الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَثَلَاثَة)، فَقُلْنَا: وإثنان؟ قَالَ: (وإثنان) ، ثمَّ لم نَسْأَلهُ عَن الْوَاحِد.
والْحَدِيث يَأْتِي الْآن فِي هَذَا الْبَاب، وَقد مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب ثَنَاء النَّاس على الْمَيِّت أَيْضا. وَإِنَّمَا لم يسْأَلُوا عَن الْوَاحِد لأَنهم كَانُوا يعتمدون قَول الْوَاحِد فِي ذَلِك، لكِنهمْ لم يسْأَلُوا عَن حكمه، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن البُخَارِيّ صرح بالاكتفاء فِي التَّزْكِيَة بِوَاحِد، على مَا يَجِيء عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَحَدِيث الْبَاب مر فِي كتاب الْجَنَائِز أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
قَوْله: (شَهَادَة الْقَوْم) كَلَام إضافي مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: مَقْبُولَة. قَوْله: (الْمُؤْمِنُونَ) مُبْتَدأ. وَقَوله: (شُهَدَاء الله) ، خَبره، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: شَهَادَة الْقَوْم الْمُؤمنِينَ، فَيكون: الْمُؤمنِينَ، صفة الْقَوْم، وَيكون شَهَادَة الْقَوْم مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره مَحْذُوف كَمَا فِي الصُّورَة الأولى تَقْدِيره: شَهَادَة الْقَوْم الْمُؤمنِينَ مَقْبُولَة. وَقَوله: (شُهَدَاء الله فِي الأَرْض) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض، وَعَن السُّهيْلي: مَعَ مَا فِيهِ من التعسف، رَوَاهُ بَعضهم بِرَفْع الْقَوْم فوجهه أَن قَوْله: شَهَادَة، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذِه شَهَادَة، وَهِي جملَة مُسْتَقلَّة مُنْقَطِعَة عَمَّا بعْدهَا، و: الْقَوْم، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، والمؤمنون، صفته. وَقَوله:(شُهَدَاء الله فِي الأَرْض)، خَبره: وَتَكون هَذِه الْجُمْلَة بَيَانا للجملة الأولى.
3462 -
حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثنا داودُ بنُ أبِي الفُرَاتِ قَالَ حدَّثنا عبدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ عنْ أبِي الأسْوَدِ قَالَ أتَيْتُ المَدِينَةَ وقدْ وقَعَ بِهَا مَرَضٌ وهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتاً ذَرِيعاً فجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ فَأُثْنِيَ خَيْراً فَقَالَ عُمَرُ وجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فأُثْنِيَ خَيْراً فَقَالَ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بالثَّالِثَةِ فأُثْنِيَ شَرَّاً فَقَالَ وَجَبَتْ فقُلْتُ مَا وجَبَتْ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ قُلْتُ كَمَا قالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم أيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ قُلْنَا وثَلاثَةٌ قَالَ وثَلَاثَةٌ قُلْنَا واثْنَانِ قَالَ واثْنَانِ ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عنِ الوَاحِدِ.
(انْظُر الحَدِيث 8631) .
وَجه الْمُطَابقَة هُنَا مثل الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وَبُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفتح الرَّاء وَأَبُو الْأسود: اسْمه ظَالِم ضد الْعَادِل مر مَعَ الحَدِيث فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الثَّنَاء على الْمَيِّت. قَوْله: (وَقد وَقع بهَا مرض) ، جملَة حَالية، وَكَذَلِكَ قَوْله:(وهم يموتون) أَي: أهل الْمَدِينَة. قَوْله: (ذريعاً)، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي: وَاسِعًا أَو سَرِيعا. قَوْله: (خيرا) بِالنّصب صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: ثَنَاء خيرا أَو مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، أَي: بِخَير، وَكَذَلِكَ فِي الْكَلَام فِي: شرا، بِالنّصب.
7 -
(بابُ الشَّهَادَةِ على الأنْسَابِ والرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ والْمَوْتِ القَدِيمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشَّهَادَة على الْأَنْسَاب، وَهُوَ جمع نسب (وَالرّضَاع المستفيض)، أَي: الشَّائِع الذائع. قَوْله: (وَالْمَوْت الْقَدِيم)، أَي: الْعَتِيق الَّذِي تطاول الزَّمَان عَلَيْهِ وَحده بعض الْمَالِكِيَّة بِخَمْسِينَ سنة، وَقيل: بِأَرْبَعِينَ، وَالْحَاصِل أَن هَذِه التَّرْجَمَة معقودة لشهادة الاستفاضة مِنْهَا النّسَب وَالرّضَاع وَالْمَوْت، وَقيد الرَّضَاع بالاستفاضة وَالْمَوْت بالقدم، وَمعنى الْبَاب: أَن مَا صَحَّ من الْأَنْسَاب وَالرّضَاع وَالْمَوْت بالاستفاضة، وَثَبت علمه بالنفوس وَارْتَفَعت فِيهِ الريب وَالشَّكّ أَنه لَا يحْتَاج فِيهِ لمعْرِفَة عدد الَّذين بهم ثَبت علم ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى معرفَة الشُّهُود. ألَا ترى أَن الرَّضَاع الَّذِي فِي هَذِه الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة كلهَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ مستفيضاً مَعْلُوما عِنْد الْقَوْم الَّذين وَقع الرَّضَاع مِنْهُم وَثَبت بِهِ الْحُرِّيَّة وَالنّسب فِي الْإِسْلَام، وَيجوز عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ والكوفيين الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ المستفيض فِي النّسَب وَالْمَوْت الْقَدِيم وَالنِّكَاح.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: أَجمعُوا على أَن شَهَادَة السماع تجوز فِي النِّكَاح دون الطَّلَاق، وَيجوز عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ الشَّهَادَة على ملك الدَّار بِالسَّمَاعِ، زَاد الشَّافِعِي: وَالثَّوْب أَيْضا، وَلَا يجوز ذَلِك عِنْد الْكُوفِيّين، وَقَالَ مَالك: لَا تجوز الشَّهَادَة على ملك الدَّار بِالسَّمَاعِ على خمس سِنِين وَنَحْوهَا إلَاّ مِمَّا يكثر من السنين، وَهُوَ بِمَنْزِلَة سَماع الْوَلَاء، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: وَشَهَادَة السماع إِنَّمَا هِيَ مِمَّن أَتَت عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سنة، أَو خَمْسُونَ، وَقَالَ مَالك: وَلَيْسَ أحد يشْهد على أَجنَاس الصَّحَابَة إلَاّ على السماع، وَقَالَ عبد الْملك: أقل مَا يجوز فِي الشَّهَادَة على السماع أَرْبَعَة شُهَدَاء من أهل الْعدْل أَنهم لم يزَالُوا يسمعُونَ أَن هَذِه الدَّار صَدَقَة على بني فلَان محبسة عَلَيْهِم مِمَّا تصدق بِهِ فلَان، وَلم يزَالُوا يسمعُونَ أَن فلَانا مولى فلَان قد تواطأ ذَلِك عِنْدهم وفشى من كَثْرَة مَا سَمِعُوهُ من الْعُدُول وَمن غَيرهم وَمن الْمَرْأَة وَالْخَادِم وَالْعَبْد.
وَاخْتلف فِيمَا يجوز من شَهَادَة النِّسَاء فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَ مَالك: لَا يجوز فِي الْأَنْسَاب وَالْوَلَاء شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَإِنَّمَا يجوز مَعَ الرِّجَال فِي الْأَمْوَال، وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْأَنْسَاب، وَأما الرَّضَاع فَقَالَ أَصْحَابنَا: يثبت الرَّضَاع بِمَا يثبت بِهِ المَال، وَهُوَ شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا تقبل شَهَادَة النِّسَاء المنفردات، وَعند مَالك بامرأتين، وَعند أَحْمد بمرضعة فَقَط.
وَقَالَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم أرْضَعَتْنِي وَأَبا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث رَوَاهُ مَوْصُولا فِي الرَّضَاع من حَدِيث أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه الْقطعَة هُنَا معلقَة لأجل مَا فِي التَّرْجَمَة من قَوْله: وَالرّضَاع. قَوْله: (أرضعتني) ، فعل ومفعول. (وَأَبا سَلمَة) بِالنّصب عطف على الْمَفْعُول. (ثويبة) ، بِالرَّفْع فَاعله. وَأَبُو سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: ابْن عبد الْأسد المَخْزُومِي، أسلم وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة مَعَ زَوجته أم سَلمَة، وَمَات سنة أَربع، فَتَزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد توفّي سنة اثْنَتَيْنِ، وثوبية مصغر الثوبة بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة: مولاة أبي لَهب، أرضعت أَولا حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَثَانِيا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وثالثاً أَبَا سَلمَة. قَالَ الْكرْمَانِي: وَاخْتلف فِي إسْلَامهَا، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: يُقَال: إِنَّهَا أسلمت.
والتَّثَبُّتِ فِيهِ
هَذَا من بَقِيَّة التَّرْجَمَة، أَي: فِي أَمر الْإِرْضَاع، لِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، أَمر فِيهِ بالتثبت احْتِيَاطًا، وَسَيَجِيءُ فِي آخر حَدِيث من أَحَادِيث الْبَاب. قَالَ:(يَا عَائِشَة: أنظرن من أخوانكن، فَإِنَّمَا الرضَاعَة من المجاعة) . وَالْمرَاد بِالنّظرِ هُنَا التفكر والتأمل، على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
4462 -
حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخبرنَا الحَكَمُ عنْ عِرَاكِ بنِ مالِكٍ عنْ عُرْوَةَ ابنِ الزُبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتِ اسْتَأْذَنِ عليَّ أفْلَحُ فَلَمْ آذَنْ لَهُ فَقَالَ أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأنَا عَمُّكِ فَقُلْتُ وكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بِلَبَنِ أخِي فَقالَتْ سألْتُ عنْ ذالِكَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صَدَقَ أفْلَحُ أئْذَنِي لَهُ..
مطابقته لجزء التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: والتثبت فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قد تثبتت فِي أَمر حكم الرَّضَاع الَّذِي كَانَ بَينهَا وَبَين أَفْلح الْمَذْكُور، وَالدَّلِيل على تثبتها أَنَّهَا مَا أَذِنت لَهُ حَتَّى سَأَلت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، عَن ذَلِك، وَالْحكم، بِفتْحَتَيْنِ: هُوَ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب وَقد تكَرر ذكره، وعراك، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجة بَقِيَّة السِّتَّة. وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي النِّكَاح من رِوَايَة عرَاك عَن عُرْوَة عَنْهَا. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي النِّكَاح من رِوَايَة مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا. وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي النِّكَاح من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح من رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا، وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن حسان بن مُوسَى وَمُسلم فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَالنَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي الطَّلَاق عَن عَمْرو بن عَليّ، الْكل من رِوَايَة معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح عَن ابْن أبي شيبَة. وَالتِّرْمِذِيّ فِي الرَّضَاع عَن الْحسن بن عَليّ من رِوَايَة عبد الله بن نمير عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَنْهَا. وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَالنَّسَائِيّ فِي النِّكَاح من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عُرْوَة عَنْهَا. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير من حَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَنْهَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اسْتَأْذن)، أَي: طلب الْإِذْن، وفاعله قَوْله: أَفْلح، وَقَوله: عَليّ، بتَشْديد الْيَاء. وَقد اخْتلف فِي: أَفْلح، هَذَا فَقيل: ابْن أبي القعيس، بِضَم الْقَاف وَفتح العي الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَقَالَ أَبُو عمر: قيل: أَبُو القعيس، وَقيل: أَخُو أَبُو القعيس، وأصحها مَا قَالَ مَالك وَمن تَابعه: عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: جَاءَ أَفْلح، أَخُو أبي القعيس، وَيُقَال: إِنَّه من الْأَشْعَرِيين، وَقيل: إِن إسم أبي القعيس الْجَعْد، وَيُقَال: أَفْلح يكنى أَبَا الجعيد. وَقيل: إسم أبي القعيس وَائِل بن أَفْلح، وَقيل: أَفْلح بن أبي الْجَعْد، روى ذَلِك عبد الرَّزَّاق، وَقيل أَيْضا: عمي أَبُو الْجَعْد. وَفِي (صَحِيح الْإِسْمَاعِيلِيّ) : أَفْلح بن قعيس، أَو ابْن أبي القعيس. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قَالَ هِشَام بن عُرْوَة: إِنَّمَا هُوَ أَبُو القعيس أَفْلح، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْجَعْد أَخُو أبي القعيس. وَقَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي عَم عَائِشَة الْمَذْكُور، فَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: هما عمان لعَائِشَة من الرضَاعَة: أَحدهمَا أَخُو أَبِيهَا أبي بكر، من الرضَاعَة الَّذِي هُوَ أَبُو القعيس، وَأَبُو القعيس أَبوهَا من الرضَاعَة، وَأَخُوهُ أَفْلح عَمها. وَقيل: هُوَ عَم وَاحِد، وَهُوَ غلط، فَإِن عَمها فِي الحَدِيث الأول ميت، وَفِي الثَّانِي حَيّ، جَاءَ يسْتَأْذن. قلت: المُرَاد من الحَدِيث الأول هُوَ مَا قَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله، لَو كَانَ فلَان حَيا، لعمها من الرضَاعَة، دخل عَليّ، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(نعم! إِن الرضَاعَة تحرم مَا تحرم الْولادَة) . ثمَّ قَالَ النَّوَوِيّ: وَالصَّوَاب: مَا قَالَه القَاضِي، فَإِنَّهُ ذكر الْقَوْلَيْنِ، ثمَّ قَالَ: قَول الْقَابِسِيّ أشبه، لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاحِدًا لفهمت حكمه من الْمرة الأولى، وَلم يحتجب مِنْهُ بعد ذَلِك. فَإِن قيل: فَإِذا كَانَا عمين كَيفَ سَأَلت عَن الْمَيِّت، وأعلمها النَّبِي، صلى الله عليه وسلم أَنه عَم لَهَا يدْخل عَلَيْهَا، واحتجبت عَن عَمها الآخر. أخي أبي القعيس حَتَّى أعلمها النَّبِي، صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ عَمها يدْخل عَلَيْهَا، فَهَلا اكتفت بِأحد السؤالين؟ فَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل أَن أَحدهمَا: كَانَ عَمَّا من أحد الْأَبَوَيْنِ، وَالْآخر: مِنْهُمَا أَو
عَمَّا أَعلَى وَالْآخر أدنى، أَو نَحْو ذَلِك من الِاخْتِلَاف، فخافت أَن تكون الْإِبَاحَة مُخْتَصَّة بِصَاحِب الْوَصْف المسؤول عَنهُ أَولا وَالله أعلم. انْتهى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَو يحْتَمل أَنَّهَا نسيت الْقِصَّة الأولى فأنشأت سؤالاً آخر. أَو جوزت تَبْدِيل الحكم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: ثُبُوت الْمَحْرَمِيَّة بَينهَا وَبَين عَمها من الرضَاعَة. وَفِيه: أَنه لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تَأذن للرجل الَّذِي لَيْسَ بِمحرم لَهَا فِي الدُّخُول عَلَيْهَا، وَيجب عَلَيْهَا الاحتجاب مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِك إِجْمَاعًا بعد أَن نزلت آيَة الْحجاب، وَمَا ورد من بروز النِّسَاء فَإِنَّمَا كَانَ قبل نزُول الْحجاب، وَكَانَت قصَّة أَفْلح مَعَ عَائِشَة بعد نزُول الْحجاب، كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ،. من طَرِيق مَالك أَن ذَلِك كَانَ بعد أَن نزل الْحجاب. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الاسْتِئْذَان، وَلَو فِي حق الْمحرم، لجَوَاز أَن تكون الْمَرْأَة على حَال لَا يحل للْمحرمِ أَن يَرَاهَا عَلَيْهِ. وَفِيه: أَن الْأَمر المتردد فِيهِ بَين التَّحْرِيم وَالْإِبَاحَة لَيْسَ لمن لم يتَرَجَّح أحد الطَّرفَيْنِ الْإِقْدَام عَلَيْهِ. وَفِيه: جَوَاز الْخلْوَة وَالنَّظَر إِلَى غير الْعَوْرَة للْمحرمِ بِالرّضَاعِ، وَلَكِن إِنَّمَا يثبت فِي محرمية الرَّضَاع تَحْرِيم النِّكَاح وَجَوَاز النّظر وَالْخلْوَة والمسافرة بهَا، وَلَا تثبت بَقِيَّة الْأَحْكَام من كل وَجه: من الْمِيرَاث، وَوُجُوب النَّفَقَة وَالْعِتْق بِالْملكِ وَالْعقل عَنْهَا ورد الشَّهَادَة وَسُقُوط الْقصاص، وَلَو كَانَ أَبَا أَو أما، فَإِنَّهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ فِي سَائِر هَذِه الْأَحْكَام.
5462 -
حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا قَتادَةُ عنْ جابِرِ بنِ زَيْدٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَا تَحِلُّ لي يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ هِي بِنْتُ أخِي مِنَ الرِّضَاعَةِ.
(الحَدِيث 5462 طرفه فِي: 0015) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ حكم الرَّضَاع. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن هدبة بن خَالِد عَن همام بِهِ وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن مُحَمَّد بن يحيى الْقطيعِي وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبد الله بن الصَّباح وَعَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد التَّمِيمِي. وَأخرجه فِيهِ ابْن مَاجَه عَن حميد بن مسْعدَة الشَّامي وَأبي بكر مُحَمَّد بن خَلاد.
قَوْله: (فِي بنت حَمْزَة) وَهُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب بن هَاشم أَبُو يعلى، وَقيل: أَبُو عمَارَة، وَهُوَ عَم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَأَخُوهُ من الرضَاعَة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لَهب، وَكَانَ حَمْزَة أسن من رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم بِسنتَيْنِ، وَشهد أحدا وَقتل بهَا يَوْم السبت النّصْف من شَوَّال من سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة. قَوْله:(لَا تحل لي) ، إِنَّمَا لم تحل لَهُ لِأَنَّهَا كَانَت بنت أَخِيه من الرَّضَاع، وَهُوَ معنى قَوْله:(هِيَ بنت أخي من الرضَاعَة) . قَوْله: (يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب)، قَالَ الْخطابِيّ: اللَّفْظ عَام وَمَعْنَاهُ خَاص، وتفصيله: أَن الرَّضَاع يجْرِي عُمُومه فِي تَحْرِيم نِكَاح الْمُرضعَة وَذَوي أرحامها على الرَّضِيع مجْرى النّسَب، وَلَا يجْرِي فِي الرَّضِيع وَذَوي أرحامه مجْرَاه، وَذَلِكَ أَنه إِذا أَرْضَعَتْه صَارَت أما لَهُ يحرم عَلَيْهِ نِكَاحهَا وَنِكَاح محارمها، وَهِي لَا تحرم على أَبِيه وَلَا على ذَوي أنسابه غير أَوْلَاده، فَيجْرِي الْأَمر فِي هَذَا الْبَاب عُمُوما على أحد الشقين، وخصوصاً فِي الشق الآخر. وَفِي (التَّوْضِيح) : يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب لفظ عَام لَا يتسثنى مِنْهُ شَيْء. قلت: يسْتَثْنى مِنْهُ أَشْيَاء. مِنْهَا: أَنه يجوز أَن يتَزَوَّج بِأم أَخِيه وَأُخْت ابْنه من الرَّضَاع، وَلَا يجوز أَن يتَزَوَّج بهما من النّسَب لِأَن أم أَخِيه من النّسَب تكون أمه، أَو مَوْطُوءَة أَبِيه بِخِلَاف الرَّضَاع وَأُخْت ابْنه من النّسَب ربيته أَو بنته، بِخِلَاف الرَّضَاع، وَيجوز أَن يتَزَوَّج بأخت أَخِيه من الرَّضَاع، كَمَا يجوز أَن يتَزَوَّج بأخت أَخِيه من النّسَب، ذَلِك مثل الْأَخ من الْأَب إِذا كَانَ لَهُ أُخْت من الْأُم جَازَ لِأَخِيهِ من أَبِيه أَن يَتَزَوَّجهَا، وكل مَا لَا يحرم من النّسَب لَا يحرم من الرَّضَاع، وَقد يحرم من النّسَب مَا لَا يحرم من الرَّضَاع، كَمَا ذكرنَا من الصُّورَتَيْنِ. وَمِنْهَا: أَنه يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج بِأم حفيده من الرَّضَاع دون النّسَب. وَمِنْهَا: أَنه يجوز أَن يتَزَوَّج بجدة وَلَده من الرَّضَاع دون النّسَب. وَمِنْهَا: أَنه يجوز لَهَا أَن تتَزَوَّج بأب أَخِيهَا من الرَّضَاع، وَلَا يجوز ذَلِك من النّسَب. وَمِنْهَا: أَنه يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أم عَمه من الرَّضَاع دون النّسَب. وَمِنْهَا: أَنه يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أم خَاله من الرَّضَاع دون النّسَب. وَمِنْهَا: أَنه يجوز لَهَا أَن تتَزَوَّج بِأَخ ابْنَتهَا من الرَّضَاع دون النّسَب.
وَفِيه: إِثْبَات التحريمك بِلَبن الْفَحْل، وَاخْتلف أهل الْعلم قَدِيما فِي لبن الْفَحْل، وَكَانَ الْخلاف قَدِيما منتشراً فِي زمن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. ثمَّ أَجمعُوا بعد ذَلِك، إلَاّ الْقَلِيل مِنْهُم، أَن لبن الْفَحْل يحرم، فَأَما من قَالَ من
الصَّحَابَة بِالتَّحْرِيمِ: ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة على اخْتِلَاف عَنْهَا، وَمن التَّابِعين: عُرْوَة بن الزبير وطاووس وَابْن شهَاب وَمُجاهد وَأَبُو الشعْثَاء جَابر بن زيد وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَسَالم وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَهِشَام بن عُرْوَة، على اخْتِلَاف فِيهِ. وَمن الْأَئِمَّة: أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَأما من رخص فِي لبن الْفَحْل وَلم يره محرما فقد رُوِيَ ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عمر وَجَابِر وَرَافِع بن خديج وَعبد الله بن الزبير، وَمن التَّابِعين: سعيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسليمَان بن يسَار أَخُوهُ عَطاء بن يسَار وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو قلَابَة وَإيَاس بن مُعَاوِيَة، وَمن الْأَئِمَّة: إِبْرَاهِيم بن علية وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) . وَالْمَعْرُوف عَن دَاوُد خِلَافه، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: لم يقل أحد من أَئِمَّة الْفُقَهَاء وَأهل الْفَتْوَى بِإِسْقَاط حُرْمَة لبن الْفَحْل إلَاّ أهل الظَّاهِر، وَابْن علية، وَالْمَعْرُوف عَن دَاوُد مُوَافقَة مواتفقة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي ذَلِك حَكَاهُ ابْن حزم عَنهُ فِي (الْمحلى) وَكَذَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حزم. فَلم يبْق مِمَّن خَالف فِيهِ إِذا إلَاّ ابْن علية.
وَاعْلَم أَنهم أَجمعُوا على انتشار الْحُرْمَة بَين الْمُرضعَة وَأَوْلَاد الرَّضِيع وَأَوْلَاد الْمُرضعَة، وَمذهب كَافَّة الْعلمَاء ثُبُوت حُرْمَة الرَّضَاع بَينه وَبَين زوج الْمَرْأَة، وَيصير ولدا لَهُ وَأَوْلَاد الرجل أخوة الرَّضِيع وإخواته وَيكون أخوة الرجل وإخواته أَعْمَامه وعماته، وَيكون أَوْلَاد الرَّضِيع أَوْلَادًا للرجل وَلم يُخَالف فِي هَذَا إِلَّا ابْن علية، كَمَا ذكرنَا. وَنَقله الْمَازرِيّ عَن ابْن عمر وَعَائِشَة. وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى:{وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} (النِّسَاء: 32) . وَلم يذكر الْبِنْت والعمة كَمَا ذكرهمَا فِي النّسَب، وَاحْتج الْجُمْهُور بِحَدِيث الْبَاب وَغَيره من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي عَم عَائِشَة وَعم حَفْصَة، وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ من الْآيَة أَنه: لَيْسَ فِيهَا نَص بِإِبَاحَة الْبِنْت والعمة وَنَحْوهمَا، لِأَن ذكر الشَّيْء لَا يدل على سُقُوط الحكم عَمَّا سواهُ، لَو لم يُعَارضهُ دَلِيل آخر، كَيفَ وَقد جَاءَت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي ذَلِك؟
6462 -
حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عبدِ الرحمانِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم أخْبَرَتْها أنَّ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم كانَ عِنْدَها وأنَّها سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ قالَتْ عائِشَةُ فقُلْتُ يَا رسولَ الله أُرَاهُ فُلاناً لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ فقالتْ عائِشَةُ يَا رسولَ الله هذَا رَجُلٌ يَسْتَأذِنُ فِي بَيْتِكَ قالتْ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُرَاهُ فُلاناً لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ فقالتْ عائِشَةُ لوْ كانَ فُلانٌ حَيَّاً لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخلَ علَيَّ فَقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نَعَمْ إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ حكم الرَّضَاع، وَعبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ. وَرِجَال إِسْنَاده كلهم مدنيون إلَاّ شَيْخه، وَقد دَخلهَا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْخمس: عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي النِّكَاح عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هَارُون بن عبد الله.
قَوْله: (وَأَنَّهَا) أَي: وَأَن عَائِشَة. قَوْله: (يسْتَأْذن)، جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة: رجل. قَوْله: (أرَاهُ)، بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ الْقَائِل بقوله: أرَاهُ فلَانا، هُوَ عَائِشَة. وَفِي رِوَايَة مُسلم:(فَقَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله! هَذَا رجل يسْتَأْذن فِي بَيْتك؟ فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: (أرَاهُ فلَانا، لعم حَفْصَة) . الحَدِيث، وَالْقَائِل هُوَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(لعم حَفْصَة) اللَّام فِيهِ وَفِي قَوْلهَا: لعمها، لَام التَّبْلِيغ لسامع بقول أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ، كاللام فِي قَوْلك. قلت لَهُ: وأذنت لَهُ، وفسرت لَهُ، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو عَن معنى التَّعْلِيل، فَافْهَم. (وَحَفْصَة) هِيَ زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهِي بنت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(دخل عليَّ)، بتَشْديد الْيَاء والاستفهام فِيهِ مُقَدّر تَقْدِيره: هَل كَانَ يجوز لَهُ أَن يدْخل عَليّ؟ فَقَالَ، صلى الله عليه وسلم فِي جوابها:(نعم) يَعْنِي: نعم يجوز دُخُوله عَلَيْك، ثمَّ علل جَوَاز دُخُوله عَلَيْهَا بقوله:(إِن الرضَاعَة تحرم مَا يحرم من الْولادَة)، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(إِن الرضَاعَة تحرم مَا تحرم الْولادَة) ، وَالرضَاعَة، بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا، وَفِي الرَّضَاع أَيْضا لُغَتَانِ: فتح الرَّاء وَكسرهَا، وَقد
رضع الصَّبِي أمه، بِكَسْر الضَّاد، يرضعها بِفَتْحِهَا، قَالَ الْجَوْهَرِي: يَقُول أهل نجد: رضع يرضع، بِفَتْح الضَّاد فِي الْمَاضِي، وبكسرها فِي الْمُضَارع رضعاً، كضرب يضْرب ضربا، وَالْحكم الَّذِي يعرف مِنْهُ قد مر فِي الحَدِيث الْمَاضِي.
7462 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيانُ عنْ أشْعَثَ بنِ أبِي الشَّعْثَاءِ عنْ أبِيهِ عنْ مَسْرُوقٍ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دخَلَ علَيَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعِنْدِي رَجُلٌ قَالَ يَا عائِشَةُ مَنْ هاذَا قُلْتُ أخي مِنَ الرَّضَاعَةِ قَالَ يَا عائِشَةُ انْظُرْنَ منْ إخْوَانُكُنَّ فإنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ.
(الحَدِيث 7462 طرفه فِي: 2015) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله كلهم كوفيون إلَاّ عَائِشَة وَمُحَمّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَشْعَث، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة: هُوَ ابْن سليم بن الْأسود الْمحَاربي وَأَبوهُ أَبُو الشعْثَاء مثل حُرُوف أَشْعَث. واسْمه سليم الْمَذْكُور، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن هناد وَعَن ابْن الْمثنى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن عبد بن حميد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ وَعَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَعِنْدِي رجل)، الْوَاو فِيهِ للْحَال. وَفِي رِوَايَة:(وَعِنْدِي رجل قَاعد، فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ وَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه، قَالَ: يَا عَائِشَة من هَذَا؟ فَقلت: يَا رَسُول الله! إِنَّه أخي من الرضَاعَة) . قَوْله: (أنظرن)، من النّظر الَّذِي بِمَعْنى التفكير والتأمل. قَوْله:(من؟) استفهامية. قَوْله: (إخوانكن)، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(إخوتكن) وَكِلَاهُمَا جمع: أَخ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْأَخ أَصله أَخُو، بِالتَّحْرِيكِ، لِأَنَّهُ جمع على: آخا، مثل: آبَاء، والذاهب مِنْهُ وَاو، وَيجمع أَيْضا على إخْوَان مثل: خرب وخربان، وعَلى إخْوَة وأُخوة، عَن الْفراء. قَوْله:(فَإِنَّمَا الرضَاعَة)، الْفَاء فِيهِ للتَّعْلِيل لقَوْله:(أنظرن من إخوانكن) يَعْنِي: لَيْسَ كل من أرضع لبن أمهَا يصير أَخا لَكِن، بل شَرطه أَن يكون من المجاعة، أَي: الْجُوع، أَي: الرضَاعَة الَّتِي تثبت بهَا الْحُرْمَة مَا يكون فِي الصغر حَتَّى يكون الرَّضِيع طفْلا يسد اللَّبن جوعته، وَأما مَا كَانَ بعد الْبلُوغ فَلَا يسدها اللَّبن وَلَا يشبعه إلَاّ الْخبز. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن المصة والمصتين لَا تسد الْجُوع، وَكَذَلِكَ الرَّضَاع بعد الْحَوْلَيْنِ، وَإِن بلغ خمس رَضعَات، وَإِنَّمَا يحرم إِذا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ قدر مَا يدْفع المجاعة. وَهُوَ مَا قدر بِهِ السّنة يَعْنِي: خمْسا، أَي: لَا بُد من اعْتِبَار الْمِقْدَار وَالزَّمَان، قَالَه الْكرْمَانِي: قلت: فِيهِ خلاف فِي الْمِقْدَار وَالزَّمَان. أما الْمِقْدَار: فقد قَالَ الشَّافِعِي وَأَصْحَابه: لَا يثبت الرَّضَاع بِأَقَلّ من خمس رَضعَات، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَعنهُ: ثَلَاث رَضعَات، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء: يثبت برضعة وَاحِدَة، حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وطاووس وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْحكم وَحَمَّاد وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر، رحمهم الله: يثبت بِثَلَاث رَضعَات، وَلَا يثبت بِأَقَلّ، وَبِه قَالَ سُلَيْمَان بن يسَار وَسَعِيد بن جُبَير وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ، وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَاحْتج الشَّافِعِي، وَمن مَعَه بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت:(كَانَ فِيمَا نزل من الْقُرْآن عشر رَضعَات يحرمن ثمَّ نسخن بِخمْس مَعْلُومَات، فَتوفي رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَهِي فِيمَا يقرؤ من الْقُرْآن) . رَوَاهُ مُسلم، وعنها:(أَنَّهَا لَا تحرم المصة والمصتان) ، رَوَاهُ مُسلم أَيْضا، وَاحْتج أَبُو حنيفَة وَمن مَعَه بِإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى:{وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم} (النِّسَاء: 3) . وَلم يذكر عددا وَالتَّقْيِيد بِهِ زِيَادَة، وَهُوَ نسخ ولإطلاق الْأَحَادِيث مِنْهَا قَوْله صلى الله عليه وسلم:(يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب) ، وَقد مضى ذكره عَن قريب، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخ، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: قَوْله: (لَا تحرم الرضعة والرضعتان) ، كَانَ فأمااليوم فالرضعة الْوَاحِدَة تحرم، فَجعله مَنْسُوخا، حَكَاهُ أَبُو بكر الرَّازِيّ، وَقيل: الْقُرْآن لَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد، وَإِذا لم يثبت قُرْآنًا لم يثبت خبر وَاحِد عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ ابْن بطال: أَحَادِيث عَائِشَة مضطربة فَوَجَبَ تَركهَا. وَالرُّجُوع إِلَى كتاب الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ يرويهِ ابْن زيد مرّة عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَمرَّة عَن عَائِشَة، وَمرَّة عَن أَبِيه