الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن مخلد بن يزِيد وَيحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، كِلَاهُمَا عَن ابْن جريج.
قَوْله: (أَن عِكْرِمَة بن خَالِد سَأَلَ ابْن عمر)، قيل: هَذَا السِّيَاق يَقْتَضِي أَن هَذَا الْإِسْنَاد مُرْسل، لِأَن ابْن جريج لم يدْرك زمَان سُؤال عِكْرِمَة لِابْنِ عمر. انْتهى. قلت: عدم إِدْرَاك ابْن جريج سُؤال عِكْرِمَة عَن ابْن عمر لَا يسْتَلْزم نفي سَماع ابْن جريج عَن عِكْرِمَة هَذَا. قَوْله: (لَا بَأْس)، يَعْنِي: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء إِذا اعْتَمر قبل أَن يحجّ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة: لَا بَأْس على أحد أَن يعْتَمر قبل أَن يحجّ.
قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أنْ يَحُّجَّ
عِكْرِمَة هُوَ ابْن خَالِد الْمَذْكُور، وَهُوَ مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
وَقَالَ إبرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ إسْحَاقَ قَالَ حدَّثني عِكْرِمَةُ ابنُ خالِدٍ قَالَ سألْتُ ابنَ عُمَرَ مُثْلَهُ
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ بِبَغْدَاد، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسبعين سنة، وَابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار صَاحب (الْمَغَازِي) ذكر هَذَا التَّعْلِيق عَن ابْن إِسْحَاق الْمُصَرّح بالاتصال تَقْوِيَة لما قبلهَا، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَحْمد عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَلَفظه:(حَدثنِي عِكْرِمَة بن خَالِد بن الْعَاصِ المَخْزُومِي، قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فِي نفر من أهل مَكَّة فَلَقِيت عبد الله بن عمر، فَقلت: إِنَّا لم نحج قطّ، أفنعتمر من الْمَدِينَة؟ قَالَ: نعم، وَمَا يمنعكم من ذَلِك، فقد اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عمْرَة كلهَا قبل حجه؟ قَالَ: فاعتمرنا) .
حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ بنُ خالِدٍ سألْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مِثْلَهُ.
عَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن كَبِير أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم: الشَّيْبَانِيّ أَبُو عَاصِم النَّبِيل الْبَصْرِيّ، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَهَذَا من ابْن عمر قد يدل أَن فرض الْحَج نزل قبل اعتماره، إِذْ لَو اعْتَمر قبله مَا صَحَّ استدلاله على مَا ذكره، وَيتَفَرَّع على ذَلِك فرض الْحَج: هَل هُوَ على الْفَوْر أَو التَّرَاخِي؟ وَالَّذِي جنح إِلَيْهِ ابْن عمر يدل على أَنه على التَّرَاخِي، وَهُوَ الَّذِي تعضده الْأُصُول أَن فِي فرض الْحَج سَعَة وفسحة، وَلَو كَانَ وقته مضيقا لوَجَبَ إِذا أَخّرهُ إِلَى سنة أُخْرَى أَن يكون قَضَاء لَا أَدَاء، فَلَمَّا ثَبت أَن يكون أَدَاء فِي أَي وَقت أَتَى بِهِ، علم أَنه لَيْسَ على الْفَوْر. انْتهى. قلت: هَذَا أَخذه من كَلَام ابْن بطال، وَفِي دَعْوَاهُ أَنه على التَّرَاخِي، بِمَا ذكره نظر لِأَنَّهُ يلْزم من صِحَة تَقْدِيم أحد النُّسُكَيْنِ على الآخر نفي الْفَوْرِيَّة، وَفِيه خلاف قد ذَكرْنَاهُ فِي أول الْحَج، وَالله أعلم.
3 -
(بابٌ كم اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: كم اعْتَمر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي: كم لَهُ عمْرَة؟
5771 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدثنَا جَرِيرٌ عَن منْصُورٍ عنْ مجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أنَا وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذا عَبْدُ الله بنُ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا جالِسٌ إلَى حُجْرَةِ عائِشَةَ وإذَا أُناسٌ يُصَلُّونَ فِي المَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى قَالَ فَسَألْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ فَقال بِدْعَةٌ ثُمَّ قالَ لَهُ كَمِ اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أرْبَعٌ إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ وسَمِعْنَا اسْتِنانَ عائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنينَ فِي الحُجْرَةِ فقالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ ألَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ قالَتْ مَا يَقُولُ قَالَ يَقُولُ إنَّ
رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أرْبَعَ عُمُرَاتٍ إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قالَتْ يَرْحَمُ الله أبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إلَاّ وهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَط.
مطابقته فِي قَوْله: (كم اعْتَمر؟)، وَفِي قَوْله:(اعْتَمر أَربع عمرات) وَفِي كَونهَا ثَلَاثًا على قَول عَائِشَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَجَرِير، بِفَتْح الْجِيم هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير
…
إِلَى آخِره نَحوه، غيران فِي رِوَايَته (وَالنَّاس يصلونَ صَلَاة الضحي) وَفِي هُنَا أَن نكذبه ونرد عَلَيْهِ) قَوْله (دخلت أَنا وعدوه) إِلَى آخِره فِيهِ دفع لما ذكره يحيى بن سعيد وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم فِي آخَرين أَن مُجَاهدًا لم يسمع من عَائِشَة. قَوْله:(الْمَسْجِد)، يَعْنِي: مَسْجِد الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. قَوْله: (فَإِذا)، كلمة: إِذا، للمفاجأة، و: عبد الله، مُبْتَدأ، و: جَالس، خَبره وَكَذَلِكَ: وَإِذا، الثَّانِيَة للمفاجأة وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:(نَاس) بِغَيْر ألف فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (وَإِذا أنَاس) بِالْألف وهما بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَن صلَاتهم) أَي: فسألنا ابْن عمر عَن صَلَاة هَؤُلَاءِ الَّذين يصلونَ فِي الْمَسْجِد. قَوْله: (بِدعَة) أَي: صلَاتهم بِدعَة، وَإِنَّمَا قَالَ: بِدعَة، وَإِنَّمَا الْبِدْعَة إِحْدَاث مَا لم يكن فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقد ثَبت أَنه صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاة الضُّحَى فِي بَيت أم هانىء، وَقد مر فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى، لِأَن الظَّاهِر أَنَّهَا لم تثبت عِنْده فَلذَلِك أطلق عَلَيْهَا الْبِدْعَة، وَقيل: أَرَادَ أَنَّهَا من الْبدع المستحسنة، كَمَا قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي صَلَاة التَّرَاوِيح، نعمت الْبِدْعَة هَذِه، وَقيل: أَرَادَ أَن إظهارها فِي الْمَسْجِد والاجتماع لَهَا هُوَ الْبِدْعَة، لَا أَن نفس تِلْكَ الصَّلَاة بِدعَة، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه. قَوْله:(قَالَ أَربع) ، كَذَا هُوَ مَرْفُوعا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:(أَرْبعا) ، وَلَقَد نقل الْكرْمَانِي وَغَيره عَن ابْن مَالك فِي وَجه هَذَا الرّفْع وَالنّصب مَا فِيهِ تعسف جدا، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: إِن وَجه الرّفْع هُوَ أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: الَّذِي اعتمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَربع أَي: أَربع عمر، وَوجه النصب على أَن يكون خبر كَانَ محذوفا، تَقْدِيره: الَّذِي اعتمره كَانَ أَرْبعا قَوْله: (وَسَمعنَا استنان عَائِشَة)، قيل: استنانها سواكها. وَقيل: اسْتِعْمَالهَا المَاء. قَالَ ابْن فَارس: سننت المَاء على وَجْهي إِذا أَرْسلتهُ إرْسَالًا إلَاّ أَن يكون اسْتنَّ، لم تستعمله الْعَرَب إلَاّ فِي السِّوَاك، وَقيل: مَعْنَاهُ سمعنَا حس مُرُور السِّوَاك على أسنانها. قلت: فِيهِ مَا فِيهِ، وَفِي رِوَايَة عَطاء عَن عُرْوَة عِنْد مُسلم، قَالَ:(وَإِنَّا لنسمع ضربهَا بِالسِّوَاكِ تستن) . قَوْله: (يَا أُمَّاهُ) ، كَذَا هُوَ بِالْألف وَالْهَاء الساكنة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:(يَا أمه)، بِحَذْف الْألف. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة قَوْله: (يَا أم الْمُؤمنِينَ) بعد أَن قَالَ (يَا أُمَّاهُ) أَرَادَ بقوله (يَا أُمَّاهُ) الْمَعْنى الْأَخَص لكَون عَائِشَة خَالَته وَأَرَادَ بقوله يَا أم الْمُؤمنِينَ الْمَعْنى الْأَعَمّ لكَونهَا أم الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (أَبُو عبد الرَّحْمَن)، هُوَ كنية عبد الله بن عمر قَوْله:(عمرات) ، يجوز ضم الْمِيم فِيهَا وسكونها، وَبِضَمِّهَا كَمَا فِي عَرَفَات وحجرات. قَوْله:(إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب)، أَي: إِحْدَى العمرات كَانَت فِي شهر رَجَب. قَوْله: (يرحم الله أَبَا عبد الرَّحْمَن)، ذكرته بكنيته تَعْظِيمًا لَهُ. قَوْله:(مَا اعْتَمر) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (عمْرَة قطّ إلَاّ وَهُوَ) أَي: ابْن عمر شَاهده، أَي حَاضر مَعَه، وَقَالَت ذَلِك مُبَالغَة فِي نسبته إِلَى النسْيَان، وَلم تنكر عَائِشَة على ابْن عمر إلَاّ قَوْله:(إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب) .
وَاعْلَم أَن إِحْدَى العمرات فِي رِوَايَة مَنْصُور عَن مُجَاهِد (كَانَت فِي رَجَب)، وَخَالفهُ أَبُو إِسْحَاق فَرَوَاهُ عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ:(اعْتَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم مرَّتَيْنِ، فَبلغ ذَلِك عَائِشَة، فَقَالَت: اعْتَمر أَربع مَرَّات) . أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، فَجعل مَنْصُور الِاخْتِلَاف فِي شهر الْعمرَة وَأَبُو إِسْحَاق جعل الِاخْتِلَاف فِي عدد الاعتمار، وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب: اعْتَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقعدَة قبل أَن يحجّ مرَّتَيْنِ، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) بِإِسْنَاد على شَرط الشَّيْخَيْنِ، من حَدِيث عَائِشَة: أَنه صلى الله عليه وسلم اعْتَمر فِي شَوَّال: أخرجه مَالك فِي (موطئِهِ) أَيْضا، وَفِي (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) من حَدِيثهَا:(أَنه صلى الله عليه وسلم اعْتَمر فِي رَمَضَان)، وَهُوَ غَرِيب. قَالَ ابْن بطال: وَالصَّحِيح أَنه اعْتَمر ثَلَاثًا، وَالرَّابِعَة إِنَّمَا تجوز نسبتها إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمر النَّاس بهَا، وعملت بِحَضْرَتِهِ لَا أَنه اعْتَمَرَهَا بِنَفسِهِ، فَيدل على صِحَة ذَلِك أَن عَائِشَة ردَّتْ على ابْن عمر قَوْله، (وَقَالَت: مَا اعْتَمر فِي رَجَب قطّ) . وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: إِنَّه وهم من ابْن عمر لإِجْمَاع الْمُسلمين أَنه اعْتَمر ثَلَاثًا، وروى الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن عُرْوَة (عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اعْتَمر ثَلَاث عمر: عمْرَة فِي شَوَّال، وعمرتين فِي ذِي الْقعدَة) ، والْحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن عَن هِشَام، إلَاّ
أَنه قَالَ: (اعْتَمر عمْرَة فِي ذِي الْقعدَة وَعمرَة فِي شَوَّال) وروى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من رِوَايَة عمر بن ذَر عَن مُجَاهِد عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ:(اعْتَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَلَاث عمر كلهَا فِي ذِي الْقعدَة) . وَقَالَ شَيخنَا: كَأَن عَائِشَة تُرِيدُ وَالله أعلم بِعُمْرَة شَوَّال عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، وَالصَّحِيح إِنَّمَا كَانَت فِي ذِي الْقعدَة، كَمَا فِي حَدِيث أنس فِي الصَّحِيح، وَإِلَيْهِ ذهب الزُّهْرِيّ وَنَافِع مولى ابْن عمر وَقَتَادَة ومُوسَى بن عقبَة وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَغَيرهم، وَاخْتلف فِيهِ على عُرْوَة بن الزبير، فروى هِشَام ابْنه عَنهُ: أَنَّهَا كَانَت فِي شَوَّال، وروى ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَنهُ: أَنَّهَا كَانَت فِي ذِي الْقعدَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ الصَّحِيح، وَقد عد النَّاس هَذِه فِي عمْرَة صلى الله عليه وسلم وَإِن كَانَ صد عَن الْبَيْت فَنحر الْهَدْي وَحلق.
وَأما الْعمرَة الثَّانِيَة، فَهِيَ أَيْضا فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ فِيمَا علمت، قَالَه نَافِع مولى ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَسليمَان التَّيْمِيّ وَعُرْوَة بن الزبير ومُوسَى بن عقبَة وَابْن شهَاب وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَغَيرهم، لَكِن ذكر ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : أَنَّهَا كَانَت فِي رَمَضَان، وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي (كتاب العري) وَلم ينْقل ذَلِك أحد غَيره، وَالْمَشْهُور أَنَّهَا فِي ذِي الْقعدَة. وَعند الدَّارَقُطْنِيّ:(خرج مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَان) . وَقَالَ الْمُحب: فلعلها الَّتِي فعلهَا فِي شَوَّال وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي رَمَضَان. وروى أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي (فَوَائده) من حَدِيث ابْن عمر: (أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، اعْتَمر قبل حجَّته عمرتين أَو ثَلَاثًا، إِحْدَى عُمَرِهِ فِي رَمَضَان) ، وَلَعَلَّه أَرَادَ ابْتِدَاء إِحْرَامه بهَا، وَتسَمى عمْرَة الْقَضَاء، وَعمرَة الْقَضِيَّة، وَعمرَة الْقصاص. وَسميت عمْرَة الْقَضَاء، لِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، قَاضِي أهل مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة على أَن يعْتَمر الْعَام الْمقبل، لِأَن الْمُسلمين قضوها عَن عمْرَة الْحُدَيْبِيَة. وَعَن ابْن عمر: لم تكن هَذِه الْعمرَة قَضَاء، وَلَكِن شرطا على الْمُسلمين أَن يعتمروا الْقَابِل فِي الشَّهْر الَّذِي صدهم الْمُشْركُونَ فِيهِ. وَسميت: عمْرَة الْقصاص، لِأَن الله، عز وجل، أنزل فِي تِلْكَ الْعمرَة {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} (الْبَقَرَة: 491) . فَاعْتَمَرَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي الشَّهْر الْحَرَام الَّذِي صد فِيهِ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون من الْقصاص الَّذِي هُوَ أَخذ الْحق، فكأنهم اقتصوا، أَي: اخذوا فِي السّنة الثَّانِيَة مَا مَنعهم الْمُشْركُونَ من الْحق فِي كَمَال عمرهم.
وَأما الْعمرَة الثَّالِثَة فَهِيَ فِي ذِي الْقعدَة أَيْضا سنة ثَمَان، وَهِي: عمْرَة الْجِعِرَّانَة، قَالَ ذَلِك عُرْوَة بن الزبير ومُوسَى بن عقبَة وَغَيرهمَا، وَهُوَ كَذَلِك. وَفِي (الصَّحِيح) من حَدِيث أنس: أَنَّهَا كَانَت فِي ذِي الْقعدَة، وَقَالَ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : إِن عمْرَة الْجِعِرَّانَة كَانَت فِي شَوَّال. قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَلم ينْقل ذَلِك أحد غَيره فِيمَا علمت، وَالْمَشْهُور أَنَّهَا فِي ذِي الْقعدَة. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: إِن الثَّلَاث كَانَت فِي ذِي الْقعدَة.
وَأما الْعمرَة الرَّابِعَة فَهِيَ الَّتِي مَعَ حجَّته، صلى الله عليه وسلم، وَكَانَت أفعالها فِي الْحجَّة بِلَا خلاف، لِأَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قدم مَكَّة فِي الرَّابِع من ذِي الْحجَّة. وَأما إحرامها فَالصَّحِيح أَنه كَانَ فِي ذِي الْقعدَة، لأَنهم خَرجُوا لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، كَمَا فِي (الصَّحِيح) . وَكَانَ إِحْرَامه فِيهَا فِي وَادي العقيق كَمَا فِي (الصَّحِيح)، وَذَلِكَ قبل أَن يدْخل ذُو الْحجَّة. وَقيل: كَانَ إِحْرَامه لَهَا فِي ذِي الْحجَّة، لِأَن فِي بعض طرق الحَدِيث:(خرجنَا موافين لهِلَال ذِي الْحجَّة) ، وَالصَّحِيح الأول، وَأسْقط بَعضهم عمرته هَذِه فَجَعلهَا ثَلَاث عمر، وَهُوَ الَّذِي صَححهُ القَاضِي عِيَاض.
وَلَا شكّ أَنه صلى الله عليه وسلم لم يعْتَمر عَام حجَّة الْوَدَاع عمْرَة مُفْردَة لَا قبل الْحَج وَلَا بعده، أما قبله فَلِأَنَّهُ لم يحل حَتَّى فرغ من الْحَج، وَأما بعده فَلم ينْقل أَنه اعْتَمر، فَلم يبْق إلَاّ أَنه قرن الْحَج بِعُمْرَة، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب جمعا بَين الْأَحَادِيث، إلَاّ أَنه أحرم أَولا بِالْحَجِّ، ثمَّ أَدخل عَلَيْهِ الْعمرَة بالعقيق لما جَاءَهُ جِبْرِيل، عليه السلام. وَقَالَ: صلِّ فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك، وَقل: عمْرَة فِي حجَّة، وَلِهَذَا اخْتلفت الصَّحَابَة فِي عدد عمره، فَمن قَالَ: أَرْبعا فَهَذَا وَجهه، وَمن قَالَ: ثَلَاثًا أسقط الْأَخِيرَة لدُخُول أفعالها فِي الْحَج، وَمن قَالَ: اعْتَمر عمرتين أسقط الْعمرَة الأولى، وَهِي: عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، لكَوْنهم صدوا عَنْهَا، وَأسْقط الْأَخِيرَة لدخولها فِي أَعمال الْحَج، وَأثبت عمْرَة الْقَضِيَّة وَعمرَة الْجِعِرَّانَة.
7771 -
حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي عَطاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ مَا اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ.
(انْظُر الحَدِيث 6771 وطرفه) .
هَذَا من تَعْلِيق الحَدِيث السَّابِق لإنكار عَائِشَة على ابْن عمر فِي كَون عمرته فِي رَجَب، وَهنا أَيْضا أنْكرت اعتماره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي رَجَب بقولِهَا: وَمَا اعْتَمر فِي رَجَب قطّ، وَأوردهُ مُخْتَصرا عَن أبي عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك، بن مخلد عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. وَأخرجه مُسلم مطولا، فَقَالَ: حَدثنَا هَارُون بن عبد الله، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، قَالَ:(أخبرنَا ابْن جريج، قَالَ: سَمِعت عَطاء يخبر، قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير، قَالَ: كنت أَنا وَابْن عمر مستندين إِلَى حجرَة عَائِشَة، وَأَنا أسمع ضربهَا بِالسِّوَاكِ تستن، قَالَ: فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن {اعْتَمر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فِي رَجَب؟ قَالَ: نعم، فَقلت لعَائِشَة: أَي أُمَّاهُ} أَلا تسمعين مَا يَقُول أَبُو عبد الرَّحْمَن؟ قَالَت: وَمَا يَقُول؟ قلت: يَقُول: اعْتَمر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فِي رَجَب. فَقَالَت: يغْفر الله لأبي عبد الرَّحْمَن، لعمري مَا اعْتَمر فِي رَجَب، وَمَا اعْتَمر فِي عمْرَة إلَاّ وَأَنه لمعه. قَالَ: وَابْن عمر يسمع، فَمَا قَالَ: لَا وَلَا نعم، سكت) . فَإِن قلت: نفت عَائِشَة وَأثبت ابْن عمر، وَالْقَاعِدَة تَقْدِيم الْإِثْبَات على النَّفْي، فَهَلا حكم لِابْنِ عمر على عَائِشَة؟ قلت: إِن إِثْبَات ابْن عمر كَونهَا فِي رَجَب يُعَارضهُ إِثْبَات آخر، وَهُوَ كَونهَا فِي ذِي الْقعدَة، فكلاهما نافٍ لوقت ومثبت لوقت آخر، فعائشة، وَإِن نفت رَجَب، فقد أَثْبَتَت كَونهَا فِي ذِي الْقعدَة، وَقد اتّفقت عَائِشَة وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس على نفي الزِّيَادَة فِي عدد عمره صلى الله عليه وسلم على أَربع، وأثبتت عَائِشَة كَون الثَّلَاثَة فِي ذِي الْقعدَة خلا الَّتِي فِي حجَّته، فترجح إِثْبَات عَائِشَة لذَلِك، فَإِن إِثْبَات ابْن عَبَّاس أَيْضا كَذَلِك، وَانْفَرَدَ ابْن عمر بِإِثْبَات رَجَب، فَكَانَ إِثْبَات عَائِشَة مَعَ ابْن عَبَّاس أقوى من إِثْبَات ابْن عمر وَحده، وانضم لذَلِك كَون عَائِشَة أنْكرت عَلَيْهِ مَا أثْبته من الاعتمار فِي رَجَب، وَسكت، فَوَجَبَ الْمصير إِلَى قَول عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. فَإِن قلت: قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا يدْخل فِي: بَاب كم اعْتَمر، وَإِنَّمَا يدْخل فِي: بَاب مَتى اعْتَمر، صلى الله عليه وسلم؟ قلت: أجَاب بَعضهم بِأَن غَرَض البُخَارِيّ الطَّرِيق الأولى، وَإِنَّمَا أورد هَذَا لينبه على الْخلاف فِي السِّيَاق، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : بل دَاخل فِيهِ، وَالزَّمَان وَقع اسْتِطْرَادًا. قلت: الْأَوْجه فِي ذَلِك مَا ذكرته فِي أول شرح الحَدِيث أَنه من تَعْلِيق الحَدِيث السَّابِق، وداخل فِي عداده، فالترجمة تَشْمَل الْكل. فَافْهَم.
8771 -
حدَّثنا حَسَّانُ بنُ حَسَّانَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ قَالَ سَألْتُ أنَسا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كَمِ اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أرْبَعٌ عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَّةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُاشْرِكُونَ وعُمْرةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وعُمْرَةُ الجِعْرَانَةِ إذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلْتُ كَمْ حَجَّ قَالَ واحِدَةً..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَحسان بن حسان أَبُو عَليّ الْبَصْرِيّ، سكن مَكَّة وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَقَالَ: مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ.، وَهَمَّام، بتَشْديد الْمِيم: ابْن يحيى بن دِينَار العوزي الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة.
وَأخرجه أَيْضا عَن أبي الْوَلِيد فِيهِ، وَفِي الْجِهَاد وَفِي الْمَغَازِي عَن هذبة بن خَالِد، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن هدبة وَعَن أبي مُوسَى عَن عبد الصَّمد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي الْوَلِيد وهدبة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَقَالَ: حسن صَحِيح.
قَوْله: (أَربع) أَي: الَّذِي اعتمره أَربع عمر. قَوْله: (عمْرَة الْحُدَيْبِيَة)، أَي: من الْأَرْبَع عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، وَهِي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره هَاء، وَكثير من الْمُحدثين يشددون هَذِه الْيَاء، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هِيَ قَرْيَة كَبِيرَة من مَكَّة، سميت ببئر هُنَاكَ، وَقَالَ الصغاني: الْحُدَيْبِيَة، بتَخْفِيف الْيَاء: مِثَال دويهية، بِئْر على مرحلة من مَكَّة، مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: سميت الْحُدَيْبِيَة بشجرة حدباء هُنَاكَ. قَوْله: (حَيْثُ صده)، أَي: مَنعه الْمُشْركُونَ من دُخُول مَكَّة، وَهُوَ فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة، وَكَانَت فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا خلاف، نَص على ذَلِك الزُّهْرِيّ وَآخَرُونَ. قَوْله:(وَعمرَة الْجِعِرَّانَة) فِيهَا لُغَتَانِ إِحْدَاهمَا: كسر الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء المخففة. وَبعد الْألف نون، وَالثَّانيَِة: كسر الْعين وَتَشْديد الرَّاء، وَإِلَى التَّخْفِيف ذهب الْأَصْمَعِي وَصَوَّبَهُ الْخطابِيّ، وَقَالَ فِي (تَصْحِيف الْمُحدثين) : إِن هَذَا مِمَّا ثقلوه وَهُوَ مخفف، وَحكى القَاضِي عَن ابْن الْمَدِينِيّ. قَالَ: أهل الْمَدِينَة يثقلونه، وَأهل الْعرَاق يخففونه، وَهِي
مَا بَين الطَّائِف وَمَكَّة، وَهِي إِلَى مَكَّة أقرب. قَوْله:(إِذْ قسم) أَي: حِين قسم غنيمَة، وغنيمة مَنْصُوب بِلَا تَنْوِين بِلَفْظ قسم لِأَنَّهُ مُضَاف فِي نفس الْأَمر إِلَى حنين. قَوْله:(أرَاهُ)، بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ، معترض بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ، وَكَانَ الرَّاوِي طَرَأَ عَلَيْهِ شكّ فَأدْخل لفظ: أرَاهُ، بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ، وَقد رَوَاهُ مُسلم عَن هدبة عَن همام بِغَيْر شكّ، فَقَالَ: حَيْثُ قسم غَنَائِم حنين، وَيَوْم حنين كَانَت غَزْوَة هوَازن، وحنين وادٍ بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاثَة أَمْيَال، وَكَانَت فِي سنة ثَمَان، وَهِي سنة غَزْوَة الْفَتْح، وَكَانَت غَزْوَة هوَازن بعد الْفَتْح فِي خَامِس شَوَّال. فَإِن قلت: سَأَلَ قَتَادَة عَن أنس: كم اعْتَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟ فَأجَاب بقوله: أَربع، وَلَيْسَ فِي حَدِيثه إلَاّ ذكر ثَلَاث؟ قلت: سقط من هَذِه الرِّوَايَة أَعنِي: رِوَايَة حسان الْمَذْكُورَة ذكر الْعمرَة الرَّابِعَة، وَلِهَذَا روى البُخَارِيّ بعد رِوَايَة أبي الْوَلِيد، وفيهَا ذكر الرَّابِعَة، وَهُوَ قَوْله:(وَعمرَة مَعَ حجَّته) على مَا يَأْتِي عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَكَذَا أخرجه مُسلم من طَرِيق عبد الصَّمد عَن هِشَام، فَظهر بِهَذَا أَن التَّقْصِير فِيهِ من حسان شيخ البُخَارِيّ.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: أَيْن الرَّابِعَة؟ قلت: هِيَ دَاخِلَة فِي الْحَج، لِأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِمَّا متمتع أَو قَارن أَو مُفْرد، وَأفضل الْأَنْوَاع الْإِفْرَاد. وَلَا بُد فِيهِ من الْعمرَة فِي تِلْكَ السّنة، وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يتْرك الْأَفْضَل. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ مَا ادّعى أَنه الْأَفْضَل مُتَّفقا عَلَيْهِ بَين الْعلمَاء، فَكيف ينْسب فعل ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟ انْتهى. قلت: مَا ادّعى الْكرْمَانِي الْأَفْضَلِيَّة عِنْد الْجَمِيع، وَإِنَّمَا مُرَاده أَن الْإِفْرَاد أفضل مُطلقًا بِنَاء على زَعمه ومعتقد إِمَامه، فَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِنْكَار. وَلَكِن ترديد الْكرْمَانِي بقوله: إِمَّا متمتع أَو قَارن أَو مُفْرد؟ غير موجه لأَنهم وَإِن كَانُوا اخْتلفُوا فِيهِ وَلَكِن أَكْثَرهم على أَفضَلِيَّة الْقرَان. وَكَيف لَا وَقد تظاهرت الرِّوَايَات وتكاثرت عَن قوم خُصُوصا عَن أنس بِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، دخل فِي الْعمرَة وَالْحج جَمِيعًا؟ وَهُوَ عين الْقرَان، فَكَانَ أفضل الْأَنْوَاع القِران. وَقد قَالَ ابْن حزم: سِتَّة عشر من الثِّقَات اتَّفقُوا على أنس على أَن لفظ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، كَانَ إهلالاً بِحجَّة وَعمرَة مَعًا. وصرحوا عَن أنس أَنه سمع ذَلِك مِنْهُ، صلى الله عليه وسلم، وهم: بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ، وَأَبُو قلَابَة، وَحميد الطَّوِيل، وَأَبُو قزعة وثابت الْبنانِيّ، وَحميد بن هِلَال، وَيحيى بن أبي إِسْحَاق، وَقَتَادَة، وَأَبُو أَسمَاء، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَمصْعَب بن سليم، وَمصْعَب بن عبد الله بن الزبْرِقَان، وَسَالم بن أبي الْجَعْد، وَأَبُو قدامَة، وَزيد بن أسلم، وَعلي بن زيد. وَقد أخرج الطَّحَاوِيّ عَن تِسْعَة مِنْهُم، وَقد شرحنا جَمِيع ذَلِك فِي شرحنا (شرح مَعَاني الْآثَار) فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهَا فَليرْجع إِلَيْهِ. وَمن جملَة من أخرج مِنْهُم الطَّحَاوِيّ رِوَايَة أبي أَسمَاء عَن أنس، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن مُوسَى وَابْن نفَيْل، قَالَا: حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي أَسمَاء (عَن أنس، قَالَ: خرجنَا نصرخ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نَجْعَلهَا عمْرَة، وَقَالَ: لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لجعلتها عمْرَة، وَلَكِنِّي سقت الْهَدْي وقرنت الْحَج وَالْعمْرَة) . وَأخرجه النَّسَائِيّ وَأحمد أَيْضا نَحْو رِوَايَة الطَّحَاوِيّ، فَهَذَا مُصَرح بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذكر بِلَفْظ: أَنه كَانَ قَارنا، وَوَافَقَ قَوْله فعله، فَدلَّ قطعا أَن الْقرَان أفضل فَكيف يَدعِي الْكرْمَانِي وَغَيره مِمَّن نحى نَحوه بِأَن أفضل الْأَنْوَاع الْإِفْرَاد، وَلَيْسَ مَا وَرَاء عبادان قَرْيَة، وَالْوُقُوف على حَظّ النَّفس مُكَابَرَة.
9771 -
حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتادَةَ قَالَ سألْتُ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَقَالَ اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ رَدُّوهُ ومِنَ القَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَّةِ وعُمْرَةً فِي ذِي القَعْدَةِ وعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ..
هَذَا بِعَيْنِه هُوَ الحَدِيث الأول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَغير أَنه روى الأول عَن حسان عَن همام، وروى هَذَا عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، وَفِيه ذكر الْعُمر الْأَرْبَعَة بِخِلَاف الأول، فَإِن الرَّابِعَة فِيهِ سَاقِطَة، كَمَا ذكرنَا. قَوْله:(وَمن الْقَابِل) أَي: وَمن الْعَام الْقَابِل، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا أرَاهُ وهما، لِأَن الَّتِي ردُّوهُ فِيهَا هِيَ عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، وَأما الَّتِي من قَابل فَلم يردوه مِنْهَا، ورد عَلَيْهِ بِأَن كلا مِنْهُمَا كَانَ من الْحُدَيْبِيَة.
357 -
(حَدثنَا هدبة قَالَ حَدثنَا همام وَقَالَ اعْتَمر أَربع عمر فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي اعْتَمر
مَعَ حجَّته عمرته من الْحُدَيْبِيَة وَمن الْعَام الْمقبل وَمن الْجِعِرَّانَة حَيْثُ قسم غَنَائِم حنين وَعمرَة مَعَ حجَّته) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن هدبة بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خَالِد الْقَيْسِي مر فِي كتاب الصَّلَاة عَن همام بن يحيى قَوْله " وَقَالَ اعْتَمر " أَي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَهُوَ عَن قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأخرجه مُسلم عَن هداب بن خَالِد وَهُوَ هدبة الْمَذْكُور فَقَالَ حَدثنَا هداب بن خَالِد قَالَ حَدثنَا همام قَالَ حَدثنَا قَتَادَة أَن أنسا أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - اعْتَمر أَربع عمر كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حجَّته عمْرَة من الْحُدَيْبِيَة وزمن الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة وَعمرَة من الْعَام الْمقبل فِي ذِي الْقعدَة وَعمرَة من جعرانة حَيْثُ قسم غَنَائِم حنين فِي ذِي الْقعدَة وَعمرَة مَعَ حجَّته " قَوْله " أَربع عمر فِي ذِي الْقعدَة " يَعْنِي كُلهنَّ كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم ثمَّ اسْتثْنى من ذَلِك عمرته الَّتِي كَانَت مَعَ حجَّته فَإِنَّهَا كَانَت فِي ذِي الْحجَّة وَاعْترض ابْن التِّين فِي هَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَ هُوَ كَلَام زَائِد لِأَنَّهُ عد الْعمرَة الَّتِي مَعَ حجَّته فِي الحَدِيث فَكيف يستثنيها أَولا وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ قَالَ فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا ثَلَاث وَالرَّابِعَة عمرته فِي حجَّته انْتهى (قلت) لَا إِشْكَال فِيهِ وَلَا هَذَا الْجَواب بسديد وَإِنَّمَا الْجَواب أَنه اسْتثِْنَاء صَحِيح لِأَن الِاسْتِثْنَاء بعض مِمَّا يتَنَاوَلهُ صدر الْكَلَام وَصدر الْكَلَام يشْعر بِأَن عمره الْأَرْبَع كَانَت فِي ذِي الْقعدَة ثمَّ اسْتثْنى مِنْهُ عمرته الَّتِي كَانَت مَعَ حجَّته لِأَنَّهَا كَانَت فِي ذِي الْحجَّة ثمَّ بَين الْأَرْبَع الْمَذْكُورَة بقوله " عمرته من الْحُدَيْبِيَة " أَي أَولهَا عمرته من الْحُدَيْبِيَة قَوْله " وَمن الْعَام الْمقبل " أَي وَالثَّانيَِة عمرته من الْعَام الْمقبل قَوْله " وَمن الْجِعِرَّانَة " أَي وَالثَّالِثَة من الْجِعِرَّانَة وَهَذِه الثَّلَاث كَانَت فِي ذِي الْقعدَة قَوْله " وعمرته مَعَ حجَّته " أَي الرَّابِعَة عمرته الَّتِي كَانَت مَعَ حجَّته وَكَانَت فِي ذِي الْحجَّة -
1871 -
حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ قَالَ حدَّثنا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عَنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سألْتُ مَسْرُوقا وعَطاءً ومجاهِدا فَقالُوا اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ قَبلَ أنُ يَحُجَّ وَقَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْلَ أنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم تِسْعَة: الأول: أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم بن دِينَار أَبُو عبد الله الأودي، مَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: ابْن مسلمة، بِفَتْح الميمين وَاللَّام. الثَّالِث: إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي السبيعِي. الرَّابِع: أَبوهُ يُوسُف بن إِسْحَاق. الْخَامِس: أَبُو إِسْحَاق واسْمه عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. السَّادِس: مَسْرُوق ابْن الأجدع. السَّابِع: عَطاء بن أبي رَبَاح. الثَّامِن: مُجَاهِد بن جُبَير. التَّاسِع: الْبَراء بن عَازِب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن هَؤُلَاءِ كلهم كوفيون إلَاّ عَطاء ومجاهدا فَإِنَّهُمَا مكيان. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي إِسْحَاق (عَن الْبَراء أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اعْتَمر فِي ذِي الْقعدَة) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قلت: لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على عدد عمره فِي ذِي الْقعدَة، هَل اعْتَمر فِيهِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) . وروى أَبُو يعلى من حَدِيث أبي إِسْحَاق (عَن الْبَراء قَالَ: اعْتَمر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل أَن يحجّ) ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على عدد عمره، وَلَا مَا يدل على وَقت عمرته من أَي شهر، وَالصَّحِيح أَن عمره الثَّلَاث كَانَت فِي ذِي الْقعدَة، وَقيل: اعْتَمر مرَّتَيْنِ فِي شَوَّال، وَعمرَة فِي ذِي الْقعدَة.