الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد ذكرنَا وَجه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة. قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (وَزَادَنِي مُحَمَّد) أَي: فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقد اخْتلف فِي مُحَمَّد هَذَا، فَزعم الجياني أَن مُحَمَّدًا هَذَا هُوَ الذهلي، وَاقْتصر عَلَيْهِ الْمزي فِي تهذيبه) فَقَالَ: يُقَال: الذهلي وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن السكن: مُحَمَّد بن سَلام. ومحاضر، بِضَم الْمِيم على وزن اسْم الْفَاعِل من المحاضرة من الْحُضُور ضد الْغَيْبَة: ابْن الْمُوَرِّع، بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: الْهَمدَانِي اليامي، مَاتَ سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ، اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ، وَأخرج لَهُ مُسلم فَرد حَدِيث (من يدعوني فأستجيب لَهُ؟) الحَدِيث، وَهُوَ صَدُوق مُغفل، قَالَ أَحْمد: كَانَ مغفلاً جدا. وَقيل: لم يخرج البُخَارِيّ عَنهُ إلَاّ تَعْلِيقا، لَكِن ظَاهر هَذَا الْموضع الْوَصْل.
قَوْله: (مَا أَرَاهَا) أَي: مَا أرى صَفِيَّة إلَاّ حابستكم عَن النَّفر. قَوْله: (كنت طفت؟) أَصله: أَكنت طفت بالاستفهام عَن طوافها يَوْم النَّحْر. قَوْله: (فاعتمري) أَي: قَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم: فاعتمري، وَإِنَّمَا أمرهَا بالاعتمار لتطييب قَلبهَا حِين أَرَادَت أَن تكون لَهَا عمْرَة مُنْفَرِدَة مُسْتَقلَّة كَمَا لسَائِر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَإِنَّمَا خص التَّنْعِيم بِالذكر مَعَ أَن جَمِيع جِهَات الْحل سَوَاء فِيهِ وَالْإِحْرَام من التَّنْعِيم غير وَاجِب أما لِأَنَّهُ كَانَ أسهل عَلَيْهَا، وَأما لغَرَض آخر. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض بِوُجُوب الْإِحْرَام مِنْهُ، قَالَ: وَهُوَ مِيقَات الْمُعْتَمِر من مَكَّة. قَوْله: (فَخرج مَعهَا أَخُوهَا)، أَي: فَخرج مَعَ عَائِشَة خوها عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَوْله:(فلقيناه) أَي: لَقينَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَائِل هَذَا هُوَ عَائِشَة أَرَادَت أَنَّهَا وأخاها لقيا النَّبِي صلى الله عليه وسلم مدلجا أَي: حَال كَونه مدلجا، أَي سائرا من آخر اللَّيْل فَإِنَّهُمَا لما رجعا إِلَى الْمنزل بعد أَن قَضَت عَائِشَة الْعمرَة صادفا النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُتَوَجها إِلَى طواف الْوَدَاع، وَقد ذكرنَا أَن مدلجا بتَشْديد الدَّال وَهُوَ السّير من آخر اللَّيْل، وَأما الإدلاج بِسُكُون الدَّال فَهُوَ السّير من أول اللَّيْل، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله:(فَقَالَ موعدك) أَي: قَالَ النَّبِي لعَائِشَة: موعدك، وَأَرَادَ بِهِ مَوضِع الْمنزلَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْموعد هُوَ مَوضِع تكلم بِهَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ووعدها الِاجْتِمَاع لمَكَان كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ مَكَان وَفَاء الْعَهْد. قلت: الْموعد مصدر ميمي بِمَعْنى الْمَوْعُود وَالْمَكَان مُقَدرا، والوعد الَّذِي فِي ضمن اسْم الْمَكَان هُوَ بِمَعْنى الْمَوْعُود. انْتهى. قلت: فِيهِ تعسف لَا يخفى، وَالْحَاصِل أَنه صلى الله عليه وسلم لما لقيهمَا قَالَ لعَائِشَة: مَوضِع الْمنزلَة كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي تكون الملاقاة هُنَاكَ حَتَّى إِذا عَاد النَّبِي صلى الله عليه وسلم من طَوَافه للوداع يجْتَمع بهَا هُنَاكَ للرحيل، وَالله تَعَالَى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
62 -
(أبوابُ العُمْرَةِ)
1 -
(وجوبُ العُمْرَةِ وفَضْلُهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْعمرَة، وَلَيْسَت الْبَسْمَلَة مَذْكُورَة فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَإِنَّمَا التَّرْجَمَة هَكَذَا فِي رِوَايَته عَن الْمُسْتَمْلِي: أَبْوَاب الْعمرَة، بَاب وجوب الْعمرَة وفضلها، وَعند الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَته غير أبي ذَر سقط. قَوْله:(أَبْوَاب الْعمرَة) وَفِي كتاب أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج) : كتاب الْعمرَة، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، بَاب الْعمرَة وفضلها، فَقَط أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الْعمرَة وَفِي بَيَان فَضلهَا.
وَالْعمْرَة فِي اللُّغَة: الزِّيَارَة، يُقَال اعْتَمر فَهُوَ مُعْتَمر أَي زار وَقصد، وَقيل: إِنَّهَا مُشْتَقَّة من عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام، وَفِي الشَّرْع الْعمرَة: زِيَارَة الْبَيْت الْحَرَام بِشُرُوط مَخْصُوصَة، ذكرت فِي كتب الْفِقْه.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لَيْسَ أحَدٌ إلَاّ وعَلَيْهِ حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ
لما كَانَت التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على بَيَان وجوب الْعمرَة وَبَيَان فَضلهَا قدم بَيَان وُجُوبهَا أَولا، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّعْلِيق الَّذِي ذكره عَن عبد الله بن عمر، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن ابْن جريج عَن نَافِع: أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: (لَيْسَ من خلق الله تَعَالَى أحد إلَاّ وَعَلِيهِ حجَّة وَعمرَة واجبتان)، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق ابْن جريج عَن نَافِع عَنهُ مثله بِزِيَادَة:(من اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِك سَبِيلا، فَمن زَاد على هَذَا فَهُوَ تطوع وَخير) . وَقَالَ سعيد بن أبي
عرُوبَة فِي (الْمَنَاسِك) عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان. وَقَالَ بَعضهم: وَجزم المُصَنّف بِوُجُوب الْعمرَة، وَهُوَ متابع فِي ذَلِك للمشهور عَن الشَّافِعِي وَأحمد وَغَيرهمَا من أهل الْأَثر. قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: الْعمرَة سنَّة لَا نعلم أحدا رخص فِي تَركهَا، لَيْسَ فِيهَا شَيْء ثَابت بِأَنَّهَا تطوع. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يُرِيد بِهِ أَنَّهَا لَيست بواجبة، بِدَلِيل قَوْله: لَا نعلم أحدا رخص فِي تَركهَا، لِأَن السنَّة الَّتِي يُرِيد بهَا خلاف الْوَاجِب يرخص فِي تَركهَا قطعا، والسنَّة تطلق وَيُرَاد بهَا الطَّرِيقَة، وَغير سنة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم انْتهى. قلت: كَأَن شَيخنَا حمل قَول الشَّافِعِي: الْعمرَة سنة، على معنى أَنَّهَا سنّة لَا يجوز تَركهَا بِدَلِيل قَوْله:(لَيْسَ فِيهَا شَيْء ثَابت بِأَنَّهَا تطوع، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا لم يثبت أَنَّهَا تطوع يكون معنى قَوْله: إنَّها سنَّة أَي: سنة وَاجِبَة لَا يرخض فِي تَركهَا، وَالَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي أَنه لَيْسَ بِثَابِت هُوَ مُرْسل أبي صَالح الْحَنَفِيّ، فقد روى الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَن سعيد بن سَالم القداح قد احْتج بِأَن سُفْيَان الثَّوْريّ أخبرهُ عَن يَعْقُوب بن إِسْحَاق عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْحَج جِهَاد وَالْعمْرَة تطوع)، قلت: هَذَا مُنْقَطع، فصح قَوْله أَنه لَيْسَ بِثَابِت.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إنَّها لَقَرِينَتُها فِي كِتَابِ الله {وأتِمُّوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ لله} (الْبَقَرَة: 691) .
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: (إِن الْعمرَة لقَرِينَة الْحجَّة فِي كتاب الله تَعَالَى) يَعْنِي: مذكورتان مَعًا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة} (الْبَقَرَة: 691) . وَقد أَمر الله تَعَالَى بإتمامهما، وَالْأَمر للْوُجُوب، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الشَّافِعِي فِي مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار: سَمِعت طاووسا يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: وَالله إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . وَقَالَ المانعون للواجوب: ظَاهر السِّيَاق إِكْمَال أفعالها بعد الشُّرُوع فيهمَا، وَلِهَذَا قَالَ بعده:{فَأن أحصرتم} (الْبَقَرَة: 691) . أَي: صددتم عَن الْوُصُول إِلَى الْبَيْت، ومنعتم من أتمامهما، وَلِهَذَا اتّفق الْعلمَاء على أَن الشُّرُوع فِي الْحَج وَالْعمْرَة مُلْزم، سَوَاء قيل بِوُجُوب الْعمرَة أَو باستحبابها، وَقَالَ شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن أبي سَلمَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ فِي هَذِه الْآيَة:{وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . قَالَ: أَن تحرم من دويرة أهلك، وَكَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، أَنه قَالَ: تمامهما أَن تحرم من أهلك لَا تُرِيدُ إلَاّ الْحَج وَالْعمْرَة، وتهل من الْمِيقَات، لَيْسَ أَن تخرج لتِجَارَة وَلَا لحَاجَة حَتَّى إِذا كنت قَرِيبا من مَكَّة. قلت: لَو احتججت أَو اعْتَمَرت، وَذَلِكَ يجزىء، وَلَكِن التَّمام أَن تخرج لَهُ وَلَا تخرج لغيره. وَقَرَأَ الشّعبِيّ:{وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . بِرَفْع الْعمرَة، قَالَ: وَلَيْسَت بواجبة.
وَمِمَّنْ قَالَ بفرضية الْعمرَة من الصَّحَابَة: عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله بن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود وَجَابِر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمن التَّابِعين وَغَيرهم: عَطاء وطاووس وَمُجاهد وَعلي بن الْحُسَيْن وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَعبد الله بن شَدَّاد وَابْن الحبيب وَابْن الجهم، وَاحْتج هَؤُلَاءِ أَيْضا بِأَحَادِيث أُخْرَى. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(إِن الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت) . قلت: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف، رَوَاهُ هِشَام بن حسان عَن ابْن سِيرِين عَن زيد. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة حبيب بن أبي عمْرَة عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة (عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله {على النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ: نعم} عَلَيْهِنَّ جِهَاد لَا قتال فِيهِ الْحَج وَالْعمْرَة) . قلت: أخرجه البُخَارِيّ وَلم يذكر فِيهِ الْعمرَة. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة قُتَيْبَة عَن ابْن لَهِيعَة عَن عَطاء (عَن جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان واجبتان) . قلت: قَالَ ابْن عدي: هُوَ عَن ابْن لَهِيعَة عَن عَطاء غير مَحْفُوظ، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ ابْن لَهِيعَة: غير مُحْتَج بِهِ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن أَوْس (عَن أبي رزين الْعقيلِيّ: أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله! إِن أبي شيخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع الْحَج وَالْعمْرَة، وَلَا الظعن، قَالَ: حج عَن أَبِيك وَاعْتمر) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَأَبُو رزين اسْمه: لَقِيط بن عَامر قلت: أمره بِأَن يعْتَمر عَن غَيره. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يُونُس بن مُحَمَّد عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن يحيى بن يعمر عَن ابْن عمر (عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: بَينا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أنَاس، إِذْ جَاءَ رجل لَيْسَ عَلَيْهِ سحناء سفر) فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَالَ: يَا مُحَمَّد
مَا الأسلام؟ فَقَالَ) الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إلاهَ إلَاّ الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتحج وتعتمر) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد ثَابت أخرجه مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: زِيَادَة صَحِيحَة، وَأخرجه أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) والجوزقي وَالْحَاكِم أَيْضا قلت: المُرَاد بِإِخْرَاج مُسلم لَهُ أَنه أخرج الْإِسْنَاد هَكَذَا، وَلم يسق لفظ هَذِه الرِّوَايَة، وَإِنَّمَا أحَال بِهِ على الطّرق الْمُتَقَدّمَة إِلَى يحيى بن يعمر بقوله كنحو حَدِيثهمْ، وَذكر أَبُو عَمْرو عَن الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة: أَن الْعمرَة لَيست بواجبة وروى ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَعنهُ أَنَّهَا سنة. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: الْعمرَة سنة وَيَنْبَغِي أَن يَأْتِي بهَا عقيب الْفَرَاغ من أَفعَال الْحَج، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَابر (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ: لَا، وَإِن تَعْتَمِرُوا هُوَ أفضل) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. فَإِن قلت: قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَفِي تَصْحِيحه لَهُ نظر، فَإِن فِي سَنَده الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَلم يحْتَج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) . وَقَالَ ابْن حبَان: تَركه ابْن الْمُبَارك وَيحيى الْقطَّان وَابْن معِين وَأحمد، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يحْتَج بِهِ، وَإِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا على جَابر، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَفعه ضَعِيف. قلت: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي كتاب (الإِمَام) : وَهَذَا الحكم بالتصحيح فِي رِوَايَة الْكَرْخِي لكتاب التِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: حسن لَا غير، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رحمه الله: لَعَلَّ التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا حكم عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ لمجيئه من وَجه آخر، فقد رَوَاهُ يحيى بن أَيُّوب عَن عبد الله ابْن عمر عَن أبي الزبير، (عَن جَابر، قلت: يَا رَسُول الله {الْعمرَة فَرِيضَة كَالْحَجِّ؟ قَالَ: لَا، وَإِن تعتمر خير لَك) . ذكره صَاحب (الإِمَام)، وَقَالَ: اعْترض عَلَيْهِ بِضعْف عبد الله بن عمر الْعمريّ. قلت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب عَن عبيد الله بن الْمُغيرَة عَن أبي الزبير (عَن جَابر، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} الْعمرَة وَاجِبَة فريضتها كفريضة الْحَج؟ قَالَ: لَا، وَإِن تعتمر خير لَك) . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب عَن عبيد الله غير مَنْسُوب عَن أبي الزبير، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ عبيد الله بن الْمُغيرَة، تفرد بِهِ عَن أبي الزبير، وَوهم الباغندي فِي قَوْله: عبيد الله بن عمر، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول:(الْحَج جِهَاد وَالْعمْرَة تطوع) ، وروى عبد الْبَاقِي بن قَانِع من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحوه، وَكَذَا روى عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحوه. ثمَّ إعلم أَن الشَّافِعِي ذهب إِلَى اسْتِحْبَاب تكْرَار الْعمرَة فِي السّنة الْوَاحِدَة مرَارًا، وَقَالَ مَالك وَأَصْحَابه: يكره أَن يعْتَمر فِي السّنة الْوَاحِدَة أَكثر من عمْرَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن قدامَة: قَالَ آخَرُونَ: لَا يعْتَمر فِي شهر أَكثر من عمْرَة وَاحِدَة، وَعند أبي حنيفَة: تكره الْعمرَة فِي خَمْسَة أَيَّام: يَوْم عَرَفَة، والنحر، وَأَيَّام التَّشْرِيق. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: تكره فِي أَرْبَعَة أَيَّام عَرَفَة، والتشريق.
3771 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنُ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمان عنْ أبي صالِحِ السَّمَّانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْعُمْرَةُ إلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَاّ الجَنَّةُ.
قد ذكرنَا أَن التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على وجوب الْعمرَة وفضلها، وَذكر مَا يدل على وُجُوبهَا، وهما الأثران الْمَذْكُورَان عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ثمَّ ذكر هُنَا عَن أبي هُرَيْرَة مَا يدل على فَضلهَا، وَقد بوب التِّرْمِذِيّ بَابا فِي فضل الْعمرَة، فَقَالَ: بَاب مَا جَاءَ فِي فضل الْعمرَة، ثمَّ روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور عَن أبي كريب عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن سمي إِلَى آخِره، نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ، وَأخرجه مُسلم أَيْضا كَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَأخرجه أَيْضا النَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سمي، وَمن رِوَايَة سُهَيْل بن أبي صَالح عَن سمي، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن سمي، وَهُوَ مَشْهُور من حَدِيث سمي، وَهُوَ بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء، وَقد مر فِي الصَّلَاة.
وَأَبُو صَالح السمان هُوَ ذكْوَان الزيات، وَقد تكَرر ذكره. قَوْله:(الْعمرَة إِلَى الْعمرَة كَفَّارَة لما بَينهمَا)، أَي: من الذُّنُوب دون الْكَبَائِر كَمَا فِي قَوْله: (الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة لما بَينهمَا) . وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن تكون إِلَى بِمَعْنى: مَعَ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{إِلَى أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 2) . و {من أَنْصَارِي إِلَى الله} (آل عمرَان: 25، الصَّفّ: 41) . فَإِن قلت: الَّذِي يكفر مَا بَين العمرتين: الْعمرَة الأولى أَو الْعمرَة الثَّانِيَة؟ قلت: ظَاهر الحَدِيث أَن الْعمرَة الأولى هِيَ المكفرة، لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي