الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفرق الصحابة فى البلاد ومدارس التفسير
لقد تفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البلاد. مكة، والعراق، ومصر، والشام وغيرها .. وكان منهم من عرف عنه العلم بتفسير القرآن أو القول فيه .. كابن عباس وابن مسعود وغيرهما .. والمسلمون جميعا مشدودون للقرآن، مهتمون بمعرفته وتفسيره، كل على قدر تطلعاته. وكان من الضرورى أن يسألوا عما يريدون منه، لاجئين إلى من يرونه ثقة فى ذلك ..
ولا يمكن أن نتصور فى هذا العصر أن أحدا من هؤلاء الموثوق بهم، قد خصص وقتا لتفسير القرآن، كما هو الشأن فى أيامنا، ولكن التفسير كان يحدث تبعا لأسئلة تلقى، فكان تفسيرا متناثرا حسب الوقت، والحاجة .. كما لا يمكن أن نتصور أن التفسير فى ذلك الوقت، كان كالتفسير الذى نقرؤه فى كتبه، أو نسمعه من المتخصصين أو شبههم فى أيامنا ..
بل كان تفسيرا فى حدود ما سمع من الرسول، أو قيل إنه سمع منه، مع إضافة شىء إليه مما سمع من أهل الكتاب إن كان المفسر ممن يقبل ذلك، كما كان فى حدود الفهم العربى للألفاظ والتراكيب، وما عرف من سبب نزول الآية.
وكانت تغلب عليه الرواية، ويسير فى حدودها .. ويتناقله الناس شفاها غير مكتوب ..
«واشتهر من الصحابة عدد قليل فى تفسير القرآن، وأكثر من روى عنه على ابن أبى طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبى بن كعب.
. وأقل من هؤلاء: زيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعرى، وعبد الله بن الزبير» (1).
وكان أبعد هؤلاء وأكثرهم أثرا فى التفسير: ابن عباس ومدرسته فى مكة، وابن مسعود ومدرسته وتلاميذه فى الكوفة، وأبى بن كعب الذى آثر المكث فى المدينة
(1) فجر الإسلام ص 249 الطبعة الثالثة للمرحوم أحمد أمين.
وكون فيها مدرسته التفسيرية .. وكان لكل من هؤلاء الصحابة تلامذة، أخذوا عنهم أقوالهم فى التفسير .. ولهؤلاء التلاميذ، تلامذة نقلوا عنهم .. وكل ذلك كان فى الصدور، لم يعن أحد منهم إلا قليلا بتدوين ما تلقاه فى كتاب، إذ كانت كتبهم هى صدورهم .. يحدثون الناس بما سمعوه من أساتذتهم من تفسير لآيات القرآن .. وبما يضيفونه إلى ذلك، من رواية سمعوها من غيرهم بطبيعة الأمر ..
وكانت الأقوال فى تفسير الآيات كالهواء فى تنقلاتها بين الناس، ليس هناك ضبط لها، ولا بيان لصحيحها من غيره .. فاختلط فيها الصحيح القليل عن الرسول، بما وضع على لسانه، بما نقل عن معلومات أهل الكتاب .. مع تفسير للألفاظ وبيان لمعانيها حسب المفهوم العربى لها .. ولم يكن ذلك كله بشكل منتظم مرتب، ولكن على حسب الظروف وسؤال السائلين، أو رغبة الاستاذ لبيان آية من الآيات يقتضيها الحال ..
وقد كان الأمر كذلك بالنسبة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان التفسير جزءا منها غير منفصل .. وظل الأمر كذلك حتى نهض فى أواخر القرن الهجرى من المسلمين، رجال هالهم هذا الخلط الكثير فى الأقوال والروايات، واتجهوا إلى غربلتها، وتمييز الصحيح من غير الصحيح، بتتبع حال الرواة الذين رووها، والوقوف على مدى الثقة فيهم .. وكان ذلك منهم حرصا على تنقية ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال غير صحيحة الانتساب، باعتبار أن الأحاديث الصحيحة هى المرجع الأول والأخير، سواء فى بيان معانى القرآن، أو فى بيان الأحكام، فوصلوا فى هذا المضمار إلى ما أرادوا، مما تميزت به صفحة الإسلام عن غيره من الأديان.