الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَصْرَة، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم على عهد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وَصدق بِهِ وَلم يره، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ وَمِائَة سنة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب الشِّرَاء وَالْبيع مَعَ الْمُشْركين.
قَوْله: (فَإِذا مَعَ رجل) ، كلمة إِذا، للمفاجأة، قَوْله:(أَو نَحوه)، بِالرَّفْع عطف على الصَّاع وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الصَّاع. قَوْله:(مشعان) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة. وبالعين الْمُهْملَة، وَفِي آخِره نون مُشَدّدَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى، بِكَسْر الْمِيم. وَقَالَ: هُوَ ثَائِر الرَّأْس أَشْعَث وَقَالَ الْقَزاز هُوَ الحافي الثائر الرَّأْس وَفِي بعض الرِّوَايَة وَقع بعد قَوْله مشعان طَوِيل جدا فَوق الطول وَهُوَ تَفْسِير البُخَارِيّ وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. قَوْله: (بيعا أعْطِيه) منصوبان بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره: تبيع بيعا أَو تُعْطِي عَطِيَّة. قَوْله: (أَو قَالَ)، شكّ من الرَّاوِي فِي أَنه قَالَ: عَطِيَّة أم هبة. قَوْله: (فَاشْترى مِنْهُ)، أَي: من الرجل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَاشْترى مِنْهَا، أَي: من الْغنم. قَوْله: (فصنعت)، أَي: ذبحت. قَوْله: (بسواد الْبَطن) ، هُوَ الكبد، قَالَه النَّوَوِيّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: اللَّفْظ أَعم مِنْهُ، يَعْنِي: يتَنَاوَل كل مَا فِي الْبَطن من كبد وَغَيره. قلت: الَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ أقوى فِي المعجزة. قَوْله: (وأيم الله) ، قسم، يَعْنِي: من أَلْفَاظ الْقسم، نَحْو: لعمر الله، وعهد الله، وَفِيه لُغَات كَثِيرَة، وتفتح همزتها وتكسر، وَهِي همزَة وصل، وَقد تقطع وَأهل الْكُوفَة من النُّحَاة يَزْعمُونَ أَنه جمع يَمِين، وَغَيرهم يَقُولُونَ: هِيَ اسْم مَوْضُوع للقسم. قَوْله: (حز) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، مَعْنَاهُ: قطع. قَوْله: (حزة)، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم وَغَيره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِفَتْح الْجِيم قَوْله: (أَعْطَاهَا إِيَّاه) أَي: أعْطى الحزة إِيَّاه، أَي: الشَّاهِد، أَي: الْحَاضِر. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ من الْقلب، وَأَصله: أعطَاهُ إِيَّاهَا. قلت: لَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى الْقلب فِيهِ، بل العبارتان سَوَاء فِي الِاسْتِعْمَال. قَوْله:(أَجْمَعُونَ) ، بِالرَّفْع تَأْكِيد للضمير الَّذِي فِي أكلُوا، ثمَّ إِنَّه يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنهم اجْتَمعُوا كلهم على القصعتين فَأَكَلُوا مُجْتَمعين، وَفِيه معْجزَة أُخْرَى: وَهِي اتساع القصعتين حَتَّى تمكنت مِنْهَا أيادي الْقَوْم كلهم، وَالْوَجْه الآخر: أَنهم أكلُوا كلهم من القصعتين على أَي وَجه كَانَ. قَوْله: (فحملناه)، أَي: الطَّعَام، وَلَو أُرِيد القصعتان لقيل: حملناهما، وَفِي الْأَطْعِمَة. وَفضل فِي القصعتين، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، فَالضَّمِير حِينَئِذٍ يرجع إِلَى الْقدر الَّذِي فضل. قَوْله:(أَو كَمَا قَالَ) ، شكّ من الرَّاوِي.
قَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: فِيهِ معجزتان: إِحْدَاهمَا: تَكْثِير سَواد الْبَطن حَتَّى وسع هَذَا الْعدَد، وَالْأُخْرَى: تَكْثِير الصَّاع وَلحم الشَّاة حَتَّى أشبعهم أَجْمَعِينَ. ففضلت فضلَة حملوها لعدم الْحَاجة إِلَيْهَا. قلت: فِيهِ أَربع معجزات: الأولى تَكْثِير الصَّاع، وَالثَّانيَِة: تَكْثِير سَواد الْبَطن. وَالثَّالِثَة: اتساع القصعتين لتمكن أيادي هَؤُلَاءِ الْعدَد. وَالرَّابِعَة: الفضلة الَّتِي فضلت بعد شبعهم واكتفائهم. وَفِيه: الْمُوَاسَاة بِالطَّعَامِ عِنْد المسبغة وتساوي النَّاس فِي ذَلِك. وَفِيه: ظُهُور الْبركَة عِنْد الِاجْتِمَاع على الطَّعَام، وَفِيه: تَأْكِيد الْخِبْرَة بالقسم وَإِن كَانَ الْمخبر صَادِقا، وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: فَسَاد قَول من حمل رد الْهَدِيَّة على الوثني دون الْكِتَابِيّ، لِأَن هَذَا الْأَعرَابِي كَانَ وثنياً. قلت: لَيْسَ فِيهِ شَيْء يدل على أَنه كَانَ وثنياً، فَإِن قَالَ: علم ذَلِك من الخارح، فَعَلَيهِ الْبَيَان.
92 -
(بابُ الهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْهَدِيَّة الْوَاقِعَة للْمُشْرِكين، وَحكمهَا أَنَّهَا: تجوز للرحم مِنْهُم، كَمَا سَنذكرُهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وقَوْلِ الله تعالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ الله عنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ الله يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الْهَدِيَّة، أَي: وَفِي بَيَان قَول الله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُم الله
…
} (الممتحنة: 8) . إِلَى آخر الْآيَة فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ ذكر إِلَى قَوْله:{وتقسطوا إِلَيْهِم} (الممتحنة: 8) . وَالْمرَاد من ذكر الْآيَة بَيَان من تجوز لَهُ الْهَدِيَّة من الْمُشْركين، وَمن لَا تجوز، وَلَيْسَ حكم الْهَدِيَّة إِلَيْهِم على الْإِطْلَاق. ثمَّ الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت فِي قتيلة امْرَأَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ قد طَلقهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقدمت على ابْنَتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر، فَأَهْدَتْ لَهَا قرظاً، وَأَشْيَاء، فَكرِهت قبُولهَا حَتَّى ذكرته لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَنزلت الْآيَة الْمَذْكُورَة، كَذَا قَالَه الطَّبَرِيّ، وَقيل: نزلت فِي مُشْركي مَكَّة من لم يُقَاتل الْمُؤمنِينَ وَلم يخرجوهم من دِيَارهمْ، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ خطاب للْمُؤْمِنين الَّذين بقوا بِمَكَّة وَلم يهاجروا، وَالَّذين قَاتلهم كفار أهل مَكَّة، وَقَالَ السّديّ: كَانَ هَذَا
قبل أَن يؤمروا بِقِتَال الْمُشْركين كَافَّة، فَاسْتَشَارَ الْمُسلمُونَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي قراباتهم من الْمُشْركين أَن يبروهم ويصلوهم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَقَالَ قَتَادَة وَابْن زيد: ثمَّ نسخ ذَلِك، وَلَا يجوز الإهداء للْمُشْرِكين إلَاّ لِلْأَبَوَيْنِ خَاصَّة، لِأَن الْهَدِيَّة فِيهَا تأنيس للمهدى إِلَيْهِ، وألطاف لَهُ، وتثبيت لمودته، وَقد نهى الله تَعَالَى عَن التودد للْمُشْرِكين بقوله:{لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوأدون من حادَّ الله وَرَسُوله} (المجادلة: 22) . الْآيَة، وَقَوله تَعَالَى:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة} (الممتحنة: 1) . قَوْله: (أَن تبروهم وتقسطوا إِلَيْهِم)، أَي: أَن تحسنوا إِلَيْهِم وتعاملوهم فِيمَا بَيْنكُم بِالْعَدْلِ وتقسطوا، بِضَم التَّاء من الإقساط، وَهُوَ الْعدْل، يُقَال: أقسط يقسط فَهُوَ مقسط إِذا عدل، وقسط يقسط فَهُوَ قاسط إِذا جَار، فَكَأَن الْهمزَة فِي أقسط للسلب، كَمَا يُقَال: شكا إِلَيْهِ فأشكاه أَي: أَزَال شكواه.
9162 -
حدَّثنا خالدُ بنُ مَخْلَدٍ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ قَالَ حدَّثني عبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ رَأى عُمَرُ حُلَّةً علَى رَجُلٍ تُباعُ فَقَالَ لِلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ تَلْبَسْها يَوْمَ الجُمْعَةِ وإذَا جاءَكَ الوَفْدُ فَقَالَ إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ فأتِي رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم مِنْهَا بِحُلَلٍ فأرْسَلَ إِلَى عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ فَقَالَ عُمَرَ كَيْفَ ألْبَسُها وقَدْ قُلْتُ مَا قُلْتُ قَالَ إنِّي لَمْ أكْسُكَها لِتَلْبَسَهَا تَبِيعُها أوْ تَكْسُوهَا فأرْسَلَ بِها عُمَرُ إِلَى إخٍ لَهُ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أنْ يُسْلِمَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أرسل تِلْكَ الْحلَّة الَّتِي أرسلها إِلَيْهِ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم إِلَى أَخ لَهُ بِمَكَّة، وَهُوَ مُشْرك، فَدلَّ ذَلِك على جَوَاز الإهداء للرحم من الْمُشْركين، وَهَذَا أوضح الحكم فِي إِطْلَاق التَّرْجَمَة، وَأَنَّهَا لَيست على إِطْلَاقهَا، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب يلبس أحسن مَا يجد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَمضى أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب هَدِيَّة مَا يكره لبسهَا، عَن عبيد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَهنا أخرجه: عَن خَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام: البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
0262 -
حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حَدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ أسْماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَتْ قَدِمَتْ علَيَّ أُمِّي وهْيَ مُشْرِكَةٌ فِي عِهْدِ رَسُولِ الله فاسْتَفْتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قُلْتُ وهْيَ رَاغِبَةٌ أفأصِلُ أُمِّي قالَ نَعَمْ صِلي أُمَّكِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد، بِضَم الْعين مصغر عبد ابْن إِسْمَاعِيل، واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله، يكنى أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْأَدَب عَن الْحميدِي: وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي كريب وَعَن ابْن أبي شيبَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن هِشَام عَن أَبِيه)، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة الْآتِيَة فِي الْأَدَب: أَخْبرنِي أبي. قَوْله: (عَن أَسمَاء)، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: أَخْبَرتنِي أَسمَاء، كَذَا قَالَ أَكثر أَصْحَاب ابْن هِشَام، وَقَالَ بعض أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة: عَنهُ عَن هِشَام عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ خطأ، وَحكى أَبُو نعيم أَن عمر بن عَليّ الْمُقدم وَيَعْقُوب الْقَارِي روياه عَن هِشَام كَذَلِك، وَإِذا كَانَ كَذَلِك يحْتَمل أَن يَكُونَا محفوظين، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة وَعبد الحميد بن جَعْفَر عَن هِشَام، فَقَالَا: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان من طَرِيق الثَّوْريّ عَن هِشَام، قَالَ البرقاني: الأول أثبت وَأشهر. قَوْله: (قدمت على أُمِّي)، وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَن هِشَام كَمَا يَأْتِي فِي الْأَدَب: قدمت أُمِّي مَعَ ابْنهَا، وَذكر الزبير: أَن اسْم ابْنهَا الْحَارِث بن مدرك بن عبيد بن عمر ابْن مَخْزُوم.
ثمَّ اخْتلف فِي هَذِه الْأُم؟ فَقيل: كَانَت ظِئْرًا لَهَا، وَقيل: كَانَت أمهَا من الرضَاعَة، وَقيل: كَانَت أمهَا من النّسَب، وَهُوَ