الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام فخر الدين الرازى وتفسيره
هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين البكرى الطبرستانى الرازى.
وشهرته فخر الدين أو ابن الخطيب الشافعى.
ولد سنة 544 هـ وتوفى سنة 606 هـ. وكان ميلاده فى مدينة «الرى» ونسب إليها على غير قياس النسب فقيل الرازى ..
وقد نسب إلى هذه المدينة بهذه النسبة كثير من علمائها، مثل أبى بكر بن زكريا الرازى الطبيب العربى المعروف، ومثل أبى بكر الرازى الفقيه الحنفى المعروف بالجصاص، وأبو الحسين بن فارس بن زكريا الرازى صاحب كتاب المجمل فى اللغة، ومحمد بن أبى بكر الرازى مؤلف «مختار الصحاح» ، وقطب الدين الرازى وهو مؤلف شرح الشمسية وسماها «الرسالة القطبية» المعروفة فى الأزهر .. وتوفى سنة 766 هـ
ولكن أشهر هؤلاء جميعا لدى عامة المسلمين وخاصتهم هو الامام فخر الدين الرازى صاحب التفسير .. وما ذلك إلا لأن مؤلّفه وتفسيره مرتبط بكلام الله وخدمته، وبيان معانيه للمسلمين، وهكذا كل كتاب وكل مؤلف يرتبط بكتاب الله ويخدمه ..
العصر الذى عاش فيه وألف كتابه
كان عصرا مليئا بالفتن الداخلية. والهجوم الخارجى على المسلمين، وكان مثار هذه الفتن إما طمعا فى الملك، وإما طمعا فى وجاهة وسيادة مذهب، كما حصل بين الفرق الاسلامية .. المعتزلة، وأهل السنة، والشيعة، والرافضة من جهة، وفيما بين هذه الفرق نفسها من مذاهب «حتى عدا ابن السبكى تسعا وعشرين فرقة نازلها الرازى وانتصر عليها (1)»
(1) الامام فخر الدين الرازى- للدكتور على محمد حسن العمارى ص 29.
وهذا يصور لك مدى ما كان يموج به عصر الرازى من خلافات وفتن ..
ثم تميز هذا العصر من ناحية أخرى بالإقبال على الدراسات العلمية من المنطق والعلم الطبيعى والفلسفة، وعلم ماوراء الطبيعة، والهندسة والفلك والموسيقى، بجانب الإقبال على الدراسات الدينية والعربية ..
كما تميز باعتزاز المعتزلة بمعرفة الفلسفة والمنطق، وتعاليهم بها على غيرهم ..
وادعائهم بأن العالم المتمكن لا يكون كذلك، إلا إذا جمع بين علوم الدين وهذه العلوم. وقد ظل المعتزلة مسيطرين بأفكارهم وإنتاجهم زمنا، حتى شعر أهل السنة بما يشبه عقدة النقص، فأقبلوا على هذه العلوم التى احتكرها المعتزلة وأضرابهم زمنا، فاغترفوا منها، لينازلوا المعتزلة ويكونوا أندادا لهم ..
وكان ممن اتجه هذا الاتجاه الإمام فخر الدين الرازى منذ شبابه. فتعلم على والده، وكان من كبار علماء عصره وهو «ضياء الدين أبو القاسم الرازى» وكان فقيها أصوليا متكلما صوفيا خطيبا محدثا أديبا.
وأضاف إمامنا فخر الدين إلى ما أخذه عن والده علوم عصره، من الفلسفة والمنطق وعلم الفلك والطبيعة على علمائها، واستعان بذلك كله على خدمة دينه.
وتجلية معانى القرآن وأسراره بالطريقة التى رآها مناسبة لعصره .. حتى يبز المعتزلة وغيرهم فيما يدعونه- من أنهم خدمة الدين والقرآن .. والكاشفون عن معانيه وأسراره- ويلجمهم ..
؟؟؟ وضع ثقافته الاسلامية الواسعة المتنوعة فى خدمة القرآن، هادفا؟؟؟ إلى أن يبرز ما فيه من الحكمة والمعرفة حسبما تفيده دراسة الفلسفة والكلام والعلوم الأخرى، ولذلك كان يوغل فى بيان معانى القرآن وما تدل عليه العبارات، ولو سار شوطا بعيدا فى العلوم التى يبرز بها هذه الناحية ..
وإنك لتجد صورة من هذا حين فسر قوله تعالى «رَبِّ الْعالَمِينَ» ، واندفاعه ليبين العوالم المتعددة التى خلقها الله .. فى السموات وفى الأرض .. مما يخيل للقارئ أنه ابتعد كثيرا عن القرآن، وهو لم يبتعد، وإنما يفسر «العالمين» بما وقف عليه من علم، يجلى به حكمة الله فى مخلوقاته ..
فذلك أولى عنده وأجدى من حصر التفسير فى مباحث لفظية وبلاغية ..
تبرز اعجاز القرآن البلاغى، بينما يوجد فى القرآن آيات كثيرة تتحدث عن الكون، وتبرز الإعجاز العلمى للقرآن، ولا بد من بيانها والكشف عنها، بواسطة ما نعرفه من علوم .. ولذلك استغل الرازى ما عرفه من علوم ليجلى بها أسرار القرآن، ومعجزاته العلمية فى الكون. بالاضافة إلى معجزته البلاغية مما أشار القرآن إليه أو تكلم بصراحة عن آيات الله فى كونه، ولا يجلى هذه الآيات، ويبرزها، ويصل إلى أغوارها إلا العلم. فإذا قال الله «رب العالمين» فما هى هذه العوالم التى خلقها الله وهو ربها؟ لا تستطيع البلاغة أن تبرز لنا هذا وتبينه، بل العلم هو الذى يقدم لنا هذه العوالم أجلى بيان على قدر اتساعه ..
وهو كل يوم يزداد اتساعا».
وسار الإمام فى دروسه على هذا المذهب أو هذه الطريقة التى اختطها، برغم ما لقي من استغراب ومعارضة من الذى ألفوا القديم من التفسير .. أو كما يقول: الذين ألفوا من أنفسهم التعلقات الفارغة عن المعانى، والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمبانى».
وكان مصمما ومقتنعا بهذه الطريقة لخدمة القرآن، فبدأ يفسر على أساسها سورة «الفاتحة» واتسع فى تفسيرها والاستنباط منها بما آتاه الله من علوم، تبرز قدرة الله وحكمته فى خلقه، أو فى كونه العلوى والأرضى. فعند ما يتعرض مثلا لتفسير «رب العالمين» يبين أن الوجود ليس محصورا فى عالمنا الذى ضبطت أحواله، لأن الخلاء الذى لا نهاية له خارج هذا العالم .. يمكن أن يشتمل على الآلاف من العوالم الأخرى .. بل إن الانسان لو اقتصر علمه على أن يحيط من هذا العالم فقط بعجائب المعادن، ويعرف عجائب أحوال النبات، وعجائب أقسام الحيوان، لنفد عمره فى أقل القليل من هذه المطالب، فلا ينتهى إلى غورها، مع أن ذلك كله يندرج تحت قوله تعالى «رَبِّ الْعالَمِينَ» (1)
(1) باختصار من كتاب التفسير ورجاله للشيخ محمد الفاضل بن عاشور ص 73، 74.