الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هِيَ النَّهَار إلَاّ أَن الشَّمْس لم تطلع، رَوَاهُ النَّسَائِيّ، قيل: هُوَ مُبَالغَة فِي تَأْخِير السّحُور.
الْوَجْه الثَّالِث: اخْتلفُوا فِي أَي صَوْم وَجب فِي الْإِسْلَام أَولا، فَقيل: صَوْم عَاشُورَاء، وَقيل: ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لما قدم الْمَدِينَة جعل يَصُوم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَلما فرض رَمَضَان خير بَينه وَبَين الْإِطْعَام، ثمَّ نسخ الْجَمِيع بقوله تَعَالَى:{فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} (الْبَقَرَة: 581) . وَنزلت فَرِيضَة رَمَضَان فِي شعْبَان من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة فصَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، وَقيل: اخْتلف السّلف: هَل فرض على النَّاس صِيَام قبل رَمَضَان أَو لَا؟ فالجمهور وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الشَّافِعِيَّة: أَنه لم يجب قطّ صَوْم قبل صَوْم رَمَضَان، وَفِي وَجه وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة: أول مَا فرض صِيَام عَاشُورَاء فَلَمَّا نزل رَمَضَان، نسخ، وَالله أعلم.
1 -
(بابُ وُجُوبِ صَوْمِ رمَضَانَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب صَوْم شهر رَمَضَان، وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بَاب وجوب صَوْم رَمَضَان وفضله.
وقوْلِ الله تعَالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الْبَقَرَة: 381) .
هَذَا أَيْضا من التَّرْجَمَة (وَقَول) مجرور لِأَنَّهُ عطف على قَوْله: وجوب الصَّوْم، وَأَشَارَ بإيراد هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى أُمُور تَتَضَمَّن هَذِه الْآيَة، وَهِي: فَرضِيَّة صَوْم رَمَضَان بقوله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الصّيام} (الْبَقَرَة: 381) . وَأَنه كَانَ فرضا من قبلنَا من الْأُمَم، وَأَن الصَّوْم وصلَة إِلَى التقى لِأَنَّهُ من الْبر الَّذِي يكف الْإِنْسَان عَن كثير مِمَّا تطلع لَهُ النَّفس من الْمعاصِي. وَفِيه: تَزْكِيَة للبدن وتضييق لمسالك الشَّيْطَان، كَمَا ثَبت فِي (الصَّحِيحَيْنِ) :(يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج، وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء) ، ثمَّ إِنَّهُم تكلمُوا فِي هَذَا التَّشْبِيه، وَهُوَ قَوْله:{كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} (الْبَقَرَة: 381) . فَقيل: إِنَّه تَشْبِيه فِي أصل الْوُجُوب لَا فِي قدر الْوَاجِب، وَكَانَ الصَّوْم على آدم، عليه الصلاة والسلام، أَيَّام الْبيض، وَصَوْم عَاشُورَاء على قوم مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، وَكَانَ على كل أمة صَوْم، والتشبيه لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَة من كل وَجه كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر) ، وَهَذَا تَشْبِيه الرُّؤْيَة بِالرُّؤْيَةِ لَا تَشْبِيه المرئي بالمرئي، وَقيل: هَذَا التَّشْبِيه فِي الأَصْل وَالْقدر وَالْوَقْت جَمِيعًا، وَكَانَ على الْأَوَّلين صَوْم رَمَضَان لكِنهمْ زادوا فِي الْعدَد ونقلوا من أَيَّام الْحر إِلَى أَيَّام الِاعْتِدَال، وَعَن الشّعبِيّ: إِن النَّصَارَى فرض عَلَيْهِم شهر رَمَضَان كَمَا فرض علينا، فحولوه إِلَى الْفَصْل، وَذَلِكَ أَنهم رُبمَا صاموه فِي القيظ فعدوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثمَّ جَاءَ بعدهمْ قرن مِنْهُم فَأخذُوا بالثقة فِي أنفسهم فصاموا قبل الثَّلَاثِينَ يَوْمًا وَبعدهَا، ثمَّ لم يزل الآخر يستن بِسنة الْقرن الَّذِي قبله حَتَّى صَارَت إِلَى خمسين، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَقَالَ آخَرُونَ: بل التَّشْبِيه إِنَّمَا هُوَ من أجل أَن صومهم كَانَ من الْعشَاء الْآخِرَة إِلَى الْعشَاء الْآخِرَة، وَكَانَ ذَلِك فرض على الْمُؤمنِينَ فِي أول مَا افْترض عَلَيْهِم الصَّوْم، وَقَالَ السّديّ: النَّصَارَى كتب عَلَيْهِم رَمَضَان وَكتب عَلَيْهِم أَن لَا يَأْكُلُوا وَلَا يشْربُوا بعد النّوم وَلَا ينكحوا النِّسَاء شهر رَمَضَان، فَاشْتَدَّ ذَلِك على النَّصَارَى وَجعل يتقلب عَلَيْهِم فِي الشتَاء والصيف، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك اجْتَمعُوا فَجعلُوا صياما فِي الْفَصْل بَين الشتَاء والصيف، وَقَالُوا: نزيد عشْرين يَوْمًا نكفر بهَا مَا صنعنَا، فَجعلُوا صِيَامهمْ خمسين يَوْمًا، فَلم يزل الْمُسلمُونَ على ذَلِك يصنعون كَمَا تصنع النَّصَارَى حَتَّى كَانَ من أَمر أبي قيس بن صرمة وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَا كَانَ، فأحل الله لَهُم الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع إِلَى طُلُوع الْفجْر.
وَفِي تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم: عَن الْحسن، قَالَ: وَالله لقد كتب الصّيام على كل أمة خلت كَمَا كتبه علينا شهرا كَامِلا وَفِي تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ: عَن قَتَادَة: كتب الله تَعَالَى على قوم مُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، صِيَام رَمَضَان، فغيروا وَزَاد أَحْبَارهم عشرَة أَيَّام أُخْرَى. ثمَّ مرض بعض أَحْبَارهم فَنَذر إِن شفي أَن يزِيد فِي صومهم عشرَة أَيَّام أُخْرَى فَفعل، فَصَارَ صَوْم النَّصَارَى خمسين يَوْمًا، فصعب عَلَيْهِم فِي الْحر فنقلوه إِلَى الرّبيع، قَالَ: وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل النّحاس،
وَأسْندَ فِيهِ حَدِيثا يدل على صِحَّته. فَإِن قلت: لم يعلم من هَذِه الْآيَة إلَاّ أصل فَرضِيَّة الصَّوْم، وَلم يعلم الْعدَد، وَلَا كَونه فِي شهر رَمَضَان؟ قلت: لما علم فِيهَا أصل الْفَرْض نزل قَوْله: {أَيَّامًا معدودات} (الْبَقَرَة: 481) . فَعلم من ذَلِك أَن الْفَرْض أَيَّام معدودات، وَلما نزل:{شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن} (الْبَقَرَة: 581) . علم أَن ذَلِك الْعدَد هُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ فرض فِي رَمَضَان، والشهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَإِن نقص فَحكمه حكمه، وَعَن هَذَا قَالُوا: إِن الشَّهْر مَرْفُوع على أَنه بدل من قَوْله: {الصّيام} (الْبَقَرَة: 381) . فِي قَوْله: {كتب عَلَيْكُم الصّيام} (الْبَقَرَة: 381) . وقرىء بِالنّصب على: صُومُوا شهر رَمَضَان، أَو على أَنه بدل من قَوْله:{أَيَّامًا معدودات} (الْبَقَرَة: 481) . وانتصاب: أَيَّامًا، على الظَّرْفِيَّة، أَي: كتب عَلَيْكُم الصّيام فِي أَيَّام معدودات، وَبَينهَا بقوله:{شهر رَمَضَان} (الْبَقَرَة: 581) . فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي التَّنْصِيص على الثَّلَاثِينَ الَّتِي هِيَ الشَّهْر الْكَامِل؟ قلت: قَالُوا: لما أكل آدم، عليه الصلاة والسلام، من الشَّجَرَة الَّتِي نهى عَنْهَا، بَقِي شَيْء من ذَلِك فِي جَوْفه ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا تَابَ الله عَلَيْهِ أمره بصيام ثَلَاثِينَ يَوْمًا بلياليهن، ذكره فِي (خُلَاصَة الْبَيَان فِي تَلْخِيص مَعَاني الْقُرْآن) .
1981 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ أبِي سُهَيْلٍ عنْ أبِيهِ عنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله أنَّ أعْرَابِيّا جاءَ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثائِرَ الرَّأسِ فَقَالَ يَا رسولَ الله أخْبِرْنِي ماذَا فرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَالَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسُ إلَاّ أَن تطَوَّعَ شيْئَا فَقَالَ أخبِرْنِي مَا فَرَض الله عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ فَقَالَ شَهْرَ رَمَضَانَ إلَاّ أنْ تَطَوَّعَ شَيْئا فَقَالَ أخبِرْنِي بِمَا فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فَقَالَ فأخْبَرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شَرَائِعَ الإسْلامِ قَالَ والَّذِي أكْرَمَكَ لَا أتَطَوَّعُ شَيْئا وَلَا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ الله عَلَيَّ شَيْئا فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أفْلَحَ إنْ صَدَقَ أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَخْبرنِي مَا فرض الله عَليّ من الصّيام؟ فَقَالَ: شهر رَمَضَان)، وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب الزَّكَاة من الْإِسْلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك بن أنس عَن عَمه أبي سُهَيْل بن مَالك عَن أَبِيه أَنه سمع طَلْحَة بن عبيد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الحَدِيث، وَلَا يَخْلُو عَن زِيَادَة ونقصان فِي الْمَتْن، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر أَبُو إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَقد تقدم فِي كتاب الْإِيمَان، وَأَبُو سُهَيْل مصغر: السهل نَافِع ابْن مَالك بن عَامر، مر فِي: بَاب عَلَامَات الْمُنَافِق، وَأَبوهُ مَالك بن أبي عَامر أَو أنس الأصبحي الْمدنِي جد مَالك بن أنس، وَطَلْحَة ابْن عبيد الله أحد الْعشْرَة المبشرة.
قَوْله: (ثَائِر الرَّأْس) بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: منتفش شعر الرَّأْس ومنتشره. قَوْله: (أَن تطوَّع) بتَخْفِيف الطَّاء وتشديدها، وَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع، وَقيل: مُتَّصِل. قَوْله: (بشرائع الْإِسْلَام) أَي: بِنصب الزَّكَاة ومقاديرها وَغير ذَلِك مِمَّا يتَنَاوَل الْحَج وَأَحْكَامه، وَيحْتَمل أَن الْحَج حِينَئِذٍ لم يكن مَفْرُوضًا مُطلقًا، أَو على السَّائِل، وَمَفْهُوم. قَوْله:(إِن صدق) ! أَنه إِذا تطوع لَا يفلح مَفْهُوم الْمُخَالفَة فَلَا اعْتِبَار بِهِ لِأَن لَهُ مَفْهُوم الْمُوَافقَة، وَهُوَ أَنه إِذا تطوع يكون مفلحا بِالطَّرِيقِ الأولى، وَهُوَ مقدم على مَفْهُوم الْمُخَالفَة.
2 -
(حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ صَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - عَاشُورَاء وَأمر بصيامه فَلَمَّا فرض رَمَضَان ترك وَكَانَ عبد الله لَا يَصُومهُ إِلَّا أَن يُوَافق صَوْمه) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلَمَّا فرض رَمَضَان " وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ قَوْله " عَاشُورَاء " مَمْدُود ومقصور وَهُوَ الْيَوْم الْعَاشِر من الْمحرم وَقيل أَنه التَّاسِع مِنْهُ مَأْخُوذ من إظماء الْإِبِل فَإِن الْعَرَب تسمي الْيَوْم الْخَامِس من أَيَّام الْورْد أَرْبعا وَكَذَا بَاقِي الْأَيَّام على هَذِه النِّسْبَة فَيكون التَّاسِع عشر أَو قَالَ أَبُو عَليّ القالي فِي كِتَابه الْمَمْدُود والمقصور بَاب