الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للسائب، وَلم يذكر مقول عمر وَلَا جَوَاب السَّائِب، وَذَلِكَ لِأَن مَقْصُوده الْإِعْلَام بِأَن السَّائِب حج بِهِ، وَهُوَ صَغِير، وَكَانَ أصل سُؤَاله عَن قدر الْمَدّ على مَا يَأْتِي فِي الْكَفَّارَات، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم بن مَالك الجعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن السَّائِب ابْن يزِيد قَالَ: كَانَ الصَّاع على عهد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مدا وَثلثا بمدكم الْيَوْم، فزيد فِيهِ فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَزَاد فِيهِ:(قَالَ السَّائِب: وَقد حج فِي ثقل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَأَنا غُلَام) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: اللَّام فِي قَوْله: للسائب، بِمَعْنى لأجل، يَعْنِي: يَقُول لأَجله وَفِي حَقه، وَالْمقول: وَكَانَ السَّائِب
…
إِلَى آخِره، واستبعده بَعضهم. قلت: لَيْسَ مَا قَالَه بِبَعِيد فَإِن ظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي مَا ذكره لَا سِيمَا إِذا كَانَ الأَصْل مَا ذكره من غير إحالته على شَيْء آخر. فَافْهَم.
62 -
(بابُ حَجِّ النِّسَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي باين صفة حج النِّسَاء، هَل هِيَ مثل حج الرِّجَال أم تغايره فِي شَيْء؟
وَقَالَ لي أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ عنْ أبيهِ عنْ جَدِّهِ قَالَ أذِنَ عمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لأِزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِر حَجَّةٍ حَجَّهَا فبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ وعَبْدَ الرَّحْمانِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ حج النِّسَاء، وَلَكِن فِيهِ زِيَادَة على حج الرِّجَال وَهُوَ الِاحْتِيَاج إِلَى إِذن من يتَوَلَّى أمرهن فِي خروجهن، على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حَدِيث أبي سعيد، وَهُوَ قَوْله:(أَربع سَمِعتهنَّ من رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم الحَدِيث، وَفِيه: (لَا تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا أَو محرم) . وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور: (مَا خرجت أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الْحَج إلَاّ بعد إِذن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب لَهُنَّ، وَأرْسل مَعَهُنَّ من يكون فِي خدمتهن، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، متوقفا فِي ذَلِك أَولا، ثمَّ طهر لَهُ الْجَوَاز، فَأذن لَهُنَّ، وَتَبعهُ على ذَلِك جمَاعَة من غير نَكِير) وروى ابْن سعد من مُرْسل أبي جَعْفَر الباقر، قَالَ: منع عمر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْحَج وَالْعمْرَة، وروى أَيْضا من طَرِيق أم درة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت: منعنَا عمر الْحَج وَالْعمْرَة حَتَّى إِذا كَانَ آخر عَام فَأذن لنا، وَهَذَا مُوَافق لحَدِيث الْبَاب، وَيدل على أَن عمر كَانَ يمْنَع أَولا ثمَّ أذن.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد أَبُو مُحَمَّد الْأَزْرَقِيّ، وَيُقَال: الزرقي الْمَكِّيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي. الثَّالِث: أَبوهُ سعد بن إِبْرَاهِيم. الرَّابِع: جده إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَالضَّمِير فِي جده يرجع إِلَى إِبْرَاهِيم لَا إِلَى الْأَب قَالَه الْكرْمَانِي: وَقَالَ الْحميدِي فِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : قَالَ البرقاني: إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: وَفِي هَذَا نظر. قَالَ (صَاحب التَّلْوِيح) : الَّذِي قَالَه الْحميدِي لَهُ وَجه، وَلقَوْل البرقاني: وَجه أما قَول البرقاني فَيحمل على جد إِبْرَاهِيم الأول وإنكار الْحميدِي صَحِيح، كَأَنَّهُ قَالَ: كَيفَ يكون إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن نَفسه يروي عَنهُ شيخ البُخَارِيّ؟ وَقَالَ بَعضهم: ظَاهره أَنه من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمن ذكر مَعَه وإدراكه كَذَلِك مُمكن، لِأَن عمره إِذْ ذالك كَانَ أَكثر من عشر سِنِين، وَقد أثبت سَمَاعه من عمر يَعْقُوب بن شيبَة. قلت: يُقَال: إِنَّه ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَشهد الدَّار مَعَ عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَدخل على عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ صَغِير وَسمع مِنْهُ، وروى ابْن سعد هَذَا الحَدِيث عَن الْوَاقِدِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن جده (عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: أَرْسلنِي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) . وَقيل: الْوَاقِدِيّ لَا يُحتج بِهِ. قلت: مَا لِلْوَاقِدِي وَهُوَ إِمَام فِي هَذَا الْفَنّ، وَهُوَ أحد مَشَايِخ الشَّافِعِي؟
قَوْله: (وَقَالَ لي أَحْمد) أَي: قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ لي أَحْمد. وَهَذَا أسْندهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الحكم: أَنبأَنَا الْحسن بن حَلِيم الْمروزِي حَدثنَا أَبُو الموجه أَنبأَنَا عَبْدَانِ أَنبأَنَا إِبْرَاهِيم يَعْنِي: ابْن سعد عَن أَبِيه عَن جده أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أذن لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْحَج، فَبعث مَعَهُنَّ عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَنَادَى النَّاس عُثْمَان: ألَا لَا يدنو مِنْهُنَّ
أحد وَلَا ينظر إلَيْهِنَّ إلَاّ مد الْبَصَر، وَهن فِي الهوادج على الْإِبِل، وأنزلهن صدر الشّعب وَنزل عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِذَنبِهِ، فَلم يقْعد إلَيْهِنَّ أحد، قَالَ: رَوَاهُ، يَعْنِي البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) عَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن إِبْرَاهِيم بن سعد مُخْتَصرا:(أذن فِي خروجهن لِلْحَجِّ)، أَي: فِي سفرهن لأجل الْحَج. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن لم يَكُونَا محرمين لَهُنَّ فَكيف أجَاز لَهُنَّ؟ وَفِي الحَدِيث: (لَا تُسَافِر الْمَرْأَة لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم) ؟ قلت: النسْوَة الثِّقَات يقمن مقَام الْمحرم، أَو الرِّجَال كلهم محارم لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَكَيف لَا وحد الْمحرم صَادِق عَلَيْهَا؟
وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمحرم من حرم نِكَاحهَا على التأييد بِسَبَب مُبَاح لحرمتها، وَاحْترز بِقَيْد التأييد عَن أُخْت الْمَرْأَة، وبسبب مُبَاح عَن أم الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة، وَبِقَوْلِهِ: لحرمتها عَن الْمُلَاعنَة لِأَن تَحْرِيمهَا لَيْسَ لحرمتها بل عُقُوبَة وتغليظا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يشْتَرط الْمحرم بل يشْتَرط الْأَمْن على نَفسهَا حَتَّى إِذا كَانَت آمِنَة مطمئنة فلهَا أَن تسير وَحدهَا فِي جملَة الْقَافِلَة، وَلَعَلَّه نظر إِلَى الْعلَّة فعمم الحكم. انْتهى كَلَام الْكرْمَانِي قلت: قَوْله: النسْوَة الثِّقَات يقمن مقَام الْمحرم، مصادمة للْحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سعيد:(لَا تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم) ، على مَا يَأْتِي عَن قريب، وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه مُسلم مَرْفُوعا:(لَا يحل لأمرأة أَن تُسَافِر ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم مِنْهَا) . قَوْله: أَو الرِّجَال كلهم محارم لَهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. هَذَا جَوَاب أبي حنيفَة لحكام الرَّازِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: سَأَلت أَبَا حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَل تُسَافِر الْمَرْأَة بِغَيْر محرم؟ فَقَالَ: لَا، نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا إلَاّ وَمَعَهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم مِنْهَا. قَالَ حكام: فَسَأَلت الْعَرْزَمِي؟ فَقَالَ: لَا بَأْس بذلك. حَدثنِي عَطاء أَن عَائِشَة كَانَت تُسَافِر بِلَا محرم، فَأتيت أَبَا حنيفَة فَأَخْبَرته بذلك، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لم يدر الْعَرْزَمِي مَا روى، كَانَ النَّاس لعَائِشَة محرما، فَمَعَ أَيهمْ سَافَرت فقد سَافَرت بِمحرم، وَلَيْسَ النَّاس لغَيْرهَا من النِّسَاء كَذَلِك، وَلَقَد أحسن أَبُو حنيفَة فِي جَوَابه هَذَا لِأَن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم كُلهنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وهم محارم لَهُنَّ، لِأَن الْمحرم من لَا يجوز لَهُ نِكَاحهَا على التأييد، فَكَذَلِك أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ حرَام على غير النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. والعرزمي هُوَ مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي سُلَيْمَان الرَّاوِي الْكُوفِي، فِيهِ مقَال، فَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة، وَعَن أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء لَا يكْتب حَدِيثه، نزل جبانة عَرْزَم بِالْكُوفَةِ فنسب إِلَيْهَا، وعرزم بِتَقْدِيم الرَّاء على الزَّاي.
قَوْله: وَقَالَ الشَّافِعِي
…
إِلَى آخِره، كَذَلِك مصادمة للأحاديث الصَّحِيحَة، لِأَن كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم يدل قطعا على اشْتِرَاط الْمحرم، وَالَّذِي يَقُول لَا يشْتَرط خلاف مَا يَقُول النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَوله: بل يشْتَرط الْأَمْن على نَفسهَا، دَعْوَى بِلَا دَلِيل، فَأَي دَلِيل دلّ على هَذَا فِي هَذَا الْبَاب، وَاشْتِرَاط الْأَمْن على النَّفس لَيْسَ بمخصوص فِي حق الْمَرْأَة خَاصَّة، بل فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء كلهم. قَوْله: وَلَعَلَّه نظر
…
إِلَى آخِره، من كَلَام الْكرْمَانِي، حمله على هَذَا أريحية العصبية، فَإِنَّهُ لَو أنصف لرجع إِلَى الصَّوَاب.
1681 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حَدثنَا حَبِيبُ بنُ أبِي عَمْرَةَ قَالَ حدَّثَتْنا عائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قُلْتُ يَا رسولَ الله ألَا نَغْزُو أوْ نُجَاهِدُ مَعَكُمْ فَقَالَ لَكُنَّ أحْسَنُ الجِهَادِ وأجْمَلُهُ الحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ فقالَتْ عَائِشَةُ فَلَا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم عَن عَائِشَة مثله فِي أَوَائِل الْحَج فِي: بَاب فضل الْحَج المبرور أخرجه: عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْمُبَارك عَن خَالِد عَن حبيب بن أبي عمْرَة عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهنا أخرجه: عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (أَلا نغزو؟) أَلا، كلمة تسْتَعْمل فِي مثل هَذَا الْموضع للعرض والتحضيض، وَيجوز أَن تكون لِلتَّمَنِّي، لِأَنَّهُ من جملَة موَاضعهَا الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا. قَوْله:(أَو نجاهد؟) شكّ من الرَّاوِي، قيل: هُوَ مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ، وَقد رَوَاهُ أَبُو كَامِل عَن أبي عوَانَة شيخ مُسَدّد بِلَفْظ:(أَلا نغزو مَعكُمْ؟) أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَقَالَهُ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: الْغَزْو وَالْجهَاد هما لفظان بِمَعْنى وَاحِد، فَمَا الْفَائِدَة فِيهِ؟ قلت: ليسَا بِمَعْنى وَاحِد،
فَإِن الْغَزْو الْقَصْد إِلَى الْقِتَال؟ وَالْجهَاد هُوَ بذل الْمَقْدُور فِي الْقِتَال، وَذكر الثَّانِي تَأْكِيدًا للْأولِ. وَقَالَ بَعضهم: وَأغْرب الْكرْمَانِي ثمَّ نقل كَلَامه، ثمَّ قَالَ: وَكَأَنَّهُ ظن أَن الْألف تتَعَلَّق بنغزو بِالْوَاو، أَو جعل: أَو، بِمَعْنى: الْوَاو. انْتهى. قلت: لم يظنّ الْكرْمَانِي ذَلِك، وَإِنَّمَا اعْتمد فِي كَلَامه على نسخه لَيْسَ فِيهَا كلمة الشَّك، وَفرق بَين الْغَزْو وَالْجهَاد، وَهُوَ فرق حسن. وَأخرج النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق جرير عَن حبيب بِلَفْظ:(أَلا نخرج فنجاهد مَعَك؟) وَأخرج ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق زَائِدَة عَن حبيب مثله، وَزَاد:(فَإنَّا نجد الْجِهَاد أفضل الْعَمَل) . وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن حبيب بِلَفْظ: (لَو جاهدنا مَعَك؟) قَالَ: لَا، جهادكن حج مبرور) ، وَلَفظ البُخَارِيّ من طَرِيق خَالِد الطَّحَّان عَن حبيب:(نرى الْجِهَاد أفضل الْعَمَل) . قَوْله: (لكنَّ) بتَشْديد النُّون جمَاعَة الْمُؤَنَّث، وَهُوَ خبر لأحسن، وَالْحج بدل مِنْهُ، وَحج بدل الْبَدَل، وَيجوز أَن يكون ارْتِفَاع: حج، على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ حج مبرور، وَقَالَ التَّيْمِيّ: لَكِن، بتَخْفِيف النُّون وسكونها، و: أحسن، مُبْتَدأ، وَالْحج خَبره، وَفِي رِوَايَة جرير:(حج الْبَيْت حج مبرور)، وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَاد من وَجه آخر: عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة بِلَفْظ: (استأذنته نساؤه فِي الْجِهَاد، فَقَالَ: يكفيكن الْحَج) . وروى ابْن مَاجَه من طَرِيق مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حبيب، (قلت: يَا رَسُول الله! على النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ: نعم، جِهَاد، لَا قتال فِيهِ: الْحَج وَالْعمْرَة) . وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَنهم اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالْحَجِّ المبرور، فَقيل: هُوَ الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من مأثم، وَقيل: هُوَ المتقبل، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاء فِيهِ وَلَا سمعة وَلَا رفث وَلَا فسوق، وَقيل: الَّذِي لم تتعقبه مَعْصِيّة. قَوْله: (فَلَا أدع) أَي: فَلَا أترك.
2681 -
حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍ وعنْ أبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تُسَافِرِ المَرْأةُ إلَاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ولَا يَدْخلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَاّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رجُلٌ يَا رسولَ الله إنِّي أُرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وكَذَا وامْرَأتِي تُريدُ الحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اخْرُج مَعهَا) لِأَنَّهُ يدل على جَوَاز حج النِّسَاء وخروجهن إِلَى الْحَج مَعَ زوج أَو محرم.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار. الرَّابِع: أَبُو معبد، بِفَتْح الْمِيم، واسْمه نَافِذ. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان، وَإِن عمرا مكي ونافذا حجازي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أبي معبد بِهِ، وَفِي النِّكَاح عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بِهِ، وَلم يذكر:(لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إلَاّ مَعَ ذِي محرم) . وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن ابْن أبي عمر.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الْمَرْأَة لَا تُسَافِر إلَاّ مَعَ ذِي محرم، وَعُمُوم اللَّفْظ يتَنَاوَل عُمُوم السّفر، فَيَقْتَضِي أَن يحرم سفرها بِدُونِ ذِي محرم مَعهَا، سَوَاء كَانَ سفرها قَلِيلا أَو كثيرا لِلْحَجِّ أَو لغيره، وَإِلَى هَذَا ذهب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وطاووس والظاهرية، وَاحْتج هَؤُلَاءِ أَيْضا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ:(لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إلَاّ وَمَعَهَا ذُو محرم) . أخرجه الطَّحَاوِيّ، وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر سفرا، لَا أَدْرِي كم؟ قَالَ: إلَاّ وَمَعَهَا ذُو محرم) . وَسَيَجِيءُ الْخلاف فِيهِ مَعَ الْجَواب عَن هَذَا، وَفِيه أَن عُمُوم لفظ:(ذِي محرم) يتَنَاوَل ذَوي الْمَحَارِم جَمِيعهَا إلَاّ أَن مَالِكًا كره سفرها مَعَ ابْن زَوجهَا وَإِن كَانَ ذَا محرم مِنْهَا لفساد النَّاس، وَأَن الْمَحْرَمِيَّة فِي هَذَا لَيست فِي المراعاة كمحرمية النّسَب. وَفِيه: حُرْمَة اختلاء الْمَرْأَة مَعَ الأحنبي، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ. وَفِيه: دلَالَة على أَن حج الرجل مَعَ امْرَأَته إِذا أَرَادَت حجَّة الْإِسْلَام أولى من سَفَره إِلَى الْغَزْوَة
لقَوْله صلى الله عليه وسلم (أخرج مَعهَا) ، يَعْنِي إِلَى الْحَج، مَعَ كَونه قد كتب فِي الْغَزْو. وَفِيه: دلَالَة على اشْتِرَاط الْمحرم فِي وجوب الْحَج على الْمَرْأَة، ثمَّ اخْتلفُوا: هَل هُوَ شَرط الْوُجُوب أَو شَرط الْأَدَاء؟ وَسَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه: أَن النِّسَاء كُلهنَّ سَوَاء فِي منع الْمَرْأَة عَن السّفر، إلَاّ مَعَ ذِي محرم، إِلَّا مَا نقل عَن أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ أَنه: خصّه بِغَيْر الْعَجُوز الَّتِي لَا تشْتَهى. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: الَّذِي قَالَه الْبَاجِيّ تَخْصِيص للْعُمُوم بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى، يَعْنِي مُرَاعَاة الْأَمر الْأَغْلَب، وَتعقب بِأَن لكل سَاقِطَة لاقطة. فَإِن قلت: يُمكن أَن يحْتَج للباجي فِيمَا قَالَه بِحَدِيث عدي بن حَاتِم مَرْفُوعا: (يُوشك أَن تخرج الظعينة من الْحيرَة تؤم الْبَيْت لَا جوارٍ مَعهَا) الحَدِيث فِي البُخَارِيّ قلت: هَذَا يدل على جوده لَا على جَوَازه، وَأجَاب بَعضهم عَن هَذَا بِأَنَّهُ خبر فِي سِيَاق الْمَدْح وَرفع منار الْإِسْلَام، فَيحمل على الْجَوَاز قلت: هَذَا إِخْبَار من الشَّارِع بِقُوَّة الْإِسْلَام وَكَثْرَة أَهله وَوُقُوع الْأَمْن فَلَا يسْتَلْزم ذَلِك الْجَوَاز. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: هَذِه الْمَسْأَلَة تتَعَلَّق بالعامين إِذا تَعَارضا، فَإِن قَوْله تَعَالَى:{وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} (آل عمرَان: 79) . عَام فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء، فمقتضاه أَن الِاسْتِطَاعَة على السّفر إِذا وجدت وَجب الْحَج على الْجَمِيع. وَقَوله صلى الله عليه وسلم:(لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إلَاّ مَعَ ذِي محرم) عَام فِي كل سفر، فَيدْخل فِيهِ الْحَج، فَمن أخرجه عَنهُ خص الحَدِيث بِعُمُوم الْآيَة، وَمن أدخلهُ فِيهِ خص الْآيَة بِعُمُوم الحَدِيث، فَيحْتَاج إِلَى التَّرْجِيح من خَارج، وَقد رجح الْمَذْهَب الثَّانِي بِعُمُوم قَوْله صلى الله عليه وسلم:(لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله) ، وَفِيه نظر لكَون النَّهْي عَاما فِي الْمَسَاجِد، فَيخرج عَنهُ الْمَسْجِد الَّذِي يحْتَاج إِلَى السّفر بِحَدِيث النَّهْي. وَفِيه: مَا قَالَه ابْن الْمُنِير يُؤْخَذ من قَوْله: إِنِّي أُرِيد أَن أخرج فِي جَيش كَذَا وَكَذَا، إِن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع، فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْحَج على التَّرَاخِي، إِذْ لَو كَانَ على الْفَوْر لما تَأَخّر الرجل مَعَ رفقته الَّذين عينوا فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِم لاحْتِمَال أَن يَكُونُوا قد حجُّوا قبل ذَلِك مَعَ من حج فِي سنة تسع مَعَ أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: مَا أَخذه بَعضهم بِظَاهِر قَوْله: (أخرج مَعهَا) وجوب السّفر على الزَّوْج مَعَ امْرَأَته إِذا لم يكن لَهَا غَيره، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة، وَالْمَشْهُور أَنه لَا يلْزمه كالولي فِي الْحَج عَن الْمَرِيض، فَلَو امْتنع إلَاّ بِأُجْرَة لَزِمَهَا، لِأَنَّهُ من سَبِيلهَا فَصَارَ فِي حَقّهَا كالمؤونة. وَفِيه: تَقْدِيم الأهم من الْأُمُور المتعارضة، فَإِن الرجل لما عرض لَهُ الْغَزْو وَالْحج رجح الْحَج، لِأَن امْرَأَته لَا يقوم غَيره مقَامه فِي السّفر مَعهَا، بِخِلَاف الْغَزْو. وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَنه لَيْسَ للزَّوْج منع امْرَأَته من الْحَج الْفَرْض، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة، وَالأَصَح عِنْدهم أَن لَهُ منعهَا لكَون الْحَج على التَّرَاخِي. فَإِن قلت: روى الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق إِبْرَاهِيم الصَّائِغ عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، فِي امْرَأَة لَهَا زوج وَلها مَال وَلَا يَأْذَن لَهَا فِي الْحَج: لَيْسَ لَهَا أَن تَنْطَلِق إلَاّ بِإِذن زَوجهَا قلت: هُوَ مَحْمُول على حج التَّطَوُّع، عملا بِالْحَدِيثين، وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على أَن للرجل منع زَوجته من الْخُرُوج إِلَى الْأَسْفَار كلهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَا كَانَ وَاجِبا.
3681 -
حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ أخبرنَا حَبِيبٌ المُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا رجعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَجَّتِهِ قالَ لأِمِّ سِنانٍ الأنْصَارِيَّةِ مَا منَعَكِ مِنَ الحَجِّ قالَتْ أبُو فُلانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كانَ لَهُ ناضِحَانِ حَجَّ عَلَى أحَدِهِمَا والآخَرُ يَسْقِي أرْضا لَنَا قَالَ فإنَّ عُمْرَةً فِي رمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي.
(انْظُر الحَدِيث 2871) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مَا مَنعك من الْحَج؟) فَإِنَّهُ يدل على أَن للنِّسَاء أَن يحججن، والترجمة فِي حج النِّسَاء، والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل بَاب الْعمرَة فِي: بَاب عمْرَة فِي رَمَضَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس
…
إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن عَبْدَانِ، وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة بن أبي رواد الْمروزِي عَن يزِيد بن زُرَيْع مصغر الزَّرْع أبي الْحَارِث عَن حبيب ضد الْعَدو الْمعلم، بِلَفْظ الْفَاعِل من التَّعْلِيم، وَهُوَ ابْن أبي قريبَة، بِضَم الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه زيد، وَقيل: زَائِدَة، وَهُوَ غير حبيب بن أبي عمْرَة الْمَذْكُور فِي ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب.
قَوْله: (على أَحدهمَا) أَي: أحد الناضحين. قَوْله: (وَالْآخر) أَي: الناضح الآخر. قَوْله: (تقضي حجَّة) يَعْنِي: ثَوَاب الْعمرَة مثل ثَوَاب الْحَج، وَإِن كَانَ ظَاهره يشْعر بِأَن الْعمرَة تقع عَن قَضَاء الْحجَّة فرضا أَو نفلا.
رَوَاهُ ابنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الْملك بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَأَرَادَ بِهَذَا تَقْوِيَة طَرِيق حبيب الْمعلم بمتابعة ابْن جريج لَهُ عَن عَطاء، وَفِيه زِيَادَة فَائِدَة وَهِي: تَصْرِيح عَطاء بِسَمَاعِهِ من ابْن عَبَّاس حَيْثُ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس، وَقد تقدم طَرِيق ابْن جريج مَوْصُولا فِي: بَاب عمْرَة فِي رَمَضَان.
وَقَالَ عُبَيْدُ الله عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ عنْ جابِرٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
عبيد الله بتصغير عبد هُوَ ابْن عَمْرو الرقي عَن عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن عَطاء بن رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْملك بن وَاقد، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عَمْرو عَن عبد الْكَرِيم عَن عَطاء (عَن جَابر: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة) . وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) قيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا بَيَان الِاخْتِلَاف فِيهِ على عَطاء، فَإِن الرَّاوِي عَن عَطاء فِي الْمَوْصُول هُوَ حبيب، وَفِي الْمُعَلق عبد الْكَرِيم، وَفِي الْمُتَابَعَة ابْن جريج، وَلَكِن ترتيبه يدل على تَرْجِيح رِوَايَة ابْن جريج على مَا لَا يخفى.
4681 -
حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنُ عَبْدِ المَلِك بنِ عُمَيْرٍ عنْ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيادٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ وقَدْ غَزَا معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ أرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أوْ قَالَ يُحَدِّثُهُنَّ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأعْجَبْنَنِي وآنَقْنَنِي أنْ لَا تُسَافُرُ امْرَأةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيسَ مَعَهَا زوْجُهَا أوْ ذُو مَحْرَمٍ ولَا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ والأضْحَى ولَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ولَا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَاّ إلَى ثلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ ومَسْجِدي ومَسْجِدِ الأقْصَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لَا تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا أَو محرم) ، وَجه ذَلِك أَنه إِذا منعت من السّفر هَذِه الْمدَّة بِهَذَا الشَّرْط فالسفر أَعم من أَن يكون لِلْحَجِّ أَو غَيره، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس، فَأخْرجهُ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك إِلَى آخِره، وَفِيه بعض نُقْصَان، فالناظر يعتبره. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.
قَوْله: (يحدثهن)، وَوَقع عِنْد الْكشميهني بِلَفْظ:(أَو قَالَ: أخذتهن) ، بِالْخَاءِ والذال المعجمتين من الْأَخْذ، وَمَعْنَاهُ: حملتهن عَنهُ. قَوْله: (وآنقنني) بِفَتْح النونين وَسُكُون الْقَاف، بِلَفْظ جمع مؤنث ماضٍ من بَاب الإفعال أَي: أعجبنني الْكَلِمَات الْأَرْبَع. وَقَالَ النَّوَوِيّ: كرر الْمَعْنى باخْتلَاف اللَّفْظ، وَالْعرب تفعل ذَلِك كثيرا للْبَيَان والتوكيد كَقَوْلِه تَعَالَى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} (الْبَقَرَة: 751) . قَوْله: (أَو ذُو محرم)، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَعَن أبي ذَر فِي بعض النّسخ:(أَو ذُو محرم محرم)، الأول: بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الرَّاء الْمَفْتُوحَة، وَالثَّانِي: بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة أَي: محرم عَلَيْهَا.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام. الأول: سفر الْمَرْأَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ. الثَّانِي: منع صَوْم الْفطر والأضحى، وَسَيَأْتِي بحث ذَلِك فِي كتاب الصّيام. الثَّالِث: منع الصَّلَاة بعد الصُّبْح وَالْعصر، وَقد تقدم بَحثه فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة. الرَّابِع: منع شدّ الرحل إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس.
قَوْله: (أَن لَا تُسَافِر) بِالرَّفْع لَا غير، لِأَن كلمة: أَن، مسفرة لَا ناصبة. قَوْله:(لَيْسَ مَعهَا زَوجهَا)، وَفِي حَدِيث أبي معبد: (لَا تُسَافِر