الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان لِأَنَّهُ شهر يتضاعف فِيهِ ثَوَاب الصَّدَقَة. وَفِيه: الصَّوْم وَهُوَ من أشرف الْعِبَادَات، فَلذَلِك قَالَ:(الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) . وَفِيه: لَيْلَة الْقدر. وَفِيه: كَانَ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، يلقاه كل لَيْلَة من رَمَضَان فيدارسه الْقُرْآن.
2091 -
حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ قَالَ أخبرَنا ابنُ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ وكانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبرِيلُ وكانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ فإذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام كانَ أجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا من الحَدِيث بِبَعْض تَغْيِير، والْحَدِيث قد مضى فِي أول الْكتاب فِي: بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الْوَحْي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ
…
إِلَى آخِره، وَقد أخرجه فِي خَمْسَة مَوَاضِع، وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَلم نبق شَيْئا، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
8 -
(بابُ مَنْ لَمُ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من لم يدع، أَي: لم يتْرك قَول الزُّور وَهُوَ الْكَذِب والميل عَن الْحق، وَالْعَمَل بِالْبَاطِلِ والتهمة. قَوْله:(وَالْعَمَل بِهِ)، أَي: بِمُقْتَضَاهُ مِمَّا نهى الله عَنهُ، وَإِنَّمَا حذف الْجَواب اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث، وَهَكَذَا دأبه فِي غَالب الْمَوَاضِع، وَقيل: لَو نَص مَا فِي الْخَبَر لطالت التَّرْجَمَة أَو لَو عبر عَنهُ بِحكم معِين لوقع فِي عهدته.
3091 -
حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إيَاسٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ عنْ أبِيهِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ.
(الحَدِيث 3091 طرفه فِي: 7506) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن التَّرْجَمَة نصف حَدِيث الْبَاب، وَابْن أبي ذِئْب هم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب، وَهُوَ يروي عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه كيسَان اللَّيْثِيّ عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن يُونُس عَن ابْن أبي ذِئْب بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر وَعَن الرّبيع بن سُلَيْمَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَمْرو بن رَافع عَن ابْن الْمُبَارك، الْكل عَن ابْن أبي ذِئْب، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات: عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه، وَقد رَوَاهُ ابْن وهب عَن ابْن أبي ذِئْب فَاخْتلف عَلَيْهِ، رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ مثل الْجَمَاعَة، وَرَوَاهُ ابْن السَّرْح عَنهُ فَلم يقل: عَن أَبِيه. وأخرجهما النَّسَائِيّ وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن خَالِد عَن ابْن أبي ذِئْب بإسقاطه أَيْضا، وَاخْتلف فِيهِ عَليّ ابْن الْمُبَارك فَأخْرجهُ ابْن حبَان من طَرِيقه بالإسقاط، وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة بإثباته، وَكَذَلِكَ اخْتلف على أَحْمد بن يُونُس، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) عَنهُ عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد عَن أَبِيه كَرِوَايَة الأَصْل وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب، عَن أَحْمد بن يُونُس عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، هَكَذَا هُوَ فِي أَكثر رِوَايَات البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر زِيَادَة ذكر أَبِيه، وَقد اخْتلف فِيهِ على ابْن أبي ذِئْب، اخْتِلَاف آخر، فَرَوَاهُ يُونُس بن يحيى بن سابه عَن ابْن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صَغِير عَن أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي (سنَنه الْكُبْرَى) كَذَلِك، وَقَالَ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) : هَذَا حَدِيث مُنكر لَا أعلم من رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ، غير ابْن أبي ذِئْب إِن كَانَ يُونُس بن يحيى حفظه عَنهُ، وَلم أر كَلَام النَّسَائِيّ فِي نُسْخَتي، وَلأبي هُرَيْرَة
حَدِيث آخر رَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) من رِوَايَة الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب عَن عَمه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الصّيام من الْأكل وَالشرب فَقَط، إِنَّمَا الصّيام من اللَّغْو والرفث، فَإِن سابك أحد أَو جهل عَلَيْك، فَقل: إِنِّي صَائِم) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من لم يدع قَول الزُّور)، أَي: من لم يتْرك، وَقد ذكرنَا تَفْسِير الزُّور عَن قريب، وَقَالَ شَيخنَا، قَوْله: هَذَا يحْتَمل أَن يُرَاد: من لم يدع ذَلِك مُطلقًا غَيره مُقَيّد بِصَوْم، وَيكون مَعْنَاهُ: أَن من لم يدع قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ الَّذِي هُوَ من أكبر الْكَبَائِر وَهُوَ متلبس بِهِ، فَمَاذَا يصنع بصومه؟ وَذَلِكَ كَمَا يُقَال: أَفعَال الْبر يَفْعَلهَا الْبر والفاجر وَلَا يجْتَنب النواهي إلَاّ صدِّيق، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد: من لم يدع ذَلِك فِي حَال تلبسه بِالصَّوْمِ، وَهُوَ الظَّاهِر، وَقد صرح بِهِ فِي بعض طرق النَّسَائِيّ:(من لم يدع قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ وَالْجهل فِي الصَّوْم) . وَقد بوب التِّرْمِذِيّ على هَذَا الحَدِيث بقوله: بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيد فِي الْغَيْبَة للصَّائِم. وَقَالَ شَيخنَا: فِيهِ إِشْكَال من حَيْثُ أَن الحَدِيث فِيهِ قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ، والغيبة لَيست قَول الزُّور وَلَا الْعَمَل بِهِ، إِذْ حد الْغَيْبَة على مَا هُوَ الْمَشْهُور ذكرك أَخَاك بِمَا فِيهِ مِمَّا يكرههُ، وَقَول الزُّور هُوَ الْكَذِب والبهتان، وَقد فسر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَول الزُّور فِي قَوْله فِي سُورَة الْحَج، بِشَهَادَة الزُّور، فَقَالَ:(عدلت شَهَادَة الزُّور الْإِشْرَاك بِاللَّه)، وَهَكَذَا بوب أَبُو دَاوُد على الحَدِيث: الْغَيْبَة للصَّائِم، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ فِي (الْكُبْرَى) : مَا ينْهَى عَنهُ الصَّائِم من قَول الزُّور والغيبة، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن مَاجَه: بَاب مَا جَاءَ فِي الْغَيْبَة والرفث للصَّائِم، وَكَأَنَّهُم وَالله أعلم فَهموا من الحَدِيث حفظ الْمنطق عَن الْمُحرمَات، وَمن جُمْلَتهَا الْغَيْبَة، وَلِهَذَا بوب عَلَيْهِ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : ذكر الْخَبَر الدَّال على أَن الصّيام إِنَّمَا يتم باجتناب الْمَحْظُورَات لَا بمجانبة الطَّعَام وَالشرَاب، وَالْجمع فَقَط، وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث:(من لم يدع قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ وَالْجهل) ، فَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْجَهْلِ جَمِيع الْمعاصِي، وَهَذِه اللَّفْظَة عِنْد البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب، وَعند النَّسَائِيّ أَيْضا وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَلَفظه:(من لم يدع قَول الزُّور وَالْجهل وَالْعَمَل بِهِ)، قَالَ شَيخنَا: الضَّمِير فِي: بِهِ، يحْتَمل أَن يعود إِلَى الزُّور فَقَط، وَإِن كَانَ أبعد فِي الذّكر لِاتِّفَاق الرِّوَايَات عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يعود على الْجَهْل فَقَط لكَونه أقرب مَذْكُور، وعَلى هَذَا فالغيبة عمل بِالْجَهْلِ، وَيحْتَمل عود الضَّمِير عَلَيْهِمَا: أَعنِي الزُّور وَالْجهل، وَإِنَّمَا أفرد الضَّمِير لاشْتِرَاكهمَا فِي تنقيص الصَّوْم. انْتهى. قلت: يجوز أَن يعود إِلَيْهِمَا بِاعْتِبَار كل وَاحِد.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي أَن الْغَيْبَة والنميمة وَالْكذب: هَل يفْطر الصَّائِم؟ فَذهب الْجُمْهُور من الْأَئِمَّة إِلَى أَنه لَا يفْسد الصَّوْم بذلك، وَإِنَّمَا التَّنَزُّه عَن ذَلِك من تَمام الصَّوْم. وَعَن الثَّوْريّ: إِن الْغَيْبَة تفْسد الصَّوْم، ذكره الْغَزالِيّ فِي (الْإِحْيَاء)، وَقَالَ: رَوَاهُ بشر بن الْحَارِث عَنهُ، قَالَ: وروى لَيْث عَن مُجَاهِد: (خصلتان تفسدان الصَّوْم: الْغَيْبَة وَالْكذب) ، هَكَذَا ذكره الْغَزالِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَالْمَعْرُوف عَن مُجَاهِد:(خصلتان من حفظهما سلم لَهُ صَوْمه: الْغَيْبَة وَالْكذب) ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن لَيْث عَن مُجَاهِد، وروى ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم عَن يعلى بن عبيد عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: إِن الْكَذِب يفْطر الصَّائِم. وروى أَيْضا عَن يحيى بن يُوسُف عَن يحيى بن سليم عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي، قَالُوا: اتَّقوا المفطِرَين: الْكَذِب والغيبة.
قَوْله: (فَلَيْسَ لله حَاجَة) هَذَا مجَاز عَن عدم الِالْتِفَات وَالْقَبُول، فنفى السَّبَب وَأَرَادَ الْمُسَبّب، قَالَ ابْن بطال: وضع الْحَاجة مَوضِع الْإِرَادَة، إِذْ الله لَا يحْتَاج إِلَى شَيْء، يَعْنِي: لَيْسَ لله إِرَادَة فِي صِيَامه، وَقَالَ أَبُو عمر: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يُؤمر بِأَن يدع صِيَامه، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التحذير من قَول الزُّور، وَمَا ذكر مَعَه، وَهُوَ مثل قَوْله:(من بَاعَ الْخمر فليشقص الْخَنَازِير)، أَي: يذبحها، وَلم يَأْمُرهُ بذبحها، وَلكنه على التحذير والتعظيم لإثم بَائِع الْخمر، قَالَ: فَكَذَلِك من اغتاب أَو شهد زورا أَو مُنْكرا لم يُؤمر بِأَن يدع صِيَامه، وَلكنه يُؤمر باجتناب ذَلِك ليتم لَهُ أجر صَوْمه. ثمَّ قَوْله:(فَلَيْسَ لله حَاجَة) هَكَذَا لفظ (الصَّحِيح) وَكتب السّنَن وَغَيرهَا من الْكتب الْمَشْهُورَة، وَفِي بعض طرقه:(فَلَيْسَ بِهِ حَاجَة) ، يَعْنِي بِالَّذِي يَصُوم بِهَذَا الْوَصْف، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ الْبَيْهَقِيّ فِي (شعب الْإِيمَان) من رِوَايَة يزِيد بن هَارُون عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري من غير ذكر أَبِيه، وَإِسْنَاده صَحِيح، وَيزِيد بن هَارُون من أَئِمَّة الْمُسلمين.