المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ الْجِزْيَةُ: وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ، وَقِيْلَ: مِنَ - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النفقات

- ‌كتاب الجراح

- ‌بَابُ كَيفِيةِ القِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالاختِلافِ فِيهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَّاتِ

- ‌بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ

- ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

- ‌كِتَابُ البُغَاةِ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ الْسَّرِقَةِ

- ‌كِتَابُ قَاطِعِ الْطَّرِيقِ

- ‌كِتَابُ الأشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ وضَمَانِ الوُلَاةِ

- ‌كِتَابُ السِّيَّرِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الأضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُنَاضَلَةِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌كِتَابُ الْكِتَابَةِ

- ‌كِتَابُ أمَّهَاتِ الأوْلَادِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ الْجِزْيَةُ: وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ، وَقِيْلَ: مِنَ

‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

الْجِزْيَةُ: وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ، وَقِيْلَ: مِنَ الْقَضَاءِ؛ قال تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ} (354). وَالأَصْلُ فِيْهَا قَبْلَ الإِجْمَاعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ

} الآية (355). وَأخَذَهَا عليه الصلاة والسلام مِنْ مَجُوسِ هَجَرٍ وَغَيْرِهِمْ (356).

صُورَةُ عَقْدِهَا: أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الإِسْلَامِ أَوْ أَذِنْتُ في إِقَامَتِكُمْ بِهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُواْ جِزْيَةً وَتَنْقَادُواْ لِحُكْمِ الإِسْلَامِ، أي ويقول الذمي: قَبِلْتُ أو رضيتُ بذلك كما سيأتي، لأن الجزية مع الانقياد عوض التقرير، فيجب التعرض له كالثمن في المبيع والأجرة في الإجارة، وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا، كالثمن والأجرة، والثاني: لا، وينزل المطلق على الأقل، لَا كَفُّ اللِّسَانِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ

(354) البقرة / 48 و 123.

(355)

التوبة / 29: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} .

(356)

عن الحسن بن مُحَمَّد بن علي بن أبي طالب قال: [كَتَبَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَجُوْسِ هَجَر يَدْعُوْهُمْ إلَى الإسْلَامِ فَمَنْ أسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَا؛ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي أَنْ لَا تُؤْكَلَ لَهُ ذَبِيْحَةً وَلَا تُنْكَحَ لَهُ امْرَأةٌ]. رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: باب أخذ الجزية من المجوس: النص (76) ص 39 - 40. وابن أبي شيبة في المصنف: كتاب النكاح: باب في الجارية النصرانية واليهودية تكون لرجل يطأَها أَمْ لا: النص (16319).

ص: 1704

وَسَلَّمَ وَدِيْنِهِ، لأنه داخل في الانقياد، والثاني: يشترط إذ به تحصل المسالمة وترك التعرض من الجانبين، وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنه بدلٌ عن الإِسلام، وهو لا يصح مؤقتًا، فكذلك عقد الذمة، والثاني: يصح كالهدنة. والثالث: القطع بالصحة، واقتصر الغزالي على الأولى، ولم يرجح الرافعي واحدًا منها وإنما أرسلهما إرسالًا، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ، كغيره من العقود، وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ رَسُولًا، أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ صُدِّقَ، لاحتمال ما يدعيه، وَفِي دَعْوَى الأَمَانِ وَجْهٌ، لإمكان إقامة البيِّنة عليه، وَيُشْتَرَطُ لِعَقدِهَا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، أي الذي فوض ذلك إليه، لأنه من المصالح العظام. فاختص بمن له النظر العام، وَعَلَيْهِ الإِجَابَةُ إِذَا طَلَبُواْ، لقوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} ، إِلَاّ جَاسُوسًا نَخَافُهُ، أي فإنه لا تجب عليه الإجابة، بل لا تقبل الجزية منه. وكذا لو كان يخاف غائلتهم، ويرى أن ذلك مكيدة منهم فلا يجيبهم، ولو أراد الإمام أن يستعين بهم في القتال فامتنع من الخروج إلا إذا تركت له الجزية، فالأَولى أن يقبضها منه ثم يردها إليه، فإن لم يفعل وتركها جاز، وكان إبراءٌ في وقتها، قاله الروياني في بحره قبيل باب نصارى العرب.

فَصْلٌ: وَلَا تُعْقَدُ إِلَاّ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أي من العرب والعجم؛ لأنهم أهل كتاب، وَالْمَجُوسِ، لأنه عليه الصلاة والسلام أخذها منهم كما سلف، وَأَوْلَادُ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ، تغليبًا لحقن الدم، وخرج بهذا ما إذا كان ذلك بعد بعثة نبينا أو عيسى صلى الله عليهما وسلم فإنها لا تنعقد لهم، وَكَذَا زَاعِمٌ التَّمَسُّكَ بِمُصْحَفِ إِبْرَاهِيْمَ وَزَبُورِ دَاوُدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، لأن الله تعالى أنزل عليهم صُحُفًا فقال:{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (357) وقال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} (358) وتسمَّى كُتُبًا كما نصَّ عليه الشافعي رضي الله عنه فاندرجت في قوله تعالى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (359)، وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، تغليبًا لحقن الدم، وقوله (عَلَى الْمَذْهَبِ) عائدٌ إلى هذه المسألة والتي قبلها،

(357) الأعلى / 19.

(358)

الشعراء / 196.

(359)

التوبة / 29.

ص: 1705

أما التي قبلها، ففيها طريقة قاطعة بأنها تعقد لهم لما سلف، وطريقة حاكية لوجهين، وحه الجواز ما سلف، ووجه المنع. وعزاه القاضي إلى الأكثرين أنها ليست كتبًا منزّلة تتلى، ولأنها مواعظ لا أحكامَ فيها، وظاهر إيراد الرافعي ترجيح طريقة الوجهين، وأما الثانية ففيها طريقة قاطعة أيضًا أنها تعقد له سواء كان الأبُ وثنيًّا أو الأمُّ وثنيّة لما سلف، في تغليب حقن الدم، وفي المناكحة والذبيحة غلبنا التحريم احتياطًا، وطريقةٌ ثانيةٌ: أن حكمه حكم المناكحة والذبيحة، فإن كان الأبُ وثنيًّا فلا أو عكسه فقولان، وعبارة الروضة: فيه طرق؛ المذهب تقريره سواء كان الكتابي الأب أو الأم، وقيل: قولان، وقيل: لا يقر، وقيل: يلحق بالأب، وقيل: بالأم.

تَنْبِيْهٌ: أَفْهَمَ حَصْرُ المصنَّفِ عقدَ الذمةِ لمن ذكر أنها لا تعقد لغيرهم كعبدة الأوثان والملائكة والشمس ومن في معناهم والسامرة والصابئة إن خالفوا أصل دينهم فليسوا منهم، وإلا فمنهم كما سلف في النكاح.

وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ، لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ

} الآية (360)، وهذا خطابٌ للذكور، وَخُنْثَى، كالمرأة، فلو بانَتْ ذكورتُهُ أُخذ منه ما مضى كما جزم به المصنف في شرح المهذب في باب الأحداث، وَمَنْ فِيْهِ رِقٌّ، لأنه مال والمال لا جزية عليه، وَصَبِيًّ وَمَجْنُونٍ، لرفع القلم عنهما، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيْلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَهُ، أي ولا عبرة بهذا الزمن اليسير، أَوْ كَثِيْرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ، فَالأَصَحُّ: تُلَفَّقُ الإِفَاقَةُ، فَإِذَا بَلَغَتْ سَنَةً وَجَبَتْ، اعتبارًا للأيام المتفرقة بالأيام المجتمعة، والثاني: لا شيء عليه كمن بعضه رقيق، وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيًّ وَلَمْ يَبْذُلْ جِزْيَةً أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، أي ولا يُغْتَالَ؛ لأنه كان في أمان أبيه بحكم التبعية، وَإِنْ بَذَلَهَا عُقِدَ لَهُ، لأن عقد الأب كان لنفسه، وَقِيْلَ: عَلَيْهِ كَجِزْيَةِ أَبِيْهِ، كما يتبعه في أصل الأمان واختاره الماوردي، وَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ؛ وَشَيْخٍ هَرِمٍ؛ وَأَعْمًى؛

ص: 1706

وَرَاهِبٍ؛ وَأَجِيْرٍ، لأنها كأجرة الدار يستوي فيه أرباب الأعذار، والطريق الثاني: البناء على جواز قتلهم، وإن قلنا بالجواز ضربت عليهم الجزية وإلا فلا إلحاقًا لهم بالصبيان والنساء، وظاهر إيراد الروضة ترجيح الطريقة الأولى، وهو من تصرّفه، وَفَقِيْرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ، لأنه كَالْغَنِيِّ في الْحَقْنِ وَالسُّكْنَى (361)، فَإذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوْسِرَ، كما يعامل المعسر ويطالب إذا أيسر، وَاعْلَمْ: أن قوله (وَفَقِيْرٍ) هو معطوف على قوله (وَالْمَذْهَبُ)، وصريحه حكاية طريقين أو طرق في ذلك، والذي في الرافعي وغيره حكاية قولين فيه؛ أصحُّهما: الوجوب، والثاني: المنع؛ لأنها حقٌّ ماليٌّ يجب له كلِّ حَوْلٍ فلم يلزمه هذا كمال الزكاة.

فَصْلٌ: وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنَ اسْتِيْطَانِ الْحِجَازِ، لأنه عليه الصلاة والسلام أَوْصَى بِذَلِكَ كَمَا أخْرَجَهُ أحمد والبيهقي وأصلهُ في الصحيحين من حديث ابن عبَّاسٍ (362)، وَهُوَ، يعني الحجاز، مَكَّةُ وَالْمَدِيْنَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا، كذا فَسَّرَهُ الشافعيُّ رضي الله عنه (363)، وَقِيلَ: لَهُ الإِقَامَةُ في طُرُقِهِ الْمُمْتَدَّةِ، لأنها ليست مجتمع الناس ولا موضع الإقامة،

(361) أيْ حَقْنِ دَمِهِ، مِنْ حَقَنَ دَمَهُ: مَنَعَ أَنْ يُسْفَكَ.

(362)

عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أَنَّهُ قالَ: يَوْمُ الْخَمِيْسِ وَمَا يوْمُ الْخَمِيْسِ؛ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَّبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ. فَقالَ: اشْتَدَّ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَهُ يَوْمَ الْخَمِيْسِ، فَقَالَ:[ائْتُونِي بِكِتَابٍ أكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوَاْ بَعْدَهُ أَبَدًا] فَتَنَازَعُواْ؛ وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيِّ تَنَازُعٌ! وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: [أَخْرِجُواْ الْمُشْرِكِيْنَ مِنْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيْزُواْ الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيْزُهُمْ] وَنَسِيْتُ الثَّالِثَةَ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجهاد والسير: باب جوائز الوفد: الحديث (3053). وقال: قالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَأَلْتُ الْمُغِيْرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ؟ فَقَالَ: مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةُ وَالْيَمَامَةُ، وَالْيَمَنُ. وَأَضَافَ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تُهَامَةَ. ومسلم في الصحيح: كتاب الوصية: باب تركِ الوصية: الحديث (20/ 1637). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: الحديث (19259).

(363)

قَالَ الشَّافِعِيُّ: (وَلَمْ أعْلَمْ أَحَدًا أَجْلَى مِنْ أَهْلِ الذَّمَّةِ مِنَ الْيَمَن، وَقَدْ كَانَتْ بِهَا ذِمَّةٌ، وَلَيْسَتِ اليَمَنُ بِحِجَازٍ؛ فَلَا يُجْليْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْيَمَنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى مُقُامِهِمْ بِالْيَمَنِ). نقله البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: الأثر (19272).

ص: 1707

والأصح: المنعُ؛ لأنَّها من بلاد الحجاز، وَلَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، لِتَجَرُّئِهِ ودخولهِ ما ليسَ له دخولُه، فَإنِ اسْتَأْذَنَ، أي في دخوله، أَذِنَ، أي الإمام أو نائبه في ذلك، إِنْ كَانَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِيْنَ كَرِسَالَةٍ وَحَمْلِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، أي وكذا عقد هدنة أو ذمة، فَإنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيْهَا كَبِيْرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ إِلَاّ بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا، أي وقَدَرُهُ راجع إلى رأي الإمام، وَلَا يُقِيْمُ إلَاّ ثَلَاثَةَ أَيَامٍ، اقتداءً بالفاروق رضي الله عنه (364)، وَيُمْنَعُ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ، لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} (365) والمراد به هنا جميع الحرم بدليل قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أَيِ انْقِطَاعَ التِّجَارَةِ عَنْكُمُ، ومعلوم أن الجلَب ليس إلى المسجد نفسه وقد سلف في الحج حد حرم مكة، فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إِلَيْهِ الإِمَامُ أَوْ نَائِبٌ يَسْمَعُهُ، حسمًا للباب، وَإِنْ مَرِضَ فِيْهِ نُقِلَ، وَإِنْ خِيْفَ مَوْتُهُ، أي من النَّقْلِ؛ لأنه ممنوع من الإقامة، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُدْفَنْ فِيْهِ، فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ، لأن بقاء جيفته أشد من دخوله فيها حيًا، وهذا إذا لم يَتَقَطَّعْ؛ فإنْ تَقَطَّعَ تَرَكَهُ، وَإِن مَرِضَ في غَيْرِهِ، أي في غير الحرم، مِنَ الْحِجَازِ وَعَظُمَتِ الْمَشَقَّةُ في نَقْلِهِ تُرِكَ وَإِلَاّ نُقِلَ، فَإِنْ مَاتَ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ هُنَاكَ، للضرورة.

فَرْعٌ: حَرَمُ المدينة لا يلحق بحرم الكعبة فيما ذكرنا، لكن استحسن الروياني أن يَخْرُجَ منه إذا لم يتعذر الإخراج ويدفن خارجه، وفي الذخائر أن بعض أصحابنا ألحق المدينة وحرمها بحرم مكة.

فَصْلٌ: أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِيْنَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ، لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ لَمَّا بعثه

(364) عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ رضي الله عنه؛ (أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه؛ ضَرَبَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ بِالْمَدِيْنَةِ إِقَامَةَ ثَلَاثَةِ لَيَالٍ يَتَسَوَّقُونَ بِهَا وَيَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ؛ وَلَا يُقِيْمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَوْقَ ثَلَاثَةِ لَيَالٍ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: جماع أبواب الشرائط التي يأخذها الإمام على أهل الذمة: باب الذمي يمر بالحجاز مارًا: الأثر (19275).

(365)

التوبة / 28: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .

ص: 1708

إلى اليمن: [خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ - أَيْ مُحْتَلِمٍ - دِيْنَارًا أوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ] ثيابٌ تكون باليمن، رواه الترمذي وصححه (366)، ومعنى عدله أي بدله كما في قوله تعالى:{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (367) وروى الشافعي من طريق عمر بن عبد العزيز أنه عليه الصلاة والسلام كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: [أَنَّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بَيْنَهُمْ (•) دِيْنَارًا لِكُلِّ سَنَةٍ أَوْ قِيْمَتَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ] يعني من أهْلِ الذِّمَّةِ (368)، ثم روى عن مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا نحفظهُ غيرَ أنهُ حَسَنٌ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ دِيْنَارًا كُلَّ سَنَةٍ (369).

وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطِ دِيْنَارَيْنِ وَغَنِيِّ أَرْبَعَةً، لأن الإِمام متصرف للمسلمين فينبغي أن يحتاط لهم، وأطلق المصنف تبعًا للرافعي استحباب المماكسة، ونقل ابن الرفعة عن الأصحاب: أنه ليس للعاقد إذا قدر على العقد لمئة دينار أن ينقص منها دانقًا، وَلَوْ عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ ثُمَّ عَلِمُواْ جَوَازَ دِيْنَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ، كمن اشترى شيئًا بأكثر من ثمن مثله، فَإِنْ أَبَواْ فَالأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ، أي بذلك كما لو امتنع من أداء أصل الجزية، والثاني: لا، ويقنع منهم بالدينار كما يجوز ابتداء العقد به.

فَرْعٌ: لا يصح بدل الزيادة في العقد لسفيه على الأشبه بخلاف ما إذا لم يعفُ مستحق القود إلاّ بزيادة صيانة للروح.

(366) • عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه؛ قَالَ: [بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِيْنَ بَقَرَةً، تَبِيْعًا أوْ تَبيْعَةً. وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ، مُسِنَّةً. وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ، دِيْنَارًا أوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ]. رواه الترمذي في الجامع: كتاب الزكاة: باب ما جاء في زكاة البقر: الحديث (623)، وقال: حديث حسن.

• ورواه أبو داود في السنن: كتاب الزكاة: باب في زكاة السائمة: الحديث (1576)، وقال: المعافر: ثياب تكون في اليمن. والنسائي في السنن: كتاب الزكاة: باب زكاة البقر: ج 5 ص 25 - 26.

(367)

المائدة / 95.

(•) في النسخة (1): مِنْهُمْ. وفي السنن الكبرى: (مِنْكُمْ).

(368)

رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب كم الجزية: الأثر (19180).

(369)

رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب كم الجزية: الأثر (19181).

ص: 1709

وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِيْنَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ مِنْ تِرْكَتِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَصَايَا، كسائر الديون، وَيُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ آدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ، أي فإن لم تفِ التركة ضارب الإمام مع الغرماء بالجزية، وصحَّحَ المصنف هذه الطريقة في أصل الروضة، والطريق الثاني: أنه على الأقوال في اجتماع دَين الله ودَين الآدمي! هل يقدم ذا أم ذاك أم يستوي (•)؟ أَوْ فِي خِلَالِ سَنَةٍ، أي أسلم أو مات في خلال سنة، فَقِسْطٌ، كالأُجرة، وَفِي قَوْلٍ: لَا شَيْءَ، لأنه مال يراعى فيه الحول فيسقط بالموت في خلال الحول كالزكاة.

فَصْلٌ: وَتُؤْخَذُ، يعني الجزية، بِإِهَانَةٍ فَيَجْلِسُ الآخِذُ، وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا في الْمِيزَانِ، وَيَقْبِضُ الآخِذُ لِحْيَتَهُ، وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ، أي بكسر اللام والزاء وهي مجتمع اللحم بين الماضغ والاذن ويقول: يَا عَدُوَّ اللهِ أَدِّ حَقَّ اللهِ؛ لقوله تعالى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} (370)، قال الرافعي: ويشبهُ أن يكون (•) الضربُ في أحد الجانبين ولا يراعَى الجمع بينهما، وَكُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ، لأنها تسقط بتضعيف الصدقة، وَقِيْلَ: وَاجِبٌ، ليحصل الصغار المذكور، فَعَلَى الأَوَّلِ، أي وهو استحباب هذه الكيفية: لَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالأَدَاءِ وَحَوَالَةٌ عَلَيْهِ وَأَنْ يَضْمَنَهَا، لأن الصغار حاصل بالتزامه المال وانقياده للأحكام على كره منه، والضمان أولى بالصحة؛ لأنه لا يمنع الطلب من الذمي وإقامة الصغار عليه، وعلى الثاني: وهو وجوبها، لا يجوز جميع ذلك إذ فيه إهانة للمسلم، ولو وكل ذمي ذميًا بالأداء قال الإِمام: الوجه طرد الخلاف؛ لأن كُلًّا منهما معنى بالصغار في نفسه. قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ، يعني السالفة، بَاطلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً؛ وَاللهُ! أَعْلَمُ، هو كما قال؛ فإنه لا أصل لها؛ وإنما تؤخذ برفق كسائر الديون، ويكفي فِي الصَّغَارِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمُ الْحُكْمُ لَا أَنْ يُضْرَبواْ وَيُؤْذَواْ بِقَوْلٍ قَبِيْحٍ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْكَفِّ عَنْهُمْ، وفِي هذه الهيئة مِن الأذى ما لا يَخْفَى.

(•) في النسخة (2): يُسَوّى.

(•) في النسخة (1) يكفي.

(370)

التوبة / 29.

ص: 1710

فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إِذَا صُولِحُواْ فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، اتباعًا لعمر رضي الله عنه وروي مرفوعًا لكنه منقطع (371)، زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيةٍ، لأن التمليك يجب في الجزية والضيافة مبنية على الإباحة، وَقِيْلَ: يَجُوزُ مِنْهَا، لأنه ليس عليهم إلّا الجزية، وثبت عن عمر كما قال في الذخائر أنه لم يأخذ منهم مع الضيافة شيئًا آخر فلعلها بلغت القدر الواجب، وَتُجْعَلُ، يعني الضيافة، عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ، لاحتمالهما أياها، لَا فَقِيْرٍ فِي الأَصَحِّ، لأن الضيافة تتكرر فيشق عليه القيام بها، والثاني: تجعل عليه كالجزية، والثالث: تجعل على المعتمل دون غيره؛ قال الرافعي: وهو حسنٌ.

فَرْعٌ: قال أصحابنا: يُشْتَرَطُ عليهم تزويد الضيف كفايته ليوم وليلة؛ ذكره في الذخائر.

وَيَذْكُرُ، يعني الإمام عند اشتراط الضيافة، عَدَدَ الضِّيْفَانِ رِجَالاً وَفُرْسَانًا، لأنه أنفى للغرر، وَجِنْسَ الطَّعَامِ وَالأُدْمِ وَقَدْرَهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا، أي من الخبز وكذا من السمن أو الزيت؛ لأنه أنفى للغرر كما سلف، وَعَلَفَ الدَّوَابِّ، أي من تبن أو حشيش أو قتٍّ، ولا يحتاج إلى ذكر قدر العلف، فإن ذكر الشعير بَيَّنَ قدرَهُ، وإطلاق العلف لا يقتضي الشعير نصَّ عليه؛ وإنما هو التبن والحشيش، وَمنْزِلَ الضِّيْفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ ومَسْكَنٍ، لما أسلفناه، والضيافة تستلزم ذلك أيضًا

(371) • أثر عمر رضي الله عنه؛ عن الأحنف بن قيس؛ (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ كان يشترط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا قناطر، وإن قتل بينهم قتيل فعليهم ديته). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب الضيافة في الصلح: الأثر (19200).

• أما الحديث المرفوع؛ ولكنه منقطع؛ عن أبي الحويرث، أن النبي صلى الله عليه وسلم:[ضَرَبَ عَلَى نَصْرَانِيًّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ مَوْهَبٌ دِيْنَارًا كُلَّ سَنَةٍ؛ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِيْنَارٍ كُلَّ سَنَةٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُواْ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ثَلَاثًا، وَأنْ لَاَ يَغُشُّواْ مُسْلِماً]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب كم الجزية: الحديث (19190).

ص: 1711

عادة، قال في الحاوي: ويجب أن يُعَلُّواْ الأبوابَ ليدخلها المسلمون رُكبانًا، وَمُقَامَهُمْ، أى ويذكر مدة مقامهم، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لأن في الزيادة مشقة.

فَائِدَةٌ: لو امتنع من الضيافة اثنان أو ثلاثة أجبروا عليها، فإن امتنع الكل انتقض عهدهم كالجزية؛ قاله في الاستقصاء، وقال مجلي: إذا امتنع الْكُلُّ قُوتِلُواْ؛ فَإِنْ قَاتَلُواْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ.

فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ: نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ فَلِلإِمَامِ إِجَابَتُهُمْ إِذَا رَأَى، اقتداءً بعمر رضي الله عنه (372) وسواء فِي هذا العرب أو العجم، وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةَ؛ فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ، وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِيْنَ بِنْتَا مَخَاضٍ، وَعِشْرِيْنَ دِيْنَارًا دِيْنَارٌ

(372) • عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلُبِيَّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ: (يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ بَنِي تَغْلِبَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ شَوْكَتَهُمْ؛ وَإِنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَإِنْ ظَاهَرُواْ عَلَيْكَ الْعَدُوَّ اشْتَدَّتْ مُؤْنَتُهُمْ، فَإنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا) قَالَ: فَأَفْعَلُ. قَالَ: (فَصَالِحْهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُواْ أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ في النَّصْرَانِيَّةِ، وَتُضَاعَفُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ). وكان عبادة يقول: قد فعلوا، ولا عهد لهم. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب نصارى العرب تضاعف عليهم الصدقة: الأثر (19310).

• وَفِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنَ كِردَوْسٍ، قَالَ:(صَالَحَ عُمَرُ رضي الله عنه بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُضَاعِفَ عَلَيهِمُ الصَّدَقَةَ؛ وَلَا يَمْنَعُواْ أَحَدًا مِنهُمْ أَنْ يُسْلِمَ، وَأَنْ لَا يَغْمِسُواْ أَوْلَادَهُمْ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (19308). وأبو عبيد في كتاب الأموال: باب العشر على بني تغلب: ج 2 ص 649.

• قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ الْكَبِيْر: (بَنُو تَغْلِبَ بْنُ وَائِلٍ مِنَ الْعَرَبِ مِن وُلْدِ رَبيْعَةَ بْنِ نَزَارٍ، انْتَقَلُواْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، فَدَعَاهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى بَذْلِ الْجِزْيَةِ، فَأَبَواْ وَأَنِفواْ، وَقَالُواْ: نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: (لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ صَدَقَةً). فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ. فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زَرْعَةَ: يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ وَشِدَّةٌ، وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ الْجِزْيَةَ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّكَ عَلَيْكَ بِهِمْ، وَخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ باسْمِ الصَّدَقَةِ؟ ! فَبَعَثَ عُمَرُ فِي طَلَبِهِمْ وَرَدُّوهُمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ. رواه أبو عبيد في كتاب الأموال: باب العشر على بني تغلب: النص (1696): ج 2 ص 650. وفي المغني والشرح الكبير: كتاب الجزية: مسألة لا تؤخذ الجزية من بني تغلب: ج 10 ص 590 - 591.

ص: 1712

وَمِائَتَي دِرْهَمٍ عَشْرَةٌ وَخُمُسُ الْمُعَشَرَاتِ، لأن هذا شأن التضعيف، وَلَوْ وَجَبَ بِنْتَا مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ، أي كما في ست وثلاثين عند فقد بنتي اللبون، لَم يُضَعِّفِ الْجُبْرَانَ في الأَصَحِّ، لما في تضعيف الجبران من تضعيف الضعف فيؤخذ مع كل بنت مخاض شاتان أو عشرون درهمًا، والثاني: يضعف فيؤخذ مع كلِّ بنت مخاض أربع شياه أو أربعون درهمًا، لأنه بعض الصدقة المأخوذة، وَلَوْ كَانَ بَعْضَ نِصَابٍ، أي كعشر شياه مثلًا، لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ في الأَظْهَرِ، لأن الأثر عن عمر رضي الله عنه ورد في تضعيف ما يجب على المسلم لا في إيجاب ما لا يجب، والثاني: يجب قسطه رعاية للتضعيف، ثُمَّ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةٌ، أي وأن بدّل الأسم ومصرفه مصرف الفيء، ولهذا قال عمر رضي الله عنه:(هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْ الاِسْمَ وَرَضُواْ بِالْمَعْنَى)(373)، فَلَا يُؤخَذُ مِن مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، أي كصبي ومجنون وامرأة.

فَرْعٌ: تضعيفُ الصدقة غير متعيِّنٍ، بل يجوز تَرْبِيْعُهَا وَتَخمِيْسُهَا على ما يراهُ من المصلحة؛ قاله الأصحاب.

فَصْلٌ: يَلْزَمُنَا الْكفُّ عَنْهُمْ وَضَمَانُ مَا نُتلِفُهُ عَلَيْهِمْ نَفْسًا وَمَالًا وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ، لأنهم إنما بذلوا الجزية لعصمة الدماء والأموال، وَقِيْلَ: إِنِ انْفَرَدُواْ بِبَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ، كما لا يلزمهم الذب عنا، والأصح: اللزوم إذا أمكن الحاقًا لهم بأهل الإسلام في العصمة والصيانة، وهذا إذا جرى العقد مطلقًا؛ فإن جرى بشرط الدفع وجب لا محالة، وفيه احتمال للإمام، ولو كانوا مستوطنين بدار الحرب وبذلوا الجزية فلا يلزمنا الذب عنهم قطعًا، وَنَمْنَعُهُمْ إِحْدَاثَ كَنِيْسَةٍ، أي وكذا بيعة، في بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ، أي كبغداد لأنه معصية، واستثنى الماوردي ما إذا أحدثُوها لعموم الناس؛ فإن اقتصروا على أهل دينهم فوجهان، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، أي كاليمن، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً، أي كأصفهان (•)، لَا يُحْدِثُونَهَا فِيْهِ، لأن المسلمين قد

(373) حكاه الماوردي في الحاوي الكبير: كتاب الجزية: باب في نصارى العرب تضعف عليهم الصدقة: ج 14 ص 346؛ قال: فصارت مضاعفة الصدقة هي الجزية مأخوذة باسم الصدقة، وقد قال عمر:(هَؤُلَاءِ قَوْمٌ حَمْقَى؛ أَبَوُ الاِسْمَ؛ وَرَضُواْ بِالْمَعْنَى).

(•) في النسخة (1): كأصبهان.

ص: 1713

ملكوها بالاستيلاء، وَلَا يُقَرُّون عَلَى كَنِيْسَةٍ كَانَتْ فِيهِ في الأَصَحِّ، لما قلناه، والثاني: يُقرّون؛ لأن المصلحة قد تقضي ذلك وليس فيه إحداث ما لم يكن، وصححه المارودي، أَوْ صُلْحًا، أى ما فتح صلحًا، بِشَرْطِ الأَرْضِ لَنَا، وَشَرْطِ إِسْكَانِهِمْ، أي بخراج، وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ جَازَ، لأنه إذا جاز الصلح على أن كل البلد لهم فعلى بعضه أولى، ولو صالحوا على إحداثها أيضًا جاز؛ ذكره الروياني في الكافي وغيره، وقال الماوردي: لا يجوز؛ وهو ظاهر عبارة الحاوي الصغير أيضًا حيث قال: وتبقى، وَإِنْ أُطْلِقَ، أي فلم يذكر الشرط، المذكور، فَالأَصَحُّ الْمَنعُ، أي من إبقائها بل يهدم ما فيها من الكنائس، لأن إطلاق اللفظ يقتضي صيرورة جميع البلد لنا، والثاني: أنها تبقى وتكون مستثناة بقرينة الحال، فإن شرطنا تقريرهم! وقد لا يتمكنون من الإقامة إلا بأن يبقى لهم مجمع لعبادتهم، أَوْ لَهُمْ قُرِّرَتْ، أي وما فتح صلحًا بشرط أن تكون الأرض لهم يؤدون خراجها فيُقرّون على الكنائس والبِيع؛ لأنها ملكهم، وَلَهُمُ الإِحْدَاثُ في الأَصَحِّ، لأن الملك والدار لهم، والثاني: لا؛ لأن البلد تحت حكم الإسلام.

فصْلٌ: وَيُمْنَعُونَ، أي بالشرط كما قاله الماوردي، وُجُوبًا، وَقِيْلَ: نَدْبًا مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ، لأن فيه تعظيمًا لهم ويخشى منه الإطلاع على عورة المسلمين، فإن لم يوجد شرطٌ فيستحب أن لا يعلوا، كما قال المارودي في الأحكام، وهذا المنع لحقِّ الله تعالى إعلاءً لدينه؛ فلا يسقط برضى الجار، وَالأصَحُّ: الْمَنْعُ مِنَ المُسَاوَاةِ، لأن المقصود التمييز بينهما في البناء كما يميز بينهما في اللباس، والثاني: لا، لأنه لم يعلُ على المسلم، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُواْ بِمَحِلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ لَمْ يُمْنَعُواْ، أي من رفع البناء، لانتفاء خوف الإطلاع على عورة المسلمين، والثاني: المنع أيضًا؛ لما فيه من التجمل والشرف، وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ رُكُوبِ خَيْلٍ، لشرفها، لَا حَمِيْرٍ وَبِغَالٍ نَفِيْسَةٍ، لأنه لا شرف فيها، كذا علله ابن الرفعة، وألحق الغزالي تبعًا للإمام البغال النفيسة بالخيل لما في ركوبها من التجمل، وَيَرْكَبُ بِإِكَافٍ وَرِكَابِ خَشَبٍ، لَا حَدِيْدٍ، وَلَا سَرْجٍ، لئلا يشبه المسلمين؛ ويركبون عرضًا، قال ابن كج: والنساء

ص: 1714

والصغار لا يلتزمون الصَّغَارَ إذ لا جزية عليهم، وَيُلْجَأُ إِلَى أَضْيَقِ الطُّرُيقِ، للأمر به في الصحيحين، ولا حرج إذا خلت الطريق من الزحمة (374).

فَرْعٌ: لا يجوز ابتداؤُه بالسَّلَامِ على الأصح، فلو سَلَّمَ الذِّمِّيُّ أجابهُ بقولهِ (وَعَلَيْكَ) فقط على الأصح؛ لأنه ربما ينوي به شرًّا، وصوَّبَ الخطابي حذف الواو.

وَلَا يُوَقْرُونَ، وَلَا يُصَدَّرُونَ في مَجْلِسٍ، أي إذا اتفق اجتماعه مع مسلم إهانة له وتحرم موادَدَتُه، وَيُؤْمَرُ بِالْغِيَارِ، أي بلبس الغيار وذلك في دار الإسلام كما قيّده في المهذب ليعرفوا فيعاملوا بما يليق بهم، وَالزُّنّارِ فَوْقَ الثِّيَابِ، لأمر عمر رضي الله عنه به (375)، وَإِذَا دَخَلَ حَمَّامًا فِيْهِ مُسْلِمُون أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ جَعَلَ في عُنُقِهِ خَاتَمَ

(374) • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لَا تَبْدَؤُاْ الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيْتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيْقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب السلام: باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام: الحديث (13/ 2167).

• قال ابن حجر: (أخرجه البخاري في الأدب المفرد). ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الاستئذان: شرح الحديث (6254): ج 11 ص 47.

• رواه أبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب السلام على أهل الذمة: الحديث (5205). والترمذي في الجامع: كتاب الاستئذان: باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة: الحديث (2700).

(375)

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنَمٍ؛ قَالَ: كَتَبْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حِيْنَ صَالَحَ أَهْلَ الشَّامِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذاَ كِتَابٌ لِعَبْدِ اللهِ عُمَرَ أَمِيْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ مِنْ نَصَارَى مَدِيْنَةِ كَذَا وَكَذَا، وَفِيْهِ (وَأَنْ نَلْزَمَ زِيَّنَا حَيْثُ مَا كُنَّا، وَأَنْ نَشُدَّ الزَّنَانِيْرَ عَلَى أَوْسَاطِنَا وَأَنْ لَا نُظْهِرَ صُلُبَنَا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: جماع أبواب الشرائط التي يأخذ الحاكم على أهل الذمة: باب الإمام يكتب كتاب الصلح: الحديث (19229).

• وفي كنز العمال: الرقم (11495) أخرج أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه؛ أَمَرَ يَرْفَأَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى أَهْلِ مِصْرَ بِالزِّنَّارِ؛ فَقَالَ: (يَا يَرْفَأُ اكْتُبْ إِلَي أَهْلِ مِصْرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَجُزُّواْ نَوَاصِيَّهُمْ، وَأَنْ يَرْبِطُواْ الْكَسْتِيْجَاتِ - الزَّنَانِيْرَ - عَلَى أَوْسَاطِهِمْ لِيُعْرَفَ زِيُّهُمْ مِنْ زِيِّ أَهْلِ الإِسْلَامِ).

ص: 1715

حَدِيْدٍ أَوْ رَصَاصٍ وَنَحْوُهُ، ليعرفوا به.

فَصْلٌ: وَيُمْنَعُ مِن إِسْمَاعِهِ الْمُسْلِمِيْنَ شِرْكًا، وَقَوْلَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيْحِ، وَمِنْ إِظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيْرٍ؛ وَنَاقُوسٍ؛ وَعِيْدٍ، أي وكذا قراءتهم التوراة والإنجيل ولو في كنائسهم لما فيه من المفاسد، وَلَوْ شُرِطَتْ هَذِهِ الأُمُورُ فَخَالَفُواْ لَمْ يَنْتَقِضِ الْعَهْدُ، لأنهم يدينون بها أو لعدم تضرر المسلمين بها، وَلَوْ قَاتَلُونَا أَوْ امْتَنَعُواْ مِنَ الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ إِجْرَاءِ حُكْمِ الإِسْلَامِ انْتَقَضَ، لمخالفته موضوع العقد، وجزم الحاوي الصغير بالانتقاض بالتمرد عن الأحكام وتبع في ذلك الإِمام.

وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ، أي باسم نكاح، أَوْ دَلَّ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةٍ لِلْمُسْلِمِيْنَ، أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِيْنِهِ، أَوْ طَعَنَ فِي الإِسْلَامِ أَوِ الْقُرْآنِ، أَوْ ذَكَرَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسُوءٍ، أي وكذا إذا ذكر الله تعالى به، فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ شَرَطَ انْتِقَاضَ الْعَهْدِ بِهَا انْتَقَضَ، لمخالفته الشرط، وَإِلَاّ فَلَا، لأن هذه الأشياء وإن اقتضى العقد المنع منها لتحريمها لا تخل بمقصوده، والثاني: ينتقض مطلقًا، لما فيه من الضرر، والثالث: مقابله، وصحح في أصل الروضة طريقة القطع بعدم الانتقاض إن لم يقع شرطًا، وكذا إن وقع على الأظهر وفيه مخالفة لما في الكتاب.

وَمَنِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ جَازَ دَفْعُهُ وَقِتَالُهُ، لأنه صار حربيًا لنا في دار الإسلام، أَوْ بغَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ إبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ فِي الأَظْهَرِ، بَل يَخْتَارُ الإِمَامُ فِيْهِ قَتْلًا؛ وَرِقًّا؛ وَمَنًّا؛ وَفِدَاءً، لأنه كافر لا أمان له كالحربي، والثاني: يُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ كمن دخل بأمان صبي، وأجاب الأول عن هذا بأنه يعتقد في نفسه أمانًا، وهنا فعل باختياره ما أوجب انتقاض الأمان، فَإِنْ أَسْلَمَ، أي هذا المنتقض عهده، قَبْلَ الاِخْتِيَارِ امْتَنَعَ الرِّقُّ، أي بخلاف الأسير لأنه لم يحصل في يد الإِمام بالقهر فَخَفَّ أمره، قُلْتُ: ولا يجوز قتله وفداؤه أيضًا، وَإِذَا بَطَلَ أَمَانُ رِجَالٍ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُ نِسَائِهِمْ وَالصِّبْيَانِ فِي الأَصَحِّ، إذ لم يوجد منهم خيانة ناقضة، والثاني: يبطل كما كانوا تبعًا في ثبوت الأمان، وَإِذَا اخْتَارَ ذِمِّيٌّ نَبْذَ الْعَهْدِ وَاللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ، لأنه لم يوجد منه خيانة ولا ما يوجب نقض عهده فيبلغ مكانًا يأمن فيه على نفسه.

ص: 1716