الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
الإسلام والعلوم
ما دمنا سنتكلم عن بعض علوم الدين عند المسلمين، فإن هذا يقتضينا أن نقدم بكلمة موجزة عن نظرة الإسلام إلى العلم بكل أنواعه وموضوعاته، لا سيما بعد أن ألقى على موقف الإسلام من العلم شىء من الظلال، ولا سيما فى العصور المتأخرة، وعند بعض الغربيين. متأثرين بفكرتهم عن المسيحية وموقفها العدائى- فى بعض العصور- من العلوم.
فالعلم فى نظر الإسلام: هو كل ما يمكن ويطلب أن يعرف ويعلم، مهما يكن موضوع هذه المعرفة، ومهما تكن وسائلها، وإن كان فى مقدمة هذه الموضوعات ما يعرفه بربه- عقيدة ونظاما- ويقربه إليه .. باعتبار أن ذلك هو مفتاح الحياة الحقيقية الهادفة للإنسان، ومفتاح الانطلاق فى كل جانب من جوانبها على هدى وبصيرة.
فحين مدح الله العلماء ورفع درجاتهم لم يخصص العلماء بعلوم الدين، بل أطلق وعمم فقال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ (1). وحين قارن بين العلماء والجهال أطلق وعمم كذلك .. فقال:
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (2) وحين حدد الذين يخشونه ويعرفونه قال: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (3) وقد جاء هذا عقب آيات تلفت الأنظار إلى التأمل والتدبر فيما خلقه الله من ماء وثمرات ودواب وجبال وإنسان الخ .. ليصل المتأمل إلى الإيمان بالله وعظمته مما يميل بمفهوم العلماء هنا إلى العلماء الباحثين المتدبرين فى هذه المخلوقات مما يطلق عليه الآن علوم الفضاء والجو، وعلم النبات، والحيوان، والجيولوجيا .. الخ .. لأن هؤلاء أكثر اطلاعا على أسرار الكون وعظمة صنع الخالق ..
(1) سورة المجادلة/ 11.
(2)
الزمر/ 9.
(3)
فاطر/ 28.
وقد كثرت فى القرآن الآيات التى تعرض مظاهر الكون ويأتى فى آخرها حث أصحاب العقول على التدبر فيها ليصلوا إلى ما وراءها ويبدأ التدبر من نظرة سطحية ينظرها الإنسان العادى فيجد عظمة الله فى كل شىء، إلى النظرة المتعمقة القائمة على العلم ولو ببعض التفاصيل والسنن فى هذه المخلوقات. وهذا يفتح الباب للمؤمن لكى يتعلم وينظر ويتدبر ويتعمق لتأتى نظرته فيها عمق، وفيها اعتبار أكثر .. مما جعل علماء الإسلام يقولون، إن هذا يفرض على المسلمين تعلم العلوم التى تتيح لهم الوصول إلى دقائق صنع الله فيما خلقه .. من أجل غاية عليا هى تعميق الإيمان فى القلوب، وهذا بالتالى يبعد هذه العلوم عن أن تكون وسيلة للشر والإيذاء، مما يحصل مثله الآن ولا سيما أثناء الحروب ..
وإذا انتقلنا بعد ذلك إلى أحاديث رسول الله وهى الموضحة والمفسرة للقرآن وأغراضه، نجد الأحاديث تحض المسلمين على التعليم وتبين فضل العلماء، ولا تقيد العلم
بفرع دون آخر.
«فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها» رواه الترمذى ..
والحكمة تعنى هنا كل علم نافع.
«اطلبوا العلم ولو فى الصين» وقد روى من طرق يقوى بعضها بعضا ..
«إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع» رواه أبو داود والترمذى
«من سلك طريقا يبتغى به علما سهل الله به طريقا إلى الجنة» رواه أبو داود والترمذى
«من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع» رواه مسلم والترمذى
«الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما» رواه الترمذى
«فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب» وفى رواية كفضلى على أدناكم .. رواه الترمذى
«طلب العلم فريضة على كل مسلم» «البيهقى وغيره»
ففي هذه الأحاديث وغيرها كثير لم يحدد العلم بعلم خاص، فهو مطلق العلم فى أى فرع من الفروع، مراعيا فى تعلمه تقوى الله، ونفع النفس والعباد.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من وسائل فداء أسرى بدر، أن يعلموا المسلمين القراءة والكتابة.
وأمر صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت رضى الله عنه، أن يتعلم لغة اليهود- بعد ما حدث منهم، ولم يعد يأمن جانبهم، وهذا الفهم العام الواسع لمعنى العلم هو الذى كان سائدا فى تلك الأيام، ولم يكن محددا كما هو الحال عندنا عند ما قسمنا المواد إلى علوم، ورياضة، وآداب، وفن. و. و .. الخ .. والقرآن يقول:«وفوق كل ذى علم عليم» ويقول على لسان قارون: «إنما أوتيته على علم عندى» ويقول: «ولقد آتينا داود وسليمان علما» .. وكل هذا علم عام.
وفى علوم الدين خاصة، وردت الآية الكريمة
فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ 122 (1)
ليسد هؤلاء المتعلمون المتفقهون حاجة المسلمين إلى معرفة أمور دينهم.
ومن هذه الآية أيضا يمكن الانطلاق إلى العلم وإلى التخصص فى كل فرع تحتاج إليه الأمة فى أمور حياتها.
وهكذا يدفع الإسلام المسلمين دفعا إلى طلب العلم والتبحّر فيه، دون أن يحدد نوع أو فرع هذا العلم، فالحكمة والمعرفة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ..
(1) التوبة/ 122.