المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ البُغَاةِ هُمْ مُخَالِفُواْ الإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيهِ، أي ولو كان جائرًا، - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النفقات

- ‌كتاب الجراح

- ‌بَابُ كَيفِيةِ القِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاختِلافِ فِيهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَّاتِ

- ‌بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

- ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

- ‌كِتَابُ البُغَاةِ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ

- ‌كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ

- ‌كِتَابُ الأشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ

- ‌كِتَابُ السِّيَّرِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الأضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُنَاضَلَةِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌كِتَابُ أمَّهَاتِ الأوْلَادِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ البُغَاةِ هُمْ مُخَالِفُواْ الإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيهِ، أي ولو كان جائرًا،

‌كِتَابُ البُغَاةِ

هُمْ مُخَالِفُواْ الإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيهِ، أي ولو كان جائرًا، وَتَرْكِ الاِنْقِيَادِ، أوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ، هذا حد البغاة في الاصطلاح، وسمو بذلك لمجاوزة الحدود، وقيل: لطلب الاستعلاء، والإجماع قائم على قتالهم، بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ وَتَأْوِيلٍ وَمُطَاعٍ فِيْهِمْ، أي فإن كانوا أفرادًا فليسوا بغاة، وكذا إذا خرجوا بلا تأويل، قال الإمام: ولابد لحصول الشوكة من متبوع مطاعٍ يصدرون عن رأيه، إذ لا قوة لمن لا يجمع كلمتهم مطاعٌ، وحينئذ فقول المصنف بعد قوله وشوكة ومطاع يقتضي التغاير.

فَرْعٌ: يشترط في تأويلهم أن يكون بطلانه مظنونًا، فلو كان قطعي البطلان؛ فالأوْفَقُ لإطلاق الأكثرين أنهُ غيرُ معتبرٍ؛ كتأويل أهلِ الرِّدَّة حيث قالوا: أُمِرْنا أن ندفع الزكاة إلى من صلاته سكنٌ لنا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة غيره ليست سَكَنًا لنا (207)، ووجه مقابله: أنه قد يغلظ في القطعيات.

وَقِيلَ: وَإمَامٌ مَنْصُوبٌ، أي وإلّا فلا يكون بينهم قاضٍ ووالٍ فتتعطل الأحكام، ونقله الرافعي عن الجديد، ونسبه الإمام إلى المُعْظَمِ، لكن في الرافعي عن الأكثرين المنع؛ لأنَّ عليًّا رضي الله عنه قاتل أهل الجمل ولا إمام لهم، وأهل صفين قبل نَصْبِ إمامِهم، وأثر الخلاف في تنفيذ الأحكام لا في عدم الضمان كما أشار إليه الغزالي، وقال

(207) ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ج 8 ص 244: تفسير الآية 103 من سورة التوبة.

ص: 1607

الماوردي: هذه الأمور كلها إنما تشترط فِي جواز قتالهم، واعتبر الجويني أمرين آخرين؛ أن يمتنعوا من حكم الإمام؛ وأن يُظهروا لأنفسهم حكمًا.

وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأيَ الْخَوَارِج، أي وهم صنف من المبتدعة، كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيْر ذِي كَبِيْرَةِ وَلَمْ يُقَاتِلُواْ تُرِكُواْ، لأن عليًّا جعل حكمهم حُكم أهْلِ الْعَدْلِ بقوله:(لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثَةٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ تَذْكُرُواْ فِيْهَا اسْمَهُ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيْنَا فِي أَيْدِيْكُمْ، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ)(208)، نَعَمْ؛ إن تضرر بهم المسلمون، قال القاضي حُسين: قال أصحابُنا: نتعرض لهم حتى يزول الضرر، والمرادُ بتكفير ذي كبيرةٍ: أن اعتقادهم أنَّ مَنْ أتَى كبيرةً من الكبائرٍ فقد كَفَرَ وحَبِطَ عملهُ وخُلِّدَ في النارِ، وأنَّ دار الإمام صارتْ بظهور الكبائر فيها دار كفرٍ وإباحةٍ، فلذلك طعنوا في الأئمة ولم يصلُّوا خلفهم واجتنبوا الجماعات والْجُمُعَاتِ، وَإِلا فَقُطَّاعُ طَرِيْقٍ، أي وإن قاتلوا فحكمهم حكم قطاع الطريق.

فَصْلٌ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ، بناءً على أنهم ليسوا بفسقة، وَقَضَاءُ قَاضِيْهِمْ فِيْمَا يَقْبَلُ قَضَاءَ قَاضِيْنا إِلَّا أَن يَسْتَحِلَّ دِمَاءَنَا، لانتفاء العدالة إذًا وهي من شرط القاضي، قُلْتُ: وإلّا أن يكون من الخطابية الذين يقضون لموافقيهم بِتَصْدِيْقِهِمْ إذا قضى لموافقيهم كما تُرَدُّ شهادتُهم (•)، وَيُنَفِّذُ كِتَابُهُ بالْحُكمِ، جوازًا (•) أي وإن كان المستحبُّ أن لا تُقْبَلَ استخفافًا بهم، وَيَحْكُمُ بِكِتَابهِ بِسَمَاع الْبَيِّنَةِ فِي الأَصَحِّ، لأن الكتاب الذي يَرِدُ له تعلُّقٌ برعايانا. وإذا نفذنا حكَم قاضيهم لمصلحة رعاياهم، فلأنَّ نراعي مصالح رعايانا من باب أولى، والثاني: لا؛ لما فيه من معاونة أهل البغي وإقامة مناصبهم، وقوله (فِي الأَصَحِّ) تبع فيه الْمُحَرَّر وخالف في الروضة فعبَّر بالأظهرِ تبعًا للشرح.

(208) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب قوم يظهرون رأي الخوارج لم يحل به قتالهم: الأثر (17233).

(•) في النسخة (2): إذا قضَى لِمُوَافِقِيْهِ كَمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.

(•)(جوازًا) ساقط من النسخة (1).

ص: 1608

وَلَوْ أَقَامُوا حَدًّا؛ وَأَخَذُواْ زَكَاةً؛ وَخَرَاجًا؛ وَجِزْيَةً؛ وَفَرَّقُوا سَهْمَ الْمُزتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ صَحَّ، لأن في إعادة المطالبة اضرارًا بأهل البلدة، وَفِي الأخِيْرِ وَجْهٌ، لئلا يستعينوا به على البغي، والأصحُّ الصحة؛ لأنهم من جند الإِسلام؛ وإرعابُ الكفارِ حاصل بهم؛ وفي الجزية أَيضًا وجه حكاه الرافعي، وفي الزكاة وجه حكاه القاضي: أنَّهم إن أعطوا اختيارًا من غير إجبار لم يسقط عنهم، وَمَا أتلَفَهُ بَاغ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إِن لَمْ يَكُنْ في قِتَالٍ ضَمِنَ، جريًا على الأصل الممهد في قصاص النفوس وغرامات الأموال، وَإلَّا فَلَا، أي وإن كان في قتال، فلا ضمان! أما فيما يتلفه العادل على الباغي، فلأنه مأمور بالقتال فلا يضمن ما يتولد منه، وأما فيما يتلفه الباغي على العادل، فَلأَنَّ في الوقائع التي جرت في عصر الصَّحَابَة كحروب الجمل وصفين لم يطالب بعضهم بعضًا بضمان نفس ولا مال، وَفِي قَوْلٍ: يَضْمَنُ الْبَاغِي، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام:[إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَموَالَكمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ](209) والخلاف فيما إذا أتلف بسبب القتال وتولّد منه هلاكه، فلو أتلف في القتال ما ليس من ضرورة القتال أوجب ضمانه قطعًا كالمتلف قبل القتال ذكره الإمام، وَالْمُتَأَوِّلُ بلَا شَوْكَةٍ يَضْمَنُ، أي ما أتلفه نفسًا ومالًا وإن كان في حال القتال كَقُطَّاعِ الطريق، لأنّا لو أسقطنا الضمان لم تعجز كل شرذمة تريد إتلاف نفس أو مال أن تبدي تأويلًا وتفعل من الفساد ما تشاء وفي ذلك بطلان السياسات، وَعَكسُهُ كَبَاغٍ، لأن سقوط الضمان عن الباغي لقطع الفتنة واجتماع الكلمة وهذا موجود هنا.

فَصْلٌ: وَلَا يُقَاتِلُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيهِمْ أَمِيْنًا فَطِنًا نَاصِحًا يَسْأَلُهُمْ مَا يَنقِمُون، أي يكرهون، فَإِن ذَكَرُوا مَظْلَمَةً أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا، لأن المقصود بقتالهم رَدُّهُمْ إلى الطاعة، ودفع شرِّهِمْ، والبعثُ واجبٌ كما صرح به ابن الصباغ وغيره، وقال أبو

(209) الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه؛ رواه البُخَارِي في الصحيح: كتاب الحج: باب الخطبة أيام منى: الحديث (1741). وفي لفظ ابن عباس فيه: [وَأعْرَاضَكُمْ] الحديث (1739). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (147/ 1218) عن جابر رضي الله عنه.

ص: 1609

الطيب: مستحبٌّ، فَإِنْ أَصَرُّوا، أَي بعد إزالة العلّة، نَصَحَهُمْ، أي ووعظهم؛ لأن ذلك أقرب إلى حصول المقصود (210)، ثُمَّ آذَنَهُمْ بِالْقِتَالِ، أي أعلمهم به، فَإِنِ اسْتَمْهَلُوا اجْتَهَدَ وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا، وَلَا يُقَاتِلُ مُدْبِرَهُمْ وَلَا مُثخَنَهُمْ وَأَسِيْرَهُمْ، للنهي عنه (211)، نَعَمْ: إن انهزم متحيزًا إلى فئة قريبة أُتبَع أو بعيدة فلا، وَلَا يُطْلِقُ، يعني أسيرهم، وَإِن كَان صَبِيًّا وَامْرَأَةَ حَتَّى تَنْقَضِي الْحَرْبُ وَيَتَفُرَّقَ جَمْعُهُمْ، لينكف شَرُّهُ، إِلَّا أَن يُطِيعَ بِاخْتِيَارِهِ، أي بمتابعة الإمام، وهذا إذا كان حرًا، فإن كان عبدًا فقيل هو كالنساء، وإن كان يقاتل. وقال المتولي: إنْ كان يجيء منه ومن المراهق قتال فهما كالرجال في الحبس، قال الرافعي: وهو حسن. فَاعْلَمْ: أن المصنف جعل قوله (حَتَّى تَنْقَضِيَ الحَرْبُ وَيَتَفَرَّق جَمْعُهُمْ) غايةً لإطلاق الأسير سواء كان رجلًا أو صبيًا أو امرأة وهو صحيح في الرَّجل البالغ، أما الصبي الذي ليس مراهقًا والمرأة؛ فيُطْلَقَانِ بانقضاء القتال على ما صححه في الروضة تبعًا

(210) عَن عَبدِ اللهِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكرٍ رضي الله عنه؛ قالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَأْمُرُ أُمَرَاءَهُ حِيْنَ كَانَ يَبْعَثُهُمْ في الرِّدَّةِ: (إذَا غَشِيْتُمْ دَارًا؛ فَإنْ سَمِعْتُمْ بِهَا أذَانًا بِالصَّلَاةِ فَكُفُوا حَتَّى تَسْأَلُوهُمْ مَاذَا نَقمُوا، فَإِذا لَمْ تسْمَعُوا أذَانًا فَشُنُّوهَا غَارَةً وَاقْتُلُوا وَحَرِّقُوا، وَأَنْهِكُوا في الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، لا يُرَى بكمْ وَهْنٌ لِمَوْتِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم). رواه البيهقي في السنن: كتاب قتال أهل البغي: جماع أبوَاب الرعاة: لا يبدأ الخوارج بالقتال حتَّى يسألوا ما نقموا: الأثر (17206).

(211)

• لِحَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُود رضي الله عنه؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: [يَابْنَ أُمِّ عَبْدٍ! مَا حُكْمُ مَنْ بَغَى عَلَى أمَّتِي] قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ؟ قَالَ: [لا يُقتلُ مُدْبِرُهُمْ؛ وَلَا يُجَازُ عَلَى جَرِيْحِهِمْ؛ وَلَا يُقْتَل أَسِيْرُهُمْ؛ وَلَا يُقْسَمُ فَيْئهُمْ]. رواه الحاكم في المستدرك: كتاب قتال أهل البغى: الحديث (2662/ 19) وسكت عنه. وتعقبه الذهبي؛ وقال: فيه كوثر بن حكيم؛ وهو متروك؛ فالحديث ضعيف.

• تجمعُ الآثار عن عَلِيٍّ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ: (لا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ؛ وَلَا يُذَفِّفُ عَلَى جَرِيّحٍ؛ وَلَا يُقتلُ أسِيرٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ؛ وَمَنْ ألقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِن مَتَاعِهِمْ شَيْئًا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب قتال أهل البغي: الآثار (17215 و 17216 وما بعدها).

ص: 1610

للرافعي، وعبارة الْمحَرَّرِ صوابٌ لا إِيْرَادَ عليها.

فَرْعٌ: نصَّ في الأُمِّ على أنَّه لو كان عندهم أسارى من أهل العدل فسألوا؛ والحرب قائمة: أَنْ يُمْسِكَ ليطلقوهم وأعطوا بذلك رهائن قبلنا الرهائن، فإنْ أطلقوا الأسارى أطلقنا الرهائن، وإن قتلوهم لم يَجُزْ قتل الرهائن فلابد من إطلاقهم بعد انقضاء الحرب.

وَيَرُدُّ سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ إِلَيْهِمْ إِذا انْقَضَتِ الْحَرْبُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُمْ، أي بعودهم إلى الطاعة أو تفرق شملهم، قال الرافعي: وهو وقت إطلاق الأسرى. وَلَا يُسْتَعْمَلُ، أي خيولهم وأسلحتهم، في قِتَالٍ، كما لا يجوز الانتفاع بسائر أموالهم، إِلَّا لِضَرُورَةٍ، أي بأن لم تجد ما ندفع به عن أنفسنا إلَّا سلاحهم أو وقعت هزيمة ولم نجد إلَّا خيولهم، وَلَا يُقَاتَلُونَ بعَظِيْمٍ كَنَارٍ وَمَنْجَنِيْقٍ، لأنَّ الْقَصْدُ الكَفُّ فَقَط، إِلَّا لِضَرُورَةٍ بأَنْ قَاتَلُوا بِهِ أَوْ أَحَاطُوا بِنَا، واضطررنا إلى الرمي بالنار ونحوها للدفع، وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ، لقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (212)، وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ، أي وهم الحنفية، لأنه يجب الكف عنهم إذا انهزموا. قلت: ويجوز الاستعانة بهم بشرط أن يكون فيهم جرأة وحسن إقدام؛ وأن نتمكن من منعهم لو اتبعوا أهل البغي بعد هزيمتهم، وأن نثق بما نشرطه عليهم، وأن لا يتبعوا مدبرًا ولا يجهزوا على جريح.

وَلَوِ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَآمَنُوهُمْ لَمْ يَنْفُذْ أمَانُهُمْ عَلَينَا، لأن الأمَان لترك قتال المسلمين فلا ينعقد على شرطِ القتال فيجوز لنا أن نغنم أموالهم وأن نسترقّهم ونقتلهم إذا وقعوا في الأسر ونقتل مدبرهم ونذفف على جريحهم، وَنَفَذَ، أي أمان أهل البغاة، عَلَيْهِمْ في الأَصَحِّ، لأنهم آمنوهم وأمنوا منهم، والثاني: لا ينفذ عليهم، كما في حق أهل العدل،

وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَالِمِيْنَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا انتقَضَ عَهْدُهُمْ، كما لو انفردوا

(212) النساء / 141.

ص: 1611

بالقتال وحكمهم حكم أهل الحرب، أَوْ مُكْرَهِيْنَ فَلَا، أي وقوتلوا مقاتلة أهل البغي، ولو قال المصنف: مختارين قبل ذلك مقابلة لقوله أو مكرهين لكان حسنًا، وَكَذَا إِن قَالُوا: ظَنَنَّا جَوَازَهُ، أي ظننا أنَّه يجوز لنا إعانة بعض المسلمين على بعض أو أنَّهم يستعينون بنا على الكفار، أَوْ أَنهُمْ مُحِقُّونَ، أي وكذا لهم إعانة المحق، فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ، إلحاقًا لهذه الأعذار بالإكراه، ويقَاتَلُون كَبُغَاةٍ، وقيل في الانتقاض للعهد قولان؛ كذا في أصل الروضة؛ ولم أَرَ في كلام الرافعي تصحيح طريقة منهما.

فَصْلٌ: شَرْطُ الإِمَامِ: كَوْنُهُ مُسْلِمًا؛ مُكَلَّفًا؛ حُرًّا؛ ذَكَرًا، لنقص أضدادهم، قُرَشِيًّا، لقوله عليه الصلاة والسلام:[الأئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ] رواه النَّسائي بإسناد جيد من رواية أنس (213)، فإن عدم قريشي بالصفات فَكِنَانِيٌّ جرهمي (•) ثم إسحاقي قاله المتولي، وفي التهذيب: إن فُقِدَ ولد إسماعيل فمن العجم (214)، مُجْتَهِدًا، ليعرف الأحكام ويعلّم الناس، شُجَاعًا، ليغزو بنفسه ويقهر الأعداء ويفتح الحصون، ذَا رَأي، أي وكفاية (فَالرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ)، وَسَمْعٍ؛ وَبَصَرٍ؛ وَنُطْقٍ، ليتأتى منه فصل الأمور، قال الماوردي: وضعف البصر إن كان يمنع رؤية الأشخاص منع انعقاد الإمامة واستدامتها؛ وإلّا فلا. قُلْتُ: وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ الْوَرَعُ وَالتَّقْوَى وَالأَمَانَةُ، كما عبَّر به الإمام، ويشترط أَيضًا سلامة أعضائه من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض على الأصح.

وَتَنْعَقِدُ الإِمَامَةُ بِالْبَيْعَةِ، كما بايع الصَّحَابَة أَبا بكر رضي الله عنه وَعَنْهُمْ، وَالأصَحُّ: بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ

(213) رواه النَّسائيّ في السنن الكبرى: كتاب القضاء: باب الأئمة من قريش: الحديث (5942/ 1)، وبإسناده رواه أَحمد في المسند: ج 3 ص 129.

(•) في النسخة (1): إسماعيلي. (فكنانيّ ثم إسماعيلي ثم جرهمي ثم إسحاقي).

(214)

قال البَغَوِيّ: (فإن لم يكن قرشيًا؛ فكناني، فإن لم يكن؛ فمن نسل إسماعيل عليه السلام فإن لم يكن فمن العجم) التهذيب في فقه الإمام الشَّافعي: كتاب قتال أهل البغي: ج 7 ص 265.

ص: 1612

يَتَيَسَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ؛ لأنه ينتظم الأمر بهم ويتبعهم سائر الناس ولا يشترط على هذا عدد، بل لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته.

وَشَرْطُهُمْ، أي الذين يبايِعون: صِفَةُ الشُّهُودِ، والأصح من زوائد الروضة: أنَّه لا يشترط حضور شاهدين البيعة إن كان العاقدون جمعًا، وإن كان واحدًا اشترط، ومقابل الأصح في كلام المصنف سبعة أوجه موضحة في الأصل فراجعها منه، وَبِاسْتِخْلَافِ الإِمَامِ، أي تنعقد الإمامة أَيضًا به كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما وانعقد الإجماع على جوازه، فَلَوْ جَعَلَ الأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمْعٍ؛ فَكَاسْتِخْلَافٍ فَيَرْتَضُون أَحَدَهُمْ، اقتداء بعمر رضي الله عنه فإنَّه جعل الأمْرَ شُورَى بين سِتَّةٍ بين عليّ والزُّبير وعثمان وعبد الرَّحْمَن بن عوف وسعد بن أبي وقَّاص وطلحة فاتفقوا بعد موته على عثمان. وَبِاسْتِيْلَاءِ جَامع الشُّرُوطِ، أي تنعقد الإمامة به أَيضًا لينتظم شمل المسلمين، وأنكرت الإمامية ذلك، وقالت الزيديَّة: كلُّ فاطميِّ عالِمٍ خرج بالسيف وادَّعى الإمامة صار إمامًا ولا اعتداد بخلافهم، وَكَذَا فَاسِقٌ وَجَاهِلٌ في الأَصَحِّ، لما ذكرناه، وإن كان عاصيًا بفعله.

فَرْعٌ: لا يصير الشخص إمامًا بتفرده بشروط الإمامة في وقته، وقيل: تنعقد من غير عقد، حكاه القاضي نجم الدين القمولي رحمه الله، قال: ومن الفقهاء مَنْ ألحَقَ القاضي بالإمام في ذلك، قال: ومنهم من سوى بينهما في المنع وهو أقرب من عكسه.

(•) قُلْتُ: وَلوِ ادَّعَى دَفْعَ زَكاةٍ إِلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ بِيمِيْنِهِ، لبنائها على المواساة، أوْ جِزيةٍ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، لأنها أجرة، والثاني: نعم، كالزكاة والفرق فيه ظاهر، وَكَذَا خَرَاجٍ في الأَصَحِّ، لأنه أجرة أو ثمن، والثاني: نعم، كالزكاة، ويُصَدَّقُ في حَدٍّ، أي في إقامته عليه، إِلَّا أَن يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا أَثَرَ لَهُ، فِي الْبَدَنِ، وَالله أعْلَمُ، أي فإن ثبت بالإقرار صُدِّقَ، لأن المقرَّ بالحد إذا رجع يقبل رجوعه وقد أنكر بما يدعيه

(•) كان في أصل الشرح في النسخة (1) عنوان (فصل) وقد حُذِفتْ لأنها على ما يبدو زائدة. سيما أن الناسخ رمز في متن صحيح مني.

ص: 1613

بقاء الْحَقّ (•) عليه فيقبل رجوعه، وكذا إن كان أثره باقيًا. ولا يخفى أن المصنف رحمه الله لو ذكر هذه الزيادة قبل الكلام في أحكام الإمامة كان أنسب.

(•) في النسخة (1): الحدِّ.

ص: 1614