الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتارةً يلتصقان بعد تباعدهما، فتسقط الأصوات التي تفصلهما، ويتكون منهما صوت لين مركب diphtongue، كما حدث في الكلمة الاتينية r e g i na؛ إذ تحولت في الفرنسية القديمة إلى1 reine.
وتارةً يتباعدان بعد التصاقهما، فيقحم بينهما صوت ساكن "أي غير لين" لتسهيل النطق بها، كما حدث في الكلمة الفرنسية القديمة pooir؛ إذ تحولت في الفرنسية الحديثة إلى Pouvoir.
وتارةً يتحول أحدهما إلى صوت لين آخر إذا كانا متحدين، كما حدث في الكلمة اللاتينية V i c j nus؛ إذ تحولت في لغة التخاطب عند الرومان إلى V e c i nus
وتارةً يخرج أحدهما عن فصيلته خروجًا تامًّا؛ فيتحول إلى صوت ساكن2 "ونعني به ما يقابل أصوات اللين" كما حدث في الكلمة اللاتينية p l a tt e a؛ إذ تحولت إلى p l a tt s a3، وكما حدث في بعض اللهجات العامية للمقاطعات الفرنسية "أوفرني وفوريه ودوفينيه Auvergne Forez Dauphine"؛ إذ تحولت فيها الكلمات التي من قبيل fsalo tsals إلى fialo lialo6
1 تحولت هذه في الفرنسية الحديثة إلى reine التي ينطق بها reine خضوعًا لقانون "التناوب بين أصوات اللين" الذي سنتكلم عليه في صفحتي 308، 309.
2 تحولت إلى ذلك في الغالب الصوت الأول منهما، كما يظهر من الأمثلة التي سنذكرها.
3 تحولت هذه في الفرنسية إلى Place.
6-
موقع الصوت في الكلمة
وموقع الصوت في الكلمة يعرضه كذلك لكثير من صنوف التطور والانحراف.
1-
وأكثر ما يكون ذلك في الأصوات الواقعة في أواخر
الكلمات، سواء أكانت أصوات لين أم أصواتًا ساكنة "ونعني بالساكنة ما عدا أصوات اللين".
أ- أما أصوات اللين فقد لوحظ أن وقوعها في آخر الكلمة يجعلها في الغالب عرضة للسقوط، ويؤدي أحيانًا إلى تحولها إلى أصوات أخرى.
فمن ذلك ما حدث في اللغة العربية بصدد أصوات اللين القصيرة "المسماة بالحركات، وهي الفتحة والكسرة والضمة" التي تلحق أواخر الكلمات؛ ففي جميع اللهجات العامية المنشعبة عن العربية "عاميات مصر والسودان، والعراق والشام ولبنان وفلسطين والحجاز واليمن والمغرب
…
إلخ" قد انقرضت هذه الأصوات جميعها، سواء في ذلك ما كان منها علامة إعراب، وما كان منها حركة بناء، فينطق الآن في هذه اللهجات بجميع الكلمات مسكنة الأواخر؛ فيقال مثلًا: رجعْ عمرْ للمدرسةْ بعدْ ما خفْ من عياه" بدلًا من "رجعَ عمرُ إلى المدرسةِ بعدَ ما خفَّ من إعيائه"، ولعل هذا هو أكبر انقلاب حدث في اللغة العربية، فقد أتى جميع الكلمات فانتقصها من أطرافها، وجردها من العلامات الدالة على وظائفها في الجملة، وقلب قواعدها القديمة رأسًا على عقب1.
ومن هذا القبيل كذلك ما حدث في اللغة العربية بصدد أصوات اللين الطويلة "الألف والياء والواو" الواقعة في آخر الكلمات؛ فقد تضاءلت هذه الأصوات في عامية المصريين وغيرهم، حتى كادت تنقرض تمام الانقراض، سواء في ذلك ما كان منها داخلًا في بنية الكلمة. "رمى، يرمي
…
إلخ" وما كان خارجًا عنها "ضربوا، ناموا
…
إلخ"، فيقال مثلًا في عامية المصريين. "سامِ وعيسَ ومصطفَ أبُ حسين سافرُ
1 يرجع السبب كذلك في هذه الظاهرة إلى العامل الذي أشرنا إليه في الفقرة الرابعة من هذا الفصل، وهو الأخطاء السمعية التي تنشأ عن ضعف بعض الأصوات "وانظر ص297".
يوم الخميس لجرجَ" بدلَا من "سامي وعيسى ومصطفى أبو حسين سافروا يوم الخميس إلى جرجا"1.
وما حدث في اللغة العربية حدث في مثله في كثير من اللغات الأخرى، فمعظم أصوات اللين المتطرفة في اللغة اللاتينية قد انقرضت في اللغات المنشعبة عنها2؛ ففي الأسبانية سقط من هذه الأصوات صوتان وهما3 l E، وفي البروفنسية provencal والفرنسية القديمة لم يكد يبقى شيء منها4، وبعض هذه الأصوات قد تحول إلى أصوات لين أخرى كما حدث لصوت "a" إذ تحول في الفرنسية القديمة إلى5 "e" canta chante linta lente fava feve
ب- ووقوع الصوت الساكن "ونعني به ما يقابل الصوت اللين" في آخر الكلمة يجعله كذلك عرضة للتحول أو السقوط.
فمن ذلك ما حدث في اللغة العربية بصدد التنوين ونون الأفعال الخمسة والهمزة والهاء المتطرفين6؛ فقد انقرضت هذه الأصوات في معظم اللهجات العامية المنشعبة عن العربية، كما يظهر ذلك من الموازنة بين العبارات العربية المدونة في السطرين التاليين ونظائرهما في عامية المصريين المدونين في أول الصفحة التالية:
محمدٌ ولدٌ مطيعٌ، الأولاد يلعبون، الهواء شديدٌ، انظرته ساعةً كاملةً.
1 يرجع السبب كذلك في هذه الظاهرة إلى العامل المشار إليه في التعليق السابق.
2 يستثنى من ذلك الإيطالية، فقد احتفظت بمعظم هذه الأصوات.
3 يستثنى من ذلك بعض كلمات قليلة بقي فيها أحد هذين الصوتين.
4 انقرضت جميعها في الواقع ما عدا صوت A الذي سيأتي الكلام عنه، وما عدا بعض حالات شاذة.
5 يستثنى من ذلك بعض كلمات قليلة، وقد حدث هذا التطور في المدة المحصورة بين نهاية القرن الثامن وأوائل القرن الرابع عشر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، انظر رقم 4 بصفحة 286. وانظر Dauzat op cit 142
6 التاء المربوطة حكمها في ذلك حكم الهاء المتطرفة، كما يظهر في المثال المذكور فيما بعد، ويرجع السبب كذلك في هذه الظاهرة إلى العامل الذي أشرنا إليه في التعليق الأول في الصفحة السابقة.
محمدْ ولدْ مطيعْ، الأولادْ بيلعبُ، الهوَ شديدْ، انتظرتُ ساعَ كامْلَ.
ومن هذا القبيل كذلك حذف آخر الكلمة التي يوقف عليها في عامية كثير من المناطق المصرية؛ كبعض مناطق بني سويف والشرقية ورشيد وغيرها، فيقال مثلًا:"أنت ياول" بدلًا من "أنت يا ولد"، "فين أخوك محمود" بدلًا من "أين أخوك محمود"، "ادِّيلُ خمسأرو" بدلًا من "أد له خمسة قروش"1.
وما حدث في اللغة العربية بهذا الصدد حدث مثله في كثير من اللغات الأخرى، فمعظم الأصوات الساكنة المختتمة بها الكلمات اللاتينية قد انقرضت في النطق الفرنسي، أو تحولت إلى أصوات ساكنة أخرى أضعف منها، أو إلى أصوات لين.
أما الانقراض فلم يكد ينجو منه إلّا القليل من أنواع هذه الأصوات plunbum، تحولت في الفرنسية إلى plomb التي ينطق بها plon بدون صوت الباء الأخير، compus تحولت في الفرنسية إلى champ ينطق بها chan بدون صوت p الأخير
…
إلخ2. ومن ذلك أيضًا حذف علامة الجمع S في النطق الفرنسي، وبذلك أصبح المفرد وجمعه المختتم بصوت S سيين في النطق ولا يختلفان إلّا في الرسم.
وأما تحولها إلى أصوات ساكنة ضعيفة فقد حدث في كثير من الكلمات المنتهية بأصوات مدوية sonores مثل أصوات v d d؛ إذ تحولت في الفرنسية القديمة هذه الأصوات القوية إلى أصوات ضعيفة صامتة مثل أصوات f t p "na v em gran dem تحولتا في الفرنسية القديمة إلى vef grant" وقد جرت عادة العلماء أن يطلقوا على
1 سار على هذا الأسلوب كذلك بعض اللغات العربية الفصيحة، كلغة طيئ، وقد جرت عادة المؤلفين من العرب بتسميته قطعة طيئ "أي: قطع اللفظ تمامه"، فكان يقال مثلًا في لغتهم: "يا أبا الحك" بدلًا من يا أبا الحكم، ولم يكن هذا مقصورًا لديهم على المنادى، بل كان عامًّا في جميع الكلمات.
2 V. Dauzat، op. cit.، 75-67
هذه الظاهرة اسم "توهين الأصوات الساكنة الأخيرة.
assourdissement des consonnes sonores finales1
وأما تحولها إلى أصوات لين فقد حدث على الأخص في حرف اللام المتطرفة "vocalisation de "1' final"2.
هذا، وقد أحدث سقوط الأصوات اللينة والساكنة الواقعة في أواخر الألفاظ انقلابًا كبيرًا في عالم اللغات، فقد كان من آثاره انقراض "طريقة الإعراب" في كثير من اللغات التي كانت تسير عليها كالعربية واللاتينية وما إليهما3.
2-
ووقوع الصوت في وسط الكلمة يعرضه كذلك لكثير من صنوف التطور والانحراف.
فمن ذلك ما حدث في اللغة العربية بصدد الهمزة الساكنة الواقعة في وسط الثلاثي، فقد تحولت إلى ألف لينة في عامية المصريين وغيرهم "فيقال: راس، فاس، فال، ضاني
…
بدلًا من: رأس، فأس، فأل، ضأن
…
إلخ".
ومن هذا القبيل كذلك ما حدث بصدد الياء والواو الساكنتين في وسط الكلمة في مثل عين ويوم، فقد تحولتا في بعض المناطق المصرية وغيرها إلى صوتين من أصوات اللين: فأولهما تحول إلى صوت يشبه صوت ai e في اللغة الفرنسية "عين، خيل، بين، زينب
…
إلخ" وثانيهما تحول إلى صوت يشبه صوت o الفرنسي "يوم، نوم، فوز، لوم
…
إلخ".
1 حدث مثل ذلك أيضًا في الألمانية الحديثة؛ إذ تحول فيها مثلًا grob tod إلى grop tot انظر Dauzat، op. cit.، 75
2 حدث ذلك في الفرنسية وفي البروفنسية حوالي القرن الثاني عشر الميلادي V. Dauzat، op Cit 75
3 "طريقة الإعراب" هي الطريقة التي تعتمد في بيان نوع الكلمة ووظيفتها في الجملة على ما يلحق آخرها من أصوات، ولا يزال لهذه الطريقة آثار كثيرة في بعض لغات التخاطب كالألمانية وما إليها.
ومن ذلك تحريك الحرف الساكن إذا وقع في وسط كلمة ثلاثية في كثير من لهجات البلاد العربية "عامية الشرقية، وبعض عاميات الصعيد، ولهجات القبائل العربية النازحة إلى مصر من المغرب، ولهجة العراق
…
إلخ"، فيقال مثلًا: اسِم، رَسِم، مِصر، جُرُن، بِدرِ، فَحلِ، فِجلِ، بدلًا من: اسمْ، رسمْ، مصْر، جرنْ، بَدْر، فَحْل، فجْل
…
إلخ1.
وقد سجل الباحثون ظواهر كثيرة من هذا القبيل في اللغات الهندية - الأوربية.
فمن ذلك ما حدث بصدد صوت اللين القوي tonique الواقع قبيل آخر الكلمة، وخاصة إذا كان حرًّا Voyelle libre، أي: متبوعًا بصوت ساكن واحد، أو بصوتين من إحدى المجموعات الآتية: br cr dr tr، فقد تحول هذا الصوت في معظم حالاته في اللغات الاتينية والجرمانية واليونانية القديمة إلى صوت لين مركب diphtongue. وأشد أصوات اللين اتجاهًا إلى هذا التحول صوتان هما e o، وأقل منهما ميلًا إلى ذلك صوتا e o، وأقلها جميعًا ميلًا إلى هذا التحول صوتا U i، فإنه لم يكد يبدو فيها هذا الميل إلّا في اللغات الجرمانية "scinan تحولت في الألمانية scheinen وينطق بها chainen، وفي الإنجليزية إلى shine وينطق بها2 shaine".
ومن ذلك ما حدث للصوت الساكن الواقع بين صوتي لين، فموقعه هذا قد أدى به أحيانًا إلى السقوط، وأحيانًا إلى الانحراف عن مخرجه الأصلي والتحول إلى صوت آخر؛ فصوت الباء b قد تحول في لغة التخاطب اللاتينية إلى صوت v "faba تحولت إلى fava3، وصوت السين قد تحول في اللاتينية إلى راء "arbosis تحول
1 هذه كذلك لهجة قديمة من لهجات بعض القبائل العربية.
2 ظهر هذا الميل كذلك في بعض اللهجات العامية الإيطالية. Dauzat، op. cit.، 70.
3 لم يشذ عن ذلك إلّا عدد يسير من الكلمات.
إلى arboris" وصوت الدال a في الكلمات اللاتينية قد تحول إلى z في البروقنسية1 وسقط في الفرنسية والأسبانية.
latin: videre; provene Wal: vezer; francais: veoer، voir; espagnol: veer ver، وصوتا اللام والنون الواقعتان بين صوتي لين قد سقطا في اللغة البرتغالية في العصور الوسطى "p o pu l u s تحول إلى: rationem povo تحول إلى razoe.. إلخ"، والأصوات الصامتة "p t k etc" consonnes الواقعة بين صوتي لين قد تحولت في اللاتينية الحديثة حوالي القرن السادس إلى أصوات مدوية consonnes sonores قريبة منها b d g etc، وإلى هذا الحد وقف تطور هذا النوع في الأسبانية والبروفنسية. أما في الفرنسية الحديثة فقد حدث تحول آخر؛ إذ انقلب صوت الباء b إلى V وسقط صوتا الدال والجيم d g كما يظهر ذلك من الأمثلة الآتية2.
latin: ripa; amata; securus
esp. et prov: libera "riba" amada، segur "o
francais: rive، aimee، sur
3-
ووقوع الصوت في أول الكلمة يجعله كذلك عرضة للانحراف، فمن ذلك ما حدث في بعض المفردات العربية المفتتحة بالهمزة؛ إذ تحولت همزتها في بعض اللهجات العامية إلى فاء أو واو "أذن" تحولت في عامية المصريين إلى "ودن"، و"أين" تحولت إلى "فين" أو إلى "وين" في عامية القبائل العربية النازحة إلى مصر من المغرب وفي عامية العراق والحجاز، و"أدّى" تحولت في بعض المواضع في عامية المصريين إلى "وى"، فيقال مثلًا:"وداه المدرسة" بمعنى "أدى به إلى المدرسة" أي: أوصله إليها"3.
1 كان ينطق بصوت z في البروفنسية كما ينطق بالذال العربية "th في الإنجليزية".
2 انظر في هذا الموضوع Dauzat، op، cit.، 74،75
3 ليس هذا مقصورًا على اللغات العامية، بل يوجد له نظير في بعض اللغات العربية الفصحى، ففي لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واوًا في مثل "آتيته"، فيقال مثلًا "واتيته" على الأمر مواتاة، وهي المشهورة على ألسنة الناس.