الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن ظاهرة كهذه لا تكاد تبدو إلّا حيث تكون لغة المحادثة غير تامة التكون ولا كاملة النمو، ولا تبقى إلّا ما بقيت لغة المحادثة على هذه الحال؛ فإذا ما بلغت هذه اللغة أشدها، وتمّ تكونها، واكتمل نموها، واتسع متنها، ووضحت دلالات مفرداتها، ووجوه استخدامها، وتشعبت فيها فنون القول، ودقت مناحي التعبير، وقويت على تأدية حقائق الآداب والعلوم، أخذت تطارد لغة الكتابة وتسلبها وظائفها وظيفة وظيفة حتى تجردها منها جميعًا، فتصبح هي لغة الكتابة، وتقذف بلغة الكتابة القديمة في زوايا اللغات الميتة، وهذا هو ما انتهى إليه أمر اللاتينية مع لغات المحادثة بفرنسا وإيطاليا ورومانيا وأسبانيا والبرتغال.
فما أشبه لغة الكتابة الجامدة في حالات كهذه بجبل ثلج ثابت على ما سطح البحر، ولغات المحادثة المتطورة بالتيارات المائية التي تموج تحته، فمهما طال بقاء هذا الثلج، فإن مصيره إلى التحطيم والذوبان، وحينئذ تطفو تلك التيارات إلى سطح البحر، وتعيد إليه ما كان مستورًا تحت هذا الجبل الجامد من مظاهر النشاط والحياة.
2-
تأثر اللغة باللغات الأخرى تبادل المفردات بين اللغات:
تقدَّم أن أيّ احتكاك يحدث بين لغتين أو بين لهجتين -أيًّا كان سبب هذا الاحتكاك، ومهما كانت درجته، وكيفما كانت نتائجه الأخيرة- يؤدي لا محالة إلى تأثر كل منهما بالأخرى1.
ولما كان من المتعذر أن تظل لغة بمأمن من الاحتكاك بلغة أخرى، لذلك كانت كل لغة من لغات العالم عرضة للتطور المطرد عن هذا الطريق.
1 انظر صفحات 179-185، 229-248.
وأهم ناحية يظهر فيها هذا التأثر هي الناحية المتعلقة بالمفردات كما سبقت الإشارة إلى ذلك؛ ففي هذه الناحية على الأخص تنشط حركة التبادل بين اللغات، ويكثر اقتباسها بعضها من بعض، وقد تذهب بعض اللغات بعيدًا في هذا السبيل، فتقتبس معظم مفرداتها أو قسمًا كبيرًا منها عن غيرها؛ كما فعلت التركية مع الفارسية والعربية، والسريانية مع اليونانية، والفارسية مع العربية.. وهلم جرا1.
وأما القواعد وأساليب الصوت فلا تنتقل في الغالب من لغة إلى أخرى إلّا بعد صراع طويل بين اللغتين، ويكون انتقالها إيذانًا بقرب زوال اللغة التي انتقلت واندماجها في اللغة التي انتقلت منها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك2.
ولهذا تخضع في الغالب الكلمات المقتبسة للأساليب الصوتية في اللغة التي اقتبستها، فينالها كثير من التحريف في أصواتها وطريقة نطقها، وتبعد جميع هذه النواحي عن صورتها القديمة؛ فالكلمات التي أخذتها العربية مثلًا عن الفارسية أو اليونانية، قد صبغ معظمها بصبغة اللسان العربي حتى بعد كثيرًا عن أصله، ومن ثَمَّ نرى أن الكلمة الواحدة قد تنتقل من لغة إلى عدة لغات، فتتشكل في كل لغة منها بالشكل الذي يتفق مع أساليبها الصوتية ومنهاج نطقها، حتى لتبدو في كل لغة منها غريبة عن نظائرها في اللغات الأخرى؛ فالكلمات العربية مثلًا التي انتقلت إلى اللغات الأوروبية قد تمثّلت في كل لغة منها بصورة تختلف اختلافًا غير يسير عن صورتها في غيرها.
وكثيرًا ما ينال معنى الكلمة نفسه تغييرًا أو تحريف عند انتقالها من لغة إلى لغة، أو من لهجة إلى أخرى؛ فقد يخصص معناها العام، ويقصر على بعض ما يدل عليه، وقد يعمم مدلولها الخاص، وقد تستعمل في غير ما وضعت له لعلاقة ما بين المعنيين، وقد تختلط إلى درجة وضيعة
1 انظر صفحتي 224، 225.
2 انظر صفحات 183، 184، 236، 237 وآخر 244.
في الاستعمال؛ فتصبح من فحش الكلام وهجره، وقد تسمو إلى منزلة راقية فتعتبر من نبيل القول ومصطفاه1.
ويختلف مبلغ ما تأخذه لغة عن أخرى باختلاف العلاقات التي تربط الشعبين، وما يتاح لهما من فرص للاحتكاك المادي والثقافي؛ فكلما قويت العلاقات التي تربط أحدهما بالآخر، وكثرت فرص احتكاكهما، نشطت بينهما حركة التبادل اللغوي، ولذلك تبلغ هذه الحركة أقصى شدتها حينما يسكن الشعبان منطقة واحدة أو منطقتين متجاورتين، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفصل الثالث2؛ فالإنجليزية قد أخذت عن النورماندية أكثر مما أخذته عن أية لغة أخرى؛ لأن الغزاة من النورمانديين قد استقر بهم المقام في بلاد الإنجليز الملغلوبين نفسها3. واللاتينية قد اقتبست من الإغريقية أكثر مما اقتبسته من أية لغة أخرى، وذلك لتجاور منطقتيهما وشدة الامتزاج بين الشعبين الناطقين بهما4، ولهذا السبب نفسه بلغت حركة التبادل اللغوي أقصى شدتها بين العربية الفارسية والتركية5. وما اقتبسته ألمانية سويسرا من اللغة الفرنسية لا يذكر بجانبه ما اقتبسته منها ألمانية النمسا مثلًَا، وذلك لأن القسم الألماني اللغة في سويسرا متاخم للقسم الفرنسي اللغة ولشدة الاحتكاك بين سكان القسمين، على حين أن النمسا غير متاخمة لمنطقة فرنسية اللسان، وقد تسرب إلى لغة رومانيا عدد كبير من مفردات الشعبتين الصقلبية والمجرية، على حين أن أخواتها اللاتينية الأصل "الفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية" لم تكد تتأثر بهذين اللسانين، وذلك لأن رومانيا قد انعزلت عن أخواتها اللاتينية، وأحاط بها من جميع جهاتها أمم صقلبية اللسان أو مجريته.
1 انظر صفحة 236، وقد ضرب العلامة Dauzat في كتابه "فلسفة اللغة" Philosophie du Langage أمثلة طريفة لهذه الظواهر، انظر آخر ص82 وصفحة 83 من كتابه هذا.
2 انظر صفحات 229-247.
3 انظر صفحات 234-240.
4 انظر صفحة 239.
5 انظر صفحات 239، 245، 246.
والمفردات التي تقتبسها لغة ما عن غيرها من اللغات يتصل معظمها بأمور قد اختص بها أهل هذه اللغات أو برزوا فيها، أو امتازوا بإنتاجها، أو كثرة استخدامها.. وهلم جرا، فمعظم ما انتقل إلى العربية من المفردات الفارسية واليونانية يتصل بنواحٍ مادية أو فكرية امتاز بها الفرس واليونان، وأخذها عنهم العرب1. ويتألف معظم المفردات التي أخذتها الإنجليزية عن النورماندية من كلمات دالة عن معانٍ كليةٍ وألفاظ تتصل بشئون المائدة والطهي والطعام، وذلك لأن النورمانديين كانوا يفوقون الإنجليز كثيرا في هاتين الناحيتين، فغزرت مفرداتهما في لغتهم، بينما قلَّ ورودها في لغة الإنجليز القديمة2. وقد انتقل إلى اليونانية، ومنها إلى اللاتينية، كثير من الكلمات الفينيقية المتصلة بشئون الملاحة والبحرية، وذلك لأن الفينيقيين قد سبقوا غيرهم من الشعوب في هذا المضمار، وانتقل إلى اللاتينية كثير من الكلمات الإغريقية المتعلقة بالمصطلحات الفلسفية والدينية، وذلك لبراعة الإغريق في ميدان الفلسفة، ولأن الدين المسيحي قد انتشر بفضلهم في شرق الإمبراطورية الرومانية ووسطها. وقد أخذت اللغات الجرمانية عن اللاتينية كثيرًا من المفردات المتصلة بالقضاء والتشريع ونظم الاجتماع والسياسة، وما إليها، وذلك لأن الرومان كانوا مبرزين في جميع
1 من أشهر المفردات التي انتقلت إلى العربية من الفارسية: الكوز، الأبريق، الطست، الخوان، الطبق، والسكرجة، السمور - الخز، الإبريسم، الديباح، السندس1 الياقوت، الفيروج، البلور- السميذ، الكعك، الفالوذج - الفلفل، الكرويا، القرفة، الزنجبيل، الخولنجان، الدار صيني - النرجس، البنفسج، السوسن، الياسمين، الجلنار، المسك، العنبر، الكافور، الصندل، القرنفل..إلخ.
ومن أشهر ما أخذته العربية من اليونانية أسماء بعض الآلات الرصد والجراحة، وبعض مصطلحات الطب والفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية وغيرها، وأخذت عنها كذلك أسماء بعض المعادن والوظائف والمنشآت المعمارية وغيرها وأدوات البناء والموازين والأمتعة.. إلخ: كالقبرس "وهو أجود النحاس"، والبطريق، والقيطون "وهو البيت الشتوي"، والقنطرة، والفردوس "البستان" والقراميد "الآجر"، والقسطاس "الميزان" والقنطار، والبطاقة، والسجنجل "المرأة"
…
وهلم جرا.
انظر في ذلك فقه اللغة للثعالبي، الباب التاسع والعشرين، وانظر كذلك المزهر للسيوطي الجزء الأول، النوع التاسع عشر.
2 انظر صفحة 235.
هذه الشئون1. ولهذا السبب نفسه انتقل إلى الفرنسية كثير من الكلمات الجرمانية المتصلة بشئون الحرب، ومنها كلمة الحرب نفسها La guerre2، وكثير من الكلمات الإيطالية المتصلة بالموسيقى وآلاتها والفنون الجميلة، وانتقل إلى معظم اللغات الأوروبية وغيرها المفردات الإنجليزية المتصلة بالألعاب الرياضية، والمفردات الفرنسية المتعلقة بالأزياء وألوان الطعام.
ومن أجل ذلك تنتقل مع المنتجات الزراعية والصناعية أسماؤها في لغة المناطق التي ظهرت فيها لأول مرة أو اشتهرت بإنتاجها، أو تصدر منها في الغالب، فتنتشر عن هذا الطريق في لغات البلاد الأخرى، فكلمة "شاي" مثلًا قد انتقلت إلى معظم لغات العالم من لغة جزر ماليزيا Malaisie التي كانت المصدر الأول لهذه المادة "شاي" في العربية، "the" في الفرنسية، tea في الإنجليزية..إلخ". وكذلك كلمة الطباق، فقد انتقلت إلى معظم اللغات الإنسانية من لغة السكان الأصليين لأمريكا؛ حيث كشفت هذه المادة لأول مرة "طباق" في العربية، tapac في الفرنسية، topacco في الإنجليزية
…
إلخ". وعن هذا الطريق انتقل إلى اللغات الأوروبية كثير من الكلمات العربية الدالة على منتجات زراعية أو صناعية: الليمون، والموصلي "وهو نسيج خاص ينسب إلى الموصل"، والزعفران، والشراب، والسكر، والكافور، والقنوة "عسل قصب السكر المجمد"، والقهوة، والقطن والقرمزي، والكمون، والدمشقي "نسيج بنسب إلى دمشق".
في الإنجليزية Lemon، muslin، saffron، sherbet، syrup، sugar، camphor، candy، coffee، cotton، crimson، cucin، damask
وفي الفرنسية Limon، mousseline، safran، sorbet، sirop، sucre، camphre، candi، cafe، cramoisi، cumin، damas
1 V. Duzat: phiosophie du Langage، 105
2 فهي مأخوذة من الكلمة الجرمانية القديمة Werra.
3-
أثر العوامل الاجتماعية والنفسية والجغرافية في خصائص اللغة وتطورها، ونقد نظرية دو سوسور De Saussure
تتأثر اللغة أيما تأثر بحضارة الأمة، ونظمها وتقاليدها، وعقائدها واتجاهاتها ودرجة ثقافتها، ونظرها إلى الحياة، وأحوال بيئتها الجغرافية وشئونها الاجتماعية العامة
…
وما إلى ذلك، فكل تطور يحدث في ناحية من هذه النواحي يتردد صداه في أداة التعبير، ولذلك تعد اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب، فبالوقوف على المراحل التي اجتازتها لغة ما، وفي ضوء خصائصها في كل مرحلة منها، يمكن استخلاص الأدوار التي مر بها أهلها في مختلف مظاهر حياتهم.
فكلما اتسعت حضارة الأمة، وكثرت حاجاتها ومرافق حياتها، ورقي تفكيرها، وتهذبت اتجاهاتها النفسية، نهضت لغتها، وسمت أساليبها، وتعددت فيها فنون القول، ودقت معاني مفرداتها القديمة، ودخلت فيها مفردات أخرى عن طريق الوضع والاشتقاق والاقتباس للتعبير عن المسميات والأفكار الجديدة. وهلم جرا. واللغة العربية أصدق شاهد على ما نقول؛ فقد كان لانتقال العرب من همجية الجاهلية إلى حضارة الإسلام، ومن النطاق العربي الضيق الذي امتازت به حضارتهم في عصر بني أمية، إلى الأفق العالمي الواسع الذي تحولوا إليه في عصر بني العباس، كان لهذين الانتقالين أجلَّ أثر في نهضة لغتهم ورقيّ أساليبها واتساعها لمختلف فنون الأدب وشتى مسائل العلوم.
وانتقال الأمة من البداوة إلى الحضارة يهذب لغتها، ويسمو بأساليبها، ويوسع نطاقها، ويزيل ما عسى أن يكون بها من خشونة، ويكسبها مرونة في التعبير والدلالة، وأن موازنة بين حالة اللغة العربية
في عهد بداوة العرب قبل الإسلام، وحالتها في عهد حضارتهم الإسلامية، أو بين ما كانت عليه عند أهل البادية في عصر ما، وما كانت عليه في الحضر في العصر نفسه، لأصدق برهان على ذلك، وأن البدويّ الذي لم يلهمه شيطانه في مدحه للأمير أحسن من قوله:
أنت كالكلب في حفاظك للعهد
…
وكالتيس في قراع الخطوب
قد استطاعت قريحته بعد أن هذبتها حضارة بغداد أن تجود بمثل قوله:
عيون المها بين الرصافة والجسر
…
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وما يحدث بين حضارة الأمة ولغتها من توافق وانسجام، يحدث مثله بين لغتها ومظاهر بيئتها الجغرافية؛ فجميع خصائص الإقليم الطبيعية تنطبع في لغة سكانها، ومن أجل ذلك نشأت فروق كبيرة في مختلف مظاهر اللغة بين سكان المناطق الجبلية وسكان الصحراء وسكان الأودية، وبين سكان المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية، ومن كذلك نشأت فروق غير يسيرة بين الفصيلة اللغوية الواحدة، بل بين لهجات اللغة الواحدة. ومن أجل ذلك أيضًا غزرت في كل لغة المفردات التي تدور حول مظاهر بيئتها الجغرافية، ودقت دلالاتها، وانبثت في شتى فنون القول، ومن أجل ذلك أيضًا كان قسط كبير من مادة الخيال والتشبيه في كل لغة مستمدًّا من مظاهر البيئة وما اختصت به طبيعة البلاد، ومن أجل ذلك أيضًا تمثل في أسلوب اللغة وفنونها الأدبية ما تختص به بيئتها الطبيعية من تلَبُّدٍ أو صفاء، وقبح أو جمال، وصخب أو هدوء، وتنوع أو اطراد، وتقلب أو ثبات، وما ينبعث عنها من رخاوة أو قوة، وخمول أو نشاط، وخشونة أو نعيم، ولهذا كله يستطيع الباحث معرفة البيئة الأولى التي نشأت فيها لغة ما على ضوء مفردات هذه اللغة وغزارتها في بعض النواحي، وجدبها في نواحٍ أخرى، وما تجنح إليه أساليبها ومادتها في الخيال والتشبيه، وخواص آدابها
…
وما إلى ذلك.
وإليك مثلًا لغات الفصيلة السامية؛ ففي كل لغة منها تتمثل حالة البيئة التي سكنها الناطقون بها؛ فالآرامية التي نشأت في الشمال جافة الألفاظ، قليلة المفردات، ثقيلة التراكيب، مضطربة القواعد، لا تكاد تواتي الأساليب الشعرية الراقية، والعربية التي نشأت في الجنوب أعذب اللغات السامية ألفاظًا، وأغناها مفردات، وأدقها قواعد، وأكثرها مرونة واتساعًا لمختلف فنون القول. والعبرية التي نشأت في منطقة متوسطة بين هاتين المنطقتين تمثل في رقيها منزلة بين منزلتي الآرامية والعربية، فقد فاقت الأولى ولكنها قصرت عن أن تدرك شأو الثانية؛ فألفاظها وأساليبها تتسع لكثير من مناحي القول، ولكن العربية تفوقها في مرونة التعبير، والترف اللغوي، وسعة الثروة في المفردات، وقواعدها سهلة مضبوطة، ولكنها لا تبلغ في دقتها وتنوعها مبلغ قواعد اللغة العربية، وتظهر هذه الفروق حتى في ناحية الأصوات؛ فالآرامية حوشية الأصوات، صعبة النطق، تلتقي في كلماتها المقاطع المتنافرة والحروف الساكنة، والعربية عذبة الأصوات، سهلة النطق، خفيفة الوقع على السمع، تقل في كلماتها الحروف غير المتحركة1، ولا يكاد يجتمع في مفرداتها ولا في تراكيبها مقاطع متنافرة، ولا يلتقي في ألفاظها ساكنان، والعبرية وسط بين هذه وتلك؛ فهي لم تصل في سهولة اللفظ إلى درجة العربية ولا في صعوبته إلى درجة الآرامية، يتخلل كلماتها حروف المد في نطاق أوسع من الآرامية، وبدرجة تذلل كثيرًا من ظواهر الصعوبة في النطق، ولكن بدون أن تصل في هذه الناحية إلى الشأو الذي وصلت إليه لغة القرآن2.
ولهذا السبب نفسه اختلفت اللهجات الإغريقية القديمة، فعلى الرغم من أن بلاد الإغريق كانت تشغل منطقة ضيقة، فإن الاختلاف اليسير الذي كان بين أجزاء هذه المنطقة في طبيعتها الجغرافية قد
1 تكثر في الكلمات العربية أصوات المد الطويلة "الألف والياء والواو" والقصيرة "الفتحة والكسرة والضمة" حتى إنه ليقل وجود حرف غير متبوع بواحد منها.
2 V. Renan، L ُ Origine du Langage، pp. l88-l89
أحدث بين لهجاتها سكانها فروقًا ذات بالٍ؛ فاللهجة الدورية مثلًا، خشنة الألفاظ، حوشية المخارج، صعبة النطق، ثقيلة الأصوات، على حين أن اللهجة اليونية رخوة الكلمات، سهلة النطق، عذبة الأصوات، يتخلل كلماتها كثير من حروف المد وأصوات اللين1.
ومظاهر النشاط الاقتصادي تطبع اللغة كذلك بطابعٍ خاصٍّ في مفرداتها ومعانيها وأساليبها وتراكيبها، ومن ثَمَّ اختلفت مظاهر اللغة في الأمم والمناطق تبعًا لاختلافها في نوع الإنتاج، ونظم الاقتصاد، وشئون الحياة المادية، والمهنة السائدة "الزراعة، الصناعة، والتجارة الصيد، رعي الأغنام..إلخ"، وقد تؤثر هذه المظاهر في أصوات اللغة نفسها، فقد يؤدي نوع العمل الذي يزاوله سكان منطقة ما إلى تشكيل أعضاء نطقهم في صورة خاصة تتأثر بها مخارج الحروف ونبرات الألفاظ ومناهج التطور الصوتي.
واللغة مرآة ينعكس فيها كذلك ما يسير عليه الناطقون بها في شئونهم الاجتماعية العامة، فعقائد الأمة، وتقاليدها، وما تخضع له من مبادئ في نواحي السياسة والتشريع والقضاء والأخلاق والتربية وحياة الأسرة، وميلها إلى الحرب، أو جنوحها إلى السلم، وما تعتنقه من نظم بصدد الموسيقى والنحت والرسم والتصوير والعمارة، وسائر أنواع الفنون الجميلة.. كل ذلك وما إليه يصبغ اللغة بصبغة خاصة في جميع مظاهرها؛ في الأصوات والمفردات والدلالة والقواعد والأساليب.. وهلم جرا2، وإليك مثلًا درجة القرابة التي تربط الفرد بكل من أسرة أبيه وأسرة أمه، فإن الأمم التي تسير نظمها الاجتماعية على إنزال هاتين الأسرتين منزلة واحدة تقريبًا في درجة قرابتهما للفرد تطلق لغتها
1 Renan، op. cit.، p. l90
2 من أحسن البحوث في هذا الموضوع وما يتصل به، ما كتبه العلامة "فانييه" في المجلد الثاني من مجلة "التربية" سنة 1907، صفحات 434-463، تحت عنوان:"روح الأمة وطباعها ممثلة في لغتها".
- V. Vannier: "L ُ Esprit et les Maurs d ُ une nation d ُ apres sa langue" Revue Pedagogique l907، T. 2، pp. 434-463
كلمة واحدة على كل من العم والخال oncle، uncle والعمة والخالة tante، aunt ابن العم أو العمة وابن الخال أوالخالة cousin، ابنة العم أو العمة، وابنة الخال أو الخالة cousine، على حين أن الأمم التي تفرق نظمها الاجتماعية بين هاتين الأسرتين في درجة قرابتهما للفرد تختلف في لغتها الكلمات الدالة على أفراد أسرة الأب عن الكلمات الدالة على أفراد أسرة الأم: العم، الخال، العمة، الخالة، ابن العم، ابن العمة، ابن الخال، ابن الخالة، بنت العم، بنت العمة، بنت الخال، بنت الخالة1، وإليك مثلًا آخر وهو مبلغ اتجاه الأمة إلى مبادئ المساواة أو انحرافها نحو نظام الطبقات، فإن ما تسير عليه نظمها الاجتماعية بهذا الصدد يؤثر في مختلف نواحي لغتها حتى في ناحية القواعد؛ فمخاطبة المفرد بضمير الجمع تعظيمًا له:"أرجو أن تتفضلوا.." وإجراء الخطاب في صيغة الأخبار عن الغائب "يتفضل سيدي
…
"، كل ذلك وما إليه من أساليب التبجيل لا يبدو في اللغة إلّا حيث ينحرف الناس عن مبادئ المساواة، وتكثر الفوارق بين الطبقات، ولذلك يعد تطور هذه الضمائر في أمة ما أصدق سجل لتطور اتجاهاتها في هذه الشئون؛ فالصراع في اللغة الفرنسية بين "tu" "أنت"، و"Vous" "أنتم" في مخاطبة المفرد، يمثل أصدق تمثيل مراحل الصراع بين روح المساوة ونظام الطبقات في الشعب الفرنسي؛ فقد كانت الغلبة للضمير الأول في العصور التي سادت فيها مبادئ المساواة، وللضمير الثاني في العصور التي وهنت فيها هذه المبادئ، ومثل هذا يقال في اللغة العربية؛ فقد كان العرب في جاهليتهم أكثر الشعوب ميلًا إلى المساواة بين الأفراد، ولذلك ساد في خطابهم ضمير المفرد، ولم تبد في لغتهم مظاهر المبالغة في التبجيل، ولكنهم لم يلبثوا بعد اتساع ملكهم، احتكاكهم بالأمم الأخرى، وانغماسهم في الترف، ومحاكاتهم لأبهة الفرس وأساليبهم في الحياة، واتجاه خاصتهم وأغنيائهم إلى الترفع عن الدهماء وطبقات المستضعفين، لم يلبثوا بعد هذا أن انحرفوا عن
1 انظر كتابنا "الأسرة والمجتمع" الطبعة السادسة صفحة 28.
مبادئهم الأولى، فانحرفت معهم أساليب لغتهم، وساد فيها خطاب المفرد بضمير الجمع، وإجراء الخطاب في صيغة الإخبار عن الغائب، ونفذت إليها ألفاظ "الحضرة" و"الجناب" وما إلى ذلك. واختلاف الطبقات في بعض الأمم، وما يفصلها من فوارق في مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كل ذلك يؤدي إلى التمييز بينها في المفردات التي تطلق على شئون كل طبقة منها. وإليك مثلًا المفردات التي تطلق على أنواع الدخل والأجور، فإن مبلغ الاختلاف بين هذه المفردات في أمة ما ليسجل مبلغ الاختلاف بين طبقات هذه الأمة في مستوى الحياة، وأن الأصل اللغوي الذي يرجع إليه كل مفرد منها ليشير في صورة ما إلى عمل الطبقة التي يطلق على دخلها، وإلى نشاطها الاقتصادي، ومنزلتها في سلم الطبقات؛ ففي اللغة الفرنسية مثلًا يطلق لفظ خاصٌّ على كل من دخل المسكين، والخادم، وعامل اليومية، والعامل الدائم، والممثل، والصحفي، والقسيس، والجندي، والضابط، والموظف غير الحكومي، والموظف الحكومي، وصاحب المهنة الحرة؛ كالطبيب، والمحامي والمالك الزراعي ومن إليهم، والمساهم في شركة ما، والنائب البرلماني وهلم جرا. وكل مفرد من هذه المفردات يشير أصله اللغوي في صورة ما إلى عمل الطبقة التي يطلق على دخلها، وإلى نشاطها الاقتصادي ومقدرتها بالقياس لما عداها من الطبقات:
Les secours d un indigent les gages dun domestique la paye d un Journalier le salaire d un ouvrier les feux dun actirr les mensualites dun Journaliste le cousuel d un cure le pret d un soldat le sold d un officier les appointements d un employe le traitement d un fonctoonnaire les honorae- res d un menecin ou d un avocat les rentes d un rentier les dividendes d un actionnaire l indemnite d un parlementaire etc
وتتشكل اللغة كذلك بالشكل الذي يتفق مع اتجاهات الأمة العامة ومطامحها ونظرها إلى الحياة، فاتجاه الإنجليز مثلًا إلى الناحية العلمية قد صبغ لغتهم بصبغة مادية في مفرداتها، وتراكيبها، حتى أنه ليقال
فيها: "دفع زيارة أو تحية أو شكرًا أوانتباهًا، و"كيف أستطيع أن أدفع لك مقابل جميلك"، و"أنفق وقته في كيت وكيت"، و"تربح الساعة أو تخسر".
To pay visit، compliments، attention..، How con l pay you for all your good? He spent hes time in
…
; The watch gains or loses
بدلًا من "أدى زيارة" و"قدم تحية أو شكرًا" و"أبدى اهتمامًا"، و"كيف أستطيع أن أجزيك مقابل جميلك" و"قضى وقته في عمل ما" و"الساعة تقدم أو تؤخر".
وما يكون عليه الأفراد من حشمة وأدب في شئونهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض ينبعث كذلك صداه في لغتهم ألفاظها وتراكيبها. فاللغة اللاتينية لا تستحي أن تعبر عن العورات والأمور المستهجنة، والأعمال الواجب سترها بعبارات مكشوفة، ولا أن تسميها بأسمائها الصريحة. على حين أن اللغة العربية بعد الإسلام تتلمس أحسن الحيل، وأدناها إلى الحشمة والأدب في التعبير عن هذه الشئون، فتلجأ إلى المجاز في اللفظ، وتستبدل الكناية بصريح القول: القبل، الدبر، قارب النساء، لمس امرأته، قضى حاجته..إلخ. ولقد كان لها بهذا الصدد في ألفاظ القرن الكريم وعباراته أسوة حسنة:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع} ، {لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ، {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْض} ، {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ، {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} ، {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} .. وما إلى ذلك من كريم العبارات ونبيل الألفاظ، وما يبدو في اللغة العربية بهذا الصدد يبدو مثله في اللغات الأوربية الحديثة، وخاصة الشمالية منها. وأكثرها تحرجًا في هذه الناحية اللغة الإنجليزية؛ فالبطن مثلًا لا يعبر عنه في لغة التخاطب الإنجليزية باسمه الصريح، بل يطلق عليه في الغالب the stomach "أي المعدة"1، وسراويل الرجل
1 تختصر هذه الكلمة عادة في اللغة الدارجة فيقال: tummy.
تطلق عليها أحيانًا كلمة معناها الأصلي "ما لا يمكن التعبير عنه"1 lnexpressible، وسراويل المرأة تطلق عليها كلمة معناها الأصلي "الجمع أو التركيب"2 Combination. وهلم جرا.
وخصائص الأمة العقلية، ومميزاتها في الإدراك والوجدان والنزوع، ومدى ثقافتها، ومستوى تفكيرها ومنهجه، وتفسيرها لظواهر الكون، وفهمها لما وراء الطبيعة.. كل ذلك وما إليه ينبعث كذلك صداه في لغتها3؛ ففي الأمم البدائية الضعيفة التفكير، المنحطة المدارك، تغزو الكلمات الدالة على المحسات والأمور الجزئية، وتنعدم أو تقل الألفاظ الدالة على المعاني الكلية، وتخلو دلالة المفردات من الدقة والضبط، فيكثر فيها الخلط واللبس والإبهام، وتعرو القواعد أو تكاد تعرو من ظواهر التصريف والاشتقاق وربط عناصر الجملة والعبارات بعضها ببعض، ويضيق متن اللغة فلا يتسع لأكثر من ضروريات الحياة4، ومن هذا القبيل الشعوب الصينية: فلغاتها بدائية ساذجة في نواحي الألفاظ والدلالة والقواعد، تكفي للتعبير عن ضروريات الحياة وشئون الصناعة اليدوية، والأدب السهل، والتأمل الضحل، ولكنها لا تتسع لعلم ولا لفلسفة ولا لدين بالمعنى الصحيح لهذه الكلمات، حتى إنه لا يوجد فيها اسم للإله، ويعبر فيها عن مسائل ما وراء الطبيعة بعبارات ملتوية مبهمة مضطربة الدلالة في أذهان أهلها أنفسهم.
1 يطلق عليها غالبًا في اللغة الدارجة كلمة "Pants" وهي اختصار كلمة "بنطالون".
2 تطلق هذه الكلمة على لباس" مؤلف من السراويل والقميص، أما السراويل وحدها فيطلق عليها أحيانًا كلمة Bloomer وهو اسم سيدة أمريكية Bloomer اخترعت طرازًا منه فنسب إليها، وكان يحتوي على "جاكتة" وقميص وسراويل، ثم قصر استعمال الكلمة فيما بعد على "السراويل"، وأحيانًا كلمة Knickers وهي اختصار كلمة Knickerboker "وهذه الكلمة كانت في الأصل اسمًا لشخصية روائية ألبسها المؤلف طرازًا خاصًّا من السراويل، ثم شاع استعمالها فيما بعد في سراويل السيدات".
3 V. Vannier، op. cit
4 انظر صفحات 83، 102، 103، 106.
وفي كثير من الأمم البدائية ينعكس في اللغة من مظاهر الاضطراب والإبهام ما تمتاز به عقليات الناطقين بها من سذاجة وقصور، حتى إنها لا تكاد وحدها تبين عن معنًى واضح دقيق، وحتى أن أهلها أنفسهم ليضطرون في أثناء حديثهم إلى الأستعانة بالحركات اليدوية والجسمية لتكملة ما ينقص تعبيرهم، وما يعوزه من دلالة؛ فقد روي عن قبائل البوشيمان Bochimans "عشائر بدائية تسكن جنوب أفريقيا1 أنهم إذا أرادو المحادثة ليلًا يضطرون إلى إشعال النار ليتمكنوا من رؤية الإشارات اليدوية والجسمية التي تصحب كلامهم، فتكمل ناقصة وتوضح مدلولاته، ويقرر علماء الأتنوجرافيا الذين عنوا بدراسة السكان الأصليين بأمريكا وأستراليا وأفريقيا، أن عقليات هذه الشعوب لا تكاد تدرك المعاني الكلية في كثير من مظاهرها، وأن هذا القصور العقلي كان له صدى كبير في لغاتهم، فلا نكاد نجد في كثير منها لفظًا يدل على معنًى كليٍّ. ففي لغة الهنود الحمر مثلًا يوجد لفظ للدلالة على شجرة البلوط الحمراء، وآخر للدلالة على شجرة البلوط السوداء.. وهكذا، ولا يوجد أي لفظ للدلالة على شجرة البلوط، ومن باب أولى لا يوجد أي لفظ للدلالة على الشجرة على العموم. وفي لغة الهورونيين Hurons "من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية" يوجد لكل حالة من حالات الفعل المتعدي لفظ خاص بها، ولكن لا يوجد للفعل نفسه لفظ يدل عليه، فيوجد لفظ التعبير عن الأكل في حالة تعلقه بالخبز، ولفظ آخر للتعبير عليه في حالة تعلقه باللحم، وثالث في حالة تعلقه بالزبد، ورابع في حالة تعلقه بالموز
…
وهكذا، ولكن لا يوجد فعل ولا مصدر للدلالة على الأكل على العموم، أو الأكل في زمنٍ ما. ولغة السكان الأصليين لجزيرة تسمانيا Tasmanie "بقرب أستراليا" لا يوجد في مفرداتها لفظ يدل على الصفة، فإذا أرادوا وصف شيء لجئوا إلى تشبيهه بآخر مشتمل على الصفة المقصودة، فيقولون مثلًا:"فلان كشجرة كذا" إذا أرادوا وصفه بالطول.
1 انظر ص 216.
وعلى العكس من ذلك الشعوب الهندية - الأوربية، حيث ينشط التفكير، ويعمق الإدراك، ويدق البحث، وتتجه العقول إلى التأمل الفلسفي، وتميل إلى تفسير ظواهر الكون والمجتمع الإنساني تفسيرًا علميًّا يربطها بأسبابها وقوانينها العامة؛ ففي مثل هذه الشعوب تكثر في اللغات الألفاظ الدالة على المعاني الكلية، والتراكيب المعبرة عن الحقائق العامة، وتغزر أزمنة الأفعال1، وتطول الجمل، وتتعدد أجزاؤها، وتتنوع الروابط، وتختلف دلالاتها، فتتسع للتعبير عن دقيق الوجدان، وعميق الإدراك، وحقائق الفلسفة والعلوم.
هذا وإن ما تقدم ذكره في هذه الفقرة وفي معظم الفقرات السابقة من هذا الكتاب ليدلنا أوضح دلالة على ما للمجتمع ونظمه وحضارته واتجاهاته من آثار بليغة في نشأة اللغات2، وانتقالها من السلف إلى الخلف3، وانشعابها إلى لهجات ولغات4، وصراعها بعضها مع بعض5، وتطورها من جميع الوجوه6.
وقد بالغ جماعة من العلماء في تقدير هذه الآثار حتى كادوا ينكرون أن لغير الظواهر الاجتماعية أثرًا في شئون اللغة، ومن أشهر أفراد هذه الطائفة العلامة السويسري فرديناند دوسور7.Ferdinand De Saussure
1 ليس للفعل في معظم اللغات السامية إلا زمنان: فعل انتهى زمنه "ماض"، وفعل لم ينته زمنه "أمر ومضارع للحال أو للاستقبال"، على حين أن له في اللغات الهندية - الأوربية أزمنة كثيرة، لكل منها صيغة خاصة. وقد بلغت هذ الأزمنة في اللغة الفرنسية أحد عشر زمنًا في الجمل الإخبارية وحدها -انظر آخر ص222 وأول ص223.
2 انظر الفصل الأول من الباب الأول.
3 انظر الفصل الثاني من الباب الأول.
4 انظر الفصلين الأول والثاني من الباب الثاني.
5 انظر الفصل الثالث من الباب الثاني.
6 انظر ص249-266.
7 انظر آخر صفحة 65-68. هذا ويفرق دوسو سور بين اللغة Langage، والكلام Parole وويعني بالكلام: تطبيق الفرد في تفاهمه مع غيره للنظم اللغوية التي تواضع عليها مجتمعه، فهو عمل في جوهره، ولذلك يخضع أحيانًا لمؤثرات غير=
ومذهبهم هذا يجانب جادة القصد من بعض الوجوه:
حقًّا أن اللغة ظاهرة اجتماعية تقتضيها حاجة الإنسان إلى التفاهم مع أبناء جنسه، فلولا الحياة الاجتماعية ما كانت اللغات1.
وحقًّا أن أهم المؤثرات في مخلف ظواهر اللغة ترجع إلى أمور تتعلق بالحياة الاجتماعية ونظم العمران، كما تدل على ذلك بحوثنا في هذا الفصل وفي الفصول السابقة من هذا الكتاب.
ولكن من الإفراط في تقدير هذه العوامل أن ننسب إليها كل شيء، وننكر ما لغيرها من أثر في هذا السبيل. وإن في دراستنا السابقة نفسها لآيات على خطأ هذا المذهب، فقد رأينا أن قسطًا غير يسير من ظواهر اللغة ترجع أسبابه إلى عوامل جغرافية، وقسمًا كبيرًا منها ترجع أسبابه إلى عوامل جسيمة فيزيولوجية أو نفسية فردية2، وغنيٌّ عن البيان أن هذه العوامل وما إليها ليست من مظاهر الحياة الاجتماعية في شيء.3 وسنرى في الفصل الخامس أن أهم المؤثرات في التطور الصوتي خاصة ترجع إلى عوامل من هذا القبيل4.
1 انظر آخر ص27، وص28، وآخر30، وأول 31، والفصل الأول من الباب الأول من هذا الكتاب.
2 انظر مثلًا 133-143، وآخر 175، وأول 176، 250، 251.
3 لم نعد العوامل الأدبية المقصودة من بين هذه العوامل؛ لأنها -وإن كانت فردية من بعض النواحي -ترجع من بعض وجودها إلى ظواهر اجتماعية "انظر الفقرة التالية، وهي الرابعة من هذا الفصل"، هذا وقد حاول بعض المتعصبين لنظرية دوسور أن يرجع العوامل الجغرافية والجسمية والنفسية إلى ظواهر اجتماعية، فلم تخل محاولته هذه من تعسف ظاهر.
4 انظر كذلك في الرد على نظرية دوسوسور Delacroix، Langage et pensee 47-62 وانظر تفصيل هذا الموضوع كله في كتابي "اللغة والمجتمع".