الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذى يقوله العلامة محمود شاكر لا بأس به فى الدفاع، لكنه مع ذلك ليس قاطعا ..
فما كان أغنانا عن هذه الروايات، وعندنا ما يكفى فى الدلالة على معناها من كلام العرب من شعر ونثر، على أن الاسرائيليات- وما شابهها- لا تقطع بمعنى لفظ فى القرآن الكريم .. وفيها ما فيها من الخطر على فهمه، ثم إننا نجد الروايات الإسرائيلية على ما فيها من تناقض تتدخل لفهم شىء مغيب عنا، لم يعن القرآن ببيانه فجاءت هذه الروايات تفسر المراد منه، وهو ليس من باب الاستدلال على معنى الكلمة عند العرب، كما يستدل بالشعر .. واكتفى هنا بمثال.
ما المراد بالشجرة:
ففي ص 518 من الجزء الأول يروى الطبرى عن ابن عباس قولا فى المراد بالشجرة فى قوله تعالى (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)، بأنها: البر، او السنبلة.
ويعدد الروايات عن ذلك القول، ويروى فى احداها صراحة أن أهل التوراة يقولون: هى البر، ثم روى روايات أخرى عن المراد بالشجرة، ومنها رواية ثانية عن ابن عباس نفسه بأنها: الكرمة (ص 519 فقرة 730 وما بعدها)، ثم يروى رواية ثالثة وأخيرة بأنها: التينة ص 520 فقرة 740.
وقد أتى بهذه الروايات التى شغلت حيزا كبيرا بعد ما ذكر قبلها: «الشجرة فى كلام العرب: كل ما قام على ساق ومنه قوله جل ثناؤه «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ» يعنى بالنجم ما نجم من الأرض من نبت، وبالشجر ما استقل على ساق» فذكر بذلك المراد بالشجرة فى كلام العرب. ثم بدأ فى بيان المراد منها عند أهل التأويل، وذكر هذه الروايات الغريبة التى تعتبر كلها خبطا بدون دليل ولا بينة.
فما الفائدة- اذن- من كل هذا السرد، وهو لا يكشف عن معنى الكلمة عند العرب؟!
إنه حقيقة- أعنى هذا السرد- يكشف لنا عن نموذج من تفكير الناس فى فهم القرآن فى ذلك الزمن .. لكننا كنا نود أن لو طوى عنا هذا النموذج، الذى لا أساس له من كلام العرب، ولا من بينة يوثق بها، ما دام يحمل معه هذه الخرافات.
ونلاحظ أن الطبرى روى فى هذه الروايات روايتين عن ابن عباس. رواية تقول المراد بالشجرة: البر، ورواية أخر تقول: إنها الكرمة!! فهل كان لابن عباس رأى، أو رأيان، أو لم يكن له رأى البتة؟. ولكن الرواة قالوا عن لسانه! ومن أين لابن عباس بهذا الرأى أو ذاك؟ ذلك ما كنا نحب أن يضعه أبو جعفر فى حسابه ويريحنا ويريح نفسه .. ومع هذا التعب كله فى سرد الروايات لمعرفة المراد بالشجرة، نجد الطبرى فى النهاية يضرب صفحا عن هذه الروايات كلها، ولا يثق بشيء منها، وكأنها معرض تحف قديمة بالية، ويشق الطريق إلى الرأى الذى يرتضيه- معه- أهل العلم والعقل المتزنون، وهو نموذج لخطته فى التفسير حين يكشف عن رأيه.
والحق أنها خطة ممتازة تكشف عن عقليته الفذة، العقلية العلمية المؤمنة التى لا ترضى بالكلام الجزاف، والتى تحافظ على العقول أن يملأها الحشو والخرافة وما لا جدوى منه .. وحبذا لو التزم هذه الطريقة فيما سرده من روايات. اقرأ معى رأيه فى المراد من الشجرة بعد سرد الروايات:
قال أبو جعفر (يعنى نفسه وهذه طريقته): والقول فى ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجته أكلا من الشجرة التى نهاهما ربهما عن الأكل منها فأتيا الخطيئة التى نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها بعد أن بين الله جل ثناؤه لهما عين الشجرة التى نهاهما عن الأكل منها، وأشار إليها بقوله:«ولا تقربا هذه الشجرة» ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطبين بالقرآن دلالة على أى أشجار الجنة كان نهيه آدم أن يقربها، فلم ينص عليها باسمها، ولا بدلالة