الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الإغارة أَي: كَيْمَا ندفع ونفيض للنحر وَغَيره، وَذَلِكَ من قَوْلهم: أغار الْفرس إغارة الثَّعْلَب، وَذَلِكَ إِذا دفع وأسرع فِي دَفعه. وَقَالَ ابْن التِّين: وَضَبطه بَعضهم بِسُكُون الرَّاء فِي ثبير ونغير لإِرَادَة السجع. قلت: لِأَنَّهُ من محسنات الْكَلَام. قَوْله: (ثمَّ أَفَاضَ) ، يحْتَمل أَن يكون فَاعله عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَجهه أَن يكون: ثمَّ أَفَاضَ عطفا على قَوْله: (إِن الْمُشْركين لَا يفيضون حَتَّى تطلع الشَّمْس) وَفِيه بعد، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيب أَن فَاعله هُوَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ عطف على قَوْله:(خالفهم) وَيُؤَيّد هَذَا مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عِنْد التِّرْمِذِيّ: (فَأَفَاضَ)، بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ:(فخالفهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ)، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ من طَرِيق زَكَرِيَّا عَن أبي إِسْحَاق بِسَنَدِهِ:(كَانَ الْمُشْركُونَ لَا ينفرون حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَأَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، كره ذَلِك فنفر قبل طُلُوع الشَّمْس)، وَله من رِوَايَة إِسْرَائِيل: فَدفع بِقدر صَلَاة الْقَوْم المسفرين لصَلَاة الْغَدَاة، وَأظْهر من ذَلِك وَأقوى للدلالة على أَنه النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَفِيه:(ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْمشعر الْحَرَام فَاسْتقْبل الْقبْلَة، فَدَعَا الله وَكبره وَهَلله وَوَحدهُ، فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى أَسْفر جدا فَدفع قبل أَن تطلع الشَّمْس) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة، وَقد ذكرنَا أَنه إِذا ترك الْوُقُوف بهَا بعد الصُّبْح من غير عذر فَعَلَيهِ دم، وَإِن كَانَ بِعُذْر الزحام فتعجل السّير إِلَى منى فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَفِيه: الْإِفَاضَة قبل طُلُوع الشَّمْس من يَوْم النَّحْر، وَاخْتلفُوا فِي الْوَقْت الْأَفْضَل للإفاضة، فَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَنه إِنَّمَا يسْتَحبّ بعد كَمَال الْإِسْفَار، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور لحَدِيث جَابر الطَّوِيل. وَفِيه:(فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى أَسْفر جدا فَدفع قبل أَن تطلع الشَّمْس) ، وَذهب مَالك إِلَى اسْتِحْبَاب الْإِفَاضَة من الْمزْدَلِفَة قبل الْأَسْفَار) ، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وروى ابْن خُزَيْمَة والطبري من طَرِيق عِكْرِمَة (عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى إِذا طلعت الشَّمْس فَكَانَت على رُؤُوس الْجبَال كَأَنَّهَا العمائم على رُؤُوس الرِّجَال دفعُوا فَدفع رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، حِين أَسْفر كل شَيْء قبل أَن تطلع الشَّمْس) ، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْمسور بن مخرمَة نَحوه.
101 -
(بابُ التَّلْبِيَةِ والتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الجَمْرَةَ وَالارْتِدَافِ فِي السَّيْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّلْبِيَة وَالتَّكْبِير غَدَاة يَوْم النَّحْر حى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة) . قَوْله: (والارتداف)، بِالْجَرِّ عطف على الْمَجْرُور فِيمَا قبله أَي: وَفِي بَيَان الإرتداف، وَهُوَ الرّكُوب خلف الرَّاكِب فِي السّير من مُزْدَلِفَة إِلَى منى، وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على ثَلَاثَة أَجزَاء: التَّلْبِيَة: وَهِي أَن يَقُول: لبيْك اللَّهُمَّ
…
إِلَى آخِره، وَالتَّكْبِير: وَهُوَ أَن يكبر الله تَعَالَى، والارتداف: وَهُوَ الرّكُوب خلف الرَّاكِب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِي الحَدِيث ذكر التَّكْبِير، فَكيف دلَالَته عَلَيْهِ؟ ثمَّ أجَاب: بِأَن المُرَاد بِهِ الذّكر الَّذِي فِي خلال التَّلْبِيَة، وَهُوَ مُخْتَصر من الحَدِيث الَّذِي فِيهِ ذكر التَّكْبِير، أَو غَرَضه أَن يسْتَدلّ بِالْحَدِيثِ على أَن التَّكْبِير غير مَشْرُوع، إِذْ لفظ:(لم يزل) دَلِيل على إدامة التَّلْبِيَة. انْتهى. قلت: قَوْله: أَو غَرَضه
…
إِلَى آخِره، فِيهِ بعد وَهُوَ عبارَة خشنة، وَالْجَوَاب الصَّحِيح فِيهِ: أَنه قد جرت عَادَة البُخَارِيّ أَنه إِذا ذكر تَرْجَمَة ذَات أَجزَاء وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب، ذكر هَذِه الْأَجْزَاء كلهَا، وَلَكِن كَانَ حَدِيث آخر ذكر فِيهِ ذَلِك الْجُزْء الَّذِي لم يذكرهُ أَنه يُشِير إِلَيْهِ بِذكرِهِ فِي التَّرْجَمَة لينتهض الطَّالِب ويبحث عَنهُ، وَقد روى الطَّحَاوِيّ فَقَالَ: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن حميد الْكُوفِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك عَن الْحَارِث بن أبي ذئاب عَن مُجَاهِد (عَن عبد الله بن سَخْبَرَة، قَالَ: لبّى عبد الله وَهُوَ يتَوَجَّه فَقَالَ أنَاس: من هَذَا الْأَعرَابِي؟ فَالْتَفت إِلَيّ عبد الله فَقَالَ: ضلَّ الناسُ أم نسوا؟ وَالله مَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة إلَاّ أَن يخلط ذَلِك بتهليل أَو تَكْبِير) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث صَفْوَان بن عِيسَى: حَدثنَا الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن سَخْبَرَة، قَالَ: غَدَوْت مَعَ عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من منى إِلَى عَرَفَة، وَكَانَ رجلا آدم لَهُ ضفيرتان، عَلَيْهِ سحنة أهل الْبَادِيَة، وَكَانَ يُلَبِّي فَاجْتمع عَلَيْهِ الغوغاء، فَقَالُوا: يَا أَعْرَابِي، إِن هَذَا لَيْسَ بِيَوْم تَلْبِيَة إِنَّمَا هُوَ التَّكْبِير
فَالْتَفت إِلَيّ فَقَالَ: جهل النَّاس أم نسوا؟ وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، لقد خرجت مَعَه من منى إِلَى عَرَفَة فَمَا ترك التَّلْبِيَة حَتَّى رمى الْجَمْرَة إلَاّ أَن يخلطها بتكبير أَو تهليل.
5861 -
حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ الضَّحاكُ بنُ مَخْلِدٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ عَن عَطاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرْدَفَ الْفَضلُ فأخْبرَ الفَضلُ أنَّهُ لَمْ يَزلْ يُلَبِّي حَتَّى رمَى الجَمْرَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الجزءين مِنْهَا، وهما: الإرداف والتلبية، وَأما ذكر التَّكْبِير فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي هَذَا الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي: بَاب النُّزُول بَين عَرَفَة وَجمع. قَالَ كريب: فَأَخْبرنِي عبد الله بن عَبَّاس عَن الْفضل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لم يزل يُلَبِّي حَتَّى بلغ الْجَمْرَة. قَوْله:(فَأخْبر الْفضل) أَي: أخبر الْفضل ابْن عَبَّاس أَنه أَي: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عِيسَى بن يُونُس عَن ابْن جريج عَن عَطاء: فَأَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن الْفضل أخبرهُ، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مَضَت هُنَاكَ مستقصاة.
7861 -
حدَّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدثنَا أبي عنْ يُونُسَ الأيْلِيِّ عنِ الزُهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ رِدْفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفةَ إِلَى المُزْدَلِفةِ ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنْ المُزْدَلِفةِ إِلَى مِنىً قَالَ فكِلاهُما قالَا لَمْ يَزلِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الإرداف والتلبية إِلَى رمي جَمْرَة الْعقبَة، وَهَذَا طَرِيق ثَان لحَدِيث ابْن عَبَّاس السَّابِق أخرجه عَن زُهَيْر، مصغر الزهر: ابْن حَرْب ضد الصُّلْح النَّسَائِيّ، بالنُّون وبالسين الْمُهْملَة، مَاتَ بِبَغْدَاد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، ووهب بن جرير، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء: أَبُو الْعَبَّاس، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم بن زيد أَبُو النَّضر الْبَصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَعبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عبد الله، بِالْفَتْح: ابْن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
وَفِي هَذَا السَّنَد رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ. وَفِيه: ثَلَاثَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يروي أحدهم وَهُوَ ابْن عَبَّاس عَن الآخرين وهما أُسَامَة بن زيد وَالْفضل بن عَبَّاس، وَهُوَ معنى قَوْله:(قَالَ فكلاهما قَالَا) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: فكلاهما، أَي: أُسَامَة وَالْفضل، قَالَا: لم يزل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي فِي أَوْقَات حجه حَتَّى رمى أَي: إِلَى أَن رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر. فَإِن قلت: ذكر أُسَامَة فِي هَذَا فِيهِ إِشْكَال لِأَن مُسلما روى هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عقبَة قَالَ: (أَخْبرنِي كريب أَنه سَأَلَ أُسَامَة بن زيد: كَيفَ صَنَعْتُم حِين ردفت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَشِيَّة عَرَفَة؟) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه:(حَتَّى جِئْنَا الْمزْدَلِفَة فَأَقَامَ الْمغرب ثمَّ أَنَاخَ النَّاس فِي مَنَازِلهمْ وَلم يحلوا حَتَّى أَقَامَ الْعشَاء الْآخِرَة فصلى ثمَّ حلوا، قلت: وَكَيف فَعلْتُمْ حِين أَصْبَحْتُم؟ قَالَ: ردفه الْفضل بن الْعَبَّاس وَانْطَلَقت أَنا فِي سباق قُرَيْش على رحلي) . فَمُقْتَضى هَذَا أَن يكون أُسَامَة قد سبق إِلَى رمي الْجَمْرَة، فَيكون إخْبَاره بِمثل مَا أخبر بِهِ الْفضل من التَّلْبِيَة مُرْسلا قلت: لَا مَانع من رُجُوعه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وإتيانه مَعَه إِلَى الْجَمْرَة، أَو أَقَامَ بالجمرة حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث أم الْحصين، قَالَت:(فَرَأَيْت أُسَامَة بن زيد وبلالاً فِي حجَّة الْوَدَاع، وَأَحَدهمَا آخذ بِخِطَام نَاقَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَالْآخر رَافع ثَوْبه يستره من الْحر حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة) . وَاحْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وأصحابهم على اسْتِمْرَار التَّلْبِيَة إِلَى حِين رمى جَمْرَة الْعقبَة على مَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى مفصلا، وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق ابْن عَبَّاس، قَالَ: حججْت مَعَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِحْدَى عشرَة حجَّة، فَكَانَ يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِي الْجَمْرَة. وَذكر الطَّحَاوِيّ أَن الْإِجْمَاع وَقع من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على أَن التَّلْبِيَة لَا تقع إلَاّ مَعَ رمي جَمْرَة الْعقبَة، أما مَعَ أول حَصَاة، أَو بعد تَمامهَا على اخْتِلَاف فِيهِ. وَدَلِيل الْإِجْمَاع أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يُلَبِّي غَدَاة الْمزْدَلِفَة بِحُضُور مَلأ من الصَّحَابَة وَغَيرهم، فَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد مِنْهُم بذلك،