الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فأهلت بِعُمْرَة) إِلَى آخر الحَدِيث.
وَهَذَا الحَدِيث قد أخرجه فِي مَوَاضِع خُصُوصا بِعَين هَذَا الْمَتْن فِي كتاب الْحيض فِي: بَاب نقض الْمَرْأَة شعرهَا عِنْد غسل الْمَحِيض، عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَيْضا فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَهُوَ: بَاب امتشاط الْمَرْأَة عِنْد غسلهَا من الْمَحِيض، عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَفِي: بَاب كَيفَ تهل الْحَائِض بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة، عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب إِذا حَاضَت الْمَرْأَة بَعْدَمَا أفاضت، عَن أبي النُّعْمَان عَن أبي عوَانَة عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب الْعمرَة لَيْلَة الحصبة، عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن أبي مُعَاوِيَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب عمْرَة الْقَضَاء عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب عَن حبيب الْمعلم عَن عَطاء عَن جَابر، وَفِيه قصَّة عَائِشَة، وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى الْقطَّان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن عَائِشَة، وَقد مر الْكَلَام فِي هَذِه الطّرق كلهَا مُسْتَوفى، ولنذكر بعض شَيْء من ذَلِك.
قَوْله: (موافين لهِلَال ذِي الْحجَّة)، أَي: قرب طلوعه، وَقد مضى أَنَّهَا قَالَت:(خرجنَا لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة) وَالْخمس قريبَة من آخر الشَّهْر فوافاهم الْهلَال وهم فِي الطَّرِيق لأَنهم دخلُوا مَكَّة فِي الرَّابِع من ذِي الْحجَّة. قَوْله: (لأهللت بِعُمْرَة)، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ:(لأحللت)، بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: بِحَجّ. قَوْله: (فأردفها)، فِيهِ الْتِفَات لِأَن الأَصْل أَن يُقَال: فاردفني. قَوْله: (مَكَان عمرتها)، يَعْنِي مَكَان عمرتها الَّتِي أَرَادَت أَن تكون مُنْفَرِدَة عَن الْحَج. قَوْله:(فَقضى الله حجتها وعمرتها) إِلَى آخِره، قيل: الظَّاهِر أَن ذَلِك من قَول عَائِشَة، لَكِن صرح فِي كتاب الْحيض فِي: بَاب نقض الْمَرْأَة شعرهَا فِي آخر هَذَا الحَدِيث، قَالَ هِشَام: وَلم يكن فِي شَيْء من ذَلِك هدي وَلَا صَوْم وَلَا صَدَقَة. وَقَالَ ابْن بطال: قَوْله: (فَقضى الله حَجهَا) إِلَى آخِره، لَيْسَ من قَول عَائِشَة، وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام هِشَام بن عُرْوَة، حدث بِهِ هَكَذَا فِي الْعرَاق. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلم يذكر ذَلِك أحد غَيره، وَلَا يَقُوله الْفُقَهَاء، وَاسْتدلَّ بَعضهم بِهَذَا أَن عَائِشَة لم تكن قارنة، إِذْ لَو كَانَت قارنة لوَجَبَ عَلَيْهَا الْهَدْي للقران. وَأجِيب: بِأَن هَذَا الْكَلَام مدرج من قَول هِشَام، كَأَنَّهُ نفى ذَلِك بِحَسب علمه، وَلَا يلْزم من ذَلِك نَفْيه فِي نفس الْأَمر، وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: معنى قَوْله: (لم يكن فِي شَيْء من ذَلِك هدي) أَي: فِي تَركهَا لعمل الْعمرَة الأولى وإدراجها لَهَا فِي الْحَج وَلَا فِي عمرتها الَّتِي اعتمرتها من التَّنْعِيم أَيْضا. انْتهى. قلت: لِأَن عمرتها بعد انْقِضَاء الْحَج، وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن من اعْتَمر بعد انْقِضَاء الْحَج وَخُرُوج أَيَّام التَّشْرِيق أَنه لَا هدي عَلَيْهِ فِي عمرته، لِأَنَّهُ لَيْسَ بمتمتع، وَإِنَّمَا الْمُتَمَتّع من اعْتَمر فِي أشهر الْحَج وَطَاف للْعُمْرَة قبل الْوُقُوف، وَأما من اعْتَمر بعد يَوْم النَّحْر، فقد وَقعت عمرته فِي غير أشهر الْحَج، فَلذَلِك ارْتَفع حكم الْهَدْي عَنْهَا فَإِن قلت: الصَّحِيح من قَول مَالك أَن أشهر الْحَج: شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر لَيَال من ذِي الْحجَّة، وَمَعَ هَذَا لم يكن عَلَيْهَا هدي فِي حَجهَا؟ قلت: لِأَنَّهَا كَانَت مُفْردَة، على مَا رُوِيَ عَنْهَا الْقَاسِم وَعُرْوَة، وَلم يَأْخُذ بذلك مَالك، بل كَانَت عِنْده قارنة ولزمها لذَلِك هدي القِران، وَلم يَأْخُذ أَبُو حنيفَة أَيْضا بذلك لِأَنَّهَا كَانَت عِنْده رافضة لعمرتها، والرافضة عِنْده عَلَيْهَا دم للرفض، وَعَلَيْهَا عمر. وَالله المتعال أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
8 -
(بابُ أجْرِ العُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن أجر الْعمرَة على قدر النصب، بِفَتْح النُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة: أَي التَّعَب.
7871 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ عنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ وعنِ ابنِ عَوْنٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ قالَا قالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا يَا رسولَ الله يَصْدُرُ النَّاسُ بنُسُكَيْنِ وأصْدُرُ بنُسُكٍ فَقيلَ لَهَا انْتَظِرِي فإذَا طَهُرْتِ فاخْرُجِي إلَى التَّنْعِيمِ فأهِلِّي ثُمَّ ائتِينَا بِمَكَانِ كذَا وكَذَا ولَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ نَصَبكِ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَأخرجه من طَرِيقين. أَحدهمَا: عَن مُسَدّد عَن يزِيد بن زُرَيْع الْعَبْسِي الْبَصْرِيّ عَن عبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق عَن عَائِشَة. وَالْآخر: عَن مُسَدّد عَن يزِيد ابْن زُرَيْع عَن عبد الله بن عون عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن الْأسود النَّخعِيّ عَن عَائِشَة. وَأخرجه مُسلم حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة. قَالَ: حَدثنَا ابْن علية عَن ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن أم الْمُؤمنِينَ، وَعَن الْقَاسِم (عَن أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: قلت يَا رَسُول الله! يصدر النَّاس بنسكين وأصدر بنسكٍ واحدٍ؟ قَالَ: انتظري فَإِذا طهرت فاخرجي إِلَى التَّنْعِيم فأهلي مِنْهُ، ثمَّ ألقينا عِنْد كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَظُنهُ قَالَ: غَدا، وَلكنهَا على قدر نصبك أَو نَفَقَتك) . وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن ابْن عون عَن الْقَاسِم وَإِبْرَاهِيم، قَالَ: لَا أعرف حَدِيث أَحدهمَا من الآخر، إِن أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: يَا رَسُول الله يصدر النَّاس بنسكين
…
فَذكر الحَدِيث. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج أَيْضا عَن أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَنهُ بالإسنادين جَمِيعًا عَن أم الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ: لَا أحفظ حَدِيث هَذَا من حَدِيث هَذَا. وَعَن الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي عَن حُسَيْن بن حسن عَن ابْن عون عَن الْقَاسِم وَإِبْرَاهِيم كِلَاهُمَا، عَن أم الْمُؤمنِينَ، وَلم يذكر الْأسود.
قَوْله: (قَالَا) أَي: الْقَاسِم وَالْأسود. قَوْله: (يصدر النَّاس)، أَي: يرجع النَّاس، من الصُّدُور وَهُوَ الرُّجُوع، وَفعله من بَاب نصر ينصر. قَوْله:(بنسكين) أَي: بِحجَّة وَعمرَة. قَوْله: (وأصدر بنسك؟) أَي: وأرجع أَنا بِحجَّة. قَوْله: (فَقيل لَهَا) أَي: لعَائِشَة، ويروى:(فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم . قَوْله: (فَإِذا طهرت)، بِضَم الْهَاء وَفتحهَا. قَوْله:(ثمَّ ائتينا) ، بِصِيغَة الْمُؤَنَّث من الْإِتْيَان، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(ثمَّ ألقينا) كَمَا مر. قَوْله: (بمَكَان كَذَا وَكَذَا) ، وَأَرَادَ بِهِ الأبطح، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: بِحَبل كَذَا) ، بِالْحَاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَرِوَايَة غَيره بِالْجِيم. قَوْله:(وَلكنهَا) أَي: وَلَكِن عمرتك على قدر نَفَقَتك أَو نصبك أَي: أَو على قدر نصبك، أَي: تعبك. وَكلمَة أَو، إِمَّا للتنويع فِي كَلَام الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، أَو شكّ من الرَّاوِي، وَقد روى فِيهِ مَا يدل على كل وَاحِد من النَّوْعَيْنِ، فَيدل على أَنَّهَا للشَّكّ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من طَرِيق أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل:(على قدر نصبك أَو على قدر تعبك) . وَفِي رِوَايَة لَهُ من طَرِيق حُسَيْن بن حسن: (على قدر نَفَقَتك أَو نصبك) . أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَيدل على أَنَّهَا للتنويع مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق هشيم عَن ابْن عون بِلَفْظ:(إِن لَك من الْأجر على قدر نصبك ونفقتك) ، بواو الْعَطف، ثمَّ معنى هَذَا الْكَلَام أَن الثَّوَاب فِي الْعِبَادَة يكثر بِكَثْرَة النصب وَالنَّفقَة.
وَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: هَذَا لَيْسَ بمطرد، فقد تكون بعض الْعِبَادَة أخف من بعض، وَهِي أَكثر فضلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَان كقيام لَيْلَة الْقدر بِالنِّسْبَةِ لقِيَام ليَالِي من رَمَضَان غَيرهَا. وبالنسبة للمكان كَصَلَاة رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِالنِّسْبَةِ لصَلَاة رَكْعَات فِي غَيره. وبالنسبة إِلَى شرف الْعِبَادَة الْمَالِيَّة والبدنية كَصَلَاة الْفَرِيضَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَكثر من عدد ركعاتها أَو من قرَاءَتهَا، وَنَحْو ذَلِك من صَلَاة النَّافِلَة، وكدرهم من الزَّكَاة بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَكثر مِنْهُ من التَّطَوُّع. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَا يمْنَع الإطراد، لِأَن الْكَثْرَة الْحَاصِلَة فِي الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لَيست من ذَاتهَا، وَإِنَّمَا هِيَ بِحَسب مَا يعرض لَهَا من الْأُمُور الْمَذْكُورَة. فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق، وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بِالنّصب الَّذِي لَا يذمه الشَّرْع، وَكَذَا النَّفَقَة. وَفِي (التَّوْضِيح) أَفعَال الْبر كلهَا على قدر الْمَشَقَّة وَالنَّفقَة، وَلِهَذَا اسْتحبَّ الشَّافِعِي وَمَالك الْحَج رَاكِبًا، ومصداق ذَلِك فِي كتاب الله عز وجل فِي قَوْله تَعَالَى:{الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم أعظم دَرَجَة عِنْد الله} (التَّوْبَة: 02) . وَفِي هَذَا فضل الْغنى وإنفاق المَال فِي الطَّاعَات، وَلما فِي قمع النَّفس عَن شهواتها من الْمَشَقَّة على النَّفس، ووعد الله عز وجل الصابرين فَقَالَ:{إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} (الزمر: 01) . وبظاهر الحَدِيث الْمَذْكُور اسْتدلَّ على أَن الاعتمار لمن كَانَ بِمَكَّة من جِهَة الْحل الْقَرِيبَة أقل أجرا من الاعتمار من جِهَته الْبَعِيدَة. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي (الْإِمْلَاء) : أفضل بقاع الْحل للاعتمار الْجِعِرَّانَة، لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أحرم مِنْهَا، ثمَّ التَّنْعِيم لِأَنَّهُ أذن لعَائِشَة مِنْهَا. انْتهى. قلت: اعتماره صلى الله عليه وسلم من الْجِعِرَّانَة لم يكن بِالْقَصْدِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ حِين رَجَعَ من الطَّائِف مجتازا إِلَى الْمَدِينَة، وَأذنه لعَائِشَة من التنيعم لكَونهَا أقرب وأسهل عَلَيْهَا من غَيرهَا.