الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة تحتاج إلى مناقشة:
ومع أن المشتغلين بالتفسير الذين عنوا بتنقية الروايات، وبيان الصحيح منها وغير الصحيح، قد أبلوا فى ذلك بلاء حسنا .. وقدموا لنا ذخيرة يمكن الاعتماد عليها. فإن هناك قاعدة من القواعد التى أقروها بصدد هذه الروايات، أعتقد أنه دخل منها الكثير من غير الصحيح، على الروايات المفسّرة للقرآن، وهى لهذا تحتاج إلى مناقشة ..
هذه القاعدة المعروفة المسلّم بها لدى النقاد جميعا هى المتصلة بالرواية الموقوفة على الصحابى التى لم يسندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إذا كانت هذه الرواية أعنى موضوعها من الأمور الغيبية، وتكلم بها الصحابى، فمعنى ذلك أنه سمعها من الرسول .. ولو لم يصرح بذلك، لأنه لا مجال للرأى والعقل فيها .. فهى فى حكم المرفوع للرسول ..
وهذا الكلام الذى قالوه يمكن أن يصدق، ولكن إلى حد ما، لأنى أعتقد أننا لو أخذناه قضية مسلمة وعلى اطلاقها، فإنه من الممكن حينئذ أن يدخل منها المدسوس على رسول الله. ولا سيما فيما يتصل بالتفسير ..
ذلك أن بعض الصحابة كانوا يطمئنون- ولو أحيانا لنكون أكثر دقة واحتياطا- إلى بعض المسلمين من أهل الكتاب، وإخبارهم ببعض الأمور من تفصيلات القصص وغيرها، فينقلون ذلك عنهم. ويروى تلامذتهم، أعنى التابعين عنهم .. وتصبح الرواية بذلك موقوفة على الصحابى .. فإذا أخذنا القاعدة السابقة قضية مسلمة فى مثل هذه الروايات نسبنا الى الرسول بذلك ما لم يقله، أو يكون هذا احتمالا على الأقل ..
ومن الواجب أن نحتاط الاحتياط الشديد فى نسبة كلام الى الرسول عن مثل
القرآن. وإن كنت لا أتفق معه فى تحفظه فى بعض نواح من بحثه .. ثم بحث قدمه الدكتور الشيخ محمد أبو شهبه لم يستوعب أيضا الاسرائيليات فى القرآن. وإن كنت لا أتفق معه فى تحفظه فى بعض نواح من بحثه. ومجمع البحوث والدراسات العليا بكلية أصول الدين معنيان بإتمام بحث الاسرائيليات فى التفاسير وهناك رسائل تعد فى هذا الموضوع لشهادتى الماجستير والدكتوراة فى الكلية وهو اتجاه طيب.
هذا الطريق، لا سيما ونحن نعرف أن الصحابى كان يحرص الحرص كله، على أن يسند الرواية إلى الرسول، إذا كان حقا قد سمعها منه، ليزداد شرفا بالرواية عن رسوله من جهة، وليكسب كلامه مهابة وتوكيدا من جهة أخرى، ولا سيما فى مثل هذه الأمور الغيبية التى تحتاج لتدعيم وتقوية.
فامتناعه أو عدم تصريحه حينئذ، بروايته عن الرسول، مع الحالة التى كانت قائمة بالأخذ عن بعض مسلمى أهل الكتاب فى مثل هذه الأمور، يوجب علينا أن نحتاط، فلا نقبل رواية بهذا الشكل، أعنى الرواية عند الصحابى التى لم ينسبها صراحة إلى الرسول ..
وهذا- فى رأيى- يختلف عن قول الصحابى أو عمله فى حكم من الأحكام، لأنهم لم يكونوا يسمحون لأنفسهم بمعرفة شىء من ذلك، أو من العقائد، عن مسلمى أهل الكتاب .. والرسول صلى الله عليه وسلم وضح كل ما يتصل بذلك قولا وعملا.، فإذا عمل أو تكلم الصحابة أو تابعوهم ممن كانوا فى المدينة أو خرجوا منها وكانوا على حال يوثق فيها بهم وبعلمهم، فإن من الجائز حينئذ أن نفهم أن قولهم فى الحكم أو عملهم، معتمد على عمل أو قول منسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يصرحوا بنسبته إلى الرسول .. وهذا ما كان يأخذ به الامام مالك رضى الله عنه فى مذهبه، مما سمى بقاعدة عمل أهل المدينة .. وإن نازعه فى ذلك بعض الفقهاء، ممن لم يسلموا للامام مالك بحجة عمل أهل المدينة .. والاستناد إليه فى تقرير حكم من الأحكام ..
وقد يقول بعض الناس: وما الضرر فى أخذ مثل هذه الروايات، أعنى الموقوفة على الصحابى فى أمور لا مجال للعقل فيها، ما دامت لا تتصل بتقرير عقيدة أو حكم شرعى، ولكنها زيادة تفاصيل لما ذكر مجملا من القصص أو الكون مثلا؟
…
وأقول لهم: إن الضرر من هذا يرجع إلى تقييد عقولنا بفهم أو تفصيل خاص باعتبار أن ذلك صادر عن الرسول .. وقد تكون تلك الرواية متصلة بأحوال الآخرة فتدخل ضمنا فى تكوين عقيدتنا، أو فى تكميل الصورة عنها.