الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُرَاد بقوله: (وَلَا تحل لأحد بعدِي) الْإِخْبَار عَن الحكم فِي ذَلِك لَا الْإِخْبَار بِمَا سيقع، لوُقُوع خلاف ذَلِك فِي الشَّاهِد كَمَا وَقع من الْحجَّاج وَغَيره. قَوْله:(لَا يختلي) أَي: لَا يجز وَلَا يُؤْخَذ. قَوْله: (خَلاهَا)، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُور: الرطب من الْكلأ. قَوْله: (وَلَا تلْتَقط)، على صِيغَة الْمَجْهُول وضعن لَا تلْتَقط معنى: لَا يحل الِالْتِقَاط، وَيجوز أَن يكون: لَا تلْتَقط، على صِيغَة الْمَعْلُوم فَتكون اللَّام حِينَئِذٍ فِي الْمُعَرّف زَائِدَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: حكم جَمِيع الْبِلَاد هَذَا، وَهُوَ أَن لَا تلْتَقط إلَاّ للتعريف. قلت: هَذَا للتعريف الْمُجَرّد أَي: لَا يتملكها بعد التَّعْرِيف، بل يعرفهَا أبدا. قَوْله:(لصاغتنا) جمع صائغ. قَوْله: (إلَاّ الْإِذْخر) ، بِكَسْر الْهمزَة، نبت مَعْرُوف والمستثنى مِنْهُ هُوَ قَوْله:(لَا يخْتَلى خَلاهَا) ، وَمثله يُسمى بِالِاسْتِثْنَاءِ التلقيني.
وعنْ خَالِدٍ عَنْ عكْرِمَةَ قَالَ هَلْ تَدْري مَا لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ يَنزِلُ مَكَانَهُ
وَعَن خَالِد، عطف على قَوْله: حَدثنَا خَالِد عَن عِكْرِمَة دَاخل فِي الْإِسْنَاد الْمَذْكُور. قَوْله: (قَالَ: هَل تَدْرِي) هَذَا خطاب من عِكْرِمَة لخَالِد، يُرِيد أَن يُنَبه عِكْرِمَة بذلك على الْمَنْع من الْإِتْلَاف وَسَائِر أَنْوَاع الْأَذَى، وَهَذَا تَنْبِيه بالأدنى على الْأَعْلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَلَا تقل لَهما أفٍ} (الْإِسْرَاء: 32) . فَإِذا كَانَ الشَّخْص مَمْنُوعًا عَن القَوْل بأفٍّ لوَالِديهِ فَمَنعه عَن سبهما بطرِيق الأولى. وَقد خَالف فِي ذَلِك عَطاء وَمُجاهد عِكْرِمَة فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا بَأْس بطرده مَا لم يفض إِلَى قَتله، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وروى أَيْضا من طَرِيق الحكم عَن شيخ من أهل مَكَّة أَن حَماما كَانَ على الْبَيْت، فذرق على يَد عمر، فَأَشَارَ عمر بِيَدِهِ فطار فَوَقع على بعض بيُوت مَكَّة، فَجَاءَت حَيَّة فأكلته، فَحكم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على نَفسه بِشَاة. وروى من طَرِيق آخر عَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. نَحوه. قَوْله:(مَا لَا ينفر؟)، أَي: مَا الشَّيْء الَّذِي ينفر صيد مَكَّة، وَكلمَة: مَا، استفهامية فيستفهم بهَا عَن مَضْمُون الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا أَي: مَا الْغَرَض من لفظ: مَا لَا ينفر صيدها؟ قَوْله: (هُوَ) أَي: التنفير، دلّ عَلَيْهِ قَوْله:(ينفر) من قبيل قَوْله تَعَالَى: {اعدلوا هُوَ} (الْمَائِدَة: 8) . أَي: الْعدْل {أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: 8) . قَوْله: (أَن ينحيه) من التنحية، وَهُوَ الإبعاد من نحى ينحي بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ على صِيغَة الْغَائِب وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى المنفر الَّذِي يدل عَلَيْهِ لفظ ينفر، ويروى: تنحية بِالْخِطَابِ. وَقَوله: (ينزل) بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضا، وَمعنى: ينزل، مَكَانَهُ، أَي: مَكَان الصَّيْد، وَهَذِه جملَة وَقعت حَالا.
01 -
(بابُ لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يحل الْقِتَال بِمَكَّة أَي فِي مَكَّة. قَوْله: (الْقِتَال) ، هَكَذَا وَقع فِي لفظ الحَدِيث، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم، وَوَقع فِي رِوَايَة أُخْرَى بِلَفْظ:(الْقَتْل) ، وَالْفرق بَين الْقَتْل والقتال ظَاهر، أما الْقَتْل فَنقل بَعضهم الِاتِّفَاق على جَوَاز إِقَامَة حد الْقَتْل فِيهَا على من أوقعه فِيهَا، وَخص الْخلاف بِمن قتل فِي الْحل، ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم. وَمِمَّنْ نقل الْإِجْمَاع على ذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ، وَأما الْقِتَال فَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: من خَصَائِص مَكَّة أَن لَا يحارب أَهلهَا، فَلَو بغوا على أهل الْعدْل فَإِن أمكن ردهم بِغَيْر قتال لم يجز، وَإِن لم يُمكن إلَاّ بِالْقِتَالِ. فَقَالَ الْجُمْهُور: يُقَاتلُون لِأَن قتال الْبُغَاة من حُقُوق الله تَعَالَى فَلَا يجوز إضاعتها، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يجوز قِتَالهمْ بل يضيق عَلَيْهِم إِلَى أَن يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة.
وَقَالَ أبُو شُرَيْحٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُسْفَكُ بِهَا دَما
أَبُو شُرَيْح: هُوَ الصَّحَابِيّ الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبل الْبَاب السَّابِق، وَقد مضى فِيهِ هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا.
4381 -
حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ طَاوُوس عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ ولَكنْ جِهَادً ونِيَّةٌ وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفُرُوا فإنَّ هذَا بَلَدٌ حَرَّمَ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ الله إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وإنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لأِحَدٍ قَبْلِي ولَمْ يَحِلَّ لِي إلَاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمةِ الله إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ ولَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ ولَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ
إلَاّ مَنْ عَرَّفَهَا ولَا يُخْتَلَى خَلاهَا. قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رسولَ الله إلَاّ الإذْخِرُ فإنَّهُ لِقَيُنِهِم ولِبُيُوتِهِمْ قَالَ إلَاّ الإذْخِرَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَهُوَ حرَام بِحرْمَة الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) وَعُثْمَان بن أبي شيبَة هُوَ عُثْمَان بن مُحَمَّد ابْن أبي شيبَة، واسْمه إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان أَبُو الْحسن الْعَبْسِي الْكُوفِي وَهُوَ أَخُو أبي بكر عبد الله بن أبي شيبَة، مَاتَ فِي الْمحرم سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ أكبر من أبي بكر بِثَلَاث سِنِين، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر يروي عَن مُجَاهِد عَن طَاوُوس، كَذَا يرويهِ مَوْصُولا، وَخَالفهُ الْأَعْمَش فَرَوَاهُ عَن مُجَاهِد عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مُرْسلا، أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن أبي معمر عَنهُ، وَمَنْصُور ثِقَة حَافظ فَالْحكم لوصله. .
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج وَفِي الْجِزْيَة: عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي الْجِهَاد: عَن آدم عَن شَيبَان وَعَن عَليّ بن عبد الله وَعَمْرو بن عَليّ، كِلَاهُمَا عَن يحيى. وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى وَفِيه وَفِي الْحَج عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَفِيهِمَا أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع وَفِي الْجِهَاد أَيْضا عَن أبي بكر وَأبي كريب وَعَن عبد بن حميد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج وَالْجهَاد عَن عُثْمَان بِهِ مُنْقَطِعًا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي السّير عَن أَحْمد بن عَبدة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْبيعَة عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن قدامَة وَعَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: (يَوْم افْتتح مَكَّة) مَنْصُوب لِأَنَّهُ ظرف: لقَالَ. قَوْله: (لَا هِجْرَة)، أَي: بعد الْفَتْح، وَكَذَا جَاءَ عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ فِي رِوَايَته عَن جرير فِي كتاب الْجِهَاد وَالْهجْرَة من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام: بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَلم تبقَ هِجْرَة من مَكَّة بعد أَن صَارَت دَار الْإِسْلَام، وَهَذَا يتَضَمَّن معْجزَة لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِأَنَّهَا تبقى دَار الْإِسْلَام لَا يتَصَوَّر مِنْهَا الْهِجْرَة. قَوْله:(وَلَكِن جِهَاد)، أَي: لَكِن لكم طَرِيق إِلَى تحصل الْفَضَائِل الَّتِي فِي معنى الْهِجْرَة، وَذَلِكَ بِالْجِهَادِ وَنِيَّة الْخَيْر فِي كل شَيْء من لِقَاء رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَنَحْوه. وارتفاع: جِهَاد، على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف مقدما، تَقْدِيره: لكم جِهَاد. قَوْله: (وَإِذا استنفرتم) أَي: إِذا دعَاكُمْ الإِمَام إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْغَزْو فاخرجوا إِلَيْهِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ:(وَلَكِن جِهَاد)، عطف على مَحل مَدْخُول:(وَلَا هِجْرَة) أَي: الْهِجْرَة من الأوطان إِمَّا هِجْرَة الْفِرَار من الْكفَّار، وَإِمَّا إِلَى الْجِهَاد، وَإِمَّا إِلَى غير ذَلِك كَطَلَب الْعلم، وانقطعت الأولى وَبقيت الأخريان فاغتنموهما وَلَا تقاعدوا عَنْهُمَا، وَإِذا استنفرتم فانفروا. قَوْله:(فَإِن هَذَا بلد) الْفَاء فِيهِ جَوَاب شَرط مَحْذُوف تَقْدِيره: إِذا علمْتُم ذَلِك فاعلموا أَن هَذَا بلد حرَام. قَوْله: (حرم الله) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(حرمه الله) بِالْهَاءِ، قَوْله:(بِحرْمَة الله)، أَي: بِتَحْرِيمِهِ، وَهَذَا تَأْكِيد للتَّحْرِيم. قَوْله:(وَإنَّهُ) أَي: إِن الشَّأْن (لم يحل الْقِتَال فِيهِ) هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني بِلَفْظ: (لم يحل)، وَفِي رِوَايَة غَيره:(لَا يحل)، بِلَفْظ: لَا، وَالْأول أشبه. لقَوْله:(قبلي) . قَوْله: (وَلَا يلتقط)، على صِيغَة الْمَعْلُوم وفاعله هُوَ قَوْله:(من عرفهَا) . قَوْله: (خَلاهَا) بِالْقصرِ كَمَا ذكرنَا، وَذكر ابْن التِّين أَنه وَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بِالْمدِّ، وَهُوَ: الرطب من النَّبَات، واختلاؤه وقطعه واحتشاشه، وَتَخْصِيص التَّحْرِيم بالرطب إِشَارَة إِلَى جَوَاز رعي الْيَابِس واختلائه، وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيَّة، لِأَن النبت الْيَابِس كالصيد الْمَيِّت. وَقَالَ ابْن قدامَة: لَكِن فِي اسْتثِْنَاء الْإِذْخر إِشَارَة إِلَى تَحْرِيم الْيَابِس من الْحَشِيش، وَيدل عَلَيْهِ أَن فِي بعض طرق حَدِيث أبي هُرَيْرَة:(وَلَا يحتش حشيشها) . قَوْله: (قَالَ الْعَبَّاس) ، هُوَ ابْن عبد الْمطلب، كَمَا وَقع كَذَلِك فِي المغاوي من وَجه آخر. قَوْله:(إلَاّ الْإِذْخر) ، قد ذكرنَا أَنه اسْتثِْنَاء تلقيني وَالِاسْتِثْنَاء التلقيني هُوَ أَن الْعَبَّاس لم يرد بِهِ أَن يَسْتَثْنِي هُوَ بِنَفسِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَن يلقن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على جَوَاز الْفَصْل بَين الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ، وَمذهب الْجُمْهُور اشْتِرَاط الِاتِّصَال إِمَّا لفظا وَإِمَّا حكما كجواز الْفَصْل بالتنفس مثلا، وَقد اشْتهر عَن ابْن عَبَّاس الْجَوَاز مُطلقًا، وَاحْتج لَهُ بِظَاهِر هَذِه القة. وَأجَاب الْجُمْهُور عَنهُ بِأَن هَذَا الِاسْتِثْنَاء فِي حكم الْمُتَّصِل لاحْتِمَال أَن يكون النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أَرَادَ أَن يَقُول: إلَاّ الْإِذْخر، فَشَغلهُ الْعَبَّاس بِكَلَامِهِ، فوصل كَلَامه بِكَلَام نَفسه، فَقَالَ: إلَاّ الْإِذْخر، وَقد قَالَ مَالك: يجوز الْفَصْل مَعَ إِضْمَار الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا بالمستثنى مِنْهُ. فَإِن قلت: هَل كَانَ قَوْله صلى الله عليه وسلم (إلَاّ الْإِذْخر؟) بِاجْتِهَاد أَو وَحي؟ قلت: اخْتلفُوا فِيهِ