، فَإنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ الْمِائَةُ، لما سبق ورق الآخران، وَإِنْ خَرَجَ لِغْيرِهِ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ، أى بين المكتسب والآخر، فَإِنْ خَرَجَت لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ، أي وبقي ثلثاه والمكتسب وكسبه للورثة، وَإِنْ خَرَجَتْ لَهُ، أي للمكتسب، عَتَقَ رُبُعُهُ، وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ، لأنه يجب أن يبقى للورثة ضعف ما عتق ولا يبقى ذلك إلا بذلك وقد أوضحت في الأصل طريقه فراجعه منه.

فَصْلٌ: أي في الولاء؛ وأصله الْمُوَالَاةُ، مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيْقٌ بِاِعْتَاقٍ أَوْ كِتَابَةٍ؛ وَتَدْبِيْرٍ؛ وَاسْتِيْلَادٍ؛ وَقَرَابَةٍ؛ وَسِرَايَةٍ؛ فَوَلَاؤُهُ لَهُ، أما فيمن باشر العتق لقوله صلى الله عليه وسلم:[إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ](560) وأما في الباقي فقياسًا عليه، ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ، أى الأقرب فالأقرب لقوله عليه الصلاة والسلام:[الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ](561).

وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إِلَاّ مِنْ عَتِيْقِهَا، لقوله عليه الصلاة والسلام:[إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ](559). وَأَوْلَادِهِ وَعُتَقَائِهِ، كالرجل، والدليل على نفيه فيما عدا ما ذُكر

(560) تقدم في الجزء الثاني: الرقم (262).

(561)

تقدم في الرقم (194).

ص: 1876

ظاهر الخبر المذكور مع الحديث الآخر أنه لا يورث، وقد أسلف المصنف ذلك في الفرائض أيضًا، فَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الأَبِ بِلَا وَارِثٍ فَمَالُهُ لِلْبِنْتِ، لأنها معتقة المعتق، وَالْوَلَاءُ لأَعْلَى الْعَصَبَاتِ، لقول عمر وعثمان (بِالْوَلَاءِ لِلْكُبْرِ) وهو بضم الكاف وسكون الباء أكبرُ الجماعةِ (562)، فإن كان له عصبة كأخ وابن عم قريب أو بعيد فميراث العتيق (•) له؛ لأنه عصبة المعتق بالنسب، ولا شيء للبنت؛ لأنها معتقة المعتق، ومعتق المعتق يتأخر عن عصبة النسب، قال الشيخ أبو علي: وسمعت بعض الناس يقول: أخطأ في هذه المسألة أربعمائة قاضٍ، قال: لأنهم رأوها أقرب؛ وهي عصبة له بولائها عليه.

وَمَن مَسَّهُ رِقٌّ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إِلَاّ لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتهِ، أي فإن لم يوجد فالمال لبيت المال ولا ولاء عليه لمعتق الأصول بحال، فإنه أعتق مباشرة، وولاء المباشرة أقوى وصورته أن تلد رقيقته رقيقًا من رقيق أو حر، وأعتق الولد وأعتق أبوه وأمه أيضًا، وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الأُمِّ، لأنه المنعم عليه فإنه عتق بإعتاق أُمه، فَإِنْ أَعْتَقَ الأَبُ انْجَزَّ، أي من موالي الأم، إلَى مَوَالِيْهِ، لأن الولاء فرع النسب، والنسب معتبر بالأب، وإنما يثبت (•) لموالي الأُم لعدم الولاء من جهة الأب فإذا ثبت الولاء من جهة الاب عاد إلى موضعه.

وَلَوْ مَاتَ الأَبُ رَقِيْقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ إِلَى مَوَالِيْهِ، لأنه كالأب في النسب والتعصيب، فَإِنْ أَعْتَقَ الْجَدَّ وَالأَبُ رَقِيْقٌ انْجَرَّ، لما ذكرناه، فَإِنْ أعْتَقَ الأَبُ بَعْدَهُ انْجَرَّ إِلَى مَوَالِيْهِ، لأن الجد إنما نُجِرَّهُ لكون الأب رقيقًا، فإذا عتق كان أولى بِالْجَرِّ، وَقِيْلَ: يَبْقَى لِمَوَالِي الأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الأَبُ فَيَنْجَرُّ إِلَى مَوَالِي الْجَدِّ، لأنه إنما ينجرُّ

(562) الأثر عن ابن المسيب: أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا: (الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الولاء: باب الولاء للكبر: الأثر (22108)، وأخرج أيضًا أثارًا لغيرهما من الصحابة فهو أقرب إلى الإجماع منهم رضي الله عنهم.

(•) في النسخة (2): العتق.

(•) في النسخة (2): نسب.

ص: 1877

لبقاء الأب رقيقًا، فإذا مات زال المانع، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ، أي ولد العبد من المعتقة، أَبَاهُ جَرَّ وَلَاءَ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ، أي قطعًا، وَكَذَا وَلَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَصَحِّ، كما لو عتق الأب غيره لم (•) يسقط ويصير كحر لا ولاء عليه، قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنه لا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء، وإذا تعذر بقي في موضعه، وهو ما صححه الرافعي في شرحه ونقله عن النص أيضًا، ووقع في الْمُحَرَّرِ تصحيح الأول وهو غريب منه.

(•) في النسخة (1): ثُمَّ.

ص: 1878