الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجه عَن النُّعْمَان بن بشير، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان، وَحميد بن عبد الرَّحْمَن عَن النُّعْمَان مثل حَدِيث الْبَاب ثمَّ قَالَ: وَاحْتج بِهِ قوم على أَن الرجل إِذا نحل بعض بنيه دون بعض أَنه بَاطِل، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، وَحَاصِل كَلَامه أَنهم جوزوا ذَلِك، ثمَّ قَالَ مَا ملخصه: إِن الحَدِيث الْمَذْكُور لَيْسَ فِيهِ أَن النُّعْمَان كَانَ صَغِيرا حِينَئِذٍ، وَلَعَلَّه كَانَ كَبِيرا، وَلم يكن قَبضه. وَقد روى أَيْضا على معنى غير مَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ أَن النُّعْمَان قَالَ: انْطلق بِي أبي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونحلني نحلاً ليشهده على ذَلِك، فَقَالَ:(أَو كل ولدك نحلته مثل هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. قَالَ: أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا إِلَيْك فِي الْبر كلهم سَوَاء؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: فَأشْهد على هَذَا غَيْرِي) . فَهَذَا لَا يدل على فَسَاد العقد الَّذِي كَانَ عقده للنعمان، وَأما امْتِنَاعه عَن الشَّهَادَة فَلِأَنَّهُ كَانَ متوقياً عَن مثل ذَلِك، وَلِأَنَّهُ كَانَ إِمَامًا، وَالْإِمَام لَيْسَ من شَأْنه أَن يشْهد، وَإِنَّمَا من شَأْنه أَن يحكم. وَقد اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الإِمَام لَيْسَ من شَأْنه أَن يشْهد أَن يمْتَنع من تحمل الشَّهَادَة، وَلَا من أَدَائِهَا إِذا تعيّنت عَلَيْهِ. قلت: لَا يلْزم أَيْضا أَن لَا يمْتَنع من تحمل الشَّهَادَة، فَإِن التَّحَمُّل لَيْسَ بمتعين، لَا سِيمَا فِي حق النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لِأَن مقَامه أجل من ذَلِك، وكلامنا فِي التَّحَمُّل لَا فِي الْأَدَاء، إِذا تحمل. فَافْهَم. ثمَّ روى الطَّحَاوِيّ حَدِيث النُّعْمَان الْمَذْكُور من رِوَايَة الشّعبِيّ عَنهُ كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، على مَا يَأْتِي، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه صلى الله عليه وسلم أمره برد الشَّيْء، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمر بالتسوية. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: (فَرجع فَرد عطيته؟) قلت: رده عطيته فِي هَذِه الرِّوَايَات بِاخْتِيَارِهِ هُوَ لَا بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما سمع عَنهُ صلى الله عليه وسلم: (فَاتَّقُوا الله واعدلوا بَين أَوْلَادكُم) . فَإِن قلت: فِي حَدِيث الْبَاب الْأَمر بِالرُّجُوعِ صَرِيحًا حَيْثُ قَالَ: (فارجعه) قلت: لَيْسَ الْأَمر على الْإِيجَاب، وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْفضل وَالْإِحْسَان، ألَا ترى إِلَى حَدِيث أنس رَوَاهُ الْبَزَّار فِي (مُسْنده) عَنهُ:(أَن رجلا كَانَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فجَاء ابْن لَهُ فَقبله وَأَجْلسهُ على فَخذه، وجاءته بنية لَهُ فأجلسها بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (ألَا سويت بَينهمَا؟) انْتهى. وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الْوُجُوب، وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْإِنْصَاف وَالْإِحْسَان.
31 -
(بابُ الإشْهَادِ فِي الهِبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْإِشْهَاد فِي الْهِبَة.
7852 -
حدَّثنا حامِدُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثناأبُو عَوَانَةَ عنْ حُصَيْنٍ عنْ عامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بنَ بَشيرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما وهْوَ علَى المِنْبَرِ يقُولُ أعْطَانِي أبي عَطِيَّةً فَقَالَت عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أرْضاى حتَّى تُشْهِدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَواحَةَ عَطِيَّةً فأمَرَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ يَا رسولَ الله قَالَ أعْطَيْت سائرَ ولدِكَ مثْلَ هاذَا قَالَ لَا قَالَ فاتَّقُوا الله واعْدِلُوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ قَالَ فرَجَعَ فرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
(انْظُر الحَدِيث 6852 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهُوَ ظَاهر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ شَارِح التراجم: فَإِن قيل: لَيْسَ فِي حَدِيث النُّعْمَان مَا يدل على أكل الرجل مَال وَلَده، قُلْنَا: إِذا جَازَ للوالد انتزاع ملك وَلَده الثَّابِت بِالْهبةِ لغير حَاجَة، فَلِأَن يجوز عِنْد الْحَاجة أولى.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: حَامِد بن عمر بن حَفْص بن عبيد الله الثَّقَفِيّ. الثَّانِي: أَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي. الثَّالِث: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ. الرَّابِع: عَامر بن شُرَحْبِيل الشّعبِيّ. الْخَامِس: النُّعْمَان بن بشير.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَأَبُو عوَانَة واسطي وحصين وعامر كوفيان. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَهُوَ على الْمِنْبَر) ، جملَة حَالية، وَكَذَا قَوْله:(يَقُول) . قَوْله: (أَعْطَانِي أبي عَطِيَّة) ، وَكَانَ الْعَطِيَّة غُلَاما صرح بِهِ مُسلم فِي رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ: حَدثنَا النُّعْمَان بن بشير، قَالَ وَقد أعطَاهُ أَبوهُ غُلَاما، فَقَالَ لَهُ
النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (مَا هَذَا الْغُلَام؟) فَقَالَ أعطانيه أبي. قَالَ: فَكل أخوته أَعْطيته كَمَا أَعْطَيْت هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَرده. وَكَذَا صرح بِهِ فِي حَدِيث جَابر رَوَاهُ مُسلم عَنهُ، قَالَ: قَالَت امْرَأَة بشير: إنحل ابْني غلامك وَأشْهد لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الحَدِيث. فَإِن قلت: روى ابْن حبَان من رِوَايَة ابْن حريز، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره زَاي، على وزن كريم، وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا عَن الشّعبِيّ: أَن النُّعْمَان خطب بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ: إِن وَالِدي بشير بن سعد أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِن عمْرَة بنت رَوَاحَة نفست بِغُلَام، وَإِنِّي سميته النُّعْمَان، وَأَنَّهَا أَبَت أَن تربيه حَتَّى جعلت لَهُ حديقة من أفضل مَال هُوَ لي، فَإِنَّهَا قَالَت: أشهد على ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
…
وَفِيه قَوْله صلى الله عليه وسلم: (لَا أشهد على جور) قلت: وفْق ابْن حبَان بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِالْحملِ على وَاقِعَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: عِنْد ولادَة النُّعْمَان، وَكَانَت الْعَطِيَّة حَدِيثَة، وَالْأُخْرَى: بعد أَن كبر النُّعْمَان، وَكَانَت الْعَطِيَّة عبدا. وَقَالَ بَعضهم: يُعَكر عَلَيْهِ أَنه يبعد أَن ينسى بشير بن سعد، مَعَ جلالته، الحكم فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى يعود إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يستشهد على الْعَطِيَّة الثَّانِيَة بعد أَن قَالَ لَهُ فِي الأولى: لَا أشهد على جور. قلت: لَا بُعد فِي هَذَا أصلا، فَإِن الْإِنْسَان مَأْخُوذ من النسْيَان، وهموم أَحْوَال الدُّنْيَا وغم أَحْوَال الْآخِرَة تنسي أَن نِسْيَان، وَالنِّسْيَان غَالب، حَتَّى قيل: إِن الْإِنْسَان مَأْخُوذ من النسْيَان. قَوْله: (عمْرَة بنت رَوَاحَة)، بِفَتْح الرَّاء: الْأَنْصَارِيَّة زَوْجَة بشير أم النُّعْمَان، وَهِي أُخْت عبد الله بن رَوَاحَة. قَوْله:(حَتَّى تُشهِد) من الْإِشْهَاد، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَات من حَدِيث الشّعبِيّ سَبَب سُؤال شَهَادَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَفظه: عَن النُّعْمَان، قَالَ: سَأَلت أُمِّي أبي بعض الموهبة لي من مَاله، وَلَفظ مُسلم عَن الشّعبِيّ: حَدثنِي النُّعْمَان بن بشير أَن أمه ابْنة رَوَاحَة سَأَلت أَبَاهُ بعض الموهبة من مَاله، فالتوى بهَا سنة أَي: مطلها ثمَّ بدا لَهُ. وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان من هَذَا الْوَجْه: بعد حَوْلَيْنِ، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ، بِأَن يُقَال: إِن الْمدَّة كَانَت سنة وشيئاً، فجبر الْكسر تَارَة وألغى أُخْرَى، ثمَّ فِي رِوَايَة مُسلم: فَأخذ أبي بيَدي، وَأَنا يَوْمئِذٍ غُلَام، فَأتى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ، قَالَ: انْطلق بَين أبي يحملني إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه أَخذ بِيَدِهِ فَمشى مَعَه بعض الطَّرِيق، وَحمله فِي بَعْضهَا لصِغَر سنه. قَوْله:(فَرجع فَرد عَلَيْهِ عطيته) ،، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَرجع أبي فَرد تِلْكَ الصَّدَقَة. وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَات. قَالَ: لَا تشهدني على جور. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: وَلَا تشهدني إِذا فَإِنِّي لَا أشهد على جور، وَفِي رِوَايَة لَهُ: وَإِنِّي لَا أشهد إلَاّ على حق. وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: فَأشْهد على هَذَا غَيْرِي، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من طَرِيق طَاوُوس مُرْسلا: لَا أشهد إلَاّ على الْحق، لَا أشهد بِهَذِهِ. وَفِي رِوَايَة عُرْوَة عِنْد النَّسَائِيّ: فكره أَن يشْهد لَهُ، وَقد ذكرنَا وَجه امْتِنَاعه عَن الشَّهَادَة عَن قريب، وَاخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِي هَذِه الْقِصَّة الْوَاحِدَة يرجع إِلَى معنى وَاحِد.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ من أوجب التَّسْوِيَة فِي عَطِيَّة الْأَوْلَاد، وَبِه صرح البُخَارِيّ، وَهُوَ قَول طَاوُوس وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ بِهِ بعض الْمَالِكِيَّة. ثمَّ الْمَشْهُور عِنْد هَؤُلَاءِ: أَنَّهَا بَاطِلَة، وَعَن أَحْمد: يَصح وَيجب عَلَيْهِ أَن يرجع، وَعنهُ: يجوز التَّفَاضُل إِن كَانَ لَهُ سَبَب، كاحتياح الْوَلَد لزمانته أَو دينه أَو نَحْو ذَلِك. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: تجب التَّسْوِيَة إِن قصد بالتفضيل الْإِضْرَار، وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن التَّسْوِيَة مُسْتَحبَّة، فَإِن فضل بَعْضًا صَحَّ وَكره، وحملوا الْأَمر على النّدب وَالنَّهْي على التَّنْزِيه.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي صفة التَّسْوِيَة، فَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَأحمد وَإِسْحَاق وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْمَالِكِيَّة: الْعدْل إِن يُعْطي الذّكر حظين كالميراث، وَقَالَ غَيرهم: لَا يفرق بَين الذّكر وَالْأُنْثَى، وَظَاهر الْأَمر بالتسوية يشْهد لَهُم، واستأنسوا بِحَدِيث أخرجه سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا:(سووا بَين أَوْلَادكُم فِي الْعَطِيَّة، فَلَو كنت مفضلاً أحدا لفضلت النِّسَاء) . وَأجَاب عَن حَدِيث النُّعْمَان من حمل الْأَمر بالتسوية على النّدب بِوُجُوه:
الأول: أَن الْمَوْهُوب للنعمان كَانَ جَمِيع مَال وَالِده، فَلذَلِك مَنعه، ورد هَذَا بِأَن كثيرا من طرق حَدِيث النُّعْمَان صَرِيح بالبعضية، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَمن أبعد التأويلات أَن النَّهْي إِنَّمَا يتَنَاوَل من وهب جَمِيع مَاله لبَعض وَلَده، كَمَا ذهب إِلَيْهِ سَحْنُون، وَكَأَنَّهُ لم يسمع فِي نفس هَذَا الحَدِيث أَن الْمَوْهُوب كَانَ غُلَاما، وَأَنه وهبه لَهُ لما سَأَلته الْأُم الْهِبَة من بعض مَاله، قَالَ: وَهَذَا يعلم مِنْهُ على الْقطع أَنه كَانَ لَهُ مَال غَيره.
الثَّانِي: أَن الْعَطِيَّة الْمَذْكُورَة لم تتنجز، وَإِنَّمَا جَاءَ بشير وَالِد النُّعْمَان يستشير النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِأَن لَا يفعل، فَترك، حَكَاهُ
الطَّحَاوِيّ. وَقَالَ بَعضهم: وَفِي أَكثر طرق الحَدِيث مَا ينابذه. قلت: هَذَا كَلَام من لَا إنصاف لَهُ، لِأَنَّهُ يقْصد بِهَذَا تَضْعِيف مَا قَالَه، مَعَ أَنه لم يقل هَذَا إلَاّ بِحَدِيث شُعَيْب، يرويهِ شيخ البُخَارِيّ عَنهُ، وَهُوَ شُعَيْب بن أبي ضَمرَة، فَإِنَّهُ رَوَاهُ حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، قَالَ: حَدثنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي حميد بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن النُّعْمَان أَنَّهُمَا سمعا النُّعْمَان ابْن بشير، يَقُول: نَحَلَنِي أبي غُلَاما ثمَّ مَشى أبي حَتَّى إِذا أدخلني على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِنِّي نحلت إبني غُلَاما فَإِن أَذِنت أَن أجيزه لَهُ أجزت، ثمَّ ذكر الحَدِيث، فَهَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوته أَن بشيراً نحل ابْنه غُلَاما، وَلكنه لم يُنجزهُ حَتَّى اسْتَشَارَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِك، فَلم يَأْذَن لَهُ بِهِ فَتَركه.
الثَّالِث: أَن النُّعْمَان كَانَ كَبِيرا وَلم يكن قبض الْمَوْهُوب، فَجَاز لِأَبِيهِ الرُّجُوع. ذكره الطَّحَاوِيّ أَيْضا. وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ خلاف مَا فِي أَكثر طرق الحَدِيث أَيْضا، قَوْله: أرجعه، فَإِنَّهُ يدل على تقدم وُقُوع الْقَبْض. انْتهى. قلت: هَذَا أَيْضا طعن فِي كَلَام الطَّحَاوِيّ من غير وَجه وَمن غير إنصاف، لِأَنَّهُ لم يقل هَذَا أَيْضا إلَاّ وَقد أَخذه من حَدِيث يُونُس بن عبد الْأَعْلَى شيخ مُسلم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة شيخ الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان وَحميد بن عبد الرَّحْمَن أخبراه أَنَّهُمَا سمعا النُّعْمَان بن بشير يَقُول: نَحَلَنِي أبي غُلَاما، فأمرتني أُمِّي أَن أذهب إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِأُشهدَه على ذَلِك
…
الحَدِيث، فَهَذَا يدل على أَن النُّعْمَان كَانَ كَبِيرا، إِذْ لَو كَانَ صَغِيرا كَيفَ كَانَت أمه تَقول لَهُ: إذهب إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ وَقَول هَذَا الْقَائِل: إرجعه، يدل على تقدم الْقَبْض، غير دَال على الْقَبْض حَقِيقَة، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه قَالَ لبشير: إرجع عَمَّا قلت بنحل ابْنك النُّعْمَان دون أخوته.
الرَّابِع: أَن قَوْله: أشهِد، فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَغَيره، وَلَا يدل على أَن الْأَمر بالتسوية يدل على الْوُجُوب، لِأَن أَمر التوبيخ يدل عَلَيْهِ أَلْفَاظ كَثِيرَة فِي الحَدِيث يعرف بِالتَّأَمُّلِ.
الْخَامِس: أَن عمل الخليفتين أبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم على عدم التَّسْوِيَة قرينَة ظَاهِرَة فِي أَن الْأَمر للنَّدْب. أما أثر أبي بكر فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب أَن مَالِكًا حَدثهُ عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة، زوج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَت أَن أَبَا بكر الصّديق نحلهَا جدَاد عشْرين وسْقا من مَاله بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ: وَالله يَا بنية} مَا من أحد من النَّاس أحب إِلَيّ غنى بعدِي مِنْك، وَلَا أعز عَليّ فقرا بعدِي مِنْك، وَإِنِّي كنت نحلتك جدَاد عشْرين وسْقا، فَلَو كنت جددته وأحرزته كَانَ لَك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال الْوَارِث، وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك، فَاقْتَسمُوهُ على بَيَان كتاب الله تَعَالَى. فَقَالَت عَائِشَة: وَالله يَا أبتِ {لَو كَانَ كَذَا وَكَذَا لتركته، إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء، فَمن الْأُخْرَى؟ فَقَالَ: ذُو بطن بنت خَارِجَة، أَرَاهَا جَارِيَة. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي (سنَنه) من حَدِيث شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير، أَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَحَلَنِي جدَاد عشْرين وسْقا من مَاله، فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة جلس فاحتبى، ثمَّ تشهد ثمَّ قَالَ: أما بعد} أَي بنية
…
إِن أحب النَّاس إِلَيّ غنى بعدِي لأنتِ، وَإِنِّي كنت نحلتك جدَاد عشْرين وسْقا من مَالِي، فوددت وَالله لَو أَنَّك كنت خزنته وجددته، وَلَكِن إِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال الْوَارِث، وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك. فَقلت: يَا أبتاه هَذِه أَسمَاء، فَمن الْأُخْرَى؟ قَالَ: ذُو بطن ابْنة خَارِجَة، أَرَاهَا جَارِيَة، فَقلت لَو أَعْطَيْتنِي مَا هُوَ كَذَا إِلَى كَذَا لرددته إِلَيْك. قَالَ الشَّافِعِي: وَفضل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَاصِمًا بِشَيْء، وَفضل ابْن عَوْف ولد أم كُلْثُوم. وَأما أثر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَذكره الطَّحَاوِيّ أَيْضا كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي، رحمه الله، وَأخرج عبد الله بن وهب فِي (مُسْنده)، وَقَالَ: بَلغنِي عَن عَمْرو بن دِينَار أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف نحل ابْنَته من أم كُلْثُوم بنت عقبَة ابْن أبي معيط أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم، وَله ولد من غَيرهَا. قلت: هَذَا مُنْقَطع.
السَّادِس: هُوَ الْجَواب الْقَاطِع أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على جَوَاز إِعْطَاء الرجل مَاله لغير وَلَده، فَإِذا جَازَ لَهُ أَن يخرج جَمِيع وَلَده من مَاله جَازَ لَهُ أَن يخرج عَن ذَلِك لبَعْضهِم، ذكره ابْن عبد الْبر، قيل: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ وجود النَّص. قلت: إِنَّمَا يمْنَع ذَلِك ابْتِدَاء، وَأما إِذا عمل بِالنَّصِّ على وَجه من الْوُجُوه، ثمَّ إِذا قيس ذَلِك الْوَجْه إِلَى وَجه آخر، لَا يُقَال: إِنَّه عمل بِالْقِيَاسِ مَعَ وجود النَّص. فَافْهَم.
وَفِي الحَدِيث من الْفَوَائِد: النّدب إِلَى التَّأْلِيف بَين الْأُخوة وَترك مَا يُوقع بَينهم الشحناء وَيُورث العقوق للآباء. وَفِيه: إِن الْعَطِيَّة إِذا كَانَت من الْأَب لصغير لَا يحْتَاج إِلَى الْقَبْض، فَيَكْفِي قبُوله لَهُ. وَفِيه: كَرَاهَة تحمل الشَّهَادَة فِيمَا لَيْسَ بمباح. وَفِيه: أَن الْإِشْهَاد فِي الْهِبَة مَشْرُوع، وَلَيْسَ بِوَاجِب. وَفِيه: جَوَاز الْميل إِلَى بعض الْأَوْلَاد والزوجات دون بعض، لِأَن هَذَا أَمر قلبِي وَلَيْسَ باختياري. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة