الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُرْطُبِيّ. وَفِيه: وجوب الْخِيَار فِي الْعنَّة. وَفِيه: أَن الصَّوْم قَاطع لشَهْوَة النِّكَاح. وَاعْترض بِأَن الصَّوْم يزِيد فِي تهييج الْحَرَارَة وَذَلِكَ مِمَّا يثير الشَّهْوَة. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك إِنَّمَا يَقع فِي مبدأ الْأَمر، فَإِذا تَمَادى عَلَيْهِ واعتاده سكن ذَلِك، وشهوة النِّكَاح تَابِعَة لشَهْوَة الْأكل، فَإِنَّهُ يقوى بقوتها ويضعف بضعفها. وَفِيه: الْأَمر بِالنِّكَاحِ لمن اسْتَطَاعَ وتاقت نَفسه، وَهُوَ إِجْمَاع، لكنه عِنْد الْجُمْهُور أَمر ندب لَا إِيجَاب، وَإِن خَافَ الْعَنَت كَذَا قَالُوا.
قلت: النِّكَاح على ثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول: سنة وَهُوَ فِي حَال الِاعْتِدَال لقَوْله صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تَوَالَدُوا تكثروا، فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة) . الثَّانِي: وَاجِب وَهُوَ عِنْد التوقان وَهُوَ غَلَبَة الشَّهْوَة. الثَّالِث: مَكْرُوه وَهُوَ إِذا خَافَ الْجور، لِأَنَّهُ إِنَّمَا شرع لمصَالح كَثِيرَة فَإِذا خَافَ الْجور لم تظهر تِلْكَ الْمصَالح ثمَّ فِي هَذِه الْحَالة تشتغل بِالصَّوْمِ، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أحل النِّكَاح وَندب نبيه صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ ليكونوا على كَمَال من دينهم وصيانة لأَنْفُسِهِمْ من غض أَبْصَارهم وَحفظ فروجهم لما يخْشَى على من جبله الله على حب أعظم الشَّهَوَات، ثمَّ أعلم أَن النَّاس كلهم لَا يَجدونَ طولا إِلَى النِّسَاء، وَرُبمَا خَافُوا الْعَنَت بِعقد النِّكَاح، فعوضهم مِنْهُ مَا يدافعون بِهِ سُورَة شهواتهم وَهُوَ الصّيام، فَإِنَّهُ وَجَاء، وَهُوَ مقطع للانتشار وحركة الْعُرُوق الَّتِي تتحرك عِنْد شَهْوَة الْجِمَاع.
11 -
(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا وإذَا رأيْتُمُوهُ فأفْطِرُوا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي، صلى الله عليه وسلم. . إِلَى آخِره. وَهَذِه التَّرْجَمَة هِيَ بِعَينهَا لفظ حَدِيث مُسلم حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا، وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فأفطروا، فَإِن غم عَلَيْكُم فصوموا ثَلَاثِينَ يَوْمًا) ، وَلَيْسَ فِي أَحَادِيث الْبَاب مثل عين التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا الْمَذْكُور مَا يُقَارب التَّرْجَمَة من حَيْثُ اللَّفْظ، وَمَا هُوَ عينهَا من حَيْثُ الْمَعْنى على مَا نبينه عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ صِلَةْ عنْ عَمَّارٍ منْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مُقْتَضى مَعْنَاهَا أَن لَا يصام يَوْم الشَّك، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم علق الصَّوْم بِرُؤْيَة الْهلَال وَهُوَ هِلَال رَمَضَان، فَلَا يصام الْيَوْم الَّذِي هُوَ آخر شعْبَان إِذا شكّ فِيهِ، هَل هُوَ من شعْبَان أَو رَمَضَان؟ وصلَة، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح اللَّام المخففة على وزن: عدَّة، وَقَالَ بَعضهم: على وزن عمر وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَهُوَ ابْن زفر، بِضَم الزَّاي وَفتح الْفَاء المخففة وَفِي آخِره رَاء: الْعَبْسِي الْكُوفِي، يكنى أَبَا بكر، وَيُقَال: أَبَا الْعَلَاء، قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي فِي زمن مُصعب بن الزبير وَهُوَ من كبار التَّابِعين وفضلائهم، وَزعم ابْن حزم أَنه: صلَة بن أَشْيَم، وَهُوَ وهم مِنْهُ، وَقد صرح بِأَنَّهُ صلَة بن زفر جَمِيع من روى هَذَا. وعمار هُوَ ابْن يَاسر الْعَبْسِي أَبُو الْيَقظَان، قتل بصفين.
وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، فَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله ابْن سعيد الْأَشَج حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي (عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة بن زفر، قَالَ: كُنَّا عِنْد عمار ابْن يَاسر فَأتي بِشَاة مصلية، فَقَالَ: كلوا، فَتنحّى بعض الْقَوْم، فَقَالَ: إِنِّي صَائِم، فَقَالَ عمار: من صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ فقد عصى أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن الْأَشَج، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، وَأخرجه أَيْضا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ.
وَيَوْم الشَّك هُوَ الْيَوْم الَّذِي يتحدث النَّاس فِيهِ بِرُؤْيَة الْهلَال وَلم تثبت رُؤْيَته، أَو شهد وَاحِد فَردَّتْ شَهَادَته، أَو شَاهِدَانِ فاسقان فَردَّتْ شَهَادَتهمَا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي (الْأَشْرَاف) : قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا بَأْس بِصَوْم يَوْم الشَّك تَطَوّعا، وَهَذَا قَول أهل الْعلم، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَأحمد وَإِسْحَاق، وَمثله عَن مَالك على الْمَشْهُور، وَكَانَت أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، تصومه. وَذكر القَاضِي أَبُو يعلى: أَن صَوْم يَوْم الشَّك مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَأنس بن مَالك وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس.
وَقَالَ أَصْحَابنَا: صَوْم يَوْم الشَّك على وُجُوه: الأول: أَن يَنْوِي فِيهِ صَوْم رَمَضَان وَهُوَ مَكْرُوه، وَفِيه خلاف أبي هُرَيْرَة وَعمر وَمُعَاوِيَة وَعَائِشَة وَأَسْمَاء، ثمَّ إِنَّه من رَمَضَان يجْزِيه وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَالثَّوْري وَوجه للشَّافِعِيَّة، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجْزِيه إلَاّ إِذا أخبرهُ بِهِ من يَثِق بِهِ من عبد أَو امْرَأَة. وَالثَّانِي: أَنه إِن نوى عَن وَاجِب آخر كقضاء رَمَضَان وَالنّذر أَو الْكَفَّارَة وَهُوَ مَكْرُوه أَيْضا إلَاّ أَنه دون الأول فِي الْكَرَاهَة وَإِن ظهر أَنه من شعْبَان قيل: يكون نفلا. وَقيل: يجْزِيه عَن الَّذِي نَوَاه من الْوَاجِب وَهُوَ الْأَصَح، وَفِي (الْمُحِيط) : وَهُوَ الصَّحِيح. وَالثَّالِث: أَن يَنْوِي التَّطَوُّع وَهُوَ غير مَكْرُوه عندنَا، وَبِه قَالَ مَالك. وَفِي (الْأَشْرَاف) : حُكيَ عَن مَالك جَوَاز النَّفْل فِيهِ عَن أهل الْعلم، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَابْن مسلمة وَأحمد وَإِسْحَاق، وَفِي (جَوَامِع الْفِقْه) : لَا يكره صَوْم يَوْم الشَّك بنية التَّطَوُّع، وَالْأَفْضَل فِي حق الْخَواص صَوْمه بنية التَّطَوُّع بِنَفسِهِ وخاصته، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف، وَفِي حق الْعَوام التَّلَوُّم إِلَى أَن يقرب الزَّوَال، وَفِي (الْمُحِيط) : إِلَى وَقت الزَّوَال، فَإِن ظهر أَنه من رَمَضَان نوى الصَّوْم وإلَاّ أفطر. وَالرَّابِع: أَن يضجع فِي أصل النِّيَّة بِأَن يَنْوِي أَن يَصُوم غَدا إِن كَانَ من رَمَضَان، وَلَا يَصُومهُ إِن كَانَ من شعْبَان، وَفِي هَذَا الْوَجْه لَا يصير صَائِما. وَالْخَامِس: أَن يضجع فِي وصف النِّيَّة بِأَن يَنْوِي إِن كَانَ غَدا من رَمَضَان يَصُوم عَنهُ، وَإِن كَانَ من شعْبَان فَعَن وَاجِب آخر فَهُوَ مَكْرُوه. وَالسَّادِس: أَن يَنْوِي عَن رَمَضَان إِن كَانَ غَدا مِنْهُ، وَعَن التَّطَوُّع إِن كَانَ من شعْبَان يكره.
قَوْله: (من صَامَ يَوْم الشَّك)، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة وَغَيره:(من صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ)، قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا أَتَى بالموصول وَلم يقل: يَوْم الشَّك، مُبَالغَة فِي أَن صَوْم يَوْم فِيهِ أدنى شكّ سَبَب الْعِصْيَان، فَكيف من صَامَ يَوْمًا الشكُّ فِيهِ قَائِم؟ قَوْله:(فقد عصى أَبَا الْقَاسِم) ، اسْتدلَّ بِهِ على تَحْرِيم صَوْم يَوْم الشَّك، لِأَن الصَّحَابِيّ لَا يَقُول ذَلِك من قبل رَأْيه، فَيكون من قبيل الْمَرْفُوع، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ مُسْند عِنْدهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك، وَخَالفهُ الْجَوْهَرِي الْمَالِكِي، فَقَالَ: هُوَ مَوْقُوف، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ موقف لفظا مَرْفُوع حكما، وَإِنَّمَا قَالَ: أَبَا الْقَاسِم، بتخصيص هَذِه الكنية للْإِشَارَة إِلَى أَنه صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي يقسم بَين عباد الله حكم الله بِحَسب قدرهم واقتدارهم.
6091 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكَرَ رمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ ولَا تُفْطرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى لفظ التَّرْجَمَة يؤول إِلَى معني هَذَا الحَدِيث، وحاصلهما سَوَاء، وَقد مضى فِي: بَاب هَل يُقَال رَمَضَان أَو شهر رَمَضَان؟ مَا رَوَاهُ من حَدِيث سَالم عَن ابْن عمر، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: (إِذا رَأَيْتُمُوهُ فصوموا وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فأفطروا، فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ) . وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَفِي الْحَدِيثين كليهمَا. (فاقدروا لَهُ)، وَجَاء من وَجه آخر عَن نَافِع:(فاقدروا ثَلَاثِينَ) ، وَهَكَذَا أخرجه مُسلم من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع، وَكَذَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع، قَالَ عبد الرَّزَّاق: وَأخْبرنَا عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن نَافِع بِهِ، فَقَالَ:(فعدوا ثَلَاثِينَ) .
8091 -
حدَّثنا أبُو الوَليدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشَّهْرُ هكذَا وهَكَذَا وخَنَسَ الإبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى التَّرْجَمَة يدل على أَن الصَّوْم إِنَّمَا يجب بِرُؤْيَة الْهلَال، والهلال تَارَة يكون تسعا وَعشْرين يَوْمًا، فَهَذَا الحَدِيث يبين ذَلِك، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ. وجبلة، بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام المفتوحات: ابْن سحيم تَصْغِير السحم بالمهملتين الْكُوفِي، يكنى بِأبي سويرة مصغر سارة مَاتَ زمن الْوَلِيد بن يزِيد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن آدم، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث، الْكل عَن شعبه بِهِ.
قَوْله: (الشَّهْر)، أَي: الَّذِي نَحن فِيهِ أَو جنس الشَّهْر. قَوْله: (هَكَذَا وَهَكَذَا) ، أَشَارَ بيدَيْهِ الكريمتين ناشرا أَصَابِعه مرَّتَيْنِ، فَهَذِهِ عشرُون. قَوْله:(وخنس الْإِبْهَام فِي الثَّالِثَة)
أَي: أَشَارَ فِي الْمرة الثَّالِثَة بيدَيْهِ ناشرا أَصَابِعه، وخنس الْإِبْهَام فِيهَا فَهَذِهِ تِسْعَة، فالجملة تِسْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَلَفظ: خنس، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالنُّون، وَفِي آخِره سين مُهْملَة، مَعْنَاهُ: قبض، وَالْمَشْهُور أَنه لَازم، يُقَال: خنس خنوسا، ويروى حبس بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة بِمَعْنى: خنس، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَحَاصِله أَن الِاعْتِبَار بالهلال فقد يكون تَاما ثَلَاثِينَ، وَقد يكون نَاقِصا تسعا وَعشْرين، وَقد لَا يرى الْهلَال فَيجب إِكْمَال الْعدَد ثَلَاثِينَ، قَالُوا: وَقد يَقع النَّص متواليا فِي شَهْرَيْن وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة، وَلَا يَقع أَكثر من أَرْبَعَة.
وَفِيه: جَوَاز اعْتِمَاد الْإِشَارَة المفهمة فِي مثل هَذَا.
18 -
(حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه يَقُول قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَو قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم َ - صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته فَإِن غبي عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس وَمُحَمّد بن زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وخفة الْيَاء آخر الْحُرُوف مر فِي غسل الأعقاب والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن عبد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُؤَمل بن هِشَام وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد عَن أَبِيه الْكل عَن شُعْبَة بِهِ وَقد اعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ بقوله روى الشَّيْخ هَذَا الحَدِيث عَن آدم عَن شُعْبَة وَقَالَ فِيهِ " فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ " وَقد روينَاهُ عَن غنْدر وَابْن مهْدي وَابْن علية وَعِيسَى بن يُونُس وشبابة وَعَاصِم بن عَليّ وَالنضْر بن شُمَيْل وَيزِيد بن هَارُون وَأبي دَاوُد كلهم عَن شُعْبَة لم يذكر أحد مِنْهُم " فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا " هَذَا يجوز أَن يكون آدم رَوَاهُ على التَّفْسِير من عِنْده للْخَبَر وَإِلَّا فَلَيْسَ لانفراد أبي عبد الله عَنهُ بِهَذَا من بَين من رَوَاهُ عَنهُ وَمن بَين سَائِر من ذكرنَا مِمَّن روى عَن شُعْبَة وَجه وَإِن كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا وَرَوَاهُ المَقْبُري عَن وَرْقَاء عَن شُعْبَة على مَا ذَكرْنَاهُ أَيْضا انْتهى (قلت) حَاصله أَنه وَقع للْبُخَارِيّ إدراج التَّفْسِير فِي نفس الْخَبَر (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَو قَالَ أَبُو الْقَاسِم " شكّ من الرَّاوِي قَوْله " لرُؤْيَته " اللَّام فِيهِ للتوقيت كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} أَي وَقت دلوكها وَالْمرَاد من قَوْله " صُومُوا لرُؤْيَته " رُؤْيَة بعض الْمُسلمين وَلَا يشْتَرط كل النَّاس قَالَ النَّوَوِيّ بل يَكْفِي من جَمِيع النَّاس رُؤْيَة عَدْلَيْنِ وَكَذَا عدل على الْأَصَح هَذَا فِي الصَّوْم وَأما فِي الْفطر فَلَا يجوز بِشَهَادَة عدل وَاحِد على هِلَال شَوَّال عِنْد جَمِيع الْعلمَاء إِلَّا أَبَا ثَوْر جوزه بِعدْل وَاحِد (قلت) قَالَ أَصْحَابنَا وَإِذا كَانَ بالسماء عِلّة قبل الإِمَام شَهَادَة الْوَاحِد الْعدْل فِي رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان رجلا كَانَ أَو امْرَأَة حرا كَانَ أَو عبدا لِأَنَّهُ أَمر ديني وَقَول الْعدْل فِي الديانَات مَقْبُول وَفِي التُّحْفَة والطَّحَاوِي يكْتَفى بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة وَفِي الذَّخِيرَة وَإِن كَانَ فَاسِقًا (قلت) هَذَا بعيد جدا وَفِي الذَّخِيرَة عَن أبي جَعْفَر الْفَقِيه قبُول قَول الْوَاحِد فِي صَوْم رَمَضَان سَوَاء كَانَ بالسماء عِلّة أم لَا وَعَن الْحسن أَنه قَالَ يحْتَاج إِلَى شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاء كَانَ بالسماء عِلّة أم لَا وَفِي الْبَدَائِع يقبل قَول الْوَاحِد فِي رَمَضَان إِذا كَانَ بالسماء عِلّة بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا وَفِي الرَّوْضَة ذكر فِي الهاروني أَنه تقبل شَهَادَة الْوَاحِد بِالصَّوْمِ وَالسَّمَاء مصحية عَن أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَفِي الْمُحِيط وَيَنْبَغِي أَن يُفَسر جِهَة الرُّؤْيَة فَإِن احْتمل رُؤْيَته يقبل وَإِلَّا فَلَا وَالْمذهب عِنْد الشَّافِعِيَّة ثُبُوته بِعدْل وَاحِد وَلَا فرق بَين الْغَيْم وَعَدَمه عِنْدهم وَلَا يقبل قَول العَبْد وَالْمَرْأَة فِي الْأَصَح وَيقبل قَول المستور فِي الْأَصَح وَقَالَ عَطاء وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَإِسْحَاق وَدَاوُد يشْتَرط الْمثنى وَقَالَ الثَّوْريّ رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ وَقَالَ أَحْمد يَصُوم بِوَاحِد عِنْد عدم الْغَيْم وَيقبل خبر حُرَّيْنِ أَو حر وحرتين للفطر إِذا كَانَت بالسماء عِلّة وَإِلَّا فَجمع عَظِيم يَقع الْعلم بخبرهم وَقيل أهل الْمحلة وَقيل خَمْسُونَ رجلا كالقسامة وَعَن خلف بن أَيُّوب خَمْسمِائَة ببلخ وهلال الْأَضْحَى كالفطر وَقيل مائَة ذكرهَا فِي خزانَة الْأَكْمَل وَإِذا حَال دون المطلع غيم أَو قترة لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من شعْبَان لِأَحْمَد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا يجب صَوْمه على أَنه من رَمَضَان. وَالثَّانِي لَا يجوز فرضا وَلَا نفلا مُطلقًا بل قَضَاء وَكَفَّارَة
ونذرا ونفلا يُوَافق عَادَة وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة لَا يجوز عَن فرض رَمَضَان وَيجوز عَمَّا سوى ذَلِك. وَالثَّالِث الْمرجع إِلَى رَأْي الإِمَام فِي الصَّوْم وَالْفطر " فَإِن غبى " أَي الْهلَال من الغباوة وَهُوَ عدم الفطنة يُقَال غبى عَليّ بِالْكَسْرِ إِذا لم تعرفه وَهِي اسْتِعَارَة لخفاء الْهلَال وَهُوَ من بَاب علم يعلم وَقَالَ ابْن الْأَثِير وروى غبى بِضَم الْغَيْن وَتَشْديد الْيَاء الْمَكْسُورَة لما لم يسم فَاعله قَالَ غبى بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف وغبى بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد من الغباء شبه الغبرة فِي السَّمَاء وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " فَإِن غم " بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم قيل مَعْنَاهُ حَال بَيْنكُم وَبَينه غيم يُقَال غممت الشَّيْء إِذا غطيته وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي غم ضمير الْهلَال وَيجوز أَن يكون غم مُسْندًا إِلَى الظّرْف أَي فَإِن كُنْتُم مغموما عَلَيْكُم فأكملوا وَترك ذكر الْهلَال للاستغناء عَنهُ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " أغمى " على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِغْمَاء بالغين الْمُعْجَمَة يُقَال أغمى عَلَيْهِ الْخَبَر إِذا استعجم وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ " غمى " بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم من التغمية وَهُوَ السّتْر والتغطية وَنقل ابْن الْعَرَبِيّ أَنه روى " عمى " بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة من الْعَمى قَالَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ ذهَاب الْبَصَر عَن المشاهدات أَو ذهَاب البصيرة عَن المعقولات قَوْله " فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ " وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر الَّذِي مضى قبل هَذَا الحَدِيث " فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ " وَلم يذكر فِيهِ شعْبَان وَلَا غَيره وَلم يخص شهرا دون شهر بالإكمال إِذا غم فَلَا فرق بَين شعْبَان وَغَيره فِي ذَلِك إِذْ لَو كَانَ شعْبَان غير مُرَاد بِهَذَا الْإِكْمَال لبينه فَلَا يكون رِوَايَة من روى " فأكملوا عدَّة شعْبَان " مُخَالفا لمن قَالَ فأكملوا الْعدة بل مبينَة لَهَا وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَأحمد وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو يعلى من حَدِيث ابْن عَبَّاس " فَإِن حَال بَيْنكُم وَبَينه سَحَاب فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ وَلَا تستقبلوا الشَّهْر اسْتِقْبَالًا " وَرَوَاهُ الطَّيَالِسِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ " وَلَا تستقبلوا رَمَضَان بِصَوْم يَوْم من شعْبَان " -
0191 -
حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ عَن ابنِ جرَيْجٍ عنْ يَحْيَى بنِ عَبدِ الله بنِ صَيْفِيٍّ عنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم آلَى مِنْ نِسائِهِ شَهْرا فلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وعِشْرُونَ يَوْما غَدَا أوْ رَاحَ فَقيلَ لَهُ إنَّكَ حَلَفْتَ أنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرا فَقال إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وعِشْرِينَ يَوْما.
(الحَدِيث 0191 طرفه فِي: 2025) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق للتَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد. الثَّانِي: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. الثَّالِث: يحيى بن عبد الله بن صَيْفِي، مَنْسُوب إِلَى ضد الشتَاء، مر فِي أول الزَّكَاة. الرَّابِع: عِكْرِمَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث المَخْزُومِي. مَاتَ زمَان يزِيد بن عبد الْملك. الْخَامِس: أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بكنيته وَأَنه بَصرِي وَأَن ابْن جريج وَيحيى مكيان وَعِكْرِمَة مدنِي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن أبي عَاصِم، وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن هَارُون بن عبد الله وَعَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن يُوسُف بن سعيد، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّلَاق عَن عَن أَحْمد بن يُوسُف عَن أبي عَاصِم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (آلى)، أَي: حلف لَا يدْخل على نِسَائِهِ، وَيُقَال ألى يولي إِيلَاء وتألى يتألى تأليا. قَوْله:(من نِسَائِهِ)، إِنَّمَا عداهُ: بِمن، حملا على الْمَعْنى، وَهُوَ الِامْتِنَاع من الدُّخُول، وَهُوَ يتَعَدَّى: بِمن، قَوْله:(غَدا) بالغين الْمُعْجَمَة، يُقَال: غَدا يَغْدُو غدوا، وَهُوَ الذّهاب أول النَّهَار. قَوْله:(أَو رَاح) ، شكّ من الرَّاوِي من الرواح وَهُوَ الذّهاب آخر النَّهَار، وَهُوَ الأَصْل، وَقد يُرَاد بِهِ مُطلق الذّهاب أَي وَقت كَانَ، وَمِنْه قَوْله صلى الله عليه وسلم:(من رَاح إِلَى الْجُمُعَة فِي السَّاعَة الأولى) أَي: من مَشى إِلَيْهَا وَذهب إِلَى الصَّلَاة، وَلم يرد رواح آخر النَّهَار، وروى مُسلم: حَدثنَا عبد بن حميد، قَالَ: أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ: (أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أقسم أَن لَا يدْخل على أَزوَاجه شهرا) ، قَالَ الزُّهْرِيّ، فَأَخْبرنِي عُرْوَة (عَن عَائِشَة، قَالَت: لما مَضَت