الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْن إِبْرَاهِيم: سَمِعت رجلا كَانَ يُقَال لَهُ مولى أبي قَتَادَة، وَلم يكن مولى لأبي قَتَادَة، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن عبد الله ابْن أبي سَلمَة أَن نَافِعًا مولى بني غفار، فَظهر من ذَلِك أَنه لم يكن مولى أبي قَتَادَة حَقِيقَة، وَقد صرح بذلك ابْن حبَان، فَقَالَ: هُوَ مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وَكَانَ يُقَال لَهُ: مولى أبي قَتَادَة نسب إِلَيْهِ وَلم يكن مَوْلَاهُ. قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يكون وَجه ذَلِك أَنه قيل: مولى أبي قَتَادَة لِكَثْرَة لُزُومه إِيَّاه وقيامه بِقَضَاء مَا يهمه من بَاب الْخدمَة، كَأَنَّهُ صَار مَوْلَاهُ، فَتكون نسبته بِهَذَا الْوَجْه على سَبِيل الْمجَاز. وَقد وَقع مثل ذَلِك كثيرا، فَمِنْهُ مَا وَقع لقاسم مولى ابْن عَبَّاس. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان إِلَى آخِره. وَقَالَ بَعضهم: هَكَذَا حول المُصَنّف الْإِسْنَاد إِلَى رِوَايَة عَليّ للتصريح فِيهِ عَن سُفْيَان بقوله: حَدثنَا صَالح بن كيسَان. قلت: فِي كثير من النّسخ: حَدثنَا صَالح، فِي الطَّرِيقَيْنِ فَلَا يحْتَاج إِلَى مَا قَالَه.
قَوْله: (بالقاحة)، بقاف وحاء مُهْملَة خَفِيفَة: على ثَلَاثَة مراحل من الْمَدِينَة قبل السقيا بِنَحْوِ ميل: قَالَ عِيَاض: كَذَا قَيده النَّاس كلهم، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن البُخَارِيّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب بِالْقَافِ، وَزعم ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي أَنَّهَا بفاء وجيم، ورد ذَلِك عَلَيْهِ ابْن هِشَام: قيل: وَقع عِنْد الجوزقي من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن بشر عَن سُفْيَان: بالصفاح، بدل: القاحة، بِكَسْر الصَّاد بعْدهَا فَاء، وَنسب ذَلِك إِلَى التَّصْحِيف لِأَن الصفاح مَوضِع بِالرَّوْحَاءِ وَبَين الروحاء وَبَين السقيا مَسَافَة طَوِيلَة وَقَالَ الْبكْرِيّ الروحاء قَرْيَة جَامِعَة لمزينة على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة بَينهمَا أحد وَأَرْبَعُونَ ميلًا والسقيا أَيْضا قَرْيَة جَامِعَة. قَوْله:(على ثَلَاث) أَي: ثَلَاث مراحل. قَوْله: (يتراؤن) على وزن يتفاعون صِيغَة جمع مُذَكّر من الرُّؤْيَة. قَوْله: (فَإِذا حمَار وَحش)، كلمة: إِذا، للمفاجأة وحمار مُضَاف إِلَى وَحش. قَوْله:(يَعْنِي: وَقع سَوْطه) قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: يَعْنِي، كَلَام الرَّاوِي تَفْسِير لما يدل عَلَيْهِ:(لَا نعينك عَلَيْهِ) يَعْنِي: قَالُوا: لَا نعينك على أَخذ السَّوْط حِين وَقع سَوْطك. قلت: هَذَا التَّرْكِيب لَا يَتَّضِح إلَاّ بأَشْيَاء مقدرَة، تَقْدِيره: فَإِذا حمَار وَحش، فركبت فرسي وَأخذت الرمْح وَالسَّوْط، فَسقط مني السَّوْط، فَقلت ناولوني! فَقَالُوا: لَا نعينك عَلَيْهِ. وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ. قَوْله: (فتناولته فَأَخَذته) . قَوْله: (من وَرَاء أكمة) بِفَتَحَات، وَهِي التل من حجر وَاحِد. قَوْله:(أمامنا) أَي: قدامنا. قَوْله: (حَلَال)، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فَهُوَ حَلَال، وَقد ظهر الْمُبْتَدَأ فِي رِوَايَة أبي عوَانَة. (فَقَالَ: كلوه فَهُوَ حَلَال) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(هُوَ حَلَال فكلوه)، ويروى:(حَلَالا) ، بِالنّصب. فَإِن صحت الرِّوَايَة بِهِ فَهُوَ مَنْصُوب على أَنه صفة مصدر مَحْذُوف، أَي: أكلا حَلَالا. قَوْله: (قَالَ لنا عَمْرو) أَي: عَمْرو بن دِينَار، وَصرح بِهِ أَبُو عوَانَة فِي رِوَايَته، وَالْقَائِل سُفْيَان، وَالْغَرَض بذلك تَأْكِيد ضَبطه لَهُ وسماعه لَهُ من صَالح وَهُوَ ابْن كيسَان. قَوْله:(فسلوه) أَصله: فَاسْأَلُوهُ. قَوْله: (وَقدم علينا هَهُنَا)، يَعْنِي: مَكَّة، وَمرَاده أَن صَالح بن كيسَان مدنِي قدم مَكَّة، فَدلَّ عَمْرو بن دِينَار أَصْحَابه عَلَيْهِ ليسمعوا مِنْهُ هَذَا وَغَيره.
وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْمسَائِل الفرعية، وَالِاخْتِلَاف فِيهَا.
5 -
(بابٌ لَا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الحَلَالُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يُشِير
…
إِلَى آخِره، وَاللَّام فِي قَوْله:(لكَي) ، للتَّعْلِيل، وَلَفْظَة: كي، بِمَنْزِلَة: أَن، المصدرية معنى وَعَملا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ صِحَة حُلُول أَن محلهَا، وَأَنَّهَا لَو كَانَت حرف تَعْلِيل لم يدْخل عَلَيْهَا حرف تَعْلِيل، فَافْهَم.
4281 -
حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ قَالَ حدَّثنا عُثْمَانُ هُوَ ابنُ مَوْهَبٍ قَالَ أخبرَنِي عَبْدُ الله بنُ أبي قَتادَةَ أنَّ أبَاهُ أخبرَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرَجَ حَاجا فخَرَجُوا معَهُ فصَرَفَ طائِفةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أبُو قتَادَةَ فَقال خُذُوا ساحِلَ البَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ فأخذُوا ساحِلَ الْبَحْرِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا أحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلَاّ أبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إذْ رأَوْا حُمُرَ
وحْشٍ فَحَمَلَ أَبُو قَتادَةَ عَلَى الحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْها أَتَانَا فنَزَلُوا فأكلُوا مِنْ لَحْمِهَا وقالُوا أنأكُلُ لَحمَ صَيْدٍ ونَحْنُ محْرِمُونَ فحَمَلْنا مَا بَقِي مِنْ لَحمِ الأتانِ فلَمَّا أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالُوا يَا رسولَ الله إنَّا كُنَّا أحْرَمْنَا وقَدْ كانَ أبُو قَتَادةَ لَمْ يُحْرِمْ فَرَأيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فحَمَلَ عَلَيْهَا أبُو قَتادَةَ فعَقَرَ مِنْهَا أَتَانَا فنَزَلْنَا فأكلْنا منْ لَحْمِهَا ثُمَّ قُلْنَا أنأكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ ونَحْنُ مُحْرِمُونَ فحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا قَالَ أمِنْكُمْ أحَدٌ أمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ عَلَيْها أوْ أشَارَ إلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو أَشَارَ إِلَيْهَا) ، وَالْمَفْهُوم مِنْهُ أَن إِشَارَة الْمحرم للْحَلَال إِلَى الصَّيْد ليصطاده لَا تجوز، فَلَو أَشَارَ لَهُ وَقتل صيدا لَا يجوز للْمحرمِ أَن يَأْكُل مِنْهُ، وَقد ذكرنَا مَا فِيهِ من الْخلاف. ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل هُوَ الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة بِالْفَتْح هُوَ الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَعُثْمَان هُوَ ابْن عبد الله بن وهب، بِفَتْح الْمِيم وَالْهَاء: الْأَعْرَج الطلحي، وَقد مر فِي أول الزَّكَاة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَة بدل عُثْمَان: غَسَّان، وَهُوَ خطأ قطعا. قلت: هُوَ من الْكَاتِب، فَإِنَّهُ طمس الْمِيم فَصَارَ عُثْمَان غسانا، وَعُثْمَان هَذَا تَابِعِيّ ثِقَة، روى عَنَّا عَن تَابِعِيّ.
قَوْله: (خرج حَاجا) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا غلط، فَإِن الْقِصَّة كَانَت فِي عمْرَة، وَأما الْخُرُوج إِلَى الْحَج فَكَانَ فِي خلق كثير، وَكَانُوا كلهم على الجادة لَا على سَاحل الْبَحْر، وَلَعَلَّ الرَّاوِي أَرَادَ: خرج محرما فَعبر عَن الْإِحْرَام بِالْحَجِّ غَلطا. وَقَالَ بَعضهم: لَا غلط فِي ذَلِك، بل هُوَ من الْمجَاز السائغ، وَأَيْضًا فالحج فِي الأَصْل قصد الْبَيْت، فَكَأَنَّهُ قَالَ: خرج قَاصِدا للبيت، وَلِهَذَا يُقَال للْعُمْرَة الْحَج الْأَصْغَر. قلت: لَا نسلم أَنه من الْمجَاز، فَإِن الْمجَاز لَا بُد لَهُ من علاقَة، وَمَا العلاقة هَهُنَا؟ وَكَون معنى الْحَج فِي الأَصْل قصدا لَا يكون علاقَة لجَوَاز ذكر الْحَج، وَإِرَادَة الْعمرَة، فَإِن كل فعل مُطلقًا لَا بُد فِيهِ من معنى الْقَصْد، ثمَّ أيد هَذَا الْقَائِل كَلَامه بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي عَن أبي عوَانَة بِلَفْظ:(خرج حَاجا أَو مُعْتَمِرًا) . انْتهى. وَأَبُو عوَانَة شكّ، وبالشك لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ من الْمجَاز، على أَن يحيى بن أبي كثير الَّذِي هُوَ أحد رُوَاة حَدِيث أبي قَتَادَة قد جزم بِأَن ذَلِك كَانَ فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة. قَوْله:(فيهم أَبُو قَتَادَة) ، من بَاب التَّجْرِيد، وَكَذَا قَوْله:(إلَاّ أَبُو قَتَادَة)، لِأَن مُقْتَضى الْكَلَام أَن يُقَال: وَأَنا فيهم، وإلَاّ أَنا، وَلَا يَنْبَغِي إِن يَجْعَل هَذَا من قَول ابْن أبي قَتَادَة، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم أَن يكون الحَدِيث مُرْسلا. قَوْله:(إلَاّ أَبُو قَتَادَة) ، هَكَذَا هُوَ بِالرَّفْع عِنْد الْأَكْثَرين، وَعند الْكشميهني (إلَاّ أَبُو قَتَادَة) بِالنّصب، وَكَذَا وَقع عِنْد مُسلم بِالنّصب، وَقَالَ ابْن مَالك: حق الْمُسْتَثْنى بإلَاّ من كَلَام تَامّ مُوجب أَن ينصب مُفردا، كَانَ، أَو مكملاً مَعْنَاهُ بِمَا بعده، فالمفرد نَحْو قَوْله تَعَالَى:{الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إلَاّ الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 76) . والمكمل نَحْو: {إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ إلَاّ امرأَتَه قَدرنَا أَنَّهَا لمن الغابرين} (الْحجر: 95، 06) . وَلَا يعرف أَكثر المتأخيرن من الْبَصرِيين فِي هَذَا النَّوْع إلَاّ النصب، وَقد اغفلوا وُرُوده مَرْفُوعا مَعَ ثُبُوت الْخَبَر وَمَعَ حذفه، فَمن أَمْثِلَة الثَّابِت الْخَبَر قَول ابْن أبي قَتَادَة:(أَحْرمُوا كلهم إلَاّ أَبُو قَتَادَة لم يحرم)، فإلَاّ بِمَعْنى: لَكِن، وَأَبُو قَتَادَة مُبْتَدأ، و: لم يحرم، خَبره، وَنَظِيره من كتاب الله تَعَالَى:{وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إلَاّ امْرَأَتك أَنه مصيبها مَا أَصَابَهُم} (هود: 18) . فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يَجْعَل: امْرَأَتك، بَدَلا من: أحد، لِأَنَّهَا لم تسر مَعَهم فيتضمنها ضمير المخاطبين، وتكلف بَعضهم بِأَنَّهُ، وَإِن لم يسر بهَا، لَكِنَّهَا شَعرت بِالْعَذَابِ فتبعتهم ثمَّ التفتت فَهَلَكت. قَالَ: وَهَذَا على تَقْدِير صِحَّته لَا يُوجب دُخُولهَا فِي المخاطبين، وَمن أَمْثِلَة الْمَحْذُوف الْخَبَر قَوْله صلى الله عليه وسلم:(كل أمتِي معافىً إلَاّ المجاهرون) . أَي: لَكِن المجاهرون بِالْمَعَاصِي لَا يعافون، وَمِنْه من كتاب الله تَعَالَى:{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} (الْبَقَرَة: 942) . أَي: لَكِن قَلِيل مِنْهُم لم يشْربُوا، قَالَ: وللكوفيين فِي هَذَا الثَّانِي مَذْهَب آخر، وَهُوَ أَن يجْعَلُوا الأحرف عطف وَمَا بعْدهَا مَعْطُوفًا على مَا قبلهَا. انْتهى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو هُوَ، أَي: الرّفْع على مَذْهَب من جوز أَن يُقَال: عَليّ بن أَبُو طَالب. قَوْله: (حمر وَحش)، الْحمر بِضَمَّتَيْنِ جمع: حمَار. قَوْله: (أَتَانَا) هَذَا بَين أَن المُرَاد بالحمار فِي سَائِر الرِّوَايَات الْأُنْثَى مِنْهُ. قَوْله: (فحملنا مَا بَقِي من لحم الأتان)، وَفِي رِوَايَة أبي حَازِم فِي: بَاب الْهِبَة، سَيَأْتِي:(فرحنا وخبأت الْعَضُد معي)، وَفِيه:(مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء؟ فناولته الْعَضُد فَأكلهَا حَتَّى تعرقها) . وللبخاري أَيْضا فِي الْجِهَاد سَيَأْتِي: (مَعنا رجله، فَأخذ فَأكلهَا) . وَفِي رِوَايَة الْمطلب: (قد رفعنَا لَك الذِّرَاع، فَأكل مِنْهَا) . قَوْله: (مِنْكُم أحد أمره؟) أَي: أمنكم أحد أمره؟ أَي: أَمر