الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغَيره عَن مَالك: لَا يقتل الْمحرم الوزغ، زَاد ابْن الْقَاسِم: وَإِن قَتله يتَصَدَّق لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْخمس الْمَأْمُور بقتلها، وَذكر ابْن بزيزة فِي (أَحْكَامه) : قَالَ الطَّحَاوِيّ: لَا يقتل الْمحرم الْحَيَّة وَلَا الوزغ شَيْئا غير الحدأة والغراب وَالْكَلب الْعَقُور والفأرة وَالْعَقْرَب. قلت: قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَنه قَالَ: للْمحرمِ قتل الْحَيَّة، وروى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:(من قتل وزغة فِي أول ضَرْبَة فَلهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة، وَمن قَتلهَا فِي الثَّانِيَة فَلهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة، دون الأولى، وَمن قَتلهَا فِي الضَّرْبَة الثَّالِثَة فَلهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة دون الثَّانِيَة) . وَفِي لفظ: (من قتل وزغا فِي أول ضَرْبَة كتب لَهُ مائَة حَسَنَة، وَفِي الثَّانِيَة دون ذَلِك، وَفِي الثَّالِثَة دون ذَلِك) . وَفِي لفظ: (فِي أول ضَرْبَة سبعين حَسَنَة)، وَقَالَ أَبُو عمر: الوزغ مجمع على تَحْرِيم أكله، وَقَالَ ابْن التِّين: أَبَاحَ مَالك قَتله فِي الْحرم، وَكره للْمحرمِ. وَقَالَ ابْن حزم، من طَرِيق سُوَيْد بن غَفلَة، قَالَ: أمرنَا عمر بن الْخطاب بقتل الزنبور وَنحن محرمون، وَعَن حبيب الْمعلم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، قَالَ:(لَيْسَ فِي الزنبور جَزَاء) .
وَقَالَ ابْن حزم: وَأما النَّمْل فَلَا يحل قَتله وَلَا قتل الهدهد وَلَا الصرد وَلَا النَّحْل وَلَا الضفدع لما روينَا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق: حَدثنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن قتل أَربع من الدَّوَابّ: النملة والنحلة والهدهد والصرد)، وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث سعيد بن خَالِد عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان:(أَن طَبِيبا سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، عَن ضفدع يَجْعَلهَا فِي دَوَاء فَنَهَاهُ، عليه الصلاة والسلام،، عَن قَتلهَا) . وَفِي (التَّوْضِيح) : اخْتلف المدنيون فِي الزنبور فشبهه بَعضهم بالحية وَالْعَقْرَب، فَإِن عرض لأنسان فَدفعهُ عَن نَفسه لم يكن فِيهِ شَيْء، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَأْمر بقتْله. وَقَالَ أَحْمد وَعَطَاء: لَا جَزَاء فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: يطعم شَيْئا، قَالَ إِسْمَاعِيل: وَإِنَّمَا لم يدْخل أَوْلَاد الْكَلْب الْعَقُور فِي حكمه لِأَنَّهُنَّ لَا يعقرن فِي صغرهن وَلَا فعل لَهُنَّ.
8 -
(بابٌ لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الحَرَمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يعضد شجر الْحرم، أَي: لَا يقطع، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من: عضدت الشّجر عضدا، من: بَاب ضرب يضْرب إِذا قطعته، والعضد، بِفتْحَتَيْنِ: مَا يكسر من الشّجر أَو يقطع. وَفِي (الْمُحكم) : وَالشَّجر معضود وعضيد واستعضده قطعه. وَفِي (المتهى) : أَي قطعه بالمعضد، يَعْنِي: بِالسَّيْفِ الممتهن فِي قطع الشّجر، وَالشَّجر معضود وعضد بِالتَّحْرِيكِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره البُخَارِيّ مَوْصُولا عَن أبي شُرَيْح فِي هَذَا الْبَاب، وَذكره كَذَلِك عَن ابْن عَبَّاس فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب، وَسَنذكر مَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
407 -
(حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي شُرَيْح الْعَدوي أَنه قَالَ لعَمْرو بن سعيد وَهُوَ يبْعَث الْبعُوث إِلَى مَكَّة ائْذَنْ لي أَيهَا الْأَمِير أحَدثك قولا قَامَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - للغد من يَوْم الْفَتْح فَسَمعته أذناي ووعاه قلبِي وأبصرته عَيْنَايَ حِين تكلم بِهِ إِنَّه حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن مَكَّة حرمهَا الله وَلم يحرمها النَّاس فَلَا يحل لامرىء يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يسفك بهَا دَمًا وَلَا يعضد بهَا شَجَرَة فَإِن أحد ترخص لقِتَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فَقولُوا لَهُ إِن الله أذن لرَسُوله صلى الله عليه وسلم َ - وَلم يَأْذَن لكم وَإِنَّمَا أذن لي سَاعَة من نَهَار وَقد عَادَتْ حرمتهَا الْيَوْم كحرمتها بالْأَمْس وليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب فَقيل لأبي شُرَيْح مَا قَالَ لَك عَمْرو قَالَ أَنا أعلم بذلك مِنْك يَا أَبَا شُرَيْح إِن الْحرم لَا يعيذ عَاصِيا وَلَا فَارًّا بِدَم وَلَا فَارًّا بجزية: خربة بلية)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَلَا يعضد بهَا شَجَرَة " وَهَذَا الحَدِيث قد مر بِتَمَامِهِ فِي كتاب الْعلم فِي بَاب ليبلغ الْعلم الشَّاهِد الْغَائِب وَقد ذكر هُنَاكَ أَكثر مَا يتَعَلَّق بِهِ ونستوفي هَهُنَا جَمِيع مَعَانِيه وَإِن وَقع فِيهِ تكْرَار فَإِن التّكْرَار يُفِيد النَّاظر فِيهِ خُصُوصا إِذا لم يقدر على مَا ذكر هُنَاكَ إِمَّا لبعد الْمسَافَة أَو لوجه آخر وَهَذَا الحَدِيث قد أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن سعيد وَهنا عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن سعيد قَوْله " عَن أبي شُرَيْح الْعَدوي " زَاد هُنَا الْعَدوي قيل نظر فِيهِ لِأَنَّهُ خزاعي من بني كَعْب بن ربيعَة بن لحي بطن من خُزَاعَة وَلِهَذَا يُقَال لَهُ الكعبي أَيْضا لَا عدوي وَلَيْسَ هُوَ من بني عدي لَا عدي قُرَيْش وَلَا عدي مُضر (قلت) يحْتَمل أَنه كَانَ حليفا لبني عدي بن كَعْب من قُرَيْش قَوْله " عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي شُرَيْح " وَفِي رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب " عَن سعيد سَمِعت أَبَا شُرَيْح " أخرجه أَحْمد وَاخْتلف فِي اسْمه فَالْمَشْهُور أَنه خويلد بن عَمْرو أسلم قبل الْفَتْح وَسكن الْمَدِينَة وَمَات بهَا سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وحديثين آخَرين قَوْله " لعَمْرو بن سعيد " هُوَ عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْمَعْرُوف بالأشدق لطيم الشَّيْطَان لَيست لَهُ صُحْبَة وَعرف بالأشدق لِأَنَّهُ صعد الْمِنْبَر فَبَالغ فِي شتم عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأَصَابَهُ لقُوَّة ولاه يزِيد بن مُعَاوِيَة الْمَدِينَة وَكَانَ أحب النَّاس إِلَى أهل الشَّام وَكَانُوا يسمعُونَ لَهُ ويطيعونه وَكتب إِلَيْهِ يزِيد أَن يُوَجه إِلَى عبد الله بن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جَيْشًا فوجهه وَاسْتعْمل عَلَيْهِم عَمْرو بن الزبير بن الْعَوام وَقَالَ الطَّبَرِيّ كَانَ قدوم عَمْرو بن سعيد واليا على الْمَدِينَة من قبل يزِيد بن مُعَاوِيَة فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتِّينَ وَقيل قدمهَا فِي رَمَضَان مِنْهَا وَهِي السّنة الَّتِي ولي فِيهَا يزِيد الْخلَافَة فَامْتنعَ ابْن الزبير من بيعَته وَأقَام بِمَكَّة فَجهز إِلَيْهِ عَمْرو بن سعيد جَيْشًا وَأمر عَلَيْهِم عَمْرو بن الزبير وَكَانَ معاديا لِأَخِيهِ عبد الله وَكَانَ عَمْرو بن سعيد قد ولاه شرطة ثمَّ أرْسلهُ إِلَى قتال أَخِيه فجَاء مَرْوَان إِلَى عَمْرو بن سعيد فَنَهَاهُ فَامْتنعَ وجاءه أَبُو شُرَيْح فَذكر الْقِصَّة فَلَمَّا نزل الْجَيْش ذَا طوى خرج إِلَيْهِم جمَاعَة من أهل مَكَّة فهزموهم وَأسر عَمْرو بن الزبير فسجنه أَخُوهُ بسجن عَارِم وَكَانَ عَمْرو بن الزبير قد ضرب جمَاعَة من أهل الْمَدِينَة مِمَّن اتهمهم بالميل إِلَى أَخِيه فأقادهم عبد الله مِنْهُ حَتَّى مَاتَ عَمْرو من ذَلِك الضَّرْب قَوْله " وَهُوَ يبْعَث الْبعُوث " جملَة حَالية والبعوث جمع الْبَعْث وَهُوَ الْجَيْش بِمَعْنى مَبْعُوث وَهُوَ من تَسْمِيَة الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ وَالْمرَاد بِهِ الْجَيْش المجهز لِلْقِتَالِ قَوْله " إيذن " أَصله اأذن بهمزتين فقلبت الثَّانِيَة يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا قَوْله " أَيهَا الْأَمِير " أَصله يَا أَيهَا الْأَمِير فَحذف حرف النداء مِنْهُ قَوْله " قَامَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لقَوْله " قولا " وانتصاب قولا على المفعولية قَوْله " الْغَد " بِالنّصب أَي الثَّانِي من يَوْم الْفَتْح قَوْله " سمعته أذناي " أَي حَملته عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة وَذكر الْأُذُنَيْنِ للتَّأْكِيد قَوْله " ووعاه قلبِي " أَي حفظه وَهُوَ تَحْقِيق لفهمه وتثبته قَوْله " وأبصرته عَيْنَايَ " زِيَادَة تَأْكِيد فِي تحقق ذَلِك قَوْله " حِين تكلم بِهِ " أَي بِذَاكَ القَوْل الْمَذْكُور وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن سَمَاعه مِنْهُ لم يكن مُقْتَصرا على مُجَرّد الصَّوْت بل كَانَ مَعَ الْمُشَاهدَة والتحقق بِمَا قَالَه قَوْله " إِنَّه حمد الله " بَيَان لقَوْله " تكلم " قَوْله " حرمهَا الله " أَي حكم بتحريمها وقضاه بِهِ وَفِيه حجَّة لمن يرى الملتجىء إِلَى مَكَّة مِمَّن عَلَيْهِ دم لَا يقتل فِيهَا لِأَن معنى تَحْرِيم الله إِيَّاهَا أَن لَا يُقَاتل أَهلهَا ويؤمن من استجار بهَا وَلَا يتَعَرَّض لَهُ وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى {وَمن دخله كَانَ آمنا} (فَإِن قلت) جَاءَ فِي حَدِيث أنس أَن إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام حرم مَكَّة وَسَيَجِيءُ فِي الْجِهَاد (قلت) قيل إِن إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام حرم مَكَّة بِأَمْر الله تَعَالَى لَا بِاجْتِهَادِهِ وَقيل إِن الله تَعَالَى قضى يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أَن إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام سيحرم مَكَّة وَقيل أَن إِبْرَاهِيم أول من أظهر تَحْرِيمهَا بَين النَّاس وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ مَعْنَاهُ أَن الله حرم مَكَّة ابْتِدَاء من غير سَبَب ينْسب لأحد وَلَا لأحد فِيهِ مدْخل قَالَ وَلأَجل هَذَا أكد الْمَعْنى بقوله " وَلم يحرمها النَّاس " وَالْمرَاد بقوله " وَلم يحرمها النَّاس " أَن تَحْرِيمهَا ثَابت بِالشَّرْعِ لَا مدْخل لِلْعَقْلِ فِيهِ وَقيل المُرَاد أَنَّهَا من مُحرمَات الله فَيجب امْتِثَال ذَلِك وَلَيْسَ من مُحرمَات النَّاس يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّة كَمَا حرمُوا أَشْيَاء من عِنْد أنفسهم وَقيل مَعْنَاهُ أَن حرمتهَا مستمرة من أول الْخلق وَلَيْسَت مِمَّا اخْتصّت بِهِ شَرِيعَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَوْله " وَلَا يعضد " بِصِيغَة الْمَعْلُوم وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى امرىء أَي وَلَا يقطع قَوْله " بهَا " أَي بِمَكَّة وَوَقع فِي رِوَايَة معمر بن شبة بِلَفْظ " لَا يخضد " بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة بدل الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ يرجع إِلَى معنى يعضد لِأَن أصل الخضد الْكسر وَيسْتَعْمل فِي الْقطع وَكلمَة لَا فِي " وَلَا يعضد " زَائِدَة لتأكيد النَّفْي قَوْله " فَإِن أحد
ترخص " ارْتِفَاع أحد بِفعل مُضْمر يفسره مَا بعده وَتَقْدِيره فَإِن ترخص أحد وَقَوله " ترخص " على وزن تفعل من الرُّخْصَة وَفِي رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب عِنْد أَحْمد " فَإِن ترخص مترخص " وَهُوَ الْمُتَكَلف للرخصة قَوْله " لقِتَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " يتَعَلَّق بقوله " ترخص " أَي لأجل قتال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فِيهَا يَعْنِي لَا يَقُول أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قتل وَأَنا أَيْضا أقتل فَإِذا قَالَ كَذَلِك فَقولُوا لَهُ أَن الله أذن لرَسُوله وَلم يَأْذَن لَك قَوْله " وَإِنَّمَا أذن لي " بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الذَّال على بِنَاء الْفَاعِل وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الله ويروى بِضَم الْهمزَة على الْبناء للْمَجْهُول قَوْله " سَاعَة من نَهَار " قد مضى فِي كتاب الْعلم أَن مِقْدَار هَذِه السَّاعَة مَا بَين طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة الْعَصْر وَكَانَ قتل من قتل بِإِذن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - كَابْن خطل وَقع فِي هَذَا الْوَقْت الَّذِي أُبِيح فِيهِ الْقِتَال للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَلَا يحمل الحَدِيث على ظَاهره حَتَّى يحْتَاج إِلَى الْجَواب عَن قصَّة ابْن خطل قَوْله " الْيَوْم " المُرَاد بِهِ الزَّمن الْحَاضِر يَعْنِي عَادَتْ حرمتهَا كَمَا كَانَت بالْأَمْس حَرَامًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلم يبين غَايَة الْحُرْمَة هُنَا وَبَينهَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي يَأْتِي بعد بَاب بقوله " فَهُوَ حرَام بِحرْمَة الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " قَوْله " فَقيل لأبي شُرَيْح " لم يدر هَذَا الْقَائِل لأبي شُرَيْح الْمَذْكُور من هُوَ وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَق أَنه بعض قومه من خُزَاعَة قَوْله " مَا قَالَ لَك عَمْرو " وَهُوَ عَمْرو بن سعيد الْمَذْكُور فِي السَّنَد قَوْله " قَالَ أَنا أعلم " أَي قَالَ عَمْرو بن سعيد أَنا أعلم بذلك أَي بالمذكور من قَول أبي شُرَيْح أَن مَكَّة حرمهَا الله تَعَالَى إِلَى قَوْله فَقيل لأبي شُرَيْح وَالْعجب من عَمْرو بن سعيد حَيْثُ سَاق الحكم مساق الدَّلِيل وخصص الْعُمُوم بِلَا دَلِيل قَوْله " لَا يعيذ " بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي لَا يجير عَاصِيا وَلَا يعصمه قَوْله " وَلَا فَارًّا " بِالْفَاءِ من الْفِرَار وَهُوَ الهروب وَالْمرَاد من وَجب عَلَيْهِ الْحَد لقَتله ثمَّ هرب إِلَى مَكَّة مستجيرا بِالْحرم قَوْله " بخربة " بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتحهَا وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي الْمُحكم الخربة يَعْنِي بِالْفَتْح والخربة يَعْنِي بِالضَّمِّ والخرب والخرب الْفساد فِي الدّين والخربة الذلة يُقَال مَا لفُلَان خربة قَالَ أَبُو الْمعَانِي الخارب اللص والخرابة اللصوصية وَقَالَ الْأَصْمَعِي الخارب سَارِق الْبَعِير خَاصَّة وَالْجمع خراب وَخرب فلَان بِإِبِل فلَان يخرب خرابة مثل كتب يكْتب كِتَابَة والخربة الفعلة مِنْهُ وَقَالَ اللحياني خرب فلَان بِإِبِل فلَان يخرب بهَا خربا وخروبا وخرابا وخرابا أَي سَرَقهَا كَذَا حَكَاهُ مُتَعَدِّيا بِالْبَاء وَقَالَ مرّة خرب فلَان أَي صَار لصا وَأَشَارَ ابْن الْعَرَبِيّ إِلَى ضَبطه بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي بدل الرَّاء وبالياء آخر الْحُرُوف بدل الْبَاء الْمُوَحدَة قيل الْمَعْنى صَحِيح وَلَكِن لَا تساعده على ذَلِك الرِّوَايَة (قلت) لم يظْهر لي صِحَة الْمَعْنى مَعَ عدم الرِّوَايَة وَحكى الْكرْمَانِي جِزْيَة بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الزَّاي وَهُوَ أَيْضا بعيد قَوْله " قَالَ أَبُو عبد الله " هُوَ البُخَارِيّ نَفسه فسر الخربة بقوله " بلية " قَالَ بَعضهم هُوَ تَفْسِير من الرَّاوِي ثمَّ قَالَ وَالظَّاهِر أَنه المُصَنّف " قلت " صرح بقوله " قَالَ أَبُو عبد الله " وَلم يبْق وَجه أَن يُقَال تَفْسِير من الرَّاوِي على الْإِبْهَام وَمن الْفَوَائِد هُنَا أَن تعلم أَن من عد كَلَام عَمْرو بن سعيد الْمَذْكُور حَدِيثا وَاحْتج بِمَا تضمنه كَلَامه فقد وهم وهما فَاحِشا وَعَن هَذَا قَالَ ابْن حزم لَا كَرَامَة للطيم الشَّيْطَان أَن يكون أعلم من صَاحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - (قلت) أَرَادَ من لطيم الشَّيْطَان هُوَ عَمْرو بن سعيد فَإِنَّهُ كَانَ يلقب بِهِ وَأَرَادَ بِصَاحِب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - هُوَ أَبُو شُرَيْح الْعَدوي الْمَذْكُور فِيهِ (فَإِن قلت) قَالَ ابْن بطال سكُوت أبي شُرَيْح عَن جَوَاب عَمْرو بن سعيد يدل على أَنه رَجَعَ إِلَيْهِ فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور (قلت) يرد هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده أَنه قَالَ فِي آخِره " قَالَ أَبُو شُرَيْح فَقلت لعَمْرو قد كنت شَاهدا وَكنت غَائِبا وَقد أمرنَا أَن يبلغ شاهدنا غائبنا وَقد بلغتك " فَهَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوته أَنه لم يُوَافقهُ وَإِنَّمَا ترك المشافهة مَعَه لعَجزه عَنهُ لأجل شوكته وَقَالَ ابْن بطال أَيْضا لَيْسَ قَول عَمْرو جَوَابا لأبي شُرَيْح لِأَنَّهُ لم يخْتَلف مَعَه أَن من أصَاب حدا فِي غير الْحرم ثمَّ لَجأ إِلَيْهِ أَنه يجوز إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ فِي الْحرم فَإِن أَبَا شُرَيْح أنكر بعث عمر والجيش إِلَى مَكَّة وَنصب الْحَرْب عَلَيْهَا فَأحْسن فِي استدلاله بِالْحَدِيثِ وحاد عَمْرو عَن جَوَابه وأجابه عَن غير سُؤَاله وَاعْترض الطَّيِّبِيّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يحد فِي جَوَابه وَإِنَّمَا أجَاب بِمَا يَقْتَضِيهِ القَوْل بِالْمُوجبِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ صَحَّ سماعك وحفظك لَكِن الْمَعْنى المُرَاد بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكرته خلاف مَا فهمته مِنْهُ قَالَ فَإِن ذَلِك التَّرَخُّص كَانَ بِسَبَب الْفَتْح وَلَيْسَ بِسَبَب قتل من اسْتحق الْقَتْل خَارج الْحرم