الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رجُلاً كانَ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فوَقَصَتْهُ ناقَتُهُ وهُوَ محْرِمٌ فَماتَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اغْسِلُوهُ بِماءٍ وسِدْرٍ وكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ ولَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ ولَا تُخَمِّرُوا رأسَهُ فإنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيا..
هَذَا الطَّرِيق الثَّالِث عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن هشيم، بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: السّلمِيّ الوَاسِطِيّ عَن أبي بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، واسْمه جَعْفَر بن إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ.
22 -
(بابُ الحَجِّ والنُّذُورِ عنِ المَيِّتِ والرَّجُلِ يَحُجُّ عنِ المَرْأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْحَج عَن الْمَيِّت، فِي بَيَان حكم النّذر عَن الْمَيِّت. قَوْله:(وَالنُّذُور) كَذَا هُوَ بِلَفْظ الْجمع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَالْمُنْذر بِلَفْظ الْإِفْرَاد. قَوْله:(وَالرجل) ، بِالْجَرِّ عطف على الْمَجْرُور فِيمَا قبله، أَي: فِي بَيَان حكم الرجل يحجّ عَن الْمَرْأَة، والترجمة مُشْتَمِلَة على حكمين.
2581 -
حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ امْرَأَة مِنْ جُهَيْنَةَ جاءتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَتْ إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ فلَمْ تَحُجَّ حَتَّى ماتَتْ أفأحجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أرَأيْتِ لَوْ كانَ عَلَى أُمِّكِ ديْنٌ أكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا الله فَالله أحَقُ بِالوَفَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا: (إِن أُمِّي نذرت) إِلَى آخِره، وَفِيه حج عَن نذر الْمَيِّت، وَهُوَ مُطَابق للجزء الأول من التَّرْجَمَة، وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله:(وَالرجل يحجّ عَن الْمَرْأَة) نظر، لِأَن لفظ الحَدِيث أَن امْرَأَة سَأَلت عَن نذر كَانَ على أَبِيهَا، فَكَانَ حق التَّرْجَمَة أَن يَقُول: وَالْمَرْأَة تحج عَن الرجل، ثمَّ قَالَ: وَأجَاب ابْن بطال بِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَاطب الْمَرْأَة بخطاب دخل فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَهُوَ قَوْله:(اقضوا الله)، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَالَّذِي يظْهر لي أَن البُخَارِيّ أَشَارَ بالترجمة إِلَى رِوَايَة شُعْبَة عَن أبي بشر فِي هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ:(أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج. .) الحَدِيث، وَفِيه:(فأقضي الله فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّرْجَمَة فِي حج الرجل عَن الْمَرْأَة، وَهَذَا: هُوَ حج الْمَرْأَة عَن الْمَرْأَة؟ قلت: يلْزم مِنْهُ التَّرْجَمَة بِالطَّرِيقِ الأولى، وَفِي بعض التراجم الْمَرْأَة تحج عَن الْمَرْأَة. قلت: فِي كل هَذَا نظر، أما جَوَاب ابْن بطال فكاد أَن يكون بَاطِلا، لِأَن خطاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم هُنَا لَيْسَ للمراد خَاصَّة، وَإِنَّمَا هُوَ خطاب لمن كَانَ حَاضرا هُنَاكَ، وَدخُول الْمَرْأَة فِي الْخطاب لَا يَقْتَضِي الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، وَأما جَوَاب هَذَا الْقَائِل فأبعد من الأول، لِأَن التَّرْجَمَة فِي بَاب لَا يُقَال بَينهَا وَبَين حَدِيث مَذْكُور فِي بَاب آخر: إِنَّه مُطَابق لهَذِهِ التَّرْجَمَة، فَالْأَصْل أَن تكون الْمُطَابقَة بَين تَرْجَمَة وَحَدِيث مذكورين فِي بَاب وَاحِد، وَأما جَوَاب الْكرْمَانِي فَفِيهِ دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّة بطرِيق الْمُلَازمَة، فَيحْتَاج إِلَى بَيَان بِدَلِيل صَحِيح مُطَابق، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ، فَإِن قَالُوا: يلْزم من ذَلِك تَعْطِيل الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة عَن ذكر الحَدِيث؟ قلت: فعلى مَا ذكرُوا يلْزم تَعْطِيل الْجُزْء الثَّانِي.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين: الوضاح الْيَشْكُرِي وَأَبُو بشر جَعْفَر بن إِيَاس، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن مُسَدّد، وَفِي النذور عَن آدم عَن شُعْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن بنْدَار عَن غنْدر.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن امْرَأَة من جُهَيْنَة)، بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون: اسْم قَبيلَة فِي قضاعة، وجهينة بن زيد بن لَيْث بن أسود بن أسلم، بِضَم اللَّام: ابْن ألحاف بن قضاعة بن مَالك بن حمير فِي الْيمن، وَلم يدر
اسْم الْمَرْأَة، وَلَكِن روى ابْن وهب عَن عُثْمَان بن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن أَبِيه أَن غاثية أَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا نذر أَن تمشي إِلَى الْكَعْبَة، فَقَالَ: إقضي عَنْهَا. أخرجه ابْن مَنْدَه فِي حرف الْغَيْن الْمُعْجَمَة من الصحابيات، وَجزم ابْن طَاهِر فِي المبهمات بِأَنَّهُ اسْم لجهينة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي حرف الْغَيْن الْمُعْجَمَة: غايثة، وَقيل: غاثية سَأَلت عَن نذر أمهَا، أرْسلهُ عَطاء الْخُرَاسَانِي، وَلَا يثبت. وغاثية بالثاء الْمُثَلَّثَة بعد الْألف وَبعدهَا الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقيل: بِتَقْدِيم الْيَاء آخر الْحُرُوف على الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وروى النَّسَائِيّ: أخبرنَا عمرَان بن مُوسَى بَصرِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَارِث وَهُوَ ابْن سعيد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو التياح واسْمه: يزِيد بن حميد بَصرِي، قَالَ: حَدثنِي مُوسَى بن سَلمَة الهزلي أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أمرت امْرَأَة سِنَان ابْن سَلمَة الْجُهَنِيّ أَن يسْأَل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، أَن أمهَا مَاتَت وَلم تحج أفيجزىء عَن أمهَا أَن تحج عَنْهَا؟ قَالَ: نعم لَو كَانَ على أمهَا دين فقضته عَنْهَا لم يكن يجزىء عَنْهَا؟ فلتحج عَن أمهَا) .
أَخْبرنِي عُثْمَان بن عبد الله بن خورزاد أنطاكي، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن حَكِيم الأزدري، قَالَ: حَدثنَا حميد بن عبد الرَّحْمَن الرواسِي قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار، (عَن ابْن عَبَّاس: أَن امْرَأَة سَأَلت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، عَن أَبِيهَا مَاتَ وَلم يحجّ فَقَالَ: حجي عَن أَبِيك) . أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان وَهُوَ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار (عَن ابْن عَبَّاس: أَن امْرَأَة من خثعم سَأَلت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، غَدَاة جمع، فَقَالَت: يَا رَسُول الله! فَرِيضَة الله فِي الْحَج على عباده أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يسْتَمْسك على الرحل، أحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم) . فَإِن قلت: هَل يصلح أَن يُفَسر بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذِه الْأَحَادِيث الْمُبْهم الَّذِي فِي حَدِيث الْبَاب؟ قلت: لَا يصلح، لِأَن فِي حَدِيث الْبَاب أَن الْمَرْأَة سَأَلت بِنَفسِهَا، وَفِي حَدِيث النَّسَائِيّ من طَرِيق عمرَان بن مُوسَى أَن غَيرهَا سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، من جِهَتهَا، وَأما السُّؤَال فِي الْحَدِيثين الآخرين فَعَن مُطلق الْحَج وَلَيْسَ فيهمَا التَّصْرِيح بِأَن الْحجَّة المسؤول عَنْهَا كَانَت نذرا، فَإِن قلت: روى ابْن مَاجَه من طَرِيق مُحَمَّد بن كريب عَن أَبِيه (عَن ابْن عَبَّاس، عَن سِنَان بن عبد الله الْجُهَنِيّ أَن عمته حدثته أَنَّهَا أَتَت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَت: إِن أُمِّي توفيت وَعَلَيْهَا مشي إِلَى الْكَعْبَة نذرا) الحَدِيث. قلت: إِن صَحَّ هَذَا فَيحمل على وَاقِعَتَيْنِ بِأَن تكون امْرَأَته سَأَلت على لِسَانه عَن حجَّة أمهَا الْمَفْرُوضَة، وَبِأَن تكون عمته سَأَلت بِنَفسِهَا عَن حجَّة أمهَا الْمَنْذُورَة، وتفسر من فِي حَدِيث الْبَاب بِأَنَّهَا عمَّة سِنَان وَاسْمهَا: غاثية، كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (إِن أُمِّي نذرت أَن تحج) هَكَذَا وَقع فِي هَذَا الْبَاب بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُور، وَوَقع فِي النذور من طَرِيق شُعْبَة عَن أبي بشر بِلَفْظ:(أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ: إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج وَأَنَّهَا مَاتَت) الحَدِيث، فَيحمل على أَن يكون كل من الْأَخ سَأَلَ عَن أُخْته، وَالْبِنْت سؤلت عَن أمهَا. قيل: إِن هَذَا اضْطِرَاب يُعلل بِهِ الحَدِيث، ورد بِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن الْمَرْأَة سَأَلت عَن كل من الصَّوْم وَالْحج. قَوْله:(أفأحج عَنْهَا؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (قَالَ: نعم)، أَي: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: نعم حجي عَنْهَا، أَي: عَن الْأُم. قَوْله: (أرأيتِ) بِكَسْر التَّاء، أَي: أَخْبِرِينِي. قَوْله: (قاضية) ، على وزن فاعلة، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، ويروى:(قاضيته)، بالضمير فِي آخِره أَي: قاضية الدّين، وَهُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين. قَوْله:(اقضوا الله) أَي: اقضوا حق الله، فَالله أَحَق بوفاء حَقه من غَيره.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز حج الْمَرْأَة عَن أمهَا لأجل الْحجَّة الَّتِي عَلَيْهَا بطرِيق النّذر، وَكَذَا يجوز حج الرجل عَن الْمَرْأَة وَالْعَكْس أَيْضا. وَلَا خلاف فِيهِ إلَاّ لِلْحسنِ بن صَالح، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز، وَعبارَة ابْن التِّين الْكَرَاهَة فَقَط، وَهُوَ غَفلَة، وَخُرُوج عَن ظَاهر السّنة، كَمَا قَالَ ابْن الْمُنْذر، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أمرهَا أَن تحج عَن أمهَا وَهُوَ عُمْدَة من أجَاز الْحَج عَن غَيره. وَقَالَت طَائِفَة: لَا يحجّ أحد عَن أحد، رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عمر وَالقَاسِم وَالنَّخَعِيّ، وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث: لَا يحجّ أحد عَن أحد إلَاّ عَن ميت لم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام وَلَا يَنُوب عَن فَرْضه، فَإِن أوصى الْمَيِّت بذلك فَعِنْدَ مَالك وَأبي حنيفَة يخرج من ثلثه، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ، وَعند الشَّافِعِي: من رَأس مَاله، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِيه أَن الْحجَّة لواجبة من رَأس المَال، كَالدّين، وَإِن لم يوص. وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَعَطَاء وطاووس وَابْن سِيرِين وَمَكْحُول وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر. قلت: مَذْهَب