المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عوامل كسب الطفل للغة: - علم اللغة

[علي عبد الواحد وافي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌إطراء مجمع اللغة العربية لكتابي علم اللغة وفقه اللغة

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌تمهيد في التعريف بعلم اللغة

- ‌ البحوث اللغوية وما يدخل منها تحت علم اللغة:

- ‌ أغراض علم اللغة:

- ‌ قوانين العلوم:

- ‌ قوانين علم اللغة:

- ‌ قوانين "الفونيتيك" وقوانين "السيمنتيك

- ‌ الشعبة التي ينتمي إليها علم اللغة:

- ‌الانتفاع ببحوث علم اللغة من الناحية العلمية

- ‌ علاقة علم اللغة بما عداه من البحوث:

- ‌ مناهج البحث في علم اللغة:

- ‌ تاريخ البحوث اللغوية:

- ‌ موضوعات هذا الكتاب:

- ‌الباب الأول: نشأة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: نشأة اللغة عند الإنسان

- ‌ أنواع التعبير الإنساني:

- ‌ اختصاص الإنسان باللغة ومراكزها:

- ‌ نشأة الكلام:

- ‌ نشاة مراكز اللغة:

- ‌ المراحل الأولى التي اجتازتها اللغة الإنسانية:

- ‌الفصل الثاني: نشأة اللغة عند الطفل

- ‌ أنواع الأصوات في الطفولة، وأساس كل منها:

- ‌ أنواع التعبير في الطفولة:

- ‌ المراحل التي يجتازها الطفل في أصواته وتعبيراته:

- ‌ عوامل كسب الطفل للغة:

- ‌ أثر النظر في التقليد اللغوي:

- ‌ أساس التقليد اللغوي عند الطفل:

- ‌مبلغ تمثيل الطفل في ارتقائه اللغوي لنشأة الغة الإنسانية وتطورها

- ‌الباب الثاني: حياة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تفرع اللغة إلى لهجات ولغات

- ‌ انتشار اللغة وأسبابه:

- ‌ تفرع اللغة إلى لهجات ولغات نتيجة لازمة لسعة انتشارها:

- ‌ اللهجات المحلية وصراعها بعضها مع بعض

- ‌ نشأة لغة الدولة أو لغة الكتابة:

- ‌ اختلاف مناحي الفصحى باختلاف فنون القول:

- ‌ اختلاف اللهجات في البلد الواحد باختلاف طبقات الناس وفئاتهم:

- ‌ اختلاف لهجة الرجال عن لهجة النساء:

- ‌الفصل الثاني: فصائل اللغات وخواص كل فصيلة منها وما بينها من صلات:

- ‌ أشهر الآراء في فصائل اللغات:

- ‌ الفصيلة الأولى: الهندية الأوربية

- ‌ الفصيلة الثانية: الحامية - السامية:

- ‌الفصيلة الثالثة: اللغات الطورانية

- ‌ بعض ما تختلف فيه الفصيلتان السامية، والهندية - الأوربية:

- ‌ وجوه الشبه بين الفصيلتين السامية

- ‌الفصل الثالث: صراع اللغات

- ‌ نظرة عامة في عوامله وآثاره في حياة اللغة:

- ‌ العامل الأول: نزوح عناصر أجنبية إلى البلد

- ‌ العامل الثاني من عوامل الصراع اللغوي:

- ‌ عوامل أخرى للاحتكاك اللغوي:

- ‌الفصل الرابع: التطور اللغوي العام

- ‌مدخل

- ‌ انتقال اللغة من السلف إلى الخلف، وأثره في التطور اللغوي:

- ‌ تأثر اللغة باللغات الأخرى تبادل المفردات بين اللغات:

- ‌ العوامل الأدبية المقصودة:

- ‌الفصل الخامس: أصوات اللغة حياتها وتطورها

- ‌خواص التطور الصوتي وعوامله

- ‌ التطور الطبيعي المطرد لأعضاء النطق

- ‌ اختلاف أعضاء النطق باختلاف الشعوب:

- ‌ الأخطاء السمعية:

- ‌ تفاعل أصوات الكلمة بعضها مع بعض:

- ‌ موقع الصوت في الكلمة

- ‌ تناوب الأصوات وحلول بعضها محل بعض:

- ‌الفصل السادس: الدلالة وتطورها

- ‌أنواع التطور الدلالي

- ‌ خواص التطور الدلالي ومناهجه:

- ‌ عوامل التطور الدلالي:

- ‌أهم المراجع

- ‌أولا: المراجع العربية

- ‌ثانيا: أهم المراجع الأفرنجية

- ‌الفهرس:

- ‌تعقيب:

الفصل: ‌ عوامل كسب الطفل للغة:

مطابقة كل المطابقة للغة الجيل الذي أخذها عنه، بل تستقر لديه في صورة تختلف بعض الاختلاف عن لغة آبائه، ويرجع هذا الاختلاف إلى أسباب كثيرة، سنعرض لها في فصول الثلاثة الأخيرة من هذا الكتاب.

ص: 151

4-

‌ عوامل كسب الطفل للغة:

يتوقف التقليد اللغوي عند الطفل على عوامل كثيرة، من أهمها ما يلي:

1-

وضوح الإحساسات السمعية وتمييزها بعضها عن بعض:

يولد الطفل أصم، ويتمد صممه هذا حتى اليوم الرابع أو الخامس، وحينئذ تبدو لديه أمارات السمع، غير أن إحساساته السمعية تظل مبهمة إبهامًا كبيرًا، ويظل عاجزًا عن تحديد مصادرها حتى أواخر الشهر الرابع، ثم ترتقي ارتقاءً بطيئًا حتى أوائل السنة الثانية، ثم تدخل في دور النضج الذي يستغرق أمدًا غير قصير.

فالموازنة بين هذه المراحل والمراحل التي تسير فيها لغة الطفل، والتي سبق الكلام عنها في الفقرة السابقة، يتبين أن ظاهرة التقليد اللغوي تتبع في رقيها ظاهرة الإحساس السمعي.

أما السبب في ذلك فلا يحتاج إلى بيان؛ فالطفل في تقليده يحاكي ما يصل إليه عن طريق السمع، فمن البديهي أن تتوقف هذه المحاكاة على وجود قدرة السمع لديه، وأن تتأثر في ارتقائها بما ينال هذه الحاسة من دقة وتهذيب.

ولذلك نرى أن من يولد أصم ينشأ أبكم، ولو كانت أعضاء نطقه سليمة.

ص: 151

2-

الحافظة والذاكرة السمعيتان، ونعني بذلك القدرة على حفظ الأصوات المسموعة، وعلى تذكرها واستعادتها عند الحاجة إليها.

ولا تبدو هذه القدرة عند الطفل إلّا بعد بضعة أسابيع بعد ولادته1، وتظل ضعيفة حتى أواخر الشهر الرابع، ثم ترتقي ارتقاءً بطيئًا حتى أوائل السنة الثانية، وحينئذ تبدأ مرحلة نضجها.

فهذا العامل يقطع في طريق نموه المراحل نفسها التي يقطعها العامل الأول، وتصحبهما في سيرهما ظاهرة التقليد اللغوي؛ تظهر بظهورهما، وتنمو بنموهما.

أما وجه توقف التقليد اللغوي على هذه الظاهرة فلا يقل وضوحًا عن توقفه على الظاهرة الأولى، وذلك أن الكلمة التي يحاكيها الطفل لا تصبح جزءًا من لغته إلّا إذا استطاع حفظها واستعادتها عند الحاجة إلى التعبير عما تدل عليه.

3-

فهم الطفل لمعاني الكلمات، على الرغم من أن فهم الطفل لمعاني الكلمات يسبق قدرته على النطق بها -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- فإن هذا الفهم شرط ضروري للتقليد اللغوي، وعامل أساسي من عوامل نموه، وقد عرضنا في الفقرة السابقة لأمور كثيرة تدل على توقف التقليد اللغوي على هذا العامل، وتثبت أن كل ارتقاء في تفكير الطفل ودرجة فهمه يتبعه ارتقاء في تقليده ونمو في محصوله اللغوي، وتبين وجوه العلاقة بين الأمرين2، ولا أدل على هذا التوقف وهذا التلازم من أن الطفل الذي يولد مصابًا بجنون يحول بينه وبين فهم معاني الكلمات ينشأ أبكم، ولو كانت أعضاء سمعه ونطقه سليمة.

فالعوامل الثلاثة السابقة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطًا وثيقًا،

1 تظهر متأخرة عن موعد ظهور "الذاكرة البصرية""ذكر الأشياء المنظورة".

2 انظر مميزات الدلالة في هذا الدور بصفحات 143-150، وخاصة من آخر ص 147 إلى 149.

ص: 152

والتقليد في اللغة متوقف عليها مجتمعة في نشأته وفي تطوره، فعدم ظهوره قبل الشهر الخامس يرجع سببه إلى عدم وجودها قبل هذه السن، وضعفه في مرحلة "التمرينات النطقية" يرجع سببه إلى ضعفها في هذه المرحلة، وقوته في المرحلة التالية "مرحلة التقليد اللغوي" مدين بها الطفل لقوتها في هذا الدور.

غير أنه يحدث عند بعض الأطفال أن يتخلف التقليد عن هذه العوامل الثلاثة، فقد لوحظ أن بعض الأطفال يفهمون في سن مبكرة معظم ما يقال لهم "وفي هذا دليل على توافر العوامل الثلاثة توافرًا كاملًا"، ومع ذلك لا تظهر لديهم بوادر المحاكاة اللغوية إلّا في السنة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة. ولوحظ كذلك أن بعض الأطفال يتقدمون كثيرًا في السن ولا يتكلمون إلّا بمعالجة واستخدام وسائل غير طبيعية مع سلامة أعضاء نطقهم وسمعهم وقواهم الفكرية، ومع أن سلوكهم في مرحلة بكمهم هذه يدل على فهمهم لما يوجه إليهم أو يقال حولهم من حديث، ولوحظ أن هذا التأخر اللغوي يتبعه غالبًا تأخر في المشي عند الطفل.

ويرجع في الغالب سبب هاتين الظاهرتين معًا "تأخر الكلام وتأخر المشي" إلى خمول محلي في أعضاء النطق والحركة، أو كسل طبيعي عام، أو تراخي الطفل وقلة نشاطه، وضعف رغبته في الاشتراك في الحياة الاجتماعية.

ولهذا يجدر أن نضيف إلى هذه العوالم الثلاثة عاملًا رابعًا، وهو نشاط الطفل الحيوي وقوة عزمه وإرادته ورغبته في الاشتراك في حلبة الحياة.

ص: 153