الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ
افْتَتَحَهُ في الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: [أُنْصُرْ أخَاكَ ظَالِمًا أوْ مَظْلُومًا] الْحَدِيْثُ (295) وَهُوَ فِي صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيْثِ أنَسَ رضي الله عنه وَاسْتُؤْنِسَ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
…
} الآية (296).
لَهُ دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ عَلَى نَفْسٍ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ] صححه الترمذي (297)، وهذا إذا لم يجد ملجأ، فإن وجده كحصن يغلقه عليه؛ أو هرب، فالأصح: وجوب الهرب، كما سيأتي؛ لأنه ضَرْبٌ من الدفع، أَوْ طَرَفٍ، كالنفس، أَوْ بُضْعٍ، لأنه محترم، أوْ مَالٍ، وإن قلَّ كدرهم لقوله عَلَيْهِ
(295) رواه البخاري في الصحيح: كتاب المظالم: باب أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا: الحديث (2443). وبزيادة؛ قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ:[تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ].
(296)
(297)
رواه أبو داود في السنن: كتاب السُّنَّة: باب في قتال اللصوص: الحديث (4772): عَنْ سَعِيْدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النِّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ؛ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِيْنِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ]. ورواه الترمذي في الجامع: كتاب الديات: باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد: الحديث (1419) من طريق عبد الله بن عمرو، وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسنٌ.
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: [مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ] متفق عليه (298)، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ، لتعديه، وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ، أي إذا لم يكن ذا روح، لأن إباحة المال للغير جائزة، أما الحيوان فكالنفس ما لم يخش على نفسه لحرمته، وَيَجِبُ عَنْ بُضْعٍ، لتحريم إباحة ذلك، لأنه حقُّ غيره، وليس له أن يجود بحق غيره، وشرطه أن لا يخاف على نفسه، وَكَذَا نَفْسٍ قَصَدَهَا كَافِرٌ، لأن الاستسلام له ذلٌّ في الدِيْنِ، أَوْ بَهِيْمَةٌ، لأنها مذبوحة لاستيفاء المهجة؛ فكيف يؤثرها ويستسلم لها! لَا مُسْلِمٌ في الأظْهَرِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ] صحَّحَهُ ابن حبان (299)، والثاني: يجبُ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (300) قال القاضي أبُو الطيب: وبهذا قال سائر الأصحاب وأنه المشهور، وقال القاضي: إن أمكن دفعه بغير قتله وجب؛ وإلاّ فلا. وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ، أي فيجبُ حيثُ يجبُ؛ ولا يجبُ حيثُ لا يجبُ، وَقِيْلَ: يَجِبُ قَطْعًا، لأن له الايثار لحق نفسه دون غيره، وقيل: لا يجب قطعًا، ونسبه الإمام إلى معظم الأصوليين، لأن شهر السلاح يحرك الفتن، وليس ذلك من شأن آحاد الناس، وإنما هو من وظيفة الإمام. وَاعْلَمْ: أن محل القول بالوجوب ما إذا لم يخف على نفسه؛ كما جزم به الرافعي هنا؛ وإن كان كلامه في السير يقتضي جريانه عند الخوف أيضًا. وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عنْهُ إِلَاّ
(298) الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه؛ رواه البخاري في الصحيح: كتاب المظالم: باب من قتل دون ماله: الحديث (2480). ومسلم في الصحيح: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن من قصد أخذ المال وغيره: الحديث (226/ 141).
(299)
الْحَدِيْثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَفِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِنًا ويُمْسِي كَافِرًا، ويُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِيِ؛ كَسِّرُواْ قِسِيَّكُمْ وَاقْطَعُواْ أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُواْ بِسُيُوفِكُمُ الْحِجَارَةَ؛ فَإِنْ دُخِلَ عَلَى أَحَدٍ بَيْتَهُ فَلْيَكُنْ كَخيْرِ ابْنَي آدَمَ] رواه ابن حبان؛ ينظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب ما جاء في الفتن: ذكر البيان بأن على المرء عند الفتن أن يكون مقتولًا لا قاتلًا: الحديث (5931).
(300)
البقرة / 195.
بِكَسْرِهَا ضَمِنَهَا فِي الأَصَحِّ، لأنه لا قصد لها ولا اختيار بخلاف البهيمة، والثاني: لا، تنزيلًا لها منزلة البهيمة.
فَصْلٌ: وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالأَخَفِّ، فَإِن أَمْكَنَ بِكَلَامٍ وَاسْتِغَاثَةٍ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ بِضَرْبٍ بِيَدٍ؛ حَرُمَ سَوْطٌ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ عَصًا، أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ قَتْلٌ، لأنَّهُ جُوِّزَ للضرورة؛ ولا ضرورة في الأصعب مع إمكان السهل؛ قال الماوردي: وهذا التدريج عن غير الفاحشة، أما إذا رآه قد أولج في أهله فليعجل الدفع بالأعلى؛ فيجوز أن يبدأ القتل، وفي هذا القتل وجهان أحدهما: قتل دفع، والثاني: قتل حدٍّ.
فَرْعٌ: لو كان الصائل يندفع بالسوط والعصي، ولم يجد المصول عليه إلاّ سيفًا أو سكينًا؛ فالصحيح أنه له الضرب؛ لأنه لا يمكنه الدفع إلاّ به.
تَنْبِيْهٌ: قال الغزالي في الإحياء: إن قيل إذا قصد إنسان قطع طرف؛ وكان لا يمتنع عنه؛ إلاّ بقتال ربما يؤدي إلى قتل، هل يقاتل عليه؟ فإن قلتم: نعم! فهو محال؛ لأنه هلاك نفس خوفًا من إهلاك طرفٍ في إهلاكها إهلاكه أيضًا، قلنا: يمنعه، ويقاتله، إذ ليس الغرض حفظ طرفه، بل حفظ سبيل المنكرات.
فَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، وَتَحْرِيْمُ قِتَالٍ، لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون والهرب أهون، والثاني: لا يجب، لأن إقامته في ذلك الموضع جائزة، ولا يكلف الانصراف؛ هذه الطريقة الصحيحة، والثانية: حمل نص الهرب على من يتيقن النجاة بالهرب، والآخر على من لم يتيقن.
وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ خَلَّصَهَا بِالأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لِحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ؛ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ، أي فسقطت وهو بالنون قبل الدال، فَهَدْرٌ، لأن النفس لا تضمن في الدفع، وكذا الأطراف، وللحديث الصحيح فيه أيضًا (301)، وسواء كان
(301) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثُنِيَّتَاهُ؛ فَاخْتَصَمُواْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ:[يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؛ لَا دِيَةَ لَهُ]. =
العاضُّ ظالمًا أو مظلومًا، لأن العضَّ لا يجوز بحال.
فَصْلٌ: وَمَنْ نُظَرَ إِلَى حُرَمِهِ في دَارِهِ مِنْ كَوَّةٍ، أي بفتح الكاف وضمها، أَوْ ثَقْبٍ عَمْدًا فَرَمَاهُ بِخَفِيْفٍ كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ فَهَدْرٌ، للحديث الصحيح فيه (302) وخرج بالعمد! ما إذا كان مخطئًا، أو وقع بصره اتفاقًا؛ وعلم صاحب الدار الحالَ، فإنه لا يرميه؛ وخرج بالخفيف ما إذا رماه بثقيل أو رشقه بنشاب فإنه يتعلق به القصاص، والدية والسمع في ذلك ليس كالبصر، وحكم النظر من سطح نفسه، والمؤذن من المنارة كَالثُّقْبَةِ على الأصح، إذ لا تفريط من صاحب الدار، بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلنَّاظِرِ، أي فإن كان ذلك لم يجز رميه، لأن له في النظر شبهة، ولو كان الناظر مَحْرِمًا لِحُرَمِ صاحب الدار، فلا يرمي إلّا أن تكون متجردة، إذ ليس للمحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة، ولو لم يكن في الدار حرم، بل فيها المالك وحده فإن كان مكشوف العورة فله الرمي، ولا ضمان! وإلاّ فوجهان؛ أصحهما: لا يجوز رميه، قِيْلَ: وَاسْتِتَارِ الْحُرَمِ، أي قيل: يشترط في جواز الرمي عدم استتار الحُرم، فإن كُنَّ مستترات، فلا يجوز قصد عينه؛ لعدم الاطلاع على شيء. والأصح: عدم اشتراط ذلك، لأن الحُرم في الدار لا يدرى متى يستترن وينكشفن فينحسم باب النظر، قِيْلَ: وَإِنْذَارٍ قَبْلَ رَمْيِهِ، جريًا على قياس الدفع بالأهون فالأهون، والأصح أنه يجوز رميه قبل الإنذار! لأنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
= رواه البخاري في الصحيح: كتاب الديات: باب إذا عض رجلاً: الحديث (6892). ومسلم في الصحيح: كتاب القسامة: باب الصائل على نفس الإنسان: الحديث (18/ 1673).
(302)
هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [لَوِ اطَّلَعَ في بَيْتِكَ أَحَدٌ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ حَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ؛ مَا كَانَ عَلَيكَ مِنْ جُنَاحٍ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الديات: باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان: الحديث (6888). ومسلم في الصحيح: كتاب الآداب: باب تحريم النظر في بيت غيره: الحديث (43/ 2158) بلفظ: [مَنِ اطَّلَعَ في بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ؛ فَقَدْ أَحَلَّ اللهُ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُواْ عَيْنَهُ].
وَالسَّلَامُ [كان يُخَاتِلُ النَّاظِرَ لِيَرْمِيَ عَيْنَهُ بِالْمِدْرَى] متفق عليه (303)، وهذا مخالف للتدريج في دفع الصائل.
فَصْلٌ: وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيٌّ وَوَالٍ وَزَوْجٌ وَمُعَلّمٌ فَمَضْمُون، لأنَّهُ تبين بالهلاك، أنه جاوز الحد المشروع، نعم: لو كان مملوكًا فضربه بإذن السيد، قال البغوي: لا ضمان، لأنه لو أذن له في قتلِهِ فقتلَهُ لم يضمنه، وَلَوْ حُدَّ مُقَدَّرًا فَلَا ضَمَانَ، لأن الحق قتله، وسواء جَلَدَهُ في حَرٍّ أو في بَردٍ، أو في غيرهما، كما تقدم في آخر حدِّ الزنا، وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٍ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيْحِ، كسائر الحدود، والثاني: نعم، بناء على أنه لا يجوز أن يحد كذلك، وَكَذَا أرْبعُونَ سَوْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ، كسائر الحدود، والثاني: أنه يضمن، لأن تقديره بالأربعين كان بالاجتهاد، كذا علله الرافعي وهو غريب؛ ففي الصحيح: أنه عليه الصلاة والسلام [جَلَدَ فِي الْخَمْرِ أَرْبعِيْنَ](304)، أَوْ أَكْثَرَ، أي بأن ضربه إحدى وأربعين مثلاً، وَجَبَ قِسْطُهُ بِالْعَدَدِ، إذ هو الزائد على الحد، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفُ دِيَةٍ، لأنه مات من مضمون؛ وغير مضمون. وفي قول ثالث: يجب جميعه، وَيجْرِيَانِ في قَاذِفٍ جُلِدَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، أي ففي قول يجب نصف دية. والأظهر جزء من إحدى وثمانين جزءً منها.
فَصْلٌ: وَلمُسْتَقِلٍّ، أي بأمر نفسه، قَطْعُ سِلْعَةٍ، إِزَالَةً لِلشَّيْنِ وهي؛ بكسر السين؛ خراج كالغُدد بين اللحم والجلد، إِلَاّ مَخُوفَةً لَا خَطَرَ في تَرْكِهَا، أوِ الْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ، أي فإن كان الخطر في الإبقاء أكثر؛ فله القطع لرجاء زيادة السلامة
(303) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيّ أخْبَرَهُ، أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي حُجْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ رَسُولِ اللهِ مُدْرى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ؛ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْكَ] قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِنمَا جُعِلَ الإِذنُ مِنْ قِبَل الْبَصَرِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الديات: باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه: الحديث (6901). ومسلم في الصحيح: كتاب الآداب: باب تحريم النظر في بيت غيره: الحديث (40/ 2156).
(304)
تقدم في الرقم (277).
فيه، وإن تعادل الجانبان وتساوى خطر القطع والترك، فالأصح جواز القطع؛ إذ لا معنى للمنع فيما لا خطر فيه.
فَرْعٌ: لو تآكل بعض الأعضاء فهو كسِلعة يخاف منها.
ولأبٍ وَجَدٍّ قَطعُهَا، يعني السلِعة، وكذا اليد المتآكلة، مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الْخَطَرِ إِنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ لَا لِسُلْطَانٍ، لأن القطع يحتاج إلى نظر دقيق وفراغ تام وشفقة كاملة؛ كما أن للأب والجد تزويج البكر الصغيرة دون السلطان، قال الإمام: وقد ذكرنا عند استواء الطرفين في الخوف خلافًا في أن المستقل هل له القطع من نفسه؟ والأصح والحالة هذه: أنه لا يقطع من طفله، وَلَهُ، أي وللوليّ، وَلِسُلْطَانٍ قَطْعُهَا، يعني السِلعة، بِلَا خَطَرٍ، وَفَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، لأنهما يليان ماله ويصونانه عن أن يضيع فصيانة بدنه أولى، وليس للأجنبي المعالجة ولا القطع الخطر بحال، ولو فعل فسرى إلى نفسه ومات به تعلق بفعله القصاص والضمان، وقوله (وَلَهُ) أي وللوليِّ وهو الأب والجد كما قررته، ولو قال: ولهما ولسلطان لكان أوضح، فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا، أي كالفصد والحجامة وقطع السِلعة إذا أفضى إلى الهلاك كما مثله في الْمُحَرَّرِ، فَلَا ضَمَانَ في الأَصَحِّ، لِئَلَّا يمنع من ذلك فيتضرر الصغير، والثاني أنه يجب كما يجب في التعزير إذا أفضى إلى التلف.
وَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيٍّ مَا مُنِعَ؛ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ في مَالِهِ، لتعديه، وَمَا وَجَبَ بِخَطَإِ إِمَامٍ في حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، كغيره، وَفِي قَوْلٍ: في بَيْتِ الْمَالِ، لأن خطأه يكثر، فلو أوجبناه على عاقلته لأجحف بهم، فكان بيت المال أحق به، فإنه لزمه بالحكم بين المسلمين. ومحل الخلاف فيما إذا لم يظهر منه تقصير، فإن ظهر! فلا خلاف أن ما يلزمه لا يضرب على بيت المال.
فَرْعٌ: عَمْدُ خَطَئِهِ كَخَطَئِهِ.
وَلَوْ حَدَّهُ بشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ؛ أوْ ذِمِّيَّيْنِ؛ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ، فَإِنْ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، أي ولا يتعلق ببيت المال ولا بالعاقلة أيضًا إن تَعَمَّدَ، قال
الإمام: والأظهر وجوب القصاص، وَإِلَاّ، أي وإن لم يقصّر في اختبارهما بل بحث وبذل وَسْعَهُ، فَالْقَوْلَانِ، أي في أن الضمان على عاقلته أو في بيت المال وقد تقدم توجيههما، فَإِنْ ضَمَّنَّا عَاقِلَةً أَوْ بَيْتَ مَالٍ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فِي الأَصَحِّ، لأنهما يزعمان أنهما صادقان ولم يوجد منهما تعدٍّ فيما أتيا به. وقد ينسب القاضي إلى تقصير في البحث، والثاني: نعم، لأنهما غرّا القاضي، والثالث: يثبت الرجوع للعاقلة دون بيت المال.
وَمَنْ حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذن لَمْ يَضْمَنْ، أي ما تَوَلَّدَ لأنّا لو ضمنّاهما لأحجما عنهما، وَقَتْلُ جَلَاّدٍ وَضَرْبُهُ بِأَذْنِ الإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الإِمَامِ إِنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ، أي ويتعلق القصاص والضمان بالإمام دونه، لأنه آلته. ولو ضَمَنَّاهُما لم يتولَّ الجلدَ أحدٌ، وَإِلَاّ، أيْ وَإِنْ عُلِمَ ظُلْمُ الإمَامِ وَخَطَأُهُ، فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَادِ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِكْرَاهٌ، من جهة الإمام، لأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ الْحَالَ لَزِمَهُ الاِمْتِنَاعُ، أمَّا إِذَا أَكْرَهَهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا.
فَصْلٌ: وَيَجِبُ خِتَانُ اْلْمَرْأَةِ بِجُزْءٍ مِنَ اللَّحْمَةِ بِأَعْلَى الْفَرْج، وَالرَّجُلُ بقَطْعِ مَا يُغَطّي حَشَفَتَهُ، أما الوجوب فاستدلوا له بقوله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (305) وكان من مِلَّتِهِ الختان، قال البيهقي: هذا أحسنُ ما يحتجّ به (306)، قال الخطابي: وكان واجبًا عليه، قُلْتُ: لكن نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وُلِدَ مختونًا وأول من
(305) النحل / 123.
(306)
• قاله البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة والحد فيها: باب السلطان يكره على الاختتان: الحديث (18062)، وقال: وأحسنُ ما يستدلُّ به في هذه المسألة ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ
…
وأسند حديث أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيْمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً بِالْقُدُومِ] رواه البخاري ومسلم في الصحيح.
• أما قوله: (يَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ) فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ سُنَّةٌ وَلَا دَلِيْلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِتَانُ مَحْصُورٌ بِالرِّجَالِ فَقَطْ، لأَنَّهُ سُنَّةُ الْفِطْرَةِ في حَقَّهِمْ. فَالْخِتَانُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ أَنْ يَخْتِنَ نَفسَهُ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ؛ وَالاِسْتِحْدَادُ؛ وَنَتْفُ الإِبْطِ؛ وَقَصُّ الشَّارِبِ؛ وَتَقْلِيْمُ الأَظْفَارِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب اللباس: باب قص الشارب: الحديث (5888).
• أَنَّ وُجُوبَ الاِخْتِتَان كَانَ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيْمَ خَاصَّةً؛ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (ابْتَلَاهُ الله عز وجل بِالطَّهَارَةِ خمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ؛ فِي الرَّأْسِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالاِسْتِنْشَاقُ؛ وَالسِّوَاكُ؛ وَفَرْقُ الرَّأْسِ، وَفِي الْجَسَدِ: تَقْلِيْمُ الأَظْفَارِ؛ وَحَلْقُ الْعَانَةِ؛ وَالْخِتَانُ؛ وَنَتْفُ الإِبْطِ؛ وَغَسْلُ مَكَانِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الطهارة: باب السنة في الأخذ بالأظفار: الأثر (692)، وإسناده صحيح. فَالْمَعْنِيُّ بِالأَمْرِ إِبْرَاهِيْمُ عليه السلام وَالَّذِي ما ذُكِرَ خِتَانُهُ هُوَ إِبْرَاهِيْمُ فَحَسْبَ وَلَمْ يَأْتِ ذِكْرٌ لِخِتَانِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا نَعْلَمُ.
• أَمَّا حَدِيْثُ أُمَّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ خَاتِنَةً تَخْتِنُ، فَقَالَ:[إِذَا خَتَنْتِ فَلَا تَنْهكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب ما جاء في الختان: الحديث (5271)، وقال: عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك. بمعناه وإسناده، قال أبو داود: ليس هو بالقوي، وقد روي مرسلًا؛ قال أبو داود: ومحمد بن حسان مجهول؛ وهذا الحديث ضعيف.
• أَمَّا حَدِيْث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَحَدِيْثُ أَبِي مَلِيْحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيْهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجالِ، وَمَكْرَمَةٌ لِلنِّسَاءِ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة والحد فيها: الحديث (18056) وفيه الحجاج بن أرطأة، وهو لا يحتج به وروي بطريق عن مكحول وهو منقطع.
• أَمَّا تَفْسِيْرُ رَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْخِتَانَ عَلَى الرَّجُلِ فَقَطْ، أَمَّا الْمَرْأةُ، فَيُنْظَرُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:(لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الرَّجُلِ مَا لَمْ يَخْتَتِنْ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (18061).
• قُلْتُ: يُنْظَرُ خِتَانُ النِّسَاءِ حَسْبَ حَال الْخِلْقَةِ وَمِنْ جِهَةِ الطِّبَّ؛ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: (قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ (فِي الْمُدْخَلِ) أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ، هَلْ يَخْفُضْنَ عُمُومًا؛ أَوْ يفَرَّقُ بَيْنَ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ وَنِسَاءِ الْمَغْرِبِ فَلَا يُخْفَضْنَ، لِعَدَمِ الْفَضْلَةِ الْمَشْرُوعُ قَطْعُهَا مِنْهُنَّ، بِخِلَافِ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ). نقله في الفتح: شرح الحديث (5889): ج 10 ص 418. وقال أيضًا: (وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا يجِبُ فِى حَقِّ النِّسَاءِ وَهُوَ =
اختتن من النساء هاجر كما أن أول من اختتن من الرجال إبراهيم، والسرُّ فيه أنه لمّا بلى بالترويع بذبح ولده فأحب أن يجعل لكلِّ واحد ترويعًا بقطع عضو وإراقة دم، نص عليه في البويطي؛ ويبتلى أولادهم بالصبر على إيلام الآباء لهم فتكون هذه الحالة مُظْهِرَةٌ للصبر والتسليم من الآباء والأولاد تأسيًا بإبراهيم عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وأما الكيفية فكما ذكر المصنف؛ وقوله (بِجُزْءٍ مِنَ اللَّحْمَةِ) كذا عبّر به الرافعي، وعبارة الماوردي: قَطْعُ جِلْدَةٍ مِن أَعْلَاهُ.
فَرْعٌ: الْخُنْثَى يَحْرُمُ خِتَانُهُ عَلَى الأَصَحِّ.
بَعْدَ الْبُلُوغِ، لأنه وقت التكليف، وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ، أي في حق الطفل كما في الْمُحَّرَرِ، في سَابِعِهِ، للاتباع (307)، ويكره قبله؛ جزم به في التحقيق؛ ونقله في شرح
= الَّذِي أوْرَدَهُ صَاحِبُ (الْمُغْنِي) عَنْ أَحْمَدَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجبٍ). وَقَالَ:(وَلَكنْ لَمَّا وَقَعَتِ التَّفْرِقَة بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنَّسَاءِ فِي ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ افْتِرَاقُ الْحُكْمِ) انتهى.
(307)
• لِحَدِيْثِ جَابِر رضي الله عنه قَالَ: [عَقَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ؛ وَخَتَنَهُمَا لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأشربة والحد فيها: باب السلطان يكره على الاختتان: الحديث (18054) ونقل ابن حجر أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ الإِمَامُ مَالِكٌ فَقَالَ: (لَا أَدْرِي) نقله في الفتح: شرح الحديث (5889): ج 10 ص 420. وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: كتاب الصيد: باب العقيقة: ج 4 ص 59؛ قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والكبير باختصار الختان وفيه محمد بن أبي السري وَثَّقَهُ ابن حبان وغيره وفيه لين. إنتهى. رواه الطبراني في المعجم الصغير: الحديث (891).
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (سَبْعَةٌ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّبيِّ يَوْمَ السَّابِعِ؛ يُسَمَّى؛ وَيُخْتَنُ؛ وَيُمَاطُ عَنْهُ الأذَى؛ وَيُعَقُّ عَنْهُ؛ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ؛ وَيُلَطَّخُ بِدَمِ عَقِيْقَتِهِ، وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعْرِهِ في رَأسِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً) في مجمع الزوائد: كتاب العقيقة: ج 4 ص 59؛ قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. إنتهى. وفي الفتح: شرح الحديث (5469): ج 9 ص 735: قال ابن حجر: أخرجه الطبراني في الأوسط وفي سنده ضعف.
المهذب عن الماوردي، وقال عنه: هذا في الغلام والجارية وأقره، فَإِنْ ضَعُفَ عَنِ احْتِمَالِهِ، أي في السابع، أُخِّرَ، إلى أن يحتمله حتى قال الإمام لو كان الرجل ضعيفًا بحيث لو اختتن خيف عليه أخّر إلى أن يحتمله.
فَرْعٌ: الأكثر على أنه لا يحسب يوم الولادة من السبعة، وصحح الرافعي أنه يحسب.
وَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ لَزِمَهُ قِصَاصٌ إِلَّا وَالِدًا، للبعضية، نعم: عليه الدية، فَإِنِ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَليٌّ فَلَا ضَمَانَ في الأصَحِّ، لأنه لا بد منه، وفي التقديم نظر؛ وفائدة للصبي، لأن القطع والبدن غض رخص، والمقطوع قدر يسير أسهل عليه، والثاني: تلزمه، لأن الختان غير واجب في الحال، فأشبه قطع السِلعة، وخرج بالوليّ الأجنبي، قال البغوي فيه: يحتمل أن يبني على ختن الامام في الحر الشديد إن ضمناه، فكذلك هنا وإلا فلا، وقال السرخسي: ينبني على أن الجرح اليسير هل فيه قصاص؟ وفيه وجهان: إن قلنا: نعم فهو عمد، وإلا فشبه عمد، وَأُجْرَتُهُ، يعني الخاتن، في مَالِ الْمَخْتُونِ، لأنه لمصلحته.
فَائِدَةٌ: السُّنَّةُ في ختان الذكور إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤء، وكذا رأيته في كتاب ابن الحاج المالكي رحمه الله (308).
فَصْلٌ: مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابٍّ ضَمِنَ إِتْلَافَهَا نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا، لأنها تحت يده وتصرفه وعليه القيام بحفظها وتعهّدها، وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيْقٍ فَتَلِفَ
(308) • في فتح الباري: شرح الحديث (5889): ج 10 ص 421؛ قال ابن حجر: نقل الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في (المدخل): (أَنَّ السُّنَّة إِظْهَارُ خِتَانِ الذَّكَرِ؛ وَإِخْفَاءُ خِتَانِ الأُنْثَى) والله أعلم. إنتهى.
• عَنِ الْحَسَنِ؛ قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْن أَبِي الْعَاصِ إِلَى خِتانٍ؛ فَأَبَى أَنْ يُجِيْبَ، فَقِيْلَ لَهُ؟ فَقَالَ:[إِنَّا كُنَّا لَا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نُدْعَى لَهُ]. رواه الإمام أحمد في المسند: ج 4 ص 217. في مجمع الزوائد: ج 4 ص 60؛ قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه إسحق وهو ثقة لكنه مدلس.
بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ، لأن الطريق لا يخلو عنه والمنع من الطروق مما لا سبيل إليه، نعم، وَيَحْتَرِزُ، كما قال المصنف: عَمَّا لَا يُعْتَادُ، كَرَكْضٍ شَدِيْدٍ في وَحْلٍ فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وما جزم به المصنف هنا من عدم الضمان خالفه في شرح المهذب والرافعي في محرمات الإحرام فأوحبا الضمان، وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ أوْ بَهِيْمَةٍ فَحَكَّ بِنَاءً فَسَقَطَ ضَمِنَهُ، لوجود التلف بفعله، وَإِنْ دَخَلَ سُوْقًا فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ ضَمِنَ إِنْ كَانَ زِحَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَزَّقَ ثَوْبٌ فَلَا، أي إذا كان يستقبل البهيمة، لأن التقصير منه، إِلَاّ ثَوْبَ أَعْمَى وَمُسْتَدْبِرَ الْبَهِيْمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيْهُهُ، أي فإن لم ينبههما فالضمان عليه لتقصيره، وَإِنَّمَا يَضْمَنُةُ، أي وإنما يضمن صاحب البهيمة ما أتلفته، إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ بِطَرِيْقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِلدَّابَّةِ فَلَا، لأنه المضيع لِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ، للحديث الصحيح فيه كما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم (309)، ولو جرت العادة في ناحية
(309) • لحَدِيْثِ حَرَامِ بْنِ مَحِيْصَةَ؛ عَنْ أَبِيْهِ؛ [أَنَّ نَاقَةً لِلْبَراءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْهُ عَلَيْهِمْ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الأَمْوَال حِفْظَهَا بالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ]. رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الأقضية: باب القضاء في الضواري والحريسة: الحديث (37) منه: ج 2 ص 747 - 748، بلفظ:[أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بالنَّهَارِ، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي باللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا]. قال ابن عبد البر: (هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيْعُ رُواةِ الْمُوَطّإِ فيْمَا عَلِمْتُ مُرْسَلاً). ينظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد: الحديث (240/ 2): ج 4 ص 475. وقال: هذا الحديث وإن كان مرسلًا فهو حديث مشهور، أرسله الأئمة، وحدَّث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة به العمل، وقد زعم الشافعي أنه تتبع مراسيل سعيد بن المسيب، فألفاها صحاحًا.
• رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب المواشي تفسد زرع قوم: الحديث (3569). والنسائي في السنن الكبرى: كتاب العارية: تضمين أهل الماشية ما أفسدت مواشيهم بالليل: الحديث (5784/ 1). وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب القصاص: ذكر ما يحكم فيما أفسدت المواشي: الحديث (5976) وفيه: =
بإرسال البهائم ليلاً للرعي وحفظها نهارًا أو بحفظ الزرع ليلًا فالأصح اتباع ذلك، ولو كانت المراعي متوسطة المزارع أو كانت البهائم ترعى في حريم السواقي ولا يعتاد إرسالها بلا راعٍ، فإن أرسلها فمقصر ضامن لما أتلفته وإن كان نهارًا على الأصح، إِلَاّ أَنْ لَا يُفَرَّطَ فِي رَبْطِهَا، أي بأن ربطها وأغلق بابه واحتاط على العادة؛ ففتح الباب لِصٌّ أو انهدم الجدار فخرجت ليلًا فلا ضمان لعدم التقصر منه، أَوْ حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْع وَتَهَاوَنَ فِي دَفْعِهَا، أي ولو فرط صاحب الدابة إذ هو المضيع لماله بتهاونه، وَكَذَا إِنْ كَانَ الزَّرْعُ في مُحَوَّطٍ لَهُ بَابٌ تَرَكَهُ مَفْتُوحًا في الأَصَحِّ، لأن التقصير منه بفتح الباب، والثاني: يضمن لأن العادة ربط البهائم وحفظها ليلًا؛ فإرسالها تقصير، وَهِرَّةٌ تُتْلِفُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا إِن عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا فِي الأَصَحَّ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، لأن مثل هذه الهرة ينبغي أن تربط ويكف شرها، وكذا كل حيوان تولع بالتعدي، والثاني: لا ضمان، سواء أتلفت ليلًا أو نهارًا، لأن العادة أنها لا تربط، وَإِلَاّ، أي وإن لم يعهد ذلك منها، فَلَا فِي الأَصَحِّ، لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها، والثاني: يفرق بين الليل والنهار كما سبق في البهيمة.
فَائِدَةٌ: في فتاوى القفال ومنها نقلتُ؛ حَمَامٌ في قفصٍ في دار الشيخ، فقيل له: هل يجوزُ حبسُ هذا؟ قال: يجوز لأنَّا نَتَعَهَّدُهُ ولا تمييز له على أنه كان صغيرًا أدخلناه فهو كالحمار يربط.
= [وَعَلَى أَهْلِ الأَرْضِ حِفْظَهَا] بدل [أَهْلِ الأَمْوَالِ]. والإمام أحمد في المسند: ج 5 ص 436.
• عَنِ حَرَامِ بْنِ مَحِيْصَةَ الأَنْصَارِيّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قَالَ:[كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيْهِ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ فِيْهَا. فَقَضَى: أَنَّ حِفْظَ الْحَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ]. رواه أبو داود في السنن: الحديث (3570). والنسائي في السنن الكبرى: الحديث (5785/ 2). والحاكم في المستدرك: كتاب البيوع: الحديث (2303/ 174)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. والإمام أحمد في المسند: ج 4 ص 295.