الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَام وَهُوَ بَاطِل.
وَقَالَ هَذَا الْقَائِل: وَقد يسْتَدلّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يرفعهُ:(كل الْعَمَل كَفَّارَة إلَاّ الصَّوْم، الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد، وَلَفظه:(قَالَ ربكُم تبارك وتعالى: كل الْعَمَل كَفَّارَة إلَاّ الصَّوْم) . قلت: أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن آدم عَن شُعْبَة بِلَفْظ: (يرويهِ عَن ربكُم قَالَ: لكل عمل كَفَّارَة، وَالصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) . انْتهى، وَلم يذكر إلَاّ الصَّوْم، فَدخل فِي صدر الْكَلَام الصَّوْم، لِأَن لفظ: كل، إِذا أضيف إِلَى النكرَة يَقْتَضِي عُمُوم الْأَفْرَاد، وَلكنه أخرجه من ذَلِك، بقوله:(وَالصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) لحصوصية فِيهِ من الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَإِن كَانَت جَمِيع الْأَعْمَال لله تَعَالَى. وَقيل: إِن الصَّوْم لَا يظْهر فتكتبه الْحفظَة كَمَا لَا تكْتب سَائِر أَعمال الْقُلُوب، وَقيل: اسْتندَ قَائِله إِلَى حَدِيث واهٍ جدا، أوردهُ ابْن الْعَرَبِيّ فِي المسلسلات، وَلَفظه:(قَالَ الله: الْإِخْلَاص سرُّ من سري أستودعه قلب من أحب لَا يطلع عَلَيْهِ ملك فيكتبه، وَلَا شَيْطَان فيفسده) . قيل: اتَّفقُوا على أَن المُرَاد بالصيام هُنَا صِيَام من سلم صِيَامه من الْمعاصِي قولا وفعلاً. وَنقل ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض الزهاد أَنه مَخْصُوص بصيام خَواص الْخَواص، فَقَالَ: إِن الصَّوْم على أَرْبَعَة أَنْوَاع: صِيَام الْعَوام، وَهُوَ الصَّوْم عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع، و: صِيَام خَواص الْعَوام، وَهُوَ الصَّوْم وَهُوَ هَذَا مَعَ اجْتِنَاب الْمُحرمَات من قَول أَو فعل، وَصِيَام الْخَواص وَهُوَ الصَّوْم عَن ذكر غير الله وعبادته، وَصِيَام خَواص الْخَواص وَهُوَ الصَّوْم عَن غير الله، فَلَا فطر لَهُم إلَاّ يَوْم لِقَائِه.
قَوْله: (الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا) ، كَذَا وَقع مُخْتَصرا عِنْد البُخَارِيّ، وروى يحيى بن بكير عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث بعد قَوْله:(والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا، فَقَالَ: كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف إلَاّ الصّيام فَهُوَ لي وَأَنا أجزي بِهِ) . فَخص الصّيام بالتضعيف على سَبْعمِائة ضعف فِي هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا عقبه بقوله:(والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا) إعلاما بِأَن الصَّوْم مُسْتَثْنى من هَذَا الحكم فَكَأَنَّهُ قَالَ: سَائِر الْحَسَنَات بِعشر الْأَمْثَال بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ بأضعافه بِدُونِ الْحساب، وَالْحَاصِل أَن الصّيام لَا يتَقَيَّد بأعداد التَّضْعِيف، بل الله يجْزِيه على ذَلِك بِغَيْر حِسَاب. فَإِن قلت: الْأَمْثَال جمع مثل، وَهُوَ مُذَكّر، فمنزلته: بِعشْرَة أَمْثَالهَا، بِالتَّاءِ الَّتِي هِيَ عَلامَة التَّأْنِيث؟ قلت: مثل الْحَسَنَة هُوَ الْحَسَنَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعشر حَسَنَات، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قد يكون لسبعمائة، وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء. قلت: هَذَا أَقَله، والتخصيص بِالْعدَدِ لَا يدل على الزَّائِد وَلَا عَدمه.
3 -
(بابٌ الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الصَّوْم كَفَّارَة، هَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بتنوين: بَاب، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَاب الصَّوْم كَفَّارَة، بِالْإِضَافَة. وَفِي نُسْخَة الشَّيْخ قطب الدّين الشَّارِح: بَاب كَفَّارَة الصَّوْم أَي: بَاب تَكْفِير الصَّوْم للذنوب.
5981 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ حدَّثا جامِعٌ عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ مَنْ يَحْفَظُ حَديثا عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ قَالَ حُذَيْفَةُ أَنا سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أهْلِهِ ومالِهِ وجارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ والصِّيَامُ والصَّدَقَةُ قَالَ لَيْسَ أسْألُ عنْ ذِهْ إنَّمَا أسْألُ عنِ الَّتي تَمُوجُ كَما يَمُوجُ الْبَحْرُ قَالَ حُذَيْفَةُ وإنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابا مُغْلَقا قَالَ فَيُفْتَحُ أوُ يُكْسَرُ قَالَ يُكْسَرُ قَالَ ذَاكَ أجْدَرُ أنْ لَا يُغْلَقَ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ أكانَ عُمَرُ مَنِ الْبَابُ فسَألَهُ فَقالَ نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تكفرها الصَّلَاة وَالصِّيَام)، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة، وَترْجم هُنَاكَ بِالصَّلَاةِ، وَهنا بالصيام، وَأخرجه هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن حُذَيْفَة، وشقيق كنيته أَبُو وَائِل، وَهنا أخرجه: عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن جَامع بن أبي رَاشد الصَّيْرَفِي
الْكُوفِي عَن أبي وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً هُنَاكَ.
قَوْله: (عَن ذه) بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء، وَهُوَ من أَسمَاء الْإِشَارَة للمفرد الْمُؤَنَّث، وَالَّذِي يشار بِهِ لَهُ عشرَة مِنْهَا ذه، وَيُقَال: ذه، بالاختلاس. قَوْله:(ذَاك) أَي الْكسر أولى من الْفَتْح أَن لَا يغلق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، أَي إِذا وَقعت الْفِتْنَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يسكن. قَوْله:(دون غَد) أَي: كَمَا يعلم أَن اللَّيْلَة هِيَ قبل الْغَد، أَي: علما وَاضحا جليا وَالله أعلم. أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الريان الَّذِي هُوَ اسْم علم لباب من أَبْوَاب الْجنَّة مُخْتَصّ للصائمين وَوزن رَيَّان فعلان وَقد وَقعت الْمُنَاسبَة فِيهِ بَين لَفظه وَمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الرّيّ الْكثير الَّذِي هُوَ ضد الْعَطش وَسمي بذلك لِأَنَّهُ جَزَاء الصائمين على عطشهم وجوعهم وَاكْتفى بِذكر الرّيّ عَن الشِّبَع لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهِ من حَيْثُ أَنه يستلزمه وأفرد لَهُم هَذَا الْبَاب إِكْرَاما لَهُم واختصاصا وليكون دُخُولهمْ الْجنَّة غير متزاحمين فَإِن الزحام قد يُؤَدِّي إِلَى الْعَطش
6981 -
حدَّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدثنَا سُلَيْمانُ بنُ بِلَالٍ قَالَ حدَّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ فِي الجَنَّةِ بَابا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقالُ أيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أحَدٌ غَيْرُهُمْ فإذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منهُ أحَدٌ.
(الحَدِيث 6981 طرفه فِي: 7523) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وخَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا: البَجلِيّ الْكُوفِي أَبُو مُحَمَّد، وَسليمَان ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: واسْمه سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَج عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن خَالِد بن مخلد بِهِ.
قَوْله: (إِن فِي الْجنَّة بَابا)، قيل: إِنَّمَا قَالَ: فِي الْجنَّة، وَلم يقل: للجنة ليشعر بِأَن فِي الْبَاب الْمَذْكُور من النَّعيم والراحة مَا فِي الْجنَّة، فَيكون أبلغ فِي التشويق إِلَيْهِ. قلت: وَإِنَّمَا لم يقل للجنة، ليشعر أَن بَاب الريان غير الْأَبْوَاب الثَّمَانِية الَّتِي للجنة، وَفِي الْجنَّة أَيْضا أَبْوَاب أخر غير الثَّمَانِية، مِنْهَا: بَاب الصَّلَاة وَبَاب الْجِهَاد وَبَاب الصَّدَقَة على مَا يَجِيء فِي الحَدِيث الْآتِي، وَفِي (نَوَادِر الْأُصُول) للحكيم التِّرْمِذِيّ: من أَبْوَاب الْجنَّة بَاب مُحَمَّد، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بَاب الرَّحْمَة، وَهُوَ بَاب التَّوْبَة، وَهُوَ مُنْذُ خلقه الله مَفْتُوح لَا يغلق، فَإِذا طلعت الشَّمْس من مغْرِبهَا أغلق فَلم يفتح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَسَائِر الْأَبْوَاب مقسومة على أَعمال الْبر: بَاب الزَّكَاة، بَاب الْحَج، بَاب الْعمرَة. وَعند عِيَاض: بَاب الكاظمين الغيط، بَاب الراضين، الْبَاب الْأَيْمن الَّذِي يدْخل مِنْهُ من لَا حِسَاب عَلَيْهِ، وَفِي (كتاب الْآجُرِيّ) : عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِن فِي الْجنَّة بَابا يُقَال لَهُ: بَاب الضُّحَى، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُنَادي منادٍ: أَيْن الَّذين كَانُوا يديمون على صَلَاة الضُّحَى؟ هَذَا بَابَكُمْ فادخلوا) . وَفِي (الفردوس) عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ: (للجنة بَاب يُقَال لَهُ: الْفَرح، لَا يدْخل مِنْهُ إلَاّ مفرح الصّبيان) . وَعند التِّرْمِذِيّ بَاب للذّكر، وَعند ابْن بطال بَاب الصابرين، وَذكر البرقي فِي (كتاب الرَّوْضَة) : عَن أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا روح حَدثنَا أَشْعَث عَن الْحسن، قَالَ:(إِن لله بَابا فِي الْجنَّة لَا يدْخلهُ إلَاّ من عَفا عَن مظْلمَة) . وَفِي كتاب (التخبير) للقشيري، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، (الْخلق الْحسن طوق من رضوَان الله فِي عنق صَاحبه، والطوق مشدود إِلَى سلسلة من الرَّحْمَة، والسلسلة مشدودة إِلَى حَلقَة من بَاب الْجنَّة حَيْثُ مَا ذهب الْخلق الْحسن جرته السلسلة إِلَى نَفسهَا حَتَّى يدْخلهُ من ذَاك الْبَاب إِلَى الْجنَّة) . فَهَذِهِ الْأَبْوَاب كلهَا دَاخِلَة فِي دَاخل الْأَبْوَاب الثَّمَانِية الْكِبَار الَّتِي مَا بَين مصراعي بَاب مِنْهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام. فَإِن قلت: روى الجوزقي فِي هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أبي غَسَّان عَن أبي حَازِم بِلَفْظ: (إِن للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب مِنْهَا بَاب يُسمى الريان لَا يدْخلهُ إلَاّ الصائمون)، قلت: روى البُخَارِيّ هَذَا من هَذَا الْوَجْه فِي بَدْء الْخلق، لَكِن، قَالَ:(فِي الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب)، وَهَذَا أصح وأصوب. قَوْله:(فَإِذا دخلُوا أغلق) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من الإغلاق، قَالَ الْجَوْهَرِي: اغلقت الْبَاب فَهُوَ مغلق، والأسم الغلق، وَيُقَال: غلقت الْبَاب غلقا
وَهِي لُغَة رَدِيئَة متروكة، وغلقت الْأَبْوَاب شدد للكثرة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: غلق مخففا ومشددا. هُوَ من بَاب الإغلاق. قلت: هَذَا تَخْلِيط فِي اللُّغَة حَيْثُ يذكر أَولا أَنه من بَاب الثلاثي، ثمَّ يَقُول: هُوَ من بَاب الإغلاق، وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله:(فَلم يدْخل مِنْهُ أحد) ، الْقيَاس، فَلَا يدْخل، لِأَن: لم يدْخل، للماضي، وَلكنه عطف على قَوْله:(لَا يدْخل)، فَيكون فِي حكم الْمُسْتَقْبل. وَقَالَ بَعضهم: فَلم يدْخل، فَهُوَ مَعْطُوف على أغلق أَي: لم يدْخل مِنْهُ غير من دخل. انْتهى. قلت: هَذَا أَخذه من الْكرْمَانِي لِأَنَّهُ قَالَ: هُوَ عطف على الْجَزَاء فَهُوَ فِي حكم الْمُسْتَقْبل، ثمَّ تَفْسِيره بقوله: أَي لم يدْخل مِنْهُ غير من دخل غير صَحِيح، لِأَن غير من دخل أَعم من أَن يكون من الصائمين وَغَيرهم، وَلَيْسَ المُرَاد أَن لَا يدْخل مِنْهُ إلَاّ الصائمون. وَقَول الْكرْمَانِي، أَيْضا عطف على الْجَزَاء فِيهِ نظر لَا يخفى، وَإِنَّمَا كرر نفي دُخُول غَيرهم مِنْهُ للتَّأْكِيد، وَأخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن مخلد، هُوَ الْقَطوَانِي، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، قَالَ: حَدثنِي أَبُو حَازِم عَن سهل بن سعد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إِن فِي الْجنَّة بَابا يُقَال لَهُ الريان، يدْخل مِنْهُ الصائمون يَوْم الْقِيَامَة لَا يدْخل مِنْهُ أحد غَيرهم، يُقَال: أَيْن الصائمون؟ فَيدْخلُونَ مِنْهُ، فَإِذا دخل آخِرهم أغلق فَلم يدْخل مِنْهُ أحد) . وَقَالَ بَعضهم: هَكَذَا فِي بعض النّسخ من مُسلم، وَفِي الْكثير مِنْهَا:(فَإِذا دخل أَوَّلهمْ أغلق) . قلت: الْأَمر بِالْعَكْسِ، فَفِي الْكثير:(فَإِذا دخل آخِرهم)، وَوَقع فِي بعض النّسخ الَّتِي لَا يعْتَمد عَلَيْهَا:(فَإِذا دخل أَوَّلهمْ) . وَهُوَ غير صَحِيح، فَلذَلِك قَالَ شرَّاح مُسلم وَغَيرهم: إِنَّه وهم، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: وَقد اسْتشْكل بَعضهم الْجمع بَين حَدِيث بَاب الريان وَبَين الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي أخرجه مُسلم من حَدِيث عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(مَا مِنْكُم من أحد يتَوَضَّأ فَيبلغ أَو يسبغ الْوضُوء، ثمَّ يَقُول: أشهد أَن لَا إلاهَ إلَاّ الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إلَاّ فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية، يدْخل من أَيهَا شَاءَ) . قَالُوا: فقد أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه يدْخل من أَيهَا شَاءَ، وَقد لَا يكون فَاعل هَذَا الْفِعْل من أهل الصّيام، بِأَن لَا يبلغ وَقت الصّيام الْوَاجِب، أَو لَا يتَطَوَّع بالصيام، وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَنه يصرف عَن أَن يَشَاء بَاب الصّيام، فَلَا يَشَاء الدُّخُول مِنْهُ، وَيدخل من أَي بَاب شَاءَ غير الصّيام، فَيكون قد دخل من الْبَاب الَّذِي شاءه. وَالثَّانِي: أَن حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد اخْتلفت أَلْفَاظه، فَعِنْدَ التِّرْمِذِيّ:(فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب من الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ) ، فَهَذِهِ الرِّوَايَة تدل على أَن أَبْوَاب الْجنَّة أَكثر من ثَمَانِيَة مِنْهَا، وَقد لَا يكون بَاب الصّيام من هَذِه الثَّمَانِية، وَلَا تعَارض حِينَئِذٍ.
7981 -
حدَّثنا إبرَاهِيمُ بنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حدَّثني مَعْنٌ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ حُمَيْدِ ابنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ منْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ الله نُودِيَ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ يَا عَبْدَ الله هَذَا خَيْرً فَمَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّلاةِ ومَنُ كانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادَ دُعِيَ مِنْ بابِ الجِهَادِ ومنْ كانَ مِنْ أهْلِ الصِّيامِ دُعِيَ مِن بابِ الرَّيَّانِ ومنْ كانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بابِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ بِأبِي أنْتَ وأُمِّي يَا رسولَ الله مَا عَلَى منْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا فَقَالَ نَعَمْ وأرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من قَوْله: (وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان) ، وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر قد تكَرر ذكره، ومعن، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره نون: ابْن عِيسَى بن يحيى أَبُو يحيى الْقَزاز الْمدنِي، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء: ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب، وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي الطَّاهِر وحرملة وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَحسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد، ثَلَاثَتهمْ عَن يَعْقُوب وَعَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ عَن معن عَن مَالك إِلَى آخِره نَحوه، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن عُثْمَان وَفِي الصَّوْم عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن وهب عَن مَالك وَيُونُس بِهِ، وَعَن الْحَارِث وَمُحَمّد بن سَلمَة كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ، وَفِي الْجِهَاد عَن عبيد الله بن سعد عَن عَمه يَعْقُوب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن) ، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ فِي فضل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(أَخْبرنِي حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف) . قَوْله: (عَن أبي هُرَيْرَة)، قَالَ أَبُو عمر: اتّفقت الروَاة عَن مَالك على وَصله إلَاّ يحيى ابْن أبي بكير وَعبد الله بن يُوسُف فَإِنَّهُمَا أَرْسلَاهُ، وَلم يَقع عِنْد القعْنبِي أصلا لَا مُسْندًا وَلَا مُرْسلا. وَفِي (التَّلْوِيح) ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي (كتاب الموطآت) : أَن القعْنبِي رَوَاهُ كَمَا روى ابْن مُصعب ومعن مُسْندًا. قَوْله: (زَوْجَيْنِ)، يَعْنِي دينارين أَو دِرْهَمَيْنِ أَو ثَوْبَيْنِ وَقيل: دِينَار وثوب أَو دِرْهَم ودينار، أَو ثوب مَعَ غَيره أَو صَلَاة وَصَوْم، فَيشفع الصَّدَقَة بِأُخْرَى أَو فعل خير بِغَيْرِهِ. وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل القَاضِي عَن أبي مُصعب عَن مَالك:(من أنْفق زَوْجَيْنِ من مَاله) . قَوْله: (فِي سَبِيل الله) قيل: هُوَ الْجِهَاد، وَقيل: مَا هُوَ أَعم مِنْهُ، وَقيل: المُرَاد بالزوجين انفاق شَيْئَيْنِ من أَي صنف كَانَ من أَصْنَاف المَال. وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَالزَّوْج هُنَا الْفَرد، يُقَال للْوَاحِد زوج، وللاثنين زوج. قَالَ تَعَالَى:{فَجعل مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى} (الْقِيَامَة: 93) . وَصَوَابه أَن الْإِثْنَيْنِ زوجان يدل عَلَيْهِ الْآيَة. وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن يُونُس بن عبيد وَحميد عَن الْحسن عَن صعصعة بن مُعَاوِيَة عَن أبي ذَر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (من أنْفق زَوْجَيْنِ ابتدرته حجبة الْجنَّة)، ثمَّ قَالَ:(بعيران شَاتين حِمَارَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، قَالَ حَمَّاد: أَحْسبهُ قَالَ: خُفَّيْنِ) . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (فرسين من خيله، بَعِيرَيْنِ من إبِله) . وروى عَن صعصعة قَالَ: رَأَيْت أَبَا ذَر بالربذة وَهُوَ يَسُوق بَعِيرًا لَهُ عَلَيْهِ مزادتان، قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: (مَا من مُسلم ينْفق زَوْجَيْنِ من مَاله فِي سَبِيل الله إلَاّ استقبلته حجبة الْجنَّة كلهم يَدعُوهُ إِلَى مَا عِنْده، قلت: زَوْجَيْنِ مَاذَا؟ قَالَ: إِن كَانَ صَاحب خيل ففرسين، وَإِن كَانَ صَاحب إبل فبعيرين، وَإِن كَانَ صَاحب بقر فبقرتين، حَتَّى عد أَصْنَاف المَال) . وشبيه حَدِيث الْحمانِي ذكره أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ عَن مبارك بن سعيد عَن ابْن المحيريز، يرفعهُ:(من عَال ابْنَتَيْن أَو أُخْتَيْنِ أَو خالتين أَو عمتين أَو جدتين فَهُوَ معي فِي الْجنَّة) . فَإِن قلت: النَّفَقَة إِنَّمَا تشرع فِي الْجِهَاد وَالصَّدَََقَة، فَكيف تكون فِي بَاب الصَّلَاة وَالصِّيَام؟ قلت: لِأَن نَفَقَة المَال مقترنة بِنَفَقَة الْجِسْم فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ لَا بُد للْمُصَلِّي والصائم من قوت يُقيم رمقه وثوب يستره، وَذَلِكَ من فروض الصَّلَاة، ويستعين بذلك على الطَّاعَة، فقد صَار بذلك منفقا لزوجين: لنَفسِهِ ولماله، وَقد تكون النَّفَقَة فِي بَاب الصَّلَاة أَن يَبْنِي لله مَسْجِدا للمصلين، وَالنَّفقَة فِي الصّيام أَن يفْطر صَائِما، وَذَلِكَ بِدلَالَة قَوْله صلى الله عليه وسلم:(من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) . وَقَوله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صَائِما فَكَأَنَّمَا صَامَ يَوْمًا) . فَإِن قلت: إِذا جَازَ اسْتِعْمَال الْجِسْم فِي الطَّاعَة نَفَقَة، فَيجوز أَن يدْخل فِي معنى الحَدِيث: من أنْفق نَفسه فِي سَبِيل الله فاستشهد وَأنْفق كريم مَاله قلت: نعم، بل هُوَ أعظم أجرا من الأول، يُوضحهُ مَا رَوَاهُ سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان (عَن جَابر قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! أَي الْجِهَاد أفضل؟ قَالَ: أَن يعقر جوادك ويهراق دمك) ؟ فَإِن قلت: يدْخل فِي ذَلِك صَائِم رَمَضَان الْمُزَكي لمَاله والمؤدي الْفَرَائِض؟ قلت: المُرَاد: النَّوَافِل، لِأَن الْوَاجِبَات لَا بُد مِنْهَا لجَمِيع الْمُسلمين، وَمن ترك شَيْئا من الْوَاجِبَات إِنَّمَا يخَاف عَلَيْهِ أَن يُنَادى من أَبْوَاب جَهَنَّم. قَوْله:(نُودي من أَبْوَاب الْجنَّة) ، المُرَاد من هَذِه الْأَبْوَاب غير الْأَبْوَاب الثَّمَانِية، وَقَالَ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد، كَذَا قَالَ من أَبْوَاب الْجنَّة، وَذكره أَبُو دَاوُد وَأَبُو عبد الرَّحْمَن وَابْن سنجر:(فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية)، وَلَيْسَ فِيهَا ذكر: من، وَقَالَ ابْن بطال: لَا يَصح دُخُول الْمُؤمن إلَاّ من بَاب وَاحِد، ونداؤه مِنْهَا كلهَا إِنَّمَا هُوَ على سَبِيل الْإِكْرَام والتخيير لَهُ فِي دُخُوله من أَيهَا شَاءَ. قَوْله:(هَذَا خير) ، لَفْظَة خير لَيْسَ من أفعل التَّفْضِيل، بل مَعْنَاهُ هُوَ خير من الْخيرَات، والتنوين فِيهِ للتعظيم، وَفَائِدَة هَذَا الْإِخْبَار بَيَان تَعْظِيمه. قَوْله:(دعِي من بَاب الصَّلَاة)، أَي: المكثرين لصَلَاة التَّطَوُّع، وَكَذَا غَيرهَا من أَعمال الْبر، وَقد ذكرنَا الْآن أَن الْوَاجِبَات لَا بُد مِنْهَا لجَمِيع الْمُسلمين. قَوْله:(من بَاب الصَّدَقَة)، أَي: من الْغَالِب عَلَيْهِ ذَلِك، وإلَاّ فَكل الْمُؤمنِينَ أهل للْكُلّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه التّكْرَار حَيْثُ ذكر الْإِنْفَاق فِي صدر الْكَلَام