المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ النَّذْرِ النَّذْرُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ الْوَعْدُ مُطْلَقًا، وَفِي الشَّرْعِ: الْوَعْدُ - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النفقات

- ‌كتاب الجراح

- ‌بَابُ كَيفِيةِ القِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاختِلافِ فِيهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَّاتِ

- ‌بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

- ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

- ‌كِتَابُ البُغَاةِ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ

- ‌كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ

- ‌كِتَابُ الأشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ

- ‌كِتَابُ السِّيَّرِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الأضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُنَاضَلَةِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌كِتَابُ أمَّهَاتِ الأوْلَادِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ النَّذْرِ النَّذْرُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ الْوَعْدُ مُطْلَقًا، وَفِي الشَّرْعِ: الْوَعْدُ

‌كِتَابُ النَّذْرِ

النَّذْرُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ الْوَعْدُ مُطْلَقًا، وَفِي الشَّرْعِ: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ فَقَطْ. وَالأَصْلُ فِيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (488) وَالسُّنَّةُ الشَّهِيْرَةُ، وَالإِجْمَاعُ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَخِيْلِ.

وَهُوَ ضَرْبَانِ: نَذْرُ لَجَاجٍ: كَإِنْ كَلَّمْتُهُ! فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ، وَفِيْهِ كَفَّارَةُ يَمِيْنٍ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِيْنِ] رواه مسلم (489)، وإنما حمل الأصحاب هذا الحديث على نذر اللجاج؛ لأنه لا خلاف إن نذر التَّبرر لا يكفَّرُ، وَفِي قَوْلٍ: مَا الْتَزَمَ، وفاءً به، وَفِي قَوْلٍ: أَيُّهُمَا شَاءَ، لأنه يشبه النذر من حيث أنَّه التزم قربة، واليمين من حيث أن مقصوده مقصود اليمين ولا سبيل إلى الجمع بين موجبيهما ولا إلى تعطيلهما فوجب التخيير، قُلْتُ: الثَّالِثُ أَظْهَرُهُ وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لما قلناه.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتُ! فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِيْنٍ أو نَذْرٍ؛ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ، للحديث السالف، وقال القاضي حُسين وغيره في الثاني: إنه مُفَرَّعٌ على قول

(488) الإنسان / 7.

(489)

رواه مسلم في الصحيح: كتاب النذر: باب كفارة النذر: الحديث (13/ 1645) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. وأبو داود في السنن: كتاب الأيمان والنذور: باب من نذر نذرًا لم يسمه: الحديث (3323 و 3324). والترمذي في الجامع: كتاب النذر والأيمان: باب في كفارة النذر: الحديث (1528).

ص: 1788

وجوب الكفَّارة، وعلى القول الثاني: تلزمه قربة من القرب والتعيين إليه وليكن ما يُعَيِّنُهُ مما يُلْتَزَمُ بالنذر، وعلى الثالث: يَتَخيَّرُ بين ما ذكرناه وبين الكفارة.

وَنَذْرُ تبَرُّرٍ، أي تقرب: بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةٌ إِن حَدَثَتْ نِعْمَةٌ أو ذَهَبَت نِقْمَةٌ كَإِنْ شَفَي اللهُ مَرِيْضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فعَلَيَّ كَذَا فَيَلزَمُهُ ذَلِكَ إِذَا حَصَلَ المُعَلْقُ عَلَيْهِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيْعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلَا يَعْصِهِ] رواه البخاري (490)، وقد ذمَّ الله أقوامًا عاهدوا الله ولم يَفُواْ فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ

} الآية (491)، وَإِنْ لَمْ يُعَلَّقْهُ، يعني النَّذْرَ، بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ فِي الأَظْهَرِ، لِمُطْلَقِ الحديث المذكور آنفًا، والثاني: لا يصح، فلا يلزمه شيء؛ لأن أهل اللغة قالوا كما حكاه ثعلب: النذْرُ هُوَ وَعْدٌ بِشَرْطٍ وَلَا شَرْطَ هُنَا فَلَا نَذْرَ، ومنعَ الأول هذا لقوله تعالى عن مَرْيَمَ: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا

} الآية (492)، فأطلقَت ولم تُعَلِّقْهُ على شرط وسَمَّتْهُ نَذْرًا، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ] رواه مسلم (493)،

(490) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأيمان والنذور: باب النذر في الطاعة: الحديث (6696)، وفي باب النذر فيما لا يملك: الحديث (6700). وأبو داود في السنن: كتاب الأيمان والنذور: باب ما جاء في النذر في المعصية: الحديث (3289). والترمذي في الجامع: كتاب النذور والأيمان: باب من نذر أن يطيع الله: الحديث (1526).

(491)

التوبة / 75. {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} الآيات: 75 - 77.

(492)

آل عمران / 35: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .

(493)

رواه مسلم في الصحيح: كتاب النذر: باب لا وفاء لنذر في معصية الله: الحديث (8/ 1641) في قصة العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو داود في السنن: كتاب الأيمان والنذور: باب في النذر فيما لا يملك: الحديث (3316).

ص: 1789

وَلَا وَاجِبٍ، أي كصلاة الخمس ورمضان؛ لأنه واجب بإيجاب الشرع ابتداءً فلا معنى لإيجابه.

وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[لَا نَذْرَ إِلَّا فِيْمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهَ اللهِ] رواه أبو داود (494)، لَكِنْ إِنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِيْنٍ عَلَى المُرَجَّحِ، هذا خلاف ما رجحه في الروضة تبعًا للشرح كذا فيه وفي الفرض والمعصية، وقال في شرح الْمُهَذَّبِ: إنه الصوابُ.

فَرْعٌ: لو نذر الْحَلْقَ؛ وقلنا: إنه استباحةُ محظورٍ لا ثوابَ فيه؛ فالأصحُّ في أصل الروضة وجوبه؛ والأقربُ في التَّذْنِيْبِ خلافه.

فَصْلٌ: وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ نُدِبَ تَعجِيلُهَا، مسارعة إلى براءة الذمة، فَإِنْ قَيَّدَ بِتَفْرِيْقٍ أَوْ موَالَاةٍ وَجَبَ، عملًا بما التزمه، وَإِلَّا جَازَ، أي وإن لم يقيد تفريق ولا موالاة جاز التفريق والولاء لحصول الوفاء على التقديرين، أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْعِيْدَ وَالتَّشْرِيْقَ وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْهُ وَلَا قَضَاءَ، لأن هذه الأيام لو نذر صومها لم ينعقد نذره، فإذا أطلق فأولى أن لا يدخل في نذره، وَإِنْ أفْطَرَتْ بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الأَظْهَرِ، لأن الزمان قابل للصوم، وإنما أفطرت لمعنى فيها فتقضي كصوم رمضان، وهذا ما رجَّحه البغوي فتبعه المحرر، قُلْتُ: الأَظْهَرُ لَا يَجِبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأن أيام الحيض لا يقبل الصوم فيها فلم تدخل في نذرها كالعيد، وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ، لتفويته، وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ، لأن التتابع كان للوقت لا أنه مقصود كما في رمضان، فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ فِي الأَصَحِّ، لأن ذكر التتابع يدل على كونه مقصودًا، والثاني: لا يجب، لأن شرط التتابع مع تعيين السنة لغو، أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ،

(494) رواه أبو داود في السنن: كتاب الأيمان والنذور: باب اليمين في قطيعة الأرحام: الحديث (3273). ولفظه: [لَا نَذْرَ إِلَّا فِيْمَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ، وَلا يَمِيْنَ فِي قَطِيْعَةِ رَحِمٍ]. والإمام أحمد في المسند: ج 2 ص 185 واللفظ له.

ص: 1790

عملًا بما التزمه، وَلا يَقْطَعُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَأَفْطَرَ الْعِيْدَ وَالتَّشْرِيْقَ، لأنها مستثناة شرعًا، وَيَقضِيْهَا تِبَاعًا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةَ، لأنه التزم صوم سنة ولم يصم عما التزم سنة، وَلَا يَقْطَعُهُ حَيْضٌ، وَفِي قَضَاِئهِ الْقَوْلَانِ، تقدما بدليلهما، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ، يعني التتابع، لم يَجِبْ، لعدم الالتزام فيصوم ثلاثمائة وستين يومًا أو اثني عشر شهرًا بالهلال، أوْ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ أبدًا لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَان، لأن وجوب صوم رمضان سابق على النذر فلا ينعقد عليها النذر، وَكَذَا الْعِيْدَ وَالتَّشْرِيْقَ فِي الأَظْهَرِ، كالأثاني في رمضان لأن هذا يتعين للإفطار كما أنه يتعين لصوم رمضان، والثاني: يجب القضاء، لأن ذلك قد يتفق وقد لا يتفق فتناوله النذر بخلاف أثاني رمضان، وبخلاف ما إذا نذر صوم سنة معينة حيث قلنا لا يقضي؛ لأن وقوعها في السنة لازم ووقوع العيد في يوم الإثنين ليس بلازم، وَاعْلَمْ: أن كلام المصنف يوهم أن كل اثنين وقع في رمضان لا يقضيها قطعًا مع جريان الخلاف في العيد والتشريق وليس كذلك بل الخامس من الأثانين الواقعة في رمضان هو كالعيد ففيه الخلافُ، فَلَو لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا لِكَفَّارَةٍ صَامَهُمَا وَيَقْضِي أَثَانِيَهُمَا، أي إذا سبق النذر الكفارة لأنه أدخل على نفسه صوم الشهرين بعده، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَقْضِي إِنْ سبَقَتِ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ، كما لا يقضي الأَثَانِيْنَ الواقعة في رمضان لتقدم وجوبها على النذر، قُلْتُ: ذَا الْقَوْلِ أَظْهَرُ، واللهُ أَعْلَمُ، لما قلناه، ووجه مقابله: أن الوقت غير متعين لصوم الكفارة، ولو صام في الشهرين أثانيهما لوقعت عن نذره فإذا ترك قضى بخلاف أثانين رمضان وهو أظهر عند البغوي وطائفة من العراقيين، وتبعهم الرافعي في الْمُحَرَّرِ، وَتقْضِي زَمَنَ حَيْضٍ وَنفَاسٍ، أي واقع في الأثانين، فِي الأَظْهَرِ، الخلاف كما مر في العيد، ومحل الخلاف فيما إذا لم يكن لها عادة غالبة؛ فإن كانت فعدم القضاء فيما يقع في عادتها أظهر؛ لأنها لا تقصد صوم اليوم الذي يقع في عادتها غالبًا في مفتتح الأمر.

فَرْعٌ: المرضُ كالحيضِ والنفاسِ.

أَوْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ، وفاءً بالملتزم، أَوْ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِبَهُ صَامَ

ص: 1791

آخِرَهُ وَهُوَ الجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَقَعَ قَضَاءً، أي وإن كان هو فقد وفى بما التزم وهنا فائدة فراجعها من الأصل.

فَصْلٌ: وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إِتْمَامَهُ لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأن صومه صحيح فيصح التزامه بالنذر ويلزمه الإتمام، والثاني: لا يصح؛ لأنه نذر صوم بعض اليوم، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لم يَنْعَقِدْ، لأنه ليس بقربة، وَقِيْلَ: يَلْزَمُهُ يَوْمٌ، لأنه قد ورد الأمر في إمساك بعض النهار كما في حق من أصبحَ. مفطرًا يوم الشَّكِّ ثم بَانَ أنه من رمضان لكن لا سبيل إلى صيامه؛ لأن صوم بعض يوم ليس هو معهودًا شرعًا فلزمه يوم كامل، أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ، فَالأَظْهَرُ: انْعِقَادُهُ، لأن الوفاء به ممكن بأن يعلم أنه يَقْدِمُ غدًا وينوي ليلًا، والثاني: لا، لأنه لا يمكنه الصوم بعد القدوم؛ لأن التبييت شرط في صوم الفرض، وإذا لم يمكن الوفاء بالملتزم يلغو الالتزام، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيْدٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لأن هذه الأوقات غير قابلة للصوم، نَعَمْ؛ يُستحب أن يصوم من الغد أو يومًا آخر شكرًا لله، أو نَهَارًا وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أوْ نَذْرًا وَجَبَ يَوْمٌ آخَرُ عَنْ هَذَا، كما لو نذر صوم يوم معين ففاته، واستحب الشافعي أن يعيد الصوم الواجب الذي هو فيه؛ لأنه بَانَ أنه صائم يومًا مستحق الصوم، أَوْ وَهُوَ صَائِمٌ نَفْلًا فَكَذَلِكَ، أي يلزمه يوم آخر، وَقِيْلَ: يَجِبُ تَتْمِيْمُهُ وَيَكْفِيْهِ، أي ويكون تطوعًا وآخره فرضًا كمن دخل في صوم تطوع ثم نذر إتمامه يلزمه الإتمام، وَلَوْ قَالَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَومُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَومُ أَوَّلِ خَمِيْسٍ بَعدَهُ فَقَدِمَا فِي الأَربِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيْسِ عَن أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ وَيَقْضِي الآخَرَ، لتعذر صومه بخلاف الأول.

فَرْعٌ: لو قال: إنْ قدِمَ زيدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أن أصومَ أَمْس يوم قدومِهِ، صحَّ نذره على المذهب ذكره في شرح المهذب.

فَصْلٌ: نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ أَوْ إِتْيَانِهِ، أي أو وصفه بالحرام، فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ إِتْيَانِهِ بِحَجًّ أَوْ عُمْرَةٍ، لأن الله تعالى أوجب قصده فلزمه بالنذر كسائر

ص: 1792

القرب، ومطلق كلام الناذر محمول على ما ثبت له أصل في الشرع كمن نذر أن يصلي يلزمه الصلاة المعهودة لا الدعاء، وقصد البيت الحرام في الشرع هو بالحج أو بالعمرة، والطريق الثاني فيه قولان، أما إذا لم يصفه بالحرام؛ بأن قال: أمشي إلى بيت الله أو آتيه، فقولان أحدهما: أن مطلقه يحمل على البيت الحرام؛ لأنه السابق إلى الفهم فيصير كالمذكور، وأصحهما في الروضة تبعًا للرافعي: أنه لا ينعقد نذره؛ إلا أن ينوي البيت الحرام؛ لأن جميع المساجد بيت الله تعالى، فَإِنْ نَذرَ الإِتْيَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ، أي بل له الركوب قطعًا، وكذا لو نذر الذهاب وغيره مما سوى المشي، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشيًا، فَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الْمَشْيِ، الخلاف مبنيٌّ على أن الحج راكبًا أفضل أو ماشيًا، وفيه قولان؛ أحدهما: أن الركوب أفضل، وصححه المصنف في شرح المهذب وَصَوَّبهُ في الروضة اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، والثاني: أن المشيَ أفضلُ وهو ما صححه الرافعي؛ لأن التعب فيه أكثرُ، وصحَّ أنه عليه الصلاة والسلام قَالَ لِعَائِشَةَ:[أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ] كما أخرجه الشيخان من حديثهما (495)، فإن قلنا: المشي أفضل؛ لزم بالنذر، وإن قلنا الركوب أفضل أو سوينا لم يلزم المشي بالنذر، كذا ذكره في الروضة وغيرها تبعًا للرافعي، ثم قال الصواب أن الركوب أفضل كما سلف، ومقتضاه أنه لا يلزم المشي لكن صحح لزومه في الكتاب وغيره وعلله في شرح المهذب بأنه مقصود، وقال في موضع من أصل الروضة: أنه يلزمه الوفاء بالمشي إذا قلنا المشي أفضل، ومقتضاه أنه لا يلزم إلا إذا قلنا الركوب أفضل.

فَرْعٌ: في نهاية مشيهِ طريقان؛ أصحهما: حتى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ، وقيل: له الركوب بعد التَّحَلُّلِ الأول.

فَإِنْ كَانَ قَالَ: أَحُجُّ مَاشِيًا فَمِن حَيْثُ يُحْرِمُ، أي سواء أحرم من الميقات أو

(495) رواه البخاري في الصحيح: كتاب العمرة: باب أجر العمرة على قدر النصب: الحديث (1787). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب بيان وجوه الإحرام: الحديث (127/ 1211). والإمام أحمد في المسند: ج 6 ص 43.

ص: 1793

من قبله؛ لأنه التزم المشي في الحج وابتدأ الحج من وقت الإحرام، وَإِنْ قَالَ: أَمْشِي إِلَى بَيْتِ اللهِ تَعَالَى فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي الأَصَحِّ، لأن قضية قوله أن يخرج إليه من بيته ماشيًا، والثاني: من الميقات؛ لأن المقصود من الإتيان الحجَّ أو العمرة فيمشي من حيث يحرم، وَإِذَا أوْجَبْنَا الْمَشْيَ فرَكِبَ لِعُذْرٍ أجْزَأهُ، أي حجِّهِ راكبًا عن حَجَّة النذر لمكان العذر، وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الأظْهَرِ، لما روى أبو داود بإسناد على شرط البخاري (•) عن ابن عباس [أَنَّ أُخْتَ عُقبَةَ نَذَرَتْ أَن تَمْشِيَ إِلَى الْبَيْتِ فَأمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِي هَدْيًا](496)، والثاني: لا دم عليه؛ كما لو نذر الصلاة قائمًا فصلى قاعدًا للعجز، وفَرَّقَ الأول: بأن الصلاة لا تجبر بالمال بخلاف الحج، واحترز بقوله أولًا:(إِذَا أوْجَبْنَا الْمَشْيَ) عما إذا لم نوجبه؛ فإنه لا يجبر تركه بدم.

فَرْعٌ: الدمُ شاةٌ على الأظهر.

أَوْ بِلَا عُذْرٍ أَجزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لإتيانه بأصل الحج ولم يبقَ إلا هيئته فصار كترك الإحرام من الميقات، والثاني: لا؛ لأنه لم يأت بما التزم، وَعَلَيهِ دَمٌ، لأنه ترفّه بترك صفةٍ، وَمَنْ نَذَرَ حَجًّا أو عُمْرَةً لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مَعْضُوبًا اسْتَنَابَ، كما في حجة الإسلام.

وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ الإِمْكَانِ، لئلَّا يعرضه للنسيان وحوادث الزمان ومبادرة لبراءة الذمة، فَإنْ تَمَكَّنَ فَأَخَّرَ فَمَاتَ حُجَّ مِن مَالِهِ، كَحَجَّةِ الإسلامِ، وَإِنْ نَذَرَ الحَج عَامَهُ وَأَمْكَنَهُ لَزِمَهُ، تفريعًا على الصحيح وهو لزوم التعيين كالصوم، فَإِنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ، أي إن منعه بعد الإحرام، فإن منعه قبله فلا؛ قاله

(•) النسخة (2): على شرط الشيخين.

(496)

رواه أبو داود في السنن: كتاب الأيمان والنذور: باب ما جاء في النذر في المعصية: الحديث (3296). على شرط البخاري؛ قاله ابن دقيق العيد في الاقتراح: في القسم الخامس: في أحاديث رواها قومٌ خَرَّجَ عنهم البخاري في الصحيح ولم يُخَرَّجْ عنهم مسلم رحمه الله: الحديث الرابع.

ص: 1794

المتولي، لأن المنذور صح في تلك السنة ولم يقدر عليه، أَوْ عَدُوًّ فَلَا فِي الأَظْهَرِ، لمكان العذر، والثاني: نعم؛ وقطع به، ويجريان فيما لو منعه السلطان أو ربُّ الدَّين وهو لا يقدر على أدائه.

فَرْعٌ: النسيانُ وخَطَأُ الطريقُ والضَّلَالُ فيه كالمرض.

أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ وَجَبَ القَضَاءُ، أي بخلاف الحج؛ لأن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع، وقد يجب الصوم والصلاة مع العجز فلزما بالنذر والحج لا يجب إلا عند الاستطاعة، وَاعْلَمْ: أن ظاهر كلام المصنف تعيين الصوم والصلاة في الوقت المعين بالنذر وهو ما صححه في أصل الروضة في الصوم؛ وقال: إن الخلاف جارٍ في الصلاة أيضًا لكنه في باب الاعتكاف جزم في الصلاة بعدم التعيين تبعًا للرافعي، أَوْ هَدْيًا لَزِمَهُ حَمْلُهُ إِلَى مَكَّةَ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا، أي غريبًا كان أو مستوطنًا قال تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (497)، أَوِ التَّصَدُّقُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ، وفاءً بالملتزم، أو صَوْمًا فِي بَلَدٍ لَم يَتَعَيَّنْ، أي بل له الصوم في غيرها سواء عين مكة أو غيرها كما أن الصوم الذي هو بدل واجبات الإحرام لا يختص بالحرم، وَكَذَا صَلَاةٌ، لاستواء المساجد في الفضيلة إلا ما استثنى كما سيأتي، إِلّا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لعظم فضله وتعلق النُّسُكِ به، وَفِي قَوْلٍ: وَمَسْجِدِ الْمَدِيْنَةِ وَالأَقْصَى، لأنهما مَسْجِدَانِ تُشَدُّ الرِّحَالُ إليهما كما نَطَقَ به الحديث الصحيح (498) فَتَعَيُّنًا بالنذر كالمسجد الحرام. قُلْتُ: الأَظْهَرُ تَعْيِيْنُهُمَا كاَلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ

(497) المائدة / 95.

(498)

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لَا تُشدُّ الرِّحال إلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدٍ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم؛ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة: الحديث (1189). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب سفر المرأة مع المحرم إلى حج وغيره: الحديث (415/ 827) عن أبي سعيد الخدري، وفي باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: الحديث (115/ 1397) عن أبي هريرة، وحديث أبي سعيد أتم.

ص: 1795

ثم هو نصه في البويطي وقطع به المراوزة، ووجه مقابله: أنهما لا يقصدان بِالنُّسُكِ فأشبها سائر المساجد، فعلى الأول: لو صَلَّى في المسجد الحرام خرج عن نذره على الأصح بخلاف العكس، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى ولا عكس على الأصح في الروضة، أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا فَيَوْمٌ، لأن الصوم اسمُ جنسٍ يقعُ على القليل والكثير والمتيقن يوم فلا يزاد عليه، أَوْ أَيَّامًا فَثَلَاثَةٌ، لأن الأيام جمعٌ وأقل الجمع ثلاثة، أَوْ صَدَقَةً فَبِمَا كَانَ، لإطلاق الاسم عليه، أَوْ صَلَاةً فَرَكْعَتَانِ، حملًا على أقل واجب الشرع فيها، وَفِي قَوْلٍ: رَكْعَةٌ، حملًا على أقل جائزة وهي ركعة، فَعَلَى الأَوَّلِ: يَجِبُ الْقِيَامُ فِيْهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ، لأنّا ألحقناه بواجب الشرع، وَعَلَى الثَّانِي: لَا، لأنّا ألحقناه بجائزه، أَوْ عِتْقًا فَعَلَى الأَوَّل رَقَبَةُ كَفَّارَةٍ، حملًا له على الرقبة الواجبة شرعًا، وَعَلَى الثَّانِي رَقَبَةٌ، أي ولو معيبة وكافرة لوقوع الاسم، قُلْتُ: الثَّانِي هُنَا أظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَوْ عِتْقَ كَافِرَةٍ مَعِيْبَةٍ أَجْزَأَهُ كَامِلَةٌ، لإتيانه بما هو أفضل، فَإِنْ عَيَّنَ نَاقِصَةً تَعَيَّنَتْ، أي بأن قال: للهِ عَلَيَّ أن أعتِقَ الكافرَ أو المعيبَ لتعلق النذر بعينه ولو كان المبذول أشرف، أَوْ صَلَاةً قَائِمًا لَمْ يَجُزْ قَاعِدًا، لأنه دون ما التزم، بِخِلَافِ عَكْسِهِ، أي وهو ما إذا نذر الصلاة قاعدًا فإنه يجوز أن يصليها قائمًا لاتيانه بما هو أفضل، وله أن يصلي قاعدًا كما لو صرح في نذره بركعة له الاقتصار عليها، كذا جزم به الرافعي هنا في موضع ونفى الخلاف فيه في الشرح الصغير، وكذا المصنف في الروضة؛ لكنهما حكيا في موضع من الإمام عن الأصحاب لزوم القيام عند القدرة إذا حملنا المنذور على واجب الشرع، وأنهم تكلفوا فرقًا بينه وبين ما إذا نذر ركعة أنه لا يلزمه إلّا ركعة، قال: ولا فرق فيجب تنزيلهما على الخلاف، أَوْ طُولَ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ، أوْ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوِ الْجَمَاعَةَ لَزِمَهُ، ذلك طاعة، وَالصَّحِيحُ: انْعِقَادُ النَّذْرِ بِكُلِّ قُرْبَةٍ لَا تَجِبُ ابتِدَاءً كَعِيَادَةٍ وَتَشْيِيْعِ جِنَازَةٍ، وَالسَّلَامِ، لأن الشارع رغب فيها والعبد يتقرب بها؛ فهي كالعبادات، والثاني: المنع؛ لأنها ليست على أوضاع العبادات.

ص: 1796