الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الدِّيَّاتِ
الدِّيَّاتُ: هِيَ جَمْعُ دِيَّةٍ، وَهِيَ الْمَالُ الواجِبُ بِالجِنايَةِ عَلَى الحُر في نَفْسٍ أوْ طَرَفٍ، وَهِيَ مَصْدَرٌ، وَوَزْنُها فِعْلَة عَلَى وَزْنِ فِدية مُشْتَقة مِنَ الْوَدِي: وَهُوَ دَفْعُ الدِيَّةِ كالْعِدَّةِ مِنَ الوَعْدِ، والشِّيَةِ مِنَ الوَشِي وَنَظائِرِهِ، والأَصْلُ في البابِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (167) وَكِتابُ عَمرِو بنِ حَزْم وَقَد ذَكَرتُهُ مُطَولًا في التحفَةِ دَلَائِلُ هَذَا الكِتابِ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيح (168)؛ وَسَيأتِي مِنْهُ في البابِ ما يَحتاجُ إِلَيهِ.
في قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسلِمِ مِائَةُ بَعِيْرٍ، بالإجماع، ولحديث عمرو بن حزم المذكور، وهو بيان المُجمَلِ في قوله تعالى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} وروى ابنُ قتيبةَ: أن أوَّلَ مَنْ قَضَى بأنها مِائَة مِنَ الإِبلِ أبو سيَّارَةَ، وقيل: عبد المطلب، فجاءت الشريعةُ مُقَرِّرَةً لها، مُثَلَّثَة في الْعَمدِ: ثَلاثون حِقة، وَثَلاثون جَذَعَةً. وَأَربعُون خَلِفَةً: أَيْ حامِلًا، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَن قَتَلَ مُتَعَمدا دُفَعَ إِلَى أوْلياءِ المَقتُولِ، فَإِنْ شاؤُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شاؤُوا أَخَذُوا الْدِيَّةَ وَهِيَ ثَلاُثونَ حِقَّةً؛ وَثلاثونَ جَذَعَةً؛ وَأَربَعُونَ خَلِفَةً] رواه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال: حسنٌ غريب (169)،
(167) النساء / 192.
(168)
تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج: كتاب الديات: الحديث (1553): ج 2 ص 449.
(169)
رواه الترمذي في الجامع: كتاب الديات: ما جاء في الدية كم هي من الإبل: الحديث (1387). ورواه أبو داود في السنن: كتاب الديات: باب ولي العمد يرضى بالدية: الحديث (4506). وابن ماجه في السنن: كتاب الديات: باب من قتل عمدًا؛ فرضوا =
وسواء كان العمد موجبًا للقصاص فعفى على الدية أو لم يوجبه كقتل الوالد ولده، وَمُخَمَّسَة فِي الخَطَإِ: عِشرُون بِنْتَ مَخاضٍ، وَكَذا بَناتُ لَبون وَبَنُو لَبونٍ وَحِقاقٌ وَجِذاعٌ، لإجماع الصحابة كما قاله الماوردي، وأبدل ابن المنذر بني اللبون ببني المخاض موافقةً للحديث كما أخرجه أحمد والأربعة، لكن قال الدارقطني والبيهقيُّ: الصحيحُ وقفُهُ (170).
فَإن قَتَلَ خَطَأً في حَرَمِ مَكةَ؛ أَوِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ: ذِي القِعدَةِ؛ وَذِي الحجةِ؛ والمحَرمِ؛ وَرَجَبٍ، أَوْ مَحرَمًا ذا رَحِمٍ فَمُثَلثة، لأن الصحابة رضوان الله عليهم غلظوا في هذه الأحوال الثلاث، وإن اختلفوا في كيفية التغليظ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة فكان إجماعًا، وخرج بـ (حَرَمِ مَكةَ) حرمُ المدينة، فإنه لا تغليظ بالقتل
بالدية: الحديث (2626).
(170)
• الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [في دِيَةِ الخَطإِ؛ عشرُونَ حِقة؛ وَعشرُونَ جَذَعَة؛ وَعِشْرُونَ بنتُ مَخاضٍ؛ وَعِشْرُونَ بِنتُ لبون؛ وَعِشرُونَ بَنِت مَخاضٍ ذَكَر]. رواه الإمام أحمَد في المسند: ج 1 ص 384 و 400. وأبو داود في السنن: كتاب الديات: باب الدية كم هي: الحديث (4545)، وقال: هو قول عبد الله. والترمذي في الجامع: كتاب الديات: ما جاء في الدية كم هي: الحديث (1386)، وقال: حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد الله موقوفًا، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا. إنتهى. ورواه النسائي في السنن: كتاب القسامة: باب ذكر أسنان دية الخطأ: ج 8 ص 43 - 44. وابن ماجه في السنن: كتاب الديات: باب دية الخطأ: الحديث (2631).
• رواه الدارقطني في السنن: كتاب الديات: الحديث (265) منه: ج 3 ص 173، وقال: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدَّة وذكرها. ورواه البيهقي في السنن: كتاب الديات: جماع أبواب أسنان إبل الخطأ: الحديث (16597)، وقال: قال أبو داود: وهو قول عبد الله. يعني: إنما روي عن عبد الله موقوفًا غير مرفوع. إنتهى. ثم نقل فيه قول الدارقطني، إلى أن خلص إلى أنه تفسير الحجاج بن أرطاة راوي الحديث؛ ولعله كذلك. قُلْتُ: لهذا، الحديث فيه نظر مرفوعًا وموقوفًا.
فيه على الصحيح، لأن صيده غير مضمون على الجديد كما تقدم في بابه، ولا يغلظ بالقتل في الإحرام على الأصح، لأن حرمته عارضة بخلاف المكان، ولم يرد فيه أيضًا من التغليظ ما ورد في القتل في الحرم، وخرج بـ (الأشْهُرِ الحُرُمِ) رمضانُ، فإنه لا يغلظ بالقتل فيه وإن كان عظيمًا، وبقوله (مَحرِمًا) ذا رَحم الذي ليس بمحرم كأولاد الأعمام والأخوال، فإنه لا تغلظ ديته على الأصح، ولا تتغلظ بمحرمية الرضاع والمصاهرة قطعًا، وحدّ حرم مكة قد تقدم بيانه في باب محرمات الإحرام، وما ذكره المصنف في عد الأشهر الحرم؛ هو ما تظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة، وقال الكوفيون: الأقربُ في عدها أن يقالَ المُحَرمُ؛ وَرَجَبَ؛ وذُو القِعدَةِ؛ وَذُو الحِجَّةِ من سنة واحدة، قال ابن دَحية الحافظ: وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا نذر صيامها فعلى الأول تبتدئ بذِي الْقَعدَةِ، وعلى الثاني بِالمُحَرَّمِ.
والخطأ وإن تثلثَ، أي كما في التغليظ بالأسباب المذكورة، فَعَلَى العاقِلَةِ مُؤَجلَةٌ، كما سيأتي في بابها، وَالْعمدُ علَى الجانِي مُعَجلَةٌ، تغليظًا كما في إبدال المتلفات، وَشِبْهُ العَمدِ مُثَلثَة عَلَى العاقِلَةِ مُؤُجَّلَة، أما كونها مثلثة فلقوله عليه السلام:[عَقْلُ شِبْهِ العَمدِ مُغَلظٌ مِثْلَ عَقْلِ العَمدِ؛ ولا يقتلُ صاحِبُهُ] رواه أبو داود ولم يضعفه (171)، فأما كونها على العاقلة ومؤجلة؛ فلما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى.
فَصل: وَلا يُقْبَلُ مَعِيبٌ وَمَريضٌ، أي وإن كانت إبلُهُ كذلك قياسًا على سائرِ أبدال المتلفات بخلاف الزكاة، والمِرادُ بالعيب هُنا: ما أُثِرَ في المال وأثبتَ الرَّد، بخلاف عيبِ الكفارة؛ فإنه ما أخَلَّ بالعمل، لأن المقصود فيها تخليص الرقبة، إِلا بِرِضاهُ، أي إلَّا برضى المستحق، فإنه يجوز؛ لأن الحقَّ له، فلهُ إسقاطه، وَيثْبُتُ حَملِ الخلْفَةِ بأهلِ خِبْرَةٍ، أي عند إنكار المستحق، فيرجع فيه إلى عدلين منهم، والأصَحُّ:
(171) رواه أبو داود في السنن: كتاب الديات: باب ديات الأعضاء: الحديث (4565) بإسنادٍ جيد.
إِجْزاؤها قَبْلَ خَمْسِ سِنِيْنَ، لأنه ليس في الأخبار إلا اعتبار الخلفة، والثاني: لا، لأنَّ الحمل قبل خمس سنين مما يندر ولا يوثق به، وقوله (الأصَح) صوابه والأظهر، كما عبر به في الروضة، وَمَن لَزِمَتْهُ، يعني الدية من العاقلة أو الجاني، وَلَهُ إِبِلٌ فَمِنْها، كما تجب الزكاة من نوع النصاب سواء كانت من نوع إبل البلد أم فوقها أم دونها، وَقِيلَ: مِنْ غالِبِ إِبِلِ بَلَدِهِ، لأنها عِوَضُ متلفه. وَإلا فَغالِبِ، إبل بلده أوْ، قَبِيلَةِ بَذوِي؛ وَإِلا فأَقْرَبُ بِلَادٍ، أي وإن لم يكن له إبل، فغالب إبل بلده أو قبيلته، وإلّا فإبل أقرب البلاد ويلزمه النقل إن قربت المسافة، فإن بعدت وعظمت المؤنة والمشقة لم يلزمه وسقطت المطالبة بالإبل، وَلا يَعدِلُ إِلَى نَوع، أي ولو أعلى كما صرح به الرافعي، وَقِيْمَةِ إِلا بِتَراضٍ، كسائر أبدال المتلفات، لكن نص الشافعي وتبعه القاضي والماوردي وسليم والبندنيجي على الإجبار في الأعلى، كما أفاده عنهم ابن الرفعة، قال صاحب البيان: كذا أطلقوه، ليكن ذلك مبنيًا على جواز الصلح عن إبل الدية، هذا منه إشارة إلى حال الجهل بالصفات مع معرفة القدر والسن إذ هو محلّ الخلاف، أما إذا كانت معلومة القدر والسن والصفات جاز الصلح عنها قطعًا، وجزم بما قاله صاحب البيان قبل هذا بأوراق في الروضة، وفي كتاب الصلح تبعًا للرافعي أن الجناية إذا أوجبت الإبل لا يجوز الصلح عليها عند الجمهور لجهالتها، وإن أوجبت القصاص في النفس أو الطرف، فينبني على أن الواجب؛ هل هو القصاص أو أحد الأمرين؟ وحمل ابن الرفعة هذا الكلام على ما إذا كانت مجهولة الصفة، والأول على ما إذا كانت معلومة، قال: ومثل ذلك لا يمنع الاعتياض، وَلَوْ عُدِمَتْ، أي الإبل في الموضع الذي يجب تحصيلها منه! وكذا إذا وجدت بأكثر من ثمن المثل، فالقَدِيمُ أَلفَ دِينَارِ أَوْ اِثْنا عَشَرَ أَلفَ دِرهَمٍ، لقوله عليه الصلاة والسلام[وَعَلَى أَهْلِ الذهَبِ ألْفُ دِينارٍ] صححه ابن حبان والحاكم من حديث عمرو بن حزم (172)، وفي السنن الأربعة من حديث ابن عباس: أنه عَلَيهِ
(172) • هو من فرض سيدنا عمر رضي الله عنه؛ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ قال: كانَتْ قِيْمَهُ الديةِ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللَه صلى الله عليه وسلم ثَمانُمِائَةِ دينارٍ بِثمانِيَةِ آلَافِ دِرهَم؛ =
الصَّلَاةُ والسَّلَامُ [جَعَلَ الدِّيةَ اثنا عَشَرَ ألفًا] قال النسائي وغيره: والصواب إرساله (173)، وفي وجه مُخَرجٍ على القديم: أن الدراهم مقدرة بعشرة آلاف درهم،
وَدِيَةُ أهلِ الكتابِ يَوْمَئِذٍ النصفُ مِنْ دِيَةِ المسُلِمِينَ، قالَ: وَكانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى استُخلِفَ عُمَرُ رضي الله عنه؛ فَقامَ خَطِيبًا، فقالَ:(إِن الاِبِلَ قَد غَلَت)، قَالَ: فَفَرَضها عُمَرُ عَلَى أهْلِ الذهَبِ ألفَ دِينارِ، وعَلَى أهلِ الوَرِقِ اثنَي عَشَرَ ألفًا. رواه أبو داود في السنن: كتاب الديات: باب الدية كم هي: الحديث (4542). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: جماع أبواب أسنان إبل الخطأ: الحديث (16608).
• في الحاوي الكبير للماوردي: كتاب الديات: باب أسنان الخطأ: ج 12 ص 229؛ قال الماوردي: ودليلنا ما روى سفيان بن عُيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جَعَل الدية اثنَيْ عَشَرَ ألفَ دِرهَمٍ. ولأنه قول سبعة من الصحابة أنهم حكموا في الدية باثني عشر ألف درهم منهم الأئمة الأربعة -يريد العبادلة كما سيأتي- وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو هريرة رضوان الله عليهم، ولم يظهر مخالف، فكان إجماعًا لا يسوغ خلافه. قلتُ: حسب ما قاله الإمام الماوردي رحمه الله؛ لا ينظر إلى ضعف حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لشواهده العملية؛ ونقل إجماع الصحابة على أمره صلى الله عليه وسلم في الموضوع المناط للمسألة. والله أعلم.
• عن ابن شهاب الزهري رحمه الله؛ عن مكحول وعطاء، قالوا: أدرَكنا الناسَ عَلَى أنَّ دِيَةَ المُسلِمِ الحُر عَلَى عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم مِائَة مِنَ الإبلِ؛ فَقَومَ عُمَرُ بنُ الْخَطْابِ رضي الله عنه تِلْكَ الدّيَةَ عَلَى الْقُرى ألفَ دِينارٍ أوِ اثنَيْ عشرَ ألْفُ درهَمٍ. رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (16602). قُلْتُ: إن المعنى قائم بإجماع الصحابة. والله أعلم.
(173)
الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ (أنَّ رَجُلًا مِنْ بني عَدِي قُتِلَ؛ فَجَعَلَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَهُ اثنَيْ عَشَرَ ألفًا). رواه أبو داود في السنن: كتاب الديات: الحديث (4546). والترمذي في الجامع: كتاب الديات: باب في الدية كم هي من الدراهم: الحديث (1388). والنسائي في السنن: كتاب القسامة: باب ذكر الدية من الورق: ج 8 ص 44؛ وقال: اللفظ لأبي داود. وفي السنن الكبرى: كتاب القسامة: باب كم الدية من الورق: الحديث (7007/ 2)، وقال النسائي: محمد بن مسلم ليس بالقوي، والصواب مرسل، وابن ميمون ليس بالقوي. وابن ماجه في السنن: كتاب الديات: دية الخطأ: الحديث (2629).
والجَدِيدُ قِيْمَتُها، أي قيمة الإبل بالغة ما بلغت؛ لما روى أبو داود والنسائيُّ وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم[كانَ يُقَوِّمُ الإِبِلَ عَلَى أهْلِ الْقُرَى، فَإذا غَلَتْ رَفَعَ في قِيْمَتِها، وَإِذا هاجَتْ رُخصًا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِها](174). بنَقْدِ بَلَدِهِ، أي الغالب، وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة، وإن وُجِدَ بَعْضٌ أُخِذَ وَقِيمَةَ الباقِي، كما لو وجب له على إنسان مثل، ووجد بعض المثل؛ فإنه يأخذُه وقيمة الباقي.
فائِدَة: رأيتُ في فتاوى القفال: أن الدنانير في أرش الجناية، يجب أن تكون ذهبًا خالصًا دون نقد البلد خلافًا للعوض في العَقْلِ؛ لأن تقدير الأرش من الشارع، وقد كان الذهب خالصًا فينصرف إليه أرش كل جناية.
فَصْلٌ: والْمَرأَةُ والْخُنثى كَنِصفِ رَجُلٍ نَفسًا وَجُرحًا، أما دية نفس المرأة؛ فهو قولُ العَبادِلَةِ (175)؛ واشتهر؛ ولم يخالَفوا فصار إجماعًا، وأما دية أطرافها وجراحاتها فهو من باب اعتبار الأجزاء بالجملة. وأما الخنثى المشكل؛ فلأن الزيادة مشكوك فيها والمحقق النصف.
وَيهُودِي وَنصرانِي ثُلُثُ مُسلِمٍ، للإتباع، وَمَجُوسي، أي له أمان، ثُلُثا عُشرِ
(174) رواه أبو داود في السنن: كتاب الديات: باب الدية كم هي: حديث (4541 - و 4542) مختصرًا؛ وفي الحديث (4564) بطوله. والنسائي في السنن: كتاب القسامة: باب الاختلاف على خالد الحذاء: ج 8 ص 43، وفي السنن الكبرى: الحديث (7004/ 9)، وقال: هذا حديث منكر وسليمان بن موسى ليس بالقوي في الحديث ولا محمد بن راشد. وابن ماجه في السنن: الحديث (2630).
(175)
في علوم الحديث لابن الصلاح: النوع التاسع والثلاثون: ص 266؛ قال ابن الصلاح: وروينا عن أحمد بن حنبل أيضًا؛ أنه قيل له: مَنِ العبادِلَةُ؟ قال: (عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو) قيل له: فابن مسعود؟ قال: (لا، ليس عبد الله بن مسعود من العبادلة). قال الحافظ أحمد البيهقي فيما رويناه منه وقرأته بخطه: وهذا لأن ابن مسعود تقدم موته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم، فإذا اجتمعوا على شيء، قيل: هذا قول العبادلة، أو هذا فعلهم).
مُسلِمٍ، للإتباع أيضًا، ودية نسائهم على النصف من دية الرجال، ويراعى في دياتهم التغليظ والتخفيف، وَكَذا وَثَنِيٌّ لَهُ أَمَانٌ، أي تجب فيه دية المجوسي؛ لأنه كافر لا يحل للمسلم مناكحة أهل دينه، وكذا عُبَّاد الشمس والقمر إذا دخلوا دارنا (•) أيضًا بأمان كما صرح به في المُحَرَّر وكذا الزنديق، والمَذهَبُ: أَن مَنْ لَمْ يَبلُغهُ الإِسْلَامُ إِن تَمَسكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدل فَدِيَةُ دِينهِ، لأن منصبَ ذلك الدين لا يقتضي الزيادة عليها، وفي وجه: يجب دية مسلم؛ لأنه ولد على الفطرة ولم يظهر منه عنادٌ؛ والنسخ لا يثبت قبل بلوغ الخبر، وَإلا فَكَمَجُوسِي، أي وإن لم يتمسك بدين لم يُبَدّل، بل بدين قد بُدِلَ فتجب فيه أخَسُّ الدِّياتِ وهي دية مجوسي، وفي وجه ثانٍ: تجب دية أهل دينه، وثالث: لا يجب شيء، لأنه ليس على دين حق، ولا عهدَ له ولا ذمة. وقوله (فالمَذْهَبُ) صوابه: إبداله بالأصح كما قررتُه.
فَرعٌ: السَّامِرَةُ والصابِئِيَّةُ؛ إنْ كفرَهُما أَهْلُ مِلتِهِما فَهُمْ كمنْ لا كتاب لهم، وإلا فَكَهُم.
فَصْلٌ: في مُوَضحَةِ الرأسِ أَوِ الوَجهِ لِحر مُسلِمٍ خَمْسَةُ أَبعِرَةٍ، لحديث عمرو بن حزم [وَفِي المُوَضَّحَةِ خَمْسٌ مِن الإِبِلِ] صححه ابن حبان والحاكم (176)، أما
(•) في النسخة (2): إِلَينا بدل دارنا، قُلْتُ: وأراد بدارنا أي دار الإِسلام؛ التي تظهر فيها أحكام الإِسلام وشرائعه من غير إذن أحد، ولا تظهر فيه خصال الكفر إلا بإذن أهل الإسلام. اقتضى التنويه.
(176)
• عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ رواه أبو داود في السنن: كتاب الديات: باب ديات الأعضاء: الحديث (4566). والترمذي في الجامع: كتاب الديات: الحديث (1390)، وقال: هذا حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم. والنسائي في السنن: كتاب القسامة: ج 8 ص 57. وابن ماجه في السنن: كتاب الديات: باب الموضحة: الحديث (2655). وفي السنن الكبرى للنسائي: كتاب القسامة: المواضح: الحديث (7057).
• في السنن الكبرى للنسائي: كتاب القسامة: باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول: الحديث (7058/ 1) وفيه: [وَفي المُوَضحَة خَمْس مِنَ الإِبلِ]. وفي =
المرأة فيجب في موضَّحتها بَعِيْرانِ ونصفٌ، واليهودي يجب في موضحته بعيرٌ وثُلُثانِ، والمجوسي يجب في موضحته ثُلُثُ بعير؛ لأن ذلك نصف عشر ديتهم، وَهاشِمَةٍ مَعَ إيْضاحٍ عَشْرَةٌ، إتباعًا لزيد بن ثابت ولم يُخالَف (177)، وَدُونَه، أي دون الإيضاح، خَمسَة، لأنه لو أوضح وهشم؛ تجب عشرة؛ وإذا تجرد الإيضاح لم تجب إلا خمسة فتكون الخمس في مقابلة الهشم فتجب عند مجرد الهشم، وَقِيلَ: حُكُومَة، لأنه كسر عظم بلا إيضاح فأشبه كسر سائر العظام، فعلى هذا: هل تبلغ الحكومة خمسًا من الإبل؟ فيه تردد للقاضي، ومُنَقلَةٍ، أي مع إيضاح، خَمْسَةَ عَشَرَ، بالإجماع، أما إذا نقل من غير إيضاح، ففيه الخلاف الذي ذكره قَبلُ؛ فيما إذا هشم ولم يوضح، وفي الرَقم وغيره أن موضع الخلاف ما إذا لم يحوج الهشم إلى ربط وشق لإخراج العظم؛ أو تقويمه؛ فإن أحوج إليه، فالذي أتى به هاشمة يجب فيها عشرٌ من الإبل، وَمأمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، لحديث عمرو بن حزم صححه ابن حبان والحاكم (178).
فَرعٌ: يجب في الدامغة ما يجب في المأمومة على الأصح، وقيل: تُزادُ حكومةٌ، وقيل: تمام الدية.
وَلَو أَوضَحَ فَهَشمَ آخَرُ، وَنَقلَ ثالِثٌ، وَأَم رابِعٌ، فعَلَى كُل مِنَ الثلاثةِ خَمسَةٌ،
الحديث (7061/ 4) والحديث (7062/ 5) بألفاظ مختلفة. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: جماع أبواب الديات فيما دون النفس: الحديث (16625) والحديث (16628) عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(177)
عن قُبَيصَةَ بنِ ذُؤَيب عَن زَيدِ بنِ ثابِت، أنه قَالَ:(في المُوَضَّحَةِ خَمسٌ، وَفِي الهاشِمَة عَشْرٌ؛ وَفِي المُنَقلَةِ عَشْرَةٌ؛ وَفِي المأمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: جماع أبواب الديات: باب الهاشمة: الأثر (16639).
(178)
عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: [وَفِي المأمُومةِ ثُلُثُ الدِّيةِ، وَفِي الجائِفةِ مِثلُها]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب المَأمُومَةِ: الحديث (16642).
أي من الإبل، أما الأول: فبسبب الإيضاح، وأما الثاني: فلأنه الزائد عليها من دية الهاشمة، وأما الثالث: فلأنه الزائد عليها من دية المنقلة، والرابعُ تَمامُ الثلُثِ، أي وهو ثمانية عشر بعيرًا وثلث بعير؛ وهو ما بين الْمُنَقلةِ والمأمُومَةِ، والشجَاجُ، أي بكسر الشين، قبلَ الْمُوَضحَةِ، أي وهي الدَّامِغَةُ (•) والخَارِصَةُ والباضِعَةُ والمُتَلَاحِمَةُ والسمحاق، إِن عُرِفَتْ نِسْبَتُها مِنْها، أي بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلًا عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم، وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرشها، أي من أرش الموضحة، فإن شككنا في قدرها من الموضحة أوجبنا اليقين، قال الأصحاب: ويعتبر مع ذلك الحكومة؛ فيجب أكثر الأمرين من الحكومة وما يقتضيه التقسيط؛ لأنه وُجد سبب واحد منهما فيعتبر الأكثر، وَإلا، أي وإن لم تعرف نسبتها منها، فَحُكُومَةٌ، أي ولا يبلغ حكومتها أرش موضحة، وهذا التفصيل؛ قال الرافعي: هو قول الأكثرين، قال: ومنهم من أطلق أن الواجب فيها الحكومة؛ أي لأن التقدير يعتمد التوقيف ولا توقيف، وهذا ما نسبه الماوردي إلى ظاهر النص وإلى الجمهور فاختلف النقل إذًا عن الجمهور، كَجَرح سائِرِ البَدَنِ، أي فإن فيه الحكومة فقط، لأنه لا تقدير للشرع فيها، ولم ينته شينها إلى المنصوص عليه، وكذا الحكم في كسر عظامه، وكذا نقلها، والفرق بين الإيضاح والنقل في الرأس، وبينهما في غيره، أنهما في الرأس أخوف؛ وَشَينُهُما أفحشُ، وَفي الجائِفَةِ ثُلُثُ دِيةِ، لحديث عمرو بن حزم، وَهِيَ، يعني الجائفة، جُرحٌ يَنفَذُ إِلَى جَوفٍ، أي قوته مُحيلة للغذاء والدواء، كبَطْنٍ، وَصَدرٍ، وثُغْرَةِ نَحرٍ، وَجَبِيْنٍ، وَخاصِرَةِ، أي وإن لم يلدغ الألم كبده أو طحاله، وألحق به الإمام الوصول إلى المثانة، ولا فرق بين المحدد وغيره، ولا بين الصغيرة والكبيرة، كما سلف في الموضحة، أما لو لدغت كبده أو طحاله لزمه ثلث الدية وحكومة، ولو وصلت الجراحة إلى جوف الذكر فليست جائفة في الأصح، وكذا لو نفذت إلى داخل الفم والأنف، وَلا يَخْتَلِفُ أَرش مُوَضحَةٍ بِكبَرِها،
(•) في النسخة (1): الدامية.
كالأطراف، وَلَو أَوْضَحَ مَوْضِعَينِ بَينَهُما لَحمٌ وَجِلدٌ، قِيلَ: أَو أحَدُهُما؛ فَمُوَضِّحَتانِ، لعموم أخبار المواضح، ووجه الأصح في الثانية: أنه إذا زال أحدهما، فقد أتت الجناية على الموضع كله، فصار كما لو استوعبَ الإيضاحُ الموضعَ كُلَّهُ.
فَرعٌ: لو عاد الجاني فرفع الحاجز بين موضحته (•) قبل الإندمال، فالصحيح: أنه لا يلزمه إلا أرش واحد؛ ولو تآكل الحاجز بينهما فكذلك.
فَرعٌ: لو كثرت الموضحات! تعدد الأرش بحسبها؛ ولا ضبط.
وَلَوِ انقَسَمَت مُوَضِّحَتُهُ عَمْدًا أو خَطَأ أو شَمِلَت رَأسًا وَوَجهًا؛ فَموَضِّحَتان، أما في الأُولى؛ فلإختلاف الحكم، وأما في الثانية؛ فلإختلاف المحل، وَقِيلَ: مُوَضِّحَة، أما في الأولى؛ فلإتحاد الصورة والجاني والمحل، وأما في الثانية؛ فلأن الجهة والرأس محلّ الإيضاح، وَلَو وَسَّعَ مُوَضحَتَهُ! فواحِدَة عَلَى الصحِيح، كما لو أوضح أولًا كذلك، والثاني: ثنتان، لأن التوسع إيضاح ثانٍ، وهذا الخلاف كالخلاف فيما لو رفع الحاجز بين موضحته (•)، أَوْ غَيْرَهُ، أي بفتح الراء وكسرها كما ضبطه بخطه ويجوز ضمها، فَثِنْتانِ، لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره، بدليل ما لو قطع يد رجلٍ؛ وحزَّ آخر رقبته، فإن على كل منهما موجب جنايته، والجائِفَةُ كَمُوَضحَةٍ في التَّعَدُّدِ، أي فيما إذا جرحه جراحة أخرى ونفذتا إلى الجوف وبقي بينهما الجلدة الظاهرة وانخرق منها ما تحتها أو بالعكس، وكذا إذا انقسمت إلى عمد وخطأ، وكذا إذا وُسّعت؛ بأن وسّعها الجاني أو غيره وقد سلف كل ذلك، وفصّل الأصحاب فيما إذا وسع الجائفة غيره، فقالوا: إن أدخل السكين في جائفة غيره ولم يقطع شيئًا فلا ضمان عليه، ويُعزَّرُ، وإن قطع شيئًا من الظاهر دون الباطن، أو بالعكس ففيه حكومة، وإن قطع من جانب بعض الظاهر ومن جانب بعض الباطن، قال المتولي: ينظر في ثخانة اللحم والجلد؛ ويُقَسَّطُ أرشُ الجائفة على المقطوع من الجانبين، وقد يقتضي التقسيط تمام الأرش، بأن قطع نصف الظاهر من جانب ونصف الباطن من
(•) في النسخة (1): مُوَضحتَيْهِ.
جانب، ولو لم يقطع من أطراف الجائفة شيئًا ولكن زاد في غورها، أو كان قد ظهر عضو باطن كالكبد فغرز السكين فيه فعليه حكومة.
وَلَوْ نَفَذَت فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِن ظَفرِ فَجَائِفَتَانِ في الأصَحِّ، لأن ما خرق (•) حجاب الجوف كان جائفة كالداخل، والثاني: جائفة؛ لأن الجائفة ما وصلت إلى الجوف، والنافذة جارحة فكانت دونها.
وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ سِنَانًا لَهُ طَرفَانِ، أي والحاجزُ بينهما سليمٌ، فَثِنْتَانِ، لأن كل سنان واصل إلى الجوف فاسم الجائفة يصدق عليه، وَلَا يَسْقُطُ أَرْشٌ بِالْتِحَامِ مُوَضِّحَةٍ وَجَائِفَةٍ، لأن الوجوب كان في مقابلة الجزء الذاهب. والآلام التي لحقت المجني عليه؛ فلا يسقط بذلك.
فَصْلٌ: وَالْمَذهَبُ أَن فِي الأُذُنَيْنِ، أي قطعًا وقلعًا، دِيَّة لَا حُكومَةَ، لحديث عمرو بن حزم [وَفِى الأُذُنِ خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ] رواه البيهقي (179)، وحُكِيَ قَوْلٌ أو وَجْهٌ مُخرّجٌ: أن فيهما الحكومة كالشعور، وَاعْلَمْ: أن عبارة الرافعي: ظاهر المذهب وجوب كمال الدية، وحُكي قول أو وجهٌ مُخَرَّجٌ: أن فيهما الحكومة؛ وكذا عبارة الْمُحَرَّرِ: ظاهر المذهب أنَّ في الأذنين الدية، فَفَهِم المصنف من ذلك حكاية قولين (•) فصرح بهما هنا وفي الروضة، وَبَعْضٌ بِقِسْطِهِ، لأن ما وجبت فيه الدية وجب في بعضه بالقسط كالأصبع ويقدَّر بالمساحة، وَلَوْ أيْبَسَهُمَا، أي بالجناية عليهما، فَدِيَةٌ، كما لو ضرب يده فشُلَّت، وَفِي قَوْلٍ: حُكومَة، لأن المنفعة لا تبطل بذلك، وهي جمع الصوت ومنع دخول الماء بخلاف الشلل.
(•) في النسخة (1): خَرَقَ؛ أيضًا، ولكنه في الهامش رمز إلى تصحيح، بـ (نفذ) وكأنه يشير إلى نسخة أخرى ترجحت عنده، ولكنه لم يمحها.
(179)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: جماع أبواب الديات: باب الأُذنين: الحديث (16660). وإسناده صحيح.
(•) في النسخة (1) طريقين.
وَلَوْ قَطَعَ يَابِسَتَيْنِ فَحُكُومَةٌ، كما لو قطع يدًا شلّاء، وَفِي قَوْلٍ: دِيَةٌ، لأن المنفعة المرعيّة توجب الحكومة كما في العين القائمة واليد الشلّاء، وَفِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ، لحديث عمرو بن حزم صححه ابن حبان والحاكم (180)، وَلَوْ عَيْنُ أَحْوَلَ وَأَعمَشَ وَأَعْوَرَ، لبقاء المنفعة؛ ومقدارها لا ينظر إليه، ألا ترى أنه لا ينظر إلى قوة البطش والمشي وضعفهما، وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ لَا يَنْقُصُ الضَّوْءَ، أي فإنَّ في كُلِّ عين نصف دية، ويكون كَالثَّآليْل (•) في اليد والرجل، فَإن نَقَصَ فَقِسْطٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَنْضبِطْ فَحُكُومَةٌ، أي بخلاف عين الأعمش، والفرقُ أن البياض نقص الضوء الذي كان في أصل الخلقة، وعين الأعمش لم ينقص ضوؤها عما كان في الأصل، وَفِي كُلِّ جَفْنٍ رُبُعُ دِيَةٍ، لأن في الكل الدية ففي الواحد رُبْعُهَا، وَلَوْ لأَعْمَى، لأن للضرير منفعة وجمالا وإن كانت منفعة البصير بها أعم، وَمَارِنٍ دِيَةٌ، لحديث عمرو بن حزم [وَفِي الأَنْفِ إِذَا أوْعَى جَدْعًا الدِّيَةُ] صححهُ ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ (181)، وروى الشافعي عن ابن طاؤوس قال: عِنْدَنَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[وَفِي الأَنْفِ إِذَا قَطَعَ مَارِنهِ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ] قال الشافعي: وهذا أبينُ من حديث آل حزم (182)،
(180) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية العينين: الحديث (16675) وفي الحديث (16676) عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [وَفِي الأَنْفِ الدِّيَةُ إِذَا اسْتُوعِيَ جَدْعُهُ، مِائَةٌ مِنَ الإبل، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي العَيْنِ خَمْسُونَ؛ وَفِي الآمَّةِ ثُلُثُ الَنَّفْسِ؛ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ].
(•) في النسخة (1): كالتآكل.
(181)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية الأنف: الحديث (16682). وهو في كتاب الأُم للشافعي: كتاب جراح العمد: باب جماع ديات فيما دون النفس: ج 6 ص 118.
(182)
• ينظر الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: كتاب الديات: باب أسنان الخطأ وتقويمها: ج 12 ص 258؛ قال الماوردي: أورد الشافعي رحمه الله ذلك بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمكن؛ فإن لم يمكن فبألفاظ الصحابة؛ فإن لم يجد فبألفاظ التابعين، وكثيرًا ما يوردها بلفظ عطاء بن أبي رباح. =
وَالْمَارِنُ: ما لَانَ من الأَنْفِ وخلَا عن العظم؛ قاله الرافعي في الْمُحَرَّرِ. قال: ويشتمل على ثلاث طبقات؛ الطَّرَفَيْنِ وَالْوِتْرَةُ بَيْنَهُمَا، وقال الماوردي: هُوَ مَا لَانَ مِنَ الحاجزِ بينَ الْمِنْخَرَيْنِ الْمُتَّصِلُ بِقَصَبَةِ الأَنْفِ، وأن الدية إنما تكمل باستيعابه مع المنخرين، وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيهِ وَالحَاجِزِ ثُلُثٌ، توزيعًا للدية على المنخرين والحاجز، وَقِيْلَ: فِي الحَاجِزِ حُكُومَةٌ وَفِيْهِمَا دِيَةٌ، لأن الجمال وكمال المنفعة فيهما دون الحاجز، وهذا ما حُكى عن النص وصححه البغوي.
فَرْعٌ: ولو قطع المارن وبعض القصبة، فديةٌ فقط على الأصح.
وَكُلُّ شَفَةٍ نِصْفُ دِيَةٍ، لحديث عمرو بن حزم وصححه ابن حبان والحاكم وهي في عرض الوجه إلى الشدقين؛ أي وهو فتحة الفم من الجانب إلى الجانب الآخر، وفي طوله إلى ما يستر اللثة في الأصح، وروى عن نصه في الأُم أيضًا، والثاني: أنه الذي يَنْتُؤُ عند انطباق الفم كما أنه يراعى هذا القدر في الشفرين، وهذه المسألة وهي الكلام على عرض الشفة وطولها رأيتُ أصل المصنف وقد ضرب عليها وهي في الْمُحَرَّرِ فَاعْلَمْهُ.
فَائِدَةٌ: اللِّثَّةُ بكسر اللام: مَا حَوْلَ الأَسْنَانِ مِنَ اللَّحْمِ؛ قاله الجرهري، وقال غيره: هِيَ اللَّحْمُ الَّذِي ينبتُ فيه الأسنانُ، فأما اللحمُ الذي يتخلَّلُ الأسنانَ فهو عَمْرٌ بفتح العين.
فَرْعٌ: في الشَّلّاء الحكومة.
فَرْعٌ: لو قطع شفة مشقوقة فعليه نصف دية ناقصة بقدر حكومة الشق، جزم به في الروضة، والرافعي نقله عن التهذيب والتتمة، وفي الحاوي: تجب دية كاملة إن
• قال الشافعي رضي الله عنه؛ وقد روي عن ابن طاووس عن أبيه قال: عِنْدَ أَبِي كِتَابٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيْهِ [وَفي الأَنْفِ إِذَا قَطَعَ الْمَارِنَ مِائَةٌ مِنَ الإِبِل]، قال الشافعي: حديث ابن طاوس في الأنف أبينُ من حديث آل حزم. ينظر الأُم: كتاب جراح العمد: ديات الخطأ: باب دية الأنف: ج 6 ص 118.
لم يذهب الشق شيئًا من منافعها، وبقسطه إن أذهب معلوم القدر وحكومة إن لم يعلم.
وَلِسَانٍ وَلَوْ لألْكَنَ؛ وَأَرَتَّ؛ وَأَلْثَغَ؛ وَطِفْلٍ دِيَةٌ، لإطلاق حديث عمرو بن حزم [وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ] صححه ابن حبان والحاكم (183)، قال الماوردي: ولسان الناطق الفاقد الذوق فيه حكومة كالأخرس، وَقِيلَ: شَرْطُ الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيْكهِ لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ، أي فإن لم يوجد نطق وتحريك ولم تبلغ وقتها؛ بأن قطع لسانه عقب الولادة فلا دية، لأن سلامته غير مستيقنة والأصل براءة الذمة عنها، وحكى الإمام قطع الأصحاب به، قال الرافعي: والذي يوجد في كتب عامة الأصحاب وجوب الدية أخذًا بظاهر السلامة كما تجب الدية في يده ورجله وإن لم يكن بطش في الحال، وجزم الرافعي في باب القصاص: بأنه يقطع لسان المتكلم بلسان الرضيع إن ظهر فيه أثر النطق بالتحريك عند البكاء وغيره وإلا لَمْ يُقْطَعْ، قال: وإن بلغ أوَانَ التَّكَلُّمِ ولم يتكلَّمْ لَمْ يُقْطَعْ به لسان المتكلم، وَلأخْرَسَ حُكُومَةٌ، كما في اليد الشلاء، وهذا إذا لم يذهب الذوق بقطع لسان الأخرس، أو كان قد ذهب ذوقه قبله. أما إذا قطع لسانه فذهب ذوقه ففيه الدية لذهاب الذوق.
وَكُلُّ سِنٍّ لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةِ، لحديث عمرو بن حزم [وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ] صحَّحه ابنُ حبان والحاكم (184)، ولا يخفى ما احترز بالقيود
(183) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية اللسان: الحديث (16696). وفي الحاوي الكبير: كتاب الديات: ج 12 ص 262: مسألةٌ: قال الشافعي رضي الله عنه (وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ)، قال الماوردي: وهذا صحيح، لرواية عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كتابه إلى اليمن:[وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ] ولأنه قول أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنه ولا مخالف لهم.
(184)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية الأسنان: الحديث (16707). وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قضى في الأسْنَانِ خَمْسًا خَمْسًا]: الحديث (16708).
المذكورة، ولو انتهى صغر السن إلى أن لا تصلح للمضغ، فليس فيها إلا حكومة، سَوَاءٌ أكَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُون السِّنْخِ أوْ قَلَعَهَا بِهِ، لأن السِنْخ بكسر السين ثم نون ساكنة ثم خاء معجمة وهو أصل السن المستتر باللحم تابع فأشبه الكف مع الأصابع، وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ حُكُومَةٌ، كالأصبع الزائدة، وَحَرَكَةُ السِّنِّ إِن قَلَّتْ فَكَصَحِيْحَةٍ، أي في وجوب القصاص والأرش، وإن بَطَلَتِ الْمَنْفَعَةُ فَحُكومَةٌ، لِلشَّيْنِ الحاصل، أَوْ نَقَصَتْ فَالأصَحُّ كَصَحِيْحَةٍ، أي فيجب الأرش لتعلق الجمال وأصل النفع بها في المضغ وحفظ الطعام ورد الريق، ولا أثر لضعفها كضعف البطش والمشي، والثاني: لا، بل الواجب حكومة لنقصان المنفعة كما في اليد الشلاء، وقوله (فَالأصَحُّ) صوابهُ: فالأظهر؛ كما في الرافعي والروضة.
وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيْر لَمْ يُثْغَرْ فَلَمْ تَعُد، وبَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَجَبَ الأرْشُ، كسن المثغور، وَالأظْهَرُ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَا شَيْءَ، لأن الأصل براءة الذمة، والظاهر أنه لو عاش لعادت، والثاني: يجب الأرش، لأن الجناية قد تحققت، والأصل عدم العود، وعلى الأول تجب الحكومة، قال في التتمة: وذلك على طريقة من يعتبر حال الجناية وتواصل الألم.
وَأَنَّهُ لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ، أي وأخذ الأرش، فَعَادَتْ لَا يَسْقُطُ الأرْشُ، لأن العائد نعمة جديدة، ووجه مقابله أن العائد قائم مقام الأول فكأنه لا فوات.
وَلَوْ قُلِعَتِ الأَسْنَانُ فَبحِسَابِهِ، أي فيجب لكل سن خمس من الإبل للحديث السابق، وهي تزيد غالبًا على قدر الدية، فيجب مائة وستون بعيرًا إذا كان كامل الأسنان وهي اثنان وثلاثون سنًّا، وَفي قَوْلٍ: لَا يَزِيْدُ عَلَى دِيَةٍ، لأن الأسنان جنس متعدد من الأجزاء والأطراف فأشبهت الأصابع وسائر الأعضاء ثم هنا الخلاف، إِذا اتَّحَدَ الجاني والجناية، كما صرح به المصنف في قوله: إِنِ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ، فإن تعدد الجاني؛ بأن قلع عشرين سنًّا وقلع غيره الباقي، فعلى الأول مائة بعير، وعلى الثاني ستون بعيرًا قطعًا، وإن اتحد الجاني وتعددت الجناية نظر؛ إن تخلل الاندمال
بأن قلع سنًّا وتركه حتى برئت اللثة وزال الألم ثم قلع أخرى وهكذا إلى استيعاب الأسنان لزمه لكل سنٍّ خمس من الإبل قطعًا، فإن لم يتخلل الاندمال فعلى القولين.
وَكُلُّ لِحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ، أما وجوب الدية فيهما فلما فيهما من الجمال والمنفعة، وأما وجوب النصف في كل لِحيٍّ فكما في إحدى اليدين، وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللِّحْيَيْنِ فِي الأَصَحِّ، أي بل تجب دية اللحيين وأرش الأسنان لأنهما أصليان في الجمال والمنفعة، في كل منهما دية مقدرة فأشبها الأسنان واللسان، والثاني: يدخل كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع، والأول فرق بأن الكف يطلق على الكف والأصابع بخلاف اللحيين، وأيضًا اللحيان بتكامل خلقهما بدون الأسنان بدليل الطفل قبل نباتها بخلاف الكف.
فَرْعٌ: الأسنان العليا منبتها عظم الرأس، فلو قلع سنًّا منها مع العظم فعليه الحكومة مع الأرش.
وَكُلُّ يَدٍ نِصْفُ دَيَةٍ إِن قُطِعَ مِنْ كَفٍّ، لحديث عمرو بن حزم [وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ] رواه أبو داود (185)، وإنما حملنا اليد في الخبر على الكف لقوله تعالى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (186) وَقَطَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مِفْصَلِ الكَفِّ فدل على أنها اليد لغة وشرعًا، فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِهِ فحُكُومَةٌ أيضًا، أي للزائد؛ لأنه ليس بتابع؛ وليس فيه أرش مقدر؛ بخلاف الكف مع الأصابع، لأنهما كالعضو الواحد.
فَرْعٌ: لو قطع واحدٌ الأصابع وآخر الكفِّ أو قطع واحد الأصابع ثم الكف
(185) • رواه الإمام الشافعي في الأُم: كتاب جراح العمد: جماع الديات فيما دون النفس: ج 6 ص 118. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية اليدين والرجلين والأصابع: الحديث (16726).
• عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ قال: [وَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. . . وَفِي الْيَدِ إِذَا قُطِعَت نِصْفُ العَقْلِ، وَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ العَقْلِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الديات: باب ديات الأعضاء: الحديث (4564).
(186)
المائدة / 38.
قبل الاندمال أو بعده فعلى ما ذكرنا في الأسنان.
وَفِي كُلِّ أُصْبُع عَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ، لحديث عمرو بن حزم صححه ابن حبان والحاكم، وَأُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعَشْرَةٍ، وَأُنْمُلَةُ الإِبْهَامِ نِصْفُهَا، عملًا بالتقسيط.
وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ، أي ففيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها، لحديث عمرو بن حزم صححه ابن حبان والحاكم (187). وتكمل دية الرجلين بالتقاط أصابعهما، والقدم كالكف، والساق كالساعد، والفخذ كالعضد، وأنامل أصابع الرجلين كأنامل أصابع اليد، وقد تقدم كل ذلك.
وَفِي حَلَمَتَيهَا دِيَتُهَا، وهما رأسُ ثَدْيَيْهَا؛ لأن فيهما جمالًا ومنفعة، والثدي لا يستوفى إلا بهما (188).
وَحَلَمَتَيهِ حُكُومَة، لأنه إتلاف جمال فقط، وَفِي قَوْلٍ: دِيَتُهُ، لأن كُلَّ ما وجب فيه الدية من المرأة وجبت فيه من الرجل كاليدين، قال الروياني: وليس للرجل ثدي؛ وإنما هذه قطعة لحم من صدره.
فَرْعٌ: لو قطع من حلمة الرجل الثَّنْدُوَةَ وهي لحمة تحت الحَلَمة؛ إذا لم يكن الرجل مهزولًا؛ أفردت الثَّنْدُوَةَ بحكومة على المذهب.
وَفِي أُنْثَيَيْنِ دِيَةٌ، وَكَذَا ذَكَرِ، لحديث عمرو بن حزم صححه ابن حبان والحاكم (189)، وَلَوْ لِصَغِيرٍ؛ وَشَيْخٍ؛ وَعِنِّينٍ، أي وخصيّ لإطلاق الخبر المذكور،
(187) تقدم في الرقم (185). ورواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (16727).
(188)
• في مختصر المزني من الحاوي الكبير: ج 12 ص 291؛ قال الشافعي رضي الله عنه: (وَفِي حَلَمَتَيهَا دِيَتُهَا؛ لأنَّ فِيهِمَا مَنفَعَةُ الإِرْضَاعِ).
• عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، أنه قال:(فِي ثَدْي الْمَرْأَةِ نِصْفُ الدِّيَةَ؛ وَفِيْهِمَا الدِّيَةُ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب حلمتي الثديين: الأثر (16770).
(189)
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده؛ (أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ =
وَحَشَفَةٍ كَذَكَرٍ، أي فيجب فيها دية، لأن ما عداها من الذكر كالتابع لها، كالكف مع الأصابع، فمعظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة يتعلق بها، وأحكام الوطء تدور عليها، وَبَعْضُهَا بِقِسْطِهِ مِنهَا، لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها (190).
وَقِيلَ: مِنْ، كل، الذكَرِ، لأنه الأصل المقصود بكمال الدية، وَكَذَا حُكْمُ بَعْضِ مَارِنٍ وحَلَمَةٍ، أي فالأصح التوزيع على المارن والحَلَمَة فقط.
وَفِي الأَلْيَيْنِ الدِّيَةُ، لأن فيهما جمالًا ومنفعة، فإن فيهما رباط المفاصل؛ واستقرار الجلوس، وسواء في ذلك الرجل والمرأة، وَحَدُّهُما ما أشرف على الظهر والفخذين وفي إحداهما نصفها.
وَكَذَا شُفْرَاهَا، لأن فيهما جمالًا ومنفعة، فإن بهما يقع الإلتذاذ بالجماع، وفي إحداهما نصفها، وَالشُّفْرَانِ: بِضَمِّ الشِّينِ؛ اللَّحْمَانِ الْمُشْرِفَانِ عَلَى الْمَنْفَذِ، وهما الاسكتان عند الشافعي رحمه الله، وعند أهل اللغة حَرْفَا شَقِّ الْفَرْجِ.
وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ، أي تجب فيه الدية، لأنه كالجنس الواحد من الأعضاء، إِنْ بَقِيَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَحَزَّ غَيْرَ السَّالِخ رَقَبَتَهُ، أي لأن سَلْخَ جميعه قاتلٌ.
فَصْلٌ (•): هذا الفصل (•) عقده لإزالة المنافع، كما أن الفصل الذي قبله عقده للجروح وللأعضاء، وذكر فيه ستة عشر عضوًا كما سلف، وقد ذكر هنا ثلاثة عشر شيئًا كما نقف عليه.
إِلَى أهْلِ اليَمَنِ بِكِتَابٍ فِيْهِ: [وَفِي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ؛ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ]). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية الذكر والأنثيين: الحديث (16773).
(190)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إذَا مُنِعَ الْكَلَامَ؛ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ إِذَا قُطِعَتِ الحَشَفَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية اللسان: الحديث (16700).
(•) في النسخه (1): فرع.
(•) في النسخة (2): فرع.
فَرْعٌ: فِي العَقلِ دِيَةٌ، لأنه أشرف الحواس ولا يجب القصاص فيه على المذهب، لاختلاف الناس في محلِّه هل هو القلبُ أو الدماغِ أو مشتركٌ بينهما، والأكثرون على الأول، وقيل: مسكنهُ الدماغ وتدبيره في القلب، والمراد بالعقل الموجب للدية العقل الغريزيّ (•)، فأما المكتسب ففيه حكومة فقط؛ قاله الماوردي. قال المتولي: وإنما تجب الدية إذا قال أهل الخبرة إنه لا يعود، أما إذا توقعوا عوده فإنه يوقف، فإن مات قبل العود ففي الدية وجهان كما إذا قلع سن مثغور فمات قبل أن يعود.
فَرْعٌ: لو لم يُزل عقله؛ بل نقص ولم تستقم أحواله، فإن أمكن الضبط بالزمان وغيره وجب قسط الزائل وإلا فالحكومة.
فَإِنْ زَالَ، أي العقل؛ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ، مقدر أي كالموضحة واليد والرجل، أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا، أي دية العقل وأرش الجناية، أو حكومتها، لأن الشرع أوجب فيهما أروشًا مقدرة فلا يجوز إسقاطه؛ وهذا هو الجديد الصحيح، وَفِي قَوْل: يَدْخُلُ الأَقَلُّ فِي الأكْثَرِ، أي فإن كانت دية العقل أكثر، بأن أوضحه فزال عقله، دخل فيها أرش الموضحة، وإن كان أرش الجناية أكثر، بأن قطع يديه ورجليه فزال عقله، دخل فيه دية العقل، لأن ذهابه يعطل منافع سائر الأعضاء فأشبه ذهاب الروح. وضُعِّفَ هذا بأن مقتضاه أعني تشبيهه بالروح دخول الأروش في دية العقل وإن كثرت، وإنه لا يجب بقطع يديه شيء كالميت، واحترز المصنف بقوله (لَهُ أرْشٌ) عما إذا لم يكن له أرش ولا حكومة؛ بأن ضَرَبَ رأسهُ أو لَطَمَهُ فزالَ عقلهُ، فإنه يُدخل أرش الجناية في دية العقل، نَعَمْ: يُعَزَّرُ على الأصح، وَلَوِ ادَّعَى، وليَّ المجني عليه، زَوَالَهُ، أي فأنكر الجاني ونسبه إلى التجانُن، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي
(•) في النسخة (1): نقل الناسخ في الهامش فقال: أي الذي هو حُسن التقدير، وإصابة التدبير؛ فلا دية فيه؛ مع بقاء العقل الغريزي؛ بل فيه حكومة لما أحدث من الدهش بعد اليقظة؛ الغفلة بعد الفطنة؛ ولا تبلغ نهاية الغريزي. وقد تقدم في الجزء الأول: كتاب الطهارة: باب أسباب الحدث: السبب الثاني لزوال العقل: في التعليق (97) مفهوم زوال العقل والمراد به فراجعهُ.
خَلَوَاتِهِ؛ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِيْنِ، لأنه لا يتجانن في الخلوات، ولأن بيمينه يثبت جنونه، والمجنون لا يُحَلَّف، نَعَمْ: لو كان الاختلاف فيمن يجنُّ وقتًا؛ ويفيق وقتًا؛ وحلّفناه في زمن إفاقته كما ذكره في الكفاية، وإن وجدناها منظومة؛ صُدِّقَ الجاني بيمينه، وإنما حَلَّفْنَاهُ لاحتمال صدورها منه. اتفاقًا وجريًا على العادة، وَفِي السَّمْع دِيَةٌ، لأنه من أشرف الحواس فأشبه البصر، بل قيل: إنه أفضل منه، لأن به يدرك الْفَهْمُ، وقيل: عكسه؛ لأنه به تدرك الأعمال، ونُقل عن أكثر المتكلمين.
فَرْعٌ: لو لم يذهب السمع، ولكن ارتتق بالجناية داخل الأذن ارتتاقًا لا وصول إلى زواله؛ فالأصح وجوب حكومة لا دية.
ومن أذنٍ نِصْفٌ، أي لا لتعدد السمع، ولكن ضبط النقصان بالمنفذ أولى وأقربَ من ضبطه بغيره، وَقِيلَ: قِسْطُ النَّقْصِ، أي من الدية، قال الرافعي: وقد يقال تجب فيه حكومة، وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ فَدِيَتَانِ، لقطعه عضوًا وإذهابه منفعةً حالّةً في غيره فلم يتداخلا كما لو أوضحه فعمي.
وَلَوِ ادَّعَى زَوَالَهُ وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفلَةٍ فَكَاذِبٌ، لظهوره، ويجب مع ذلك تحليف الجاني أن سمعه لباقٍ! لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقًا ولا يكفيه أن يحلف أن سَمْعَهُ لم يذهب بجنايته، وخص المصنف الانزعاج بالصياح؛ ولا يختص به، بل الرعد وطرح شيء له صوت من علوٍّ كذلك، وقيَّدَ الماوردي الصياح بصوت مزعج مهولٍ يتضمن إنذارًا وتحذيرًا، قال: ويكرر ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوال السمع بها، وَإِلا، أي وإن لم يظهر عليه أثر، حُلِّفَ وَأَخَذَ دِيَةً، للعلم بصدقه؛ والتحليف لاحتمال التجلد، ثم إذا ثبت زواله، قال الماوردي: ويراجع عدول الأطباء، فإن نفوا عودَهُ، وجبت الدية في الحال، وإن جوّزوا عوده إلى مدة معينة انتظرت، فإن عاد فيها سقطت، وإلا ثبتت.
فَرْعٌ: لو ادعى ذهاب سمع إحدى الأذنين؛ حشيت السليمة وامتحن في الأخرى كما ذكرناه.
وإن نَقَصَ فَقِسْطُهُ إِن عُرِفَ، أي بأن كان يسمع من موضع فصار يسمع من دونه، وَإلا، أي وإن لم يعرف قدَره بالنسبةِ، فَحُكُومَة بِاجْتِهَادِ قَاضٍ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرنه، أي بفتح القاف وسكون الراء، أي مَنْ لَهُ مِثْلُ سِنِّهِ، في صِحَّتِهِ، ويضبطُ التفَاوُتُ، وَإن نَقَصَ مِن أذُنٍ سُدَّت وَضُبِطَ مُنتهَى سمَاعِ الأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ وَوَجَبَ قِسطُ التفَاوُتِ، أي فإن لم يضبط فالحكومة.
فَائِدَةٌ: لطيفة السمع ليست متعلقة بخرق الأذن، وإنما هي في مقرها من الرأس وليس من الثاني على الأصح بخلاف البصر.
وَفِي ضَوْءِ كُل عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ؛ لأن منفعة العين النظر، فذهابه كالشلل، فَلَوْ فَقَأَهَا لَم يَزِدْ، كقطع يديه بخلاف ما لو قطع أذنيه وذهب سمعه لما سلف أنه ليس السمع في الأذن، وَإنِ ادَّعَى زَوَالَهُ، أي زوال بصره وأنكر الجاني، سُئِلَ أَهْلُ الْخِبرَةِ، أي فإنهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينه عرفوا أن الضوء ذاهب أم موجود بخلاف السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إليه، أوْ يُمتَحَنُ بِتقرِيبِ عَقرَبٍ أو حَدِيدَةٍ، محمّاة، مِن عَينهِ بَغتةً؛ وَنُظِرَ هَل يَنْزَعِجُ؟ أي فإن انزعج؛ فالقول قول الجاني بيمينه، وإن لم ينزعج فالقول قول المجني عليه بيمينه، والأول: هو المنقول عن الأم، والثاني: وهو الامتحان بما سلف؛ قاله آخرون وعليه جرى الغزالي، وقال المتولي: الأمر إلى خيرة الحاكم وهو في الكتاب تبعًا لِلْمُحَرر، وَإن نَقَصَ فَكَالسمع، أي فإن عرف قدره فالقسط وإلا فحكومة، وإن نقص من عين فيمتحن ويجب القسط.
وَفِي الشَّمِّ دِيَةٌ عَلَى الصحِيحِ، لأنه من الحواس النافعة فأشبه غيره، والثاني: لا، بل حكومة دون الدية، لأنه ضعيف النفع، فإن منفعته إدراك الروائح، والأنتانُ أكثر من الطيبات فيكون التأذي أكثر من التلذذ.
فَرْعٌ: لو أذهب شم أحد المنخرين فنصف دية.
فَرْعٌ: لو نقص وجب بقسطه إن أمكنت معرفته وإلا فالحكومة.
فَرْعٌ: لو أنكر الجاني زواله امتحن المجني عليه بتقريب ما له رائحة حادة من طيبة أو خبيثة، فإن هشَّ للطيبِ وعبس للمنتنِّ، صُدِّقَ الجاني بيمينه، وإن لم يظهر عليه أثر صدق المجني عليه.
فَرْعٌ: لوْ قطع أنفه فذهب شمه وجبت ديتان كما في السمع، لأن الشم لا يحل الأنف.
وَفي الكَلَامِ الدِّيةُ، أي فيما إذا جنى على لسانه فأبطل كلامه، لأنه سلب أعظم منافعه، فأشبه إذهاب البصر، وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل الخبرة: لا يعود نطقه، فإن أخذت فعاد استردت.
فَرْعٌ: لو ادعى ذهاب النطق امتحن، ويحلف كما قاله المتولي.
وَفِي بَعْضِ الحُرُوفِ قِسطُهُ، فإن الكلام يتركب منها، وسواء ما خف منها على اللسان وما ثقل، والمُوَزعُ عَليْهَا ثَمَانِيَة وَعُشْرون حَرفًا في لُغَةِ العَرَبِ، وزاد الماوردي عليها (لا) فيها، والرافعي وغيره أسقطها لدخولها في الألف واللام، وجماعة من النحاة عدّوا الهمزة حرفًا ولم يعدوا المركب من الألف واللام، واحترز بقوله (في لُغَةِ الْعَرَبِ) عن غيرها فإنها تزيد وتنقص، وَقِيلَ: لَا يُوَزَّعُ عَلَى الشَّفَهِيَّةِ، أي وهي الباء والفاء والميم والواو، وَالحَلقيةِ، أي وهي الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء، وإنما التوزيع على الحروف الخارجية من اللسان وهي ما عداها، فتكون ثمانية عشر على هذا، وقد يوجّه: بأن منفعة اللسان هي النطق بها، فيكون التوزيع عليها وتكمل الدية فيها، ومن نصر الأول قال: الحروف وإن كانت مختلفة المخارج إلا أن الاعتماد في جميعها على اللسان وبه يستقيم النطق، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ بَعضِهَا، أي عن بعض الحروف كالأرَتِّ والألثَغ الذي لا يتكلم إلا بعشرين حرفًا مثلًا، خِلْقَةً أَوْ بِآفَةِ سَمَاوِيةِ فدِيةٌ، أي وأذهب بعض كلامه فدية، لأن هذا الشخص ناطق، وله كلام مفهوم إلا أن في منطقه ضعفًا، وضعف منفعة العضو لا يقدح في كمال الدية كضعف البطش والبصر، وَقِيلَ: قِسْطٌ، أي من جميع الحروف، لأن
النطق يتقرر بالحروف بخلاف البطش، أَوْ بِجِنَايَةِ، أي ولو عجز عن بعضها بجناية، فَالمَذهَبُ لَا تُكَمَّلُ دِيَة، لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول؛ والخلاف المذكور مرتب على الخلاف في المسألة قبلها.
وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكَسَ فَنِصفُ ديَةٍ، لأن منفعة العضو إذا ضمنت بديته اعتبر فيه الأكثر من العضو والمنفعة كما لو قطع الخنصر فشلت اليد وجبت دية يدٍ، وإن لم تشل وجب خمسٌ من الإبل وهي خُمْسُ ديتها، وإن كان الذاهب دون خُمس المنفعة، كذلك فيما ذهب من اللسان والكلام.
وَفِي الصَّوْتِ دِيَةٌ، لأن السنّة مضت بذلك كما رواه البيهقي عن زيد بن أسلم (191)، فَإن أَبْطَلَ مَعَهُ، أي مع الصوت، حَرَكَةَ لِسَانٍ، فَعَجَزَ عَنِ التقطِيع وَالتَّردِيدِ فَدِيَتَان، لأنهما منفعتان مختلفتان في كل واحدة منهما إذا أفردت بالتفويت كمال الدية، فإذا فوّتتا وجبت ديتان، وَقِيلَ: ديةٌ، لأن المقصود الكلام، لكنه يفوت بطريقين؛ بانقطاع الصوت؛ وعجز اللسان عن الحركة، وقد يجتمع الطريقان وقد يوجد أحدهما خاصة.
وَفِي الذَّوْقِ دِيَةٌ، لأنه أحد الحواس الخمس، فأشبه الشم، وصور الجمهور المسألة بأن يجني على لسانه فيفقد لذة الطعام والتمييز بين الصوم الخمسة الآتية، وفيه إشكال لابن الصباغ، لأن النصَّ على أن في اللسان الأخرس الحكومة مع أن الذوق يذهب بذهابه فدل على أن في الذوق الحكومة وهو حسن وهو ماشٍ على المشهور: أن محل الذوق في اللسان، أما إذا قلنا: إنه في طرف الحلق فلا إشكال، ويُدْرَكُ بِهِ، أي بالذوقِ، حَلَاوَةٌ؛ وَحُمُوضَة؛ وَمَرَارَة؛ وَمُلُوحَة؛ وَعُذُوبَة، وَتوَزعُ، يعني الدية، عَلَيهِن، أي فإذا أبطل إدراك واحد وجب خُمس الدية وهكذا، فإن نَقَصَ فَحُكُومَةٌ،
(191) عن زيد بن أسلم؛ قال: [مَضَتِ السنةُ في أَشْيَاءَ مِنَ الإنسَان، قالَ: وَفِي اللسَانِ الديةُ؛ وَفِي الصوتِ إِذَا انقَطَعَ الديةُ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية اللسان: الأثر (16699).
أي فإن نقص الإحساس فلم يدرك الطعوم على كمالها فالواجب الحكومة.
فَرْعٌ: لو اختلفا في ذهاب الذوق جرب بالأشياء المرة والحامضة الحادة، فإن ظهر منه تعبس وكراهة صدقنا الجاني بيمينه وإلا فالمجني عليه.
وَتَجِبُ الدية في المضغِ، لأن المنفعة العظمى للأسنان المضغُ، والأسنان مضمونة بالدية؛ فكذا منافعها كالبصر مع العين؛ والبطش مع اليد.
وَقُوةِ إِمنَاءِ بِكسرِ صُلْبٍ، أي تجب فيه الدية أيضًا لفوات المقصود وهو النسل؛ ولو قطع أنثييه فذهب ماؤه لزمه ديتان، وَقوَّةِ حَبَلٍ، أي تجب فيه الدية فيما إذا أبطله من المرأة لانقطاع النسل أيضًا، وَذَهَابِ جِمَاعٍ، أي بأن جنى على صلبه، لأنه من المنافع المقصودة، وصوّر الإمام ذلك ببطلان الالتذاذ به والرغبة فيه واستبعد ذهاب الشهوة مع بقاء المني، قال: فإن أمكن وجب أي كما تجب الدية بإذهاب شهوة الطعام إن تُصوّر، وصوره الماوردي بذهاب المني وعدم انتشار الذكر لا لشلل فيه.
وَفِي إِفْضَائِهَا مِنَ الزَّوْج وَغَيْرِهِ دِيَةٌ، لأن فيه جمال ومنفعة مقصودة، وَهُوَ، يعني الإفضاء، رَفْعُ مَا بَينَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبرٍ، إذ فيه تفويت المنفعة بالكلية، وأصله الفضاء وهو البرية الواسعة، وَقِيلَ: ذَكَرٍ وَبَوْلٍ، لأن الأصحاب فرضوه بالذكر، وما بين القبل والدبر قوي لا يرفعه الذكر وإن كان الإفضاء بغيره كالإفضاء به، وهذا الوجه الذي ضعفه هنا؛ جزم به في أصل الروضة في باب مثبتات الخيار من كتاب النكاح تبعًا للرافعي، وصحح المتولي: أن كلا منهما إفضاء موجب للدية، لأن الاستمتاع يخل بكل منهما، فَإِن لَمْ يُمكِنِ الوطء إِلَّا بإفضاءِ فَلَيسَ لِلزوج، أي ولا يلزمها التمكين والحالة هذه.
وَمَنْ لَا يَستَحِق افتضَاضها، يعني البكر، فَأزَالَ البَكَارَةَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ، أي كالأصبع وخشبة، فَأرشهَا، أي أرش البكارة، والمراد الحكومة المأخوذة من تقدير الرق كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، أوْ بِذَكَرِ لِشُبهَةٍ أو مُكرَهَةً فَمَهرُ مِثْلٍ ثيبًا وَأَرش البَكارَةِ، أي ولا يندرج أرشها في المهر، لأن المهر يجب لاستيفاء منفعة
عضو البُضع، والأرش يجب لإزالة تلك الجلدة، وهما جهتان مختلفتان، وَقِيلَ: مَهْرُ بِكْرٍ، لأن القصد من هذا الفعل الاستمتاع، وإزالة تلك الجلدة تحصل في ضمن الاستمتاع، واحترز بـ (المُكْرَهَةِ) عن المطاوعة؛ فإنه لا أرش لها كما لا مهر، وَمُسْتَحِقْهُ، أي الافتضاض وهو الزوج، لَا شيءَ عَلَيْهِ، أي في إزالة البكارة بذكر أو غيره، وَقِيلَ: إِنْ أَزَالَ، البكارة، بِغَيْرِ ذَكرٍ؛ فَأَرْشٌ، لعدوله عن الطريق المستحق له، والأصح: لا، لأنه حقه.
فَرْعٌ: لو أزالت بِكر بكارَةَ أخرى اقتصَّتْ منها جزم به الرافعي، وفي الشامل: أن المجني عليها إن كانت حرة وجب لها حكومة ولم يتعرض للقصاص.
وَفِي الْبَطشِ دِيَةٌ وَكَذا المَشيُ، لأنهما من المنافع الخطيرة، وَنَقْصِهِمَا حُكُومَةٌ، لأجل ما فات، وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشيهُ وَجِمَاعُهُ أو وَمَنيهُ فدِيَتَانِ؛ لأن كل واحد منهما مضمون بالدية عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع، وَقِيْلَ: ديَة، لأن الصلب محل المني، ومنه يبتدئ المشي، واتحاد المحل يقتضي اتحاد الدية.
فَرْعٌ: أَزَالَ أَطرَافًا، أي كاليد مثلًا، وَلَطَائِفَ، أي كالسمع مثلًا، تقتضِي دِيَاتٍ فَمَاتَ سِرَايَةَ فَدِيَةٌ، لأنها صارت نفسًا؛ وقد تجب في شخص سبعةٌ وعشرون دية وهو حي إذا كان رجلًا، وستة وعشرون إذا كان امرأة ويظهر ذلك بالتأمل، وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الجاني قَبْلَ انْدِمَالِهِ في الأصَح، لأنها وجبت قبل استقرار بدل الأطراف، فيدخل فيها بدل الأطراف كما لو سَرَتْ، والثاني: تجب ديات الأطراف مع دية النفس ولا تداخل كما لو حزّ بعد الاندمال، وكما لو كان الحازّ غيره، واحترز بقوله (قَبْلَ الاِندِمَالِ) عما بعده فإنه تجب دية الأطراف ودية النفس قطعًا؛ لاستقرار دية الأطراف بالاندمال، فَإنْ حَزَّ عمدًا وَالجنايَاتُ خَطأ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا تَدَاخُلَ فِي الأصَحِّ، لاختلافهما واختلاف من تجب عليه، والثاني: نَعَمْ، وَلَوْ حَزَّ غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ، أي ولا تداخل، لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره.
فَصْلٌ: تَجِبُ الحُكُومَةُ فِيمَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَهِيَ جُزْءٌ نسبتهُ إِلَى دِيَةِ النفسِ،
وَقِيلَ: إِلَى عُضْوِ الجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ كَان رَقِيْقًا بِصِفَاتِهِ، لما فرغ من الكلام على الدية شرع يتكلم في الحكومة؛ لتأخرها عنها، لأنها إنما تجب فيما لا مقدر فيه، وهي جزء من الدية نسبته إليها نسبة ما نقصته (•) الجناية من قيمة المجني عليه على تقدير تقويمه رقيقًا، فيُقَوَّم المجني عليه بصفاته التي هو عليها لو كان عبدًا، وينظر كم نقصت الجناية من قيمته، فإن قوم بعشرة دون الجناية وبتسعة بعدها فالتفاوت العشر فيجب عشر دية النفس، وما تقدم من نسبة ذلك الجزء إلى دية النفس هو ما صححه المصنف وغيره، والوجه الآخر الذي حكاه أنه ينسب إلى عضو الجناية لا إلى دية النفس، حكاه الرافعي عن حكاية صاحب المهذب، حتى لو نقص عشر القيمة بالجناية على اليد، فالواجب عُشر دية اليد، ولو نقص بالجناية على الرأس فالواجب عشر دية الموضحة، وعلى هذا القياس وهو ضعيف.
فَرعٌ: الحكومة الواجبة تكون من جنس الإبل.
فَإن كَانَت بِطَرَفٍ لَهُ مُقَدَّرٌ اشتُرِطَ أَن لَا تبلُغَ مُقَدَّرَهُ فَإن بَلَغتهُ نَقَصَ القَاضِي شَيْئًا بِاجْتهَادِهِ؛ لأن العضو مضمون بالأرش لو فات فلا يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه مع بقائه، قال الماوردي: وأقلّه ما يجوز أن يكون ثمنًا أو صداقًا، وقال الإمام: لا يكفي حظ أقل متمول.
فَائِدَةٌ: نظير اعتبار نقص الحكومة عن المقدر نقص التعزير عن الحد، والرضح عن السهم، والمتعة عن نصف المهر.
أَوْ، كانت لطرف، لَا تَقدِيْرَ فِيهِ كَفَخِذٍ، فَأن لَا تَبلُغَ دِيَةَ النَّفْسِ، أي بل يجوز أن تبلغ حكومتها دية عضو مقدر كاليد والرجل وأن تزاد عليه، ويقَوَّمُ، أي لمعرفة الحكومة، بَعْدَ انْدِمَالِهِ، أي لا قبله، فَإن لَمْ يَبقَ نَقصٌ اعتُبِرَ أَقرَبُ نَقْصٍ إِلَى الاِندِمَالِ، أي من الأحوال التي تؤثر في نقص القيمة، فإن لم يظهر نقص إلا في حالة سيلان الدم ترقبنا واعتبرنا القيمة والجراحة سائلة، فإن فرضت الجراحة خفيفة
(•) في النسخة (2): ما نقتضيه.
لا تؤثر في تلك الحالة أيضًا ففي الوسيط أنا نلحقها باللطم والضرب للضرورة، وفي التتمة أن الحاكم يوجب شيئًا بالاجتهاد، وَقِيلَ: يُقَدِّرُهُ قَاضي بِاجْتِهَادِهِ، أي بأن ينظر إلى خفة الجناية وفحشها في المنظر سعة أو عرضًا وقدر الآلام المتولدة، وَقِيلَ: لَا غُرْمَ، كما لو لطمه أو ضربه بمثقل فزال الألم ولم يبق نقص ولا جمال، نعم يعزر قال في المحرر، ومن نظائر المسألة قطع الإصبع الزائدة وقلع السن الثاغية أي الزائدة يعني فإن لم ينقص القيمة بذلك، وربما زادت لزوال الشين فهل يجب فيه شيء؟ فيه الوجهان في أصل المسألة، فإن أوجبناها وهو الأصح فقيل يجتهد الحاكم فيه، والأصح أنه يعتبر في قطع الإِصبع الزائدة أقرب أحوال النقص من الاندمال كما سبق، وفي السن يقوم وله سن زائدة نابتة فوق الأسنان ولا أصلية خلفها، ثم يقوَّم مقلوع تلك الزائدة، ويظهر التفاوت لأن الزائدة تسد الفرجة ويحصل بها نوع من جمال، ولم يصرح المصنف بهذه المسألة لدخولها فيما ذكره.
فَصْلٌ: وَالجُرْحُ المُقَدَّرُ كَمُوَضحَةٍ يَتبَعُهُ الشينُ حَوَالَيهِ، أي ولا يفرد بحكومة لأنه لو استوعب بالإيضاح جميع موضع الشين لم يكن فيه إلا أرش موضحة، وَمَا لَا يَتقدَّرُ، أي أرشه، يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ في الأصَح، أي ولا يتبعه شين.
فَصْلٌ: وَفِي نَفْسِ الرَّقِيْقِ قِيْمَتُهُ، أي بالغة ما بلغت؛ لأنه مال كسائر الأموال، وَفِي غَيْرِهَا، أي في غير نفسه، مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إِن لَم يَتَقَدَّرْ في الحُرِّ، لأنا نشبه الحر في الحكومة بالعبد ليعرف التفاوت فيرجع به ففي المشبه به أولى، وَإلا، أي وإن لم يتقدر في الحر، كالموضحة وقطع الأطراف، فَنِسْبَتُهُ مِن قيْمَتِهِ، أي فيجب جزء من قيمته نسبته إلى القيمة كنسبة الواجب في الحر إلى الدية، وَفِي قَوْلٍ: مَا نَقَصَ، أي من قيمته لأنّه مملوك كالبهيمة، وقد سلفت المسألة في الغصب أيضًا. ثم شرع في فائدة الخلاف فقال: وَلَو قُطعَ ذَكَرُهُ وَأُنثَيَاهُ فَفِي الأَظْهَرِ قِيْمَتَانِ، كما يجب فيهما من الحر ديتان، وَالثانِي: مَا نَقَصَ؛ فَإن لَم يَنْقص، أي القيمة بقطع الذكر والأنثين، فَلَا شَيءَ.