الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذى كان .. فقد اتخذ الرسول من بلاغة القرآن أقوى سلاح لدعوته ..
فكان يحرص فى مجالات الدعوة للإيمان على أن يقرأ على المشركين العرب آيات منه، وهو مدرك تماما أنهم يتفاعلون مع تعبيراته، ويحسون ما فيها من روعة تفوق كل روعة يحسونها من كلام الخطباء وشعر الشعراء .. حتى كانوا يضطرون وهم فى ذروة معارضته، والحملة عليه إلى اعتراف بعضهم لبعض سرا، بأن هذا ليس من كلام
البشر، ولكنهم اتهموه أمام العامة بأنه سحر مبين، وأصدر زعماؤهم تحذيرا عاما من الاستماع إليه خوفا من تأثيره عليهم وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ 26 (1)
وقد وجدنا فى قصة إسلام عمر أن استماعه لآيات من سورة (طه) أطفأت ما فى نفسه من حمية جاهلية، وقلبته من رجل يتوعد الرسول، ويستعد لقتله، إلى رجل هادئ، وادع، يستسلم للرسول، ويؤمن به، ويعز الله الإسلام بجرأته.
هذا- وأمثاله كثير- يدلنا بلا شك على أن القرآن كان مفهوما للعرب بمجرد أن يسمعوه، إذ لو لم يفهموه لما تأثروا به، ولما سحرهم بقوة بيانه وبلاغته ..
ولكن أى فهم كان
؟
لقد نزل القرآن يتحدث عن العقائد، كما يتحدث عن التشريع، وعن قصص السابقين، وعن خلق الكون، وبعض مظاهره وذلك بأسلوب جديد عليهم فى قوته وبيانه، مستعملا الحقيقة والمجاز والكناية، وكثير من الموضوعات التى تحدث عنها جديدة عليهم، فإلى أى مدى كان فهمهم للآيات التى تتحدث عن هذا كله؟
هل كان فهمهم مستوعبا لكل آية، وكل كلمة وعبارة، وفى أى موضوع من الموضوعات التى تحدث عنها القرآن؟
(1) فصلت/ 26.
أو أنهم مع تأثرهم العام ببلاغة القرآن لا يلزم أن يكونوا ملمين بمعانى القرآن كله وكلماته، بل كانت تفوتهم معانى بعض الكلمات أو العبارات، والغرض المراد منها؟ تبعا لاختلاف مستوياتهم فى الفهم والذكاء، أو لقربهم من الرسول- مصدر الإشعاع- وبعدهم عنه، أو لظروف أخرى غير ذلك؟
إن الإجابة عن هذا تحتاج إلى أن نعرف الجوانب التى كانت تستحوذ على الرسول وصحابته فى بناء حياتهم الجديدة، لأن هذه الجوانب هى التى يمكن أن تبين لنا ما إذا كان عندهم وقت فراغ يتيح لهم التوسع والاستيعاب، وتبين لنا المنهج الذى كان يتناسب مع هذه الحياة الجديدة، أو يفرض نفسه فرضا عليها.
كما أن الإجابة تحتاج إلى معرفة المحصول العلمى، الذى كان لدى الصحابة قبل إسلامهم، واستقبلوا به القرآن وما جاء به من معارف وعلوم، لأن الرجل المحدود المعرفة، قد يكفيه من الفهم السطحى العابر، أو الإجمالى العام ما لا يكفى الرجل الواسع المعرفة والثقافة. فكلاهما له نظرته الخاصة فيما يقرؤه أو يسمعه، وله تساؤلاته ومناقشاته، وموضوعاته، التى يمكنه أن يخوض فيها، ويسأل عنها، كما هو مشاهد محسوس الآن من الفرق بين الجو العلمى للوسط المثقف، وبين الجو العلمى للوسط الذى لم ينل حظا من الثقافة، من حيث الفهم والدقة فيه، ومن حيث نوع الأسئلة التى تطرح للإجابة عنها ..
وعلى أساس تحديد الجوانب المهمة فى الحياة الجديدة، والوقوف على ما كان لدى الصحابة من محصول علمى سابق، يمكن تحديد الاتجاه الذى اتجهوا إليه فى فهمهم للقرآن وتفسيره، لأن الطابع العام للحياة فى أى عصر من العصور، له تأثيره القوى على الاتجاه العام للناس، فى فهم القرآن. فطابع الحياة فى عهود الاختلاف ونشوء الفرق مثلا .. أضفى على تفسير القرآن اتجاها يتناسب معه، كما نلمس ذلك فى بعض التفاسير، وفى توجيه المفسر للآية، وفهمه لها على حسب اتجاهه السياسى أو المذهبى، والطابع العلمى الذى يمتاز به عصرنا دفع كثيرا من الناس إلى إضفاء الثوب العلمى على كثير جدا من آيات القرآن وفسروها تفسيرا علميا، حتى خرجوا أحيانا عن الحد المناسب .. وهكذا
…