الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمحصر هُوَ حَيْثُ أحْصر فقد بلغ مَحَله، وَثَبت أَنه، عليه السلام، تحلل بِالْحُدَيْبِية وَنحر بهَا، وَهِي من الْحل لَا من الْحرم. قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة: أَن دم الْإِحْصَار يتوقت بِالْحرم وَهُوَ الْمَكَان لَا بِيَوْم النَّحْر، وَهُوَ الزَّمَان لإِطْلَاق النَّص وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يتَوَقَّف بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان كَمَا فِي الْحلق، وَهَذَا الْخلاف فِي الْمحصر بِالْحَجِّ وَأما دم الْمحصر بِالْعُمْرَةِ فَلَا يتوقت بِالزَّمَانِ بِلَا خلاف بَينهم، وبالهدي لَا يتَحَلَّل الْمحصر عِنْد أبي يُوسُف، وَلَا بُد لَهُ من الْحلق بعد النَّحْر لِأَنَّهُ إِن عجر عَن أَدَاء الْمَنَاسِك لم يعجز عَن الْحلق، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: يتَحَلَّل بِالذبْحِ لإِطْلَاق النَّص.
2181 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرحِيمِ قَالَ أخبرنَا أبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بنُ الوَلِيدِ عنْ عُمْرَ بنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ قَالَ وحدَّثَ نافِعٌ أنَّ عَبْدَ الله وسَالِما كَلَّمَا عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَمِرِينَ فَحال كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ فنَحَرَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ وحَلَقَ رَأسَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَنحر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بدنه وَحلق رَأسه)، والْحَدِيث قد مضى بأتم مِنْهُ فِي: بَاب إِذا أحْصر الْمُعْتَمِر، قبل هَذَا الْبَاب بِبَاب، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى كَانَ يُقَال لَهُ: صَاعِقَة صَاحب السابري، وَهُوَ من أَفْرَاده وشجاع ابْن الْوَلِيد بن قيس الْكُوفِي سكن بَغْدَاد، وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، مر فِي: بَاب من لم يتَطَوَّع فِي السّفر، وَعبد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عمر. قَوْله:(بدنه)، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة جمع: بَدَنَة.
4 -
(بابُ منْ قَالَ لَيْسَ عَلىَ الْمُحْصَرِ بَدَلٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول من قَالَ: لَيْسَ على الْمحصر، بدل، أَي: عوض، أَي: قَضَاء لما أحْصر فِيهِ من حج أَو عمْرَة.
وَقَالَ رَوْحٌ عنِ ابنِ نَجِيحٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إنَّما الْبَدَلُ عَلَى منْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ فأمَّا منْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أوْ غيْرُ ذَلِكَ فإنَّهُ يَحِلُّ ولَا يَرْجِعُ وإنْ كانَ معَهُ هِدْيٌ وهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إنْ كانَ لَا يَسْتَطيعُ أنْ يَبعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنَّمَا الْبَدَل على من نقص حجه) ، وروح، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وشبل، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة: ابْن عباد، بِفَتْح الْعين: الْمَكِّيّ تلميذ ابْن كثير فِي الْقِرَاءَة، وَكَانَ قدريا، وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون، وَقد مر غير مرّة.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (تَفْسِيره) عَن روح بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَهُوَ مَوْقُوف على ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (بالتلذذ) أَي: بِالْجِمَاعِ. قَوْله: (عذر) ، بِضَم الْعين وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: عَدو من الْعَدَاوَة، قَالَ الْكرْمَانِي: الْعذر الْوَصْف الطارىء على الْمُكَلف الْمُنَاسب للتسهيل عَلَيْهِ، وَلَعَلَّه أَرَادَ بِهِ هَهُنَا نوعا مِنْهُ كالمرض ليَصِح عطف (أَو غير ذَلِك)، عَلَيْهِ نَحْو نفاد نَفَقَته أَو سرقتها. قَوْله:(وَلَا يرجع) أَي: وَلَا يقْضِي، وَهَذَا فِي النَّفْل، إِذْ الْفَرِيضَة بَاقِيَة فِي ذمَّته كَمَا كَانَت، وَعَلِيهِ أَن يرجع لأَجلهَا فِي سنة أُخْرَى، وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس نَحْو هَذَا، رَوَاهُ ابْن جرير من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَفِيه:(فَإِن كَانَت حجَّة الْإِسْلَام فَعَلَيهِ قَضَاؤُهَا، وَإِن كَانَت غير الْفَرِيضَة فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ) . قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين حج النَّفْل الَّذِي يفْسد بِالْجِمَاعِ، فَإِنَّهُ يجب قَضَاؤُهُ، وَالنَّفْل الَّذِي يفوت عَنهُ بِسَبَب الْإِحْصَار؟ قلت: ذَلِك بتقصير، وَهَذَا بِدُونِ تَقْصِيره، وَعند أبي حنيفَة: إِذا تحلل الْمحصر لزمَه الْقَضَاء سَوَاء كَانَ نفلا أَو فرضا، وَهَذِه مَسْأَلَة اخْتِلَاف بَين الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ. فَقَالَ الْجُمْهُور: يذبح الْمحصر الْهَدْي حَيْثُ يحل، سَوَاء كَانَ فِي الْحل أَو الْحرم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يذبحه إِلَّا
فِي الْحرم، وَفصل الْآخرُونَ كَمَا قَالَه ابْن عَبَّاس هُنَا. فَإِن قلت: مَا سَبَب الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك؟ قلت: منشأ الِاخْتِلَاف فِيهِ هَل نحر النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية فِي الْحل أَو فِي الْحرم؟ وَكَانَ عَطاء يَقُول: لم ينْحَر يَوْم الْحُدَيْبِيَة إلَاّ فِي الْحرم، وَوَافَقَهُ ابْن إِسْحَاق، وَقَالَ غَيره من أهل الْمَغَازِي: إِنَّمَا نحر فِي الْحل وَأَبُو حنيفَة أَخذ بقول عَطاء، وَفِي (الاستذكار) : قَالَ عَطاء وَابْن إِسْحَاق: لم ينْحَر صلى الله عليه وسلم هَدْيه يَوْم الْحُدَيْبِيَة إلَاّ فِي الْحرم.
وَقَالَ مالِكٌ وغَيْرَهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ ويَحْلِقُ فِي أيِّ مَوْضِعٍ كانَ ولَا قَضاءَ عَلَيْهِ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابَهُ بالْحُدَيْبِيَّةِ نَحَرُوا وحلَقُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ وقَبْلَ أنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ أحَدا أنْ يَقْضُوا شَيْئا ولَا يَعُودُوا لَهُ والْحُدَيْبِيَّةُ خارِجُ الحَرَمِ
الَّذِي قَالَ مَالك مَذْكُور فِي (موطئِهِ) وَلَفظه: (أَنه بلغه أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، حل هُوَ وَأَصْحَابه بِالْحُدَيْبِية فنحروا الْهَدْي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شَيْء قبل أَن يطوفوا بِالْبَيْتِ، وَقبل أَن يصل إِلَيْهِ الْهَدْي) . ثمَّ لم نعلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر أحدا من أَصْحَابه وَلَا مِمَّن كَانَ مَعَه أَن يقضوا شَيْئا، وَلَا أَن يعودوا لشَيْء. قَوْله:(وَغَيره) أَي غير مَالك، قَالَ بَعضهم: الَّذِي يظْهر لي أَنه عَنى بِهِ الشَّافِعِي لِأَن قَوْله فِي آخِره: (وَالْحُدَيْبِيَة خَارج الْحرم) هُوَ كَلَام الشَّافِعِي فِي (الام) . انْتهى. قلت: قَوْله: (وَالْحُدَيْبِيَة خَارج الْحرم) لَا يدل على أَن المُرَاد من الْغَيْر هُوَ الشَّافِعِي، لِأَن الشَّافِعِي نقل عَنهُ أَيْضا أَن بعض الْحُدَيْبِيَة فِي الْحل وَبَعضهَا فِي الْحرم، فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَيفَ يجوز أَن يتْرك الْموضع الَّذِي من الْحرم من الْحُدَيْبِيَة وينحر فِي الْحل، وَالْحَال أَن بُلُوغ الْكَعْبَة صفة للهدي فِي قَوْله تَعَالَى:{هَديا بَالغ الْكَعْبَة} (الْمَائِدَة: 59) . وَقد قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن أبي عُمَيْس عَن عَطاء قَالَ: كَانَ منزل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة فِي الْحرم، فَإِذا كَانَ منزل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْحرم كَيفَ ينْحَر هَدْيه فِي الْحل؟ وَهَذَا محَال. قَوْله:(فِي أَي مَوضِع كَانَ)، ويروى:(فِي أَي الْمَوَاضِع) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ أَي: الْحصْر لَا الْحلق؟ قلت: إِنَّمَا فسر بِهَذَا لأجل مذْهبه وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الضَّمِير فِي: كَانَ، يرجع إِلَى الْحلق الَّذِي يدل عَلَيْهِ. قَوْله:(ويحلق) . قَوْله: (وَلَا يعودوا لَهُ) كلمة: لَا، زَائِدَة كَقَوْلِه تَعَالَى:{مَا مَنعك أَن لَا تسْجد} (الْأَعْرَاف: 21) . قَوْله: (وَالْحُدَيْبِيَة خَارج الْحرم)، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذِه الْجُمْلَة يحْتَمل أَن تكون من تَتِمَّة كَلَام مَالك، وَأَن تكون من كَلَام البُخَارِيّ، وغرضه الرَّد على من قَالَ؛ لَا يجوز النَّحْر حَيْثُ أحْصر، بل يجب الْبَعْث إِلَى الْحرم، فَلَمَّا ألزموا بنحر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أجابوا بِأَن الْحُدَيْبِيَة إِنَّمَا هِيَ من الْحرم، فَرد ذَلِك عَلَيْهِم. انْتهى. قلت: هَذِه الْجُمْلَة، سَوَاء كَانَت من كَلَام مَالك أَو من كَلَام البُخَارِيّ، لَا تدل على غَرَضه، لِأَن كَون الْحُدَيْبِيَة خَارج الْحرم لَيْسَ مجمعا عَلَيْهِ، وَقد روى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة (عَن الْمسور: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالْحُدَيْبِية خباؤه فِي الْحل وَمُصَلَّاهُ فِي الْحرم) . وَلَا يجوز فِي قَول أحد من الْعلمَاء لمن قدر على دُخُول شَيْء من الْحرم أَن ينْحَر هَدْيه دون الْحرم، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن مَرْوَان والمسور بن مخرمَة، قَالَا:(خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زمن الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة مائَة من أَصْحَابه) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه:(وَكَانَ مضطربه فِي الْحل وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْحرم) . انْتهى. قلت: المضطرب هُوَ الْبناء الَّذِي يضْرب ويقام على أوتاد مَضْرُوبَة فِي الأَرْض، والخباء بِكَسْر الْخَاء: بَيت من صوف أَو وبر، وَالْجمع: أخبية، وَإِذا كَانَ من شعر يُسمى: بَيْتا.
3181 -
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ نافًعٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرا فِي الفِتْنَةِ إنْ صُدِدْتُ عنِ الْبَيْتِ صنَعْنا كَما صَنَعْنَا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أجْلِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ أهَلَّ بِعُمْرَة عامَ الحُدَيْبِيَّةِ ثُمَّ أنَّ عَبْدَ الله