الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإقران: وَبَاب التَّمَتُّع على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم. الثَّانِيَة: حكم الْهَدْي، فَذكره فِي حَدِيث هَذَا الْبَاب. الثَّالِثَة: حكم الصَّوْم، فَذكره أَيْضا فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} (الْبَقَرَة: 691) . الرَّابِعَة: حكم حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام، فَذكره أَيْضا فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} (الْبَقَرَة: 691) [/ ح.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا {اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} (الْبَقَرَة: 691) . فَقَالَت طَائِفَة: شَاة، رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ عَنْهُمَا مَالك فِي (موطئِهِ) وَأخذ بِهِ، وَقَالَ بِهِ جُمْهُور الْعلمَاء. وَاحْتج بقول الله تَعَالَى:{هذيا بَالغ الْكَعْبَة} (الْمَائِدَة: 59) . قَالَ: وَإِنَّمَا يحكم بِهِ فِي الْهَدْي شَاة، وَقد سَمَّاهَا الله تَعَالَى: هَديا، وَرُوِيَ عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس مَا يَقْتَضِي أَن مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي، فِي حق النَّبِي بَدَنَة، وَفِي حق غَيره بقرة، وَفِي حق الْفَقِير: شَاة، وَعَن ابْن عمر وَابْن الزبير وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: أَنه من الْإِبِل وَالْبَقر خَاصَّة، وَكَأَنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك من أجل قَوْله تَعَالَى:{وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله} (الْحَج: 63) . فَذَهَبُوا إِلَى أَن الْهَدْي مَا وَقع عَلَيْهِ اسْم بدن، وَيَردهُ قَوْله تَعَالَى:{فجزاء مثل مَا قتل من النعم} (الْمَائِدَة: 59) . إِلَى قَوْله: {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} (الْمَائِدَة: 59) . وَقد حكم الْمُسلمُونَ فِي الظبي بِشَاة، فَوَقع عَلَيْهَا اسْم هدي. وَقَوله تَعَالَى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} (الْبَقَرَة: 691) . يحْتَمل أَن يُشِير بِهِ إِلَى أقل أَجنَاس الْهَدْي، وَهُوَ الشَّاة وَإِلَى أقل صِفَات كل جنس، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر: الْبَدنَة دون الْبَدنَة وَالْبَقَرَة دون الْبَقَرَة فَهَذَا عِنْده أفضل من الشَّاة، وَلَا خلاف يعلم فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا مَحل الْخلاف أَن الْوَاجِد لِلْإِبِلِ وَالْبَقر هَل يخرج شَاة؟ فَعِنْدَ ابْن عمر: يمْنَع إِمَّا تَحْرِيمًا، وَإِمَّا كَرَاهَة، وَعند غَيره: نعم، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر وَأنس: يجزيء فِيهَا شرك فِي دم، وَرُوِيَ عَن عَطاء وطاووس وَالْحسن مثله، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَلَا تجزىء عِنْدهم الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة عَن أَكثر من سَبْعَة، وَلَا الشَّاة عَن أَكثر من وَاحِد. وَأما مَا رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم ضحى بِشَاة عَن أمته فَإِنَّمَا كَانَت تَطَوّعا، وَعند الْمَالِكِيَّة: تجوز الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة عَن أَكثر من سَبْعَة إِذا كَانَت ملكا لرجل وَاحِد وضحى بهَا عَن نَفسه وَأَهله.
301 -
(بابُ رُكُوبِ الْبُدْنِ لِقَوْلِهِ تعَالى: {والبُدْنَ جَعلْناهَا لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيرٌ فاذْكُرُوا اسْمَ الله علَيْهَا صَوَافَّ فإذَا وجَبَتْ جُنُوبُهَا فكُلُوا مِنْهَا وأطْعِمُوا القَانِعَ والمُعْتَرَّ كذَلِكَ
سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنالَ الله لُحُومُها ولَا دمَاؤُها ولاكِنُ يَنَالُهُ التَّقْوى مِنكُم كَذلِكَ سَخَّرهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا الله علَى مَا هدَاكُم وبَشِّرِ الْمُحْسِنينَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز ركُوب الْبدن، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله تَعَالَى: {وَالْبدن جعلناها لكم
…
} (الْحَج: 63) . إِلَى آخِره، وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ مذكورتان بتمامهما فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت الْمَذْكُور مِنْهُمَا من قَوْله:{وَالْبدن جعلناها لكم} (الْحَج: 63) . إِلَى قَوْله: {فَإِذا
وَجَبت جنوبها} (الْحَج) . ثمَّ الْمَذْكُور بعد {جنوبها} إِلَى قَوْله: {وَبشر الْمُحْسِنِينَ} (الْحَج: 63) . وَمَوْضِع الِاسْتِدْلَال فِي جَوَاز ركُوب الْبدن فِي قَوْله: {لكم فِيهَا خير} (الْحَج: 63) . يَعْنِي: من الرّكُوب والحلب لما روى ابْن أبي حَاتِم وَغَيره بِإِسْنَاد جيد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: {لكم فِيهَا خير} (الْحَج: 63) . من شَاءَ ركب وَمن شَاءَ حلب، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) فِي قَوْله:{لكم فِيهَا خير} (الْحَج: 63) . من احْتَاجَ إِلَى ظهرهَا ركب، وَمن احْتَاجَ إِلَى لَبنهَا شرب. وَقيل: فِي الْبدن خير وَهُوَ النَّفْع فِي الدُّنْيَا وَالْأَجْر فِي الْآخِرَة، وَمن شَأْن الْحَاج أَن يحرص على شَيْء فِيهِ خير وَمَنَافع، وَعَن بعض السّلف: أَنه لم يملك إلَاّ تِسْعَة دَنَانِير، فَاشْترى بهَا بَدَنَة، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: سَمِعت رَبِّي يَقُول: {لكم فِيهَا خير} (الْحَج: 63) . قَوْله: (وَالْبدن) بِضَم الْبَاء جمع بَدَنَة، سميت بذلك لعظم بدنهَا، وَهِي الْإِبِل الْعِظَام الضخام الْأَجْسَام، وَهِي من الْإِبِل خَاصَّة وقرىء {وَالْبدن} بِضَمَّتَيْنِ كتمر فِي جمع: تَمْرَة، وَعَن ابْن أبي إِسْحَاق، بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْديد النُّون على لفظ الْوَقْف، وقرىء: الْبدن، بِالرَّفْع وَالنّصب كَمَا فِي قَوْله:{وَالْقَمَر قدرناه} (يس: 93) . قَوْله: {من شَعَائِر الله} (الْحَج: 63) . أَي: من أَعْلَام الشَّرِيعَة الَّتِي شرعها وأضافها إِلَى اسْمه تَعْظِيمًا لَهَا. قَوْله: {لكم فِيهَا} أَي: فِي الْبدن. قَوْله: {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا} عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: ذكر اسْم الله عَلَيْهَا أَن يَقُول عِنْد النَّحْر: بِسم الله، الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر أللهم مِنْك وَإِلَيْك. قَوْله:(صوافّ) أَي: قائمات قد صففن أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ. وَقيل: أَي قيَاما على ثَلَاثَة قَوَائِم قد صفت رِجْلَيْهَا وإحدي يَديهَا ويدها الْيُسْرَى معقولة، وقرىء: صَوَافِن، من: صفون الْفرس وَهُوَ: أَن تقوم على ثَلَاث وتنصب الرَّابِعَة على طرف سنبكه، لِأَن الْبَدنَة تعقل إِحْدَى يَديهَا فتقوم على ثَلَاث، وقرىء: صوافي، أَي خوالص لوجه الله تَعَالَى. وَعَن عَمْرو بن عبيد: صوافا، بِالتَّنْوِينِ عوضا عَن حرف الْإِطْلَاق عِنْد الْوَقْف. وَعَن بَعضهم: صواف، نَحْو مثل قَول الْعَرَب: أعْط الْقوس باريها، بِسُكُون الْيَاء. قَوْله:{فَإِذا وَجَبت} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وجوب الْجنُوب وُقُوعهَا على الأَرْض، من: وَجب الْحَائِط وجبة إِذا سقط، وَوَجَبَت الشَّمْس وجبة غربت، وَالْمعْنَى: فَإِذا وَجَبت جنوبها وسكنت نسائسها حل لكم الْأكل مِنْهَا وَالْإِطْعَام، وَسَيَأْتِي تَفْسِير القانع والمعتر. قَوْله:{كَذَلِك سخرناها لكم} هَذَا منّ من الله تَعَالَى على عباده بِأَن سخر لَهُم الْبدن مثل التسخير الَّذِي رَأَوْا وَعَلمُوا أَن يأخذونها منقادة للأخذ، فيعقلونها طائعه ويحبسونها صافة قَوَائِمهَا، ثمَّ يطعنون فِي لباتها، وَلَوْلَا تسخير الله تَعَالَى لم تطق. قَوْله:{لن ينَال الله لحومها} وَذَلِكَ أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا نحرُوا الْبدن لطخوا حيطان الْكَعْبَة بدمائها، فهم الْمُسلمُونَ مثل ذَلِك، فَأنْزل الله تَعَالَى:{لن ينَال الله لحومها} أَي: لن يصل إِلَى الله تَعَالَى لحومها الْمُتَصَدّق بهَا وَلَا الدِّمَاء المهراقة بالنحر، {وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} وَالْمعْنَى: لن يُرْضِي المضحون والمقربون ربَّهم إلَاّ بمراعاة النِّيَّة وَالْإِخْلَاص والاحتفاظ بِشُرُوط التَّقْوَى. قَوْله: {كَذَلِك سخرها لكم} أَي: سخر الْبدن، وَكرر تذكير النِّعْمَة بالتسخير، ثمَّ قَالَ:{لتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} يَعْنِي: على هدايته إيَّاكُمْ لإعلام دينه ومناسك حجه بِأَن تكبروا وتهللوا، وَضمن التَّكْبِير معنى الشُّكْر، وعدى تعديته. قَوْله:{وَبشر الْمُحْسِنِينَ} الْخطاب للنَّبِي صلى الله عليه وسلم، أمره بِأَن يبشر الْمُحْسِنِينَ الَّذين يعْبدُونَ الله تَعَالَى كَأَنَّهُمْ يرونه، فَإِن لم يروه فَإِنَّهُ يراهم بقبوله، وَقيل: بِالْجنَّةِ.
قَالَ مجاهِدٌ: سُمِّيَتِ الْبُدْنَ لِبُدْنِها
بِضَم الْبَاء وَسُكُون الدَّال فِي رِوَايَة بَعضهم، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِفَتْح الْبَاء وَفتح الدَّال، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لبدانتها أَي: لضخامتها. وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ: إِنَّمَا سميت الْبدن من قبل السمانة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْبَدنَة نَاقَة تنحر بِمَكَّة، سميت بذلك لأَنهم كَانُوا يسمنونها، وَالْبدن التسمين والاكتناز، وبدن إِذا ضخم وبدن بِالتَّشْدِيدِ إِذا أسن، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن الْبدن من الْإِبِل خَاصَّة، وَقَالَ الدَّاودِيّ قيل: إِن الْبَدنَة تكون من الْبَقر، وَهَذَا نقل عَن الْخَلِيل.
والْقانِعُ السَّائلُ، والْمُعْتَرُّ يعْتَرُّ بالبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَو فَقِيرٍ
هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ، القانع: السَّائِل والمعترض الَّذِي يتَعَرَّض وَلَا يسْأَل. وَقَالَ مَالك: أحسن مَا سَمِعت فِيهِ أَن القانع الْفَقِير والمعتر الدائر، وَقيل: القانع السَّائِل الَّذِي لَا يقنع بِالْقَلِيلِ. وَفِي (الموعب)
قَالَ أَبُو زيد: القانع هُوَ المتعرض لما فِي أَيدي النَّاس، وَهُوَ ذمّ لَهُ، وَهُوَ الطمع، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : القنوع الذلة للمسألة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: قنع إِلَيْهِ مَال وخضع وَهُوَ السَّائِل والمعتر الَّذِي يتَعَرَّض وَلَا يسْأَل، وَقَالَ الزّجاج القانع الَّذِي يقنع بِمَا يعطاه، وَقيل: الَّذِي يقنع باليسير. وَقَالَ قطرب: كَانَ الْحسن يَقُول: هُوَ السَّائِل الَّذِي يقنع بِمَا أوتيه وَيصير القانع من معنى القناعة والرضى. وَقَالَ الطوسي: قنع يقنع قنوعا إِذا سَأَلَ وتكفف، وقنع يقنع قناعة إِذا رَضِي. قلت: الأول من بَاب، فتح يفتح، وَالثَّانِي من بَاب: علم يعلم، قَالَ إِسْمَاعِيل: وَقَالُوا: رجل قنعان، بِضَم الْقَاف يرضى باليسير، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : القانع خَادِم الْقَوْم وأجيرهم، وَقَرَأَ الْحسن والمعتري، وَمَعْنَاهُ: المعتر، يُقَال: أعتره واعتراه وعره وعراه إِذا تعرض لما عِنْده أَو طَالبه، وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ: القانع هُوَ الطامع، وَقَالَ مرّة: هُوَ السَّائِل، وَمن طَرِيق الثَّوْريّ عَن فرات عَن سعيد بن جُبَير: المعتر الَّذِي يعتريك يزورك وَلَا يَسْأَلك، وَمن طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد: المعتر الَّذِي يعتر بِالْبدنِ من غَنِي أَو فَقير، يَعْنِي: يطِيف بهَا متعرضا لَهَا، وَهَذَا الَّذِي ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا.
وشعَائِرُ الله اسْتِعْظَامُ البُدْنِ واسْتِحْسَانُهَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير مَا ذكر فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة من شَعَائِر الله، وَأخرجه عبد بن حميد من طَرِيق وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:{وَمن يعظم شَعَائِر الله} (الْحَج، 23) . قَالَ: استعظام الْبدن استحسانها وإسمانها، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نَحوه.
والْعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنَ الجَبَابِرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكر قبل الْآيَتَيْنِ المذكورتين من قَوْله تَعَالَى: {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: 92) . وَفسّر: الْعَتِيق، بقوله: عتقه من الْجَبَابِرَة، وَعَن قَتَادَة: أعتق من الْجَبَابِرَة فكم جَبَّار سَار إِلَيْهِ ليهدمه فَمَنعه الله، وَعَن مُجَاهِد: أعتق من الْغَرق، وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ: إِنَّمَا سمي الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْجَبَابِرَة. وَقيل: سمي الْعَتِيق لقدمه. وَقيل: لِأَنَّهُ لم يملك قطّ.
ويُقَالُ وجَبَتْ سَقَطَتْ إلَى الأرْضِ ومِنْهُ وجَبَتِ الشَّمْسُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكر فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة من قَوْله: {فَإِذا وَجَبت جنوبها} (الْحَج: 63) . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: فَإِذا وَجَبت أَي: سَقَطت، وَكَذَا أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيقين عَن مُجَاهِد. قَوْله:(وَمِنْه)، أَي: وَمن الْمَعْنى الْمَذْكُور، وَقَوْلهمْ: وَجَبت الشَّمْس إِذا سَقَطت للغروب.
9861 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ إنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ ارْكَبُهَا قَالَ إنَّهَا بَدَنةٌ قَالَ ارْكَبْهَا ويْلَكَ فِي الثَّالِثَةِ أوْ فِي الثَّانِيَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وَالنُّون واسْمه، عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَلم تخْتَلف الروَاة عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد فِيهِ، وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد فَقَالَ: عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَو: عَن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَنهُ، وَقد رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن أبي الزِّنَاد بالإسنادين مفرقا.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَفِي الْأَدَب: عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، خمستهم عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (رأى رجلا) لم يدر اسْمه. قَوْله: (يَسُوق بَدَنَة) كَذَا وَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ:(بَيْنَمَا رجل يَسُوق بدقة مقلدة)، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن همام بن مُنَبّه قَالَ: (هَذَا مَا حَدثنَا
أَبُو هُرَيْرَة عَن مُحَمَّد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم،) . فَذكر أَحَادِيث مِنْهَا، وَقَالَ:(بَيْنَمَا رجل يَسُوق بَدَنَة مقلدة قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: وَيلك إركبها، فَقَالَ: بَدَنَة يَا رَسُول الله، قَالَ: وَيلك إركبها، وَيلك إركبها) . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَالثَّوْري، كِلَاهُمَا عَن أبي الزِّنَاد، وَمن طَرِيق عجلَان (عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: اركبها وَيحك، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَة. قَالَ: أركبها وَيحك) . وَزَاد أَبُو يعلى من رِوَايَة الْحسن: (فركبها) وللبخاري من طَرِيق عِكْرِمَة عَن أبي هُرَيْرَة: (فَلَقَد رَأَيْته رَاكِبًا يُسَايِر النَّبِي صلى الله عليه وسلم والنعل فِي عُنُقهَا) . قَوْله: (وَيلك) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَالَهَا لَهُ تأديبا لأجل مُرَاجعَته لَهُ مَعَ عدم خَفَاء الْحَال عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْن عبد الْبر وَابْن الْعَرَبِيّ: وَبَالغ حَتَّى قَالَ: الويل لمن رَاجع فِي ذَلِك بعد هَذَا. قَالَ: وَلَوْلَا أَنه صلى الله عليه وسلم اشْترط على ربه مَا اشْترط لهلك ذَلِك الرجل لَا محَالة، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون فهم عَنهُ أَنه يتْرك ركُوبهَا على عَادَة الْجَاهِلِيَّة فِي السائبة وَغَيرهَا، فزجره عَن ذَلِك، فعلى الْحَالَتَيْنِ هِيَ إنْشَاء. وَرجحه عِيَاض وَغَيره، وَقَالُوا: وَالْأَمر هَهُنَا وَإِن قُلْنَا إِنَّه للإرشاد. لكنه اسْتحق الذَّم بتوقفه عَن امْتِثَال الْأَمر، وَالَّذِي يظْهر أَنه مَا ترك عنادا، وَيحْتَمل أَن يكون ظن أَنه يلْزمه غرم بركوبها أَو إِثْم، وَأَن الْإِذْن الصَّادِر لَهُ بركوبها إِنَّمَا هُوَ للشفقة عَلَيْهِ، فتوقف، فَلَمَّا أغْلظ لَهُ بَادر إِلَى الِامْتِثَال. وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ أشرف على هلكة من الْجهد، وويل: كلمة تقال لمن وَقع فِي هلكة، فَالْمَعْنى: أشرفت على الهلكة فاركب، فعلى هَذَا هِيَ إِخْبَار، وَقيل: هِيَ كلمة تدعم بهَا الْعَرَب كَلَامهَا وَلَا تقصد مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِم: لَا أم لَك، ويقويه مَا تقدم فِي رِوَايَة أَحْمد: وَيحك بدل وَيلك. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: ويل كلمة تقال لمن وَقع فِي هلكة يَسْتَحِقهَا، وويح لمن وَقع فِي هلكة لَا يَسْتَحِقهَا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَيلك مخرجة مخرج الدُّعَاء عَلَيْهِ من غير قصد إِذْ أَبى من ركُوبهَا أول مرّة. وَقَالَ لَهُ: إِنَّهَا بَدَنَة، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يعلم ذَلِك فخاف أَن لَا يكون علمه، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: الويل لَك فِي مراجعتك إيَّايَ فِيمَا لَا نَعْرِف وَأعرف، وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: ويل، كلمة عَذَاب، و: وَيْح، كلمة رَحْمَة. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَيْح زجر لمن أشرف على هلكة. وَفِي الحَدِيث (ويلٌ وَاد فِي جَهَنَّم) . قَوْله: (فِي الثَّالِثَة) أَي: فِي الْمرة الثَّالِثَة. قَوْله: (أَو فِي الثَّانِيَة) أَي: أَو قَالَ ذَلِك فِي الْمرة الثَّانِيَة، وَهَذَا شكّ من الرَّاوِي.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز ركُوب الْبَدنَة المهداة سَوَاء كَانَت وَاجِبَة أَو مُتَطَوعا بهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يفصل فِي قَوْله وَلَا استفصل صَاحبهَا عَن ذَلِك، فَدلَّ على أَن الحكم لَا يخْتَلف بذلك، ويوضح هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه سُئِلَ: هَل يركب الرجل هَدْيه؟ فَقَالَ: لَا بَأْس، قد كَانَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، يمر بِالرِّجَالِ يَمْشُونَ فيأمرهم بركوب هديهم.
وَقد اخْتلفُوا فِي هَذَا على أَقْوَال:
الأول: الْجَوَاز مُطلقًا، وَبِه قَالَ عُرْوَة بن الزبير وَنسبه ابْن الْمُنْذر إِلَى أَحْمد وَإِسْحَاق، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة، وَهُوَ الَّذِي جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) تبعا لأصله فِي الضَّحَايَا وَنَقله فِي (شرح الْمُهَذّب) عَن الْقفال والماوري.
الثَّانِي: مَا قَالَه النَّوَوِيّ، وَنقل عَنهُ عَن أبي حَامِد والبندنيجي وَغَيرهمَا مُقَيّدَة بِالْحَاجةِ، وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ: تجويزه بِغَيْر الْحَاجة مُخَالفَة النَّص، وَهُوَ الَّذِي نَقله التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي، حَيْثُ قَالَ: وَقد رخص قوم من أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيرهم ركُوب الْبَدنَة إِذا احْتَاجَ إِلَى ظهرهَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُول عَن جمَاعَة من التَّابِعين: أَنَّهَا لَا تركب إلَاّ عِنْد الِاضْطِرَار إِلَى ذَلِك، وَهُوَ الْمَنْقُول عَن الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، فَلذَلِك قَيده صَاحب (الْهِدَايَة) من أَصْحَابنَا بالاضطرار إِلَى ذَلِك.
الثَّالِث: مَا ذكره ابْن عبد الْبر من كَرَاهَة الرّكُوب من غير حَاجَة، وَنَقله عَن الشَّافِعِي وَمَالك.
الرَّابِع: مَا قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ: يركب للضَّرُورَة فَإِذا استراح نزل، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه سُئِلَ عَن ركُوب الْهَدْي؟ فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: إركبها بِالْمَعْرُوفِ إِذا لجئت إِلَيْهَا حَتَّى تَجِد ظهرا، فَإِن مَفْهُومه أَنه إِذا وجد غَيرهَا تَركهَا. وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، قَالَ: يركبهَا إِذا أعيي قدر مَا يستريح على ظهرهَا.
الْخَامِس: الْمَنْع مُطلقًا، نَقله ابْن الْعَرَبِيّ عَن أبي حنيفَة، وشنع عَلَيْهِ بِغَيْر وَجه. قَالَ بَعضهم: لِأَن مذْهبه هُوَ الَّذِي ذكره الطَّحَاوِيّ وَغَيره: الْجَوَاز بِغَيْر الْحَاجة إلَاّ أَنه قَالَ: إِن وَقع ذَلِك يضمن مَا نقص مِنْهَا بركوبه، وَقيل: ضَمَان النَّقْص وَافق عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّة فِي الْهَدْي الْوَاجِب كالنذر. قلت: الَّذِي نَقله الطَّحَاوِيّ وَغَيره: أَن مَذْهَب أبي حنيفَة مَا ذكره صَاحب (الْهِدَايَة) وَقد ذَكرْنَاهُ.
السَّادِس: وجوب الرّكُوب، نَقله