الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن والعلم
ولعل هذا يجرنا إلى بحث موضوع «القرآن والعلم» ، والقرآن من الدعوات الأساسية التى دعا إليها واعتمد عليها دعوته للعلم بشتى أنواعه.
ولذلك فنحن نتقبل فى أى تفسير بعض الحقائق العلمية، التى تبرز ما أشار إليه القرآن، وما رمى إليه من ذكر الدلائل الكونية، ولكن الكثير منه فى التفسير يشتت الذهن فعلا، وينقله إلى جو آخر. فالقليل منه نافع، والكثير يشوش الذهن ويبعده عن جو القرآن وسياقه .. هذا إذا لم نشد الآيات، ونلو عناقها، لتقبل تفسيرا علميا فيه كثير من التفتت ان لم يكن التفتت نفسه ..
فيصبح غير مقبول نهائيا
…
وكلا التفسيرين، يمكن أن نقول عنهما: تفسيرا علميا، لكثرة ذكر العلوم والاستدلال بها فيه ..
وأحب أن أذكر هنا وأؤكد أن هناك فرقا كبيرا، بين أن نستعين بالعلم، لتوضيح معنى آية أو جملة أو إظهار إعجاز القرآن، وبين أن تؤول الآية أو الجملة أو الكلمة تأويلا تعسفيا، لتكون مطابقة لما يقال من أنه علم ..
فمثلا قوله تعالى «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» حين يأتى المفسر ويقول إن العالمين جمع عالم، وتكون بمعنى العوالم المخلوقة من انسان وهو أشرفها وغيره، ويأخذ فى ذكر هذه العوالم الأخرى وما فيها من أسرار، وتنظيم دقيق، كعالم الأرض والسماء، ثم عالم النبات والحيوان والحشرات. والأسماك، والنجوم والأفلاك الخ .. ويبين أن الله خلق هذه العوالم، وأعطى كل شىء خلقه ثم هدى، لأنه ربها، ومتولى أمرها، وراعيها وحافظ حياتها. لتؤدى دورها، ثم يمتد بحثه عن هذه العوالم الأخرى المشابهة لعالمنا كما بحث العالم المؤمن الاستاذ الغمراوى (1) يكون قد خدم القرآن بهذا دون خروج على نصه»
(1) كما جاء فى كتابه الذى جمع فيه بحوثه العلمية القرآنية «الاسلام فى عصر العلم» فى الفصل الأول من الكتاب الرابع «الأعجاز العلمى للقرآن» ص 221.
أو قوله تعالى «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها» فيتحدث عن الثمرات وتنوعها وخاصيتها، ويبين على ضوء العلم سر قدرة الله فى خلق هذه الثمرات، وفى مختلف المناطق، ولكل منطقة ثمارها والوانها الخ .. مقتصدا فى بيان ذلك، بحيث لا يفسر الآيات عنوة على معنى، أو يفسر تفسيرا مخلا .. بل إنه يلقى ضوءا فحسب على ما يشير الله إليه، ليزيدنا إيمانا .. بهذا يكون العلم فعلا فى خدمة الإيمان والقرآن. وداعيا إليه.
وحين نذكر آيات خلق الانسان وتكون الجنين من «نطفة أمشاج» ونستعين بما وصل إليه العلم من مناظير وتشريح وتحليل، لبيان ما أشار الله إليه من عظيم قدرته فى خلق الإنسان- حين نفعل ذلك- لا نكون متعسفين فى استخدام العلم فى تفسير القرآن .. بل إننا نثاب على ذلك.
ولا يخشى على الحقيقة القرآنية من التغييرات فى النظريات العلمية، فإن النظرية العلمية مهما تتغير لا تخرج عن أنها تكشف جديدا فى التطور أو فى بيان قدرة الله، وإن كنا لا نشجع على بيان معانى القرآن وأسراره على ضوء نظريات لا تزال محل بحث. ومع ذلك .. فإنه لا يضر فى رأيى أن نبين معنى أو نذكر شيئا على أساس علمى ثم يظهر ضعفه، أو خلافه فيما بعد، لأن هذا الفهم لا يقدح فى القرآن، ولأن هذا الذى وصلنا إليه وقلناه، يمثل عقليتنا وعلمنا نحن حين قلناه، ولا يمثل حقيقة القرآن، وفى تفسيرات القرآن التى بين أيدينا الآن نجد أقوالا من علماء أفاضل فى تفسير الآية نراها متهافتة، ومع ذلك لا نعيب إلا على قائلها وفهمه ولا نعيب القرآن ..
ومع أن هذه هى الطريقة التى يمكن أن نقف عندها ونستعملها دون انزعاج، فإن ما يثار أحيانا من تفسيرات علمية تافهة ومتعسفة، تسيء للتفسيرات للجادة، وقد تروج وتشتهر بين الناس، ويكون ضررها أكثر من نفعها .. فى فهم القرآن، ولكن إلى حين .. وذلك كالذى فسر آيات سورة الرحمن حين ظهور مراكب الفضاء ووصولها للقمر، وذهابها إلى ما بعد الغلاف الجوى المحيط بالأرض.