الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضعفاء لأَنهم لَو تركُوا بحالهم لضاعوا لعدم استقلالهم بالمعاش. قَوْله: (عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة بن حبيب) ، ضد الْعَدو ابْن عبد شمس الْقرشِي أسلم يَوْم الْفَتْح، وَهُوَ الَّذِي فتح سجستان وَمَات بِالْبَصْرَةِ أَو بمرو سنة إِحْدَى وَخمسين، وَعبد الله بن عَامر ابْن كريز، بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالزاي، مَاتَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة، وَقد افْتتح خُرَاسَان وأصبهان وكرمان، وَقتل كسْرَى فِي ولَايَته، وَقيل: أحرم من نيسابور شكرا الله تَعَالَى، وَمَات سنة تسع وَخمسين. قَوْله:(واطلبا إِلَيْهِ)، أَي: يكون مطلوبكما مفوضاً إِلَيْهِ وطلبكما منتهياً إِلَيْهِ، أَي: التزما مطالبه. قَوْله: (إِنَّا بَنو عبد الْمطلب قد أصبْنَا من هَذَا المَال) ، مَعْنَاهُ إِنَّا بَنو عبد الْمطلب المجبولون على الْكَرم والتوسع لمن حوالينا من الْأَهْل والموالي، وَقد أصبْنَا من هَذَا المَال بالخلافة مَا صَارَت لنا بِهِ عَادَة إِنْفَاق وأفضال على الْأَهْل والحاشية، فَإِن تخليت من هَذَا الْأَمر قَطعنَا الْعَادة، وَإِن هَذِه الْأمة قد عاثت فِي دمائها، قتل بَعْضهَا بَعْضًا، فَلَا يكفون إلَاّ بِالْمَالِ، فَأَرَادَ أَن يسكن الْفِتْنَة وَيفرق المَال فِيمَا لَا يرضيه غير المَال، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن وَعبد الله: نفرض لَك من المَال فِي كل عَام كَذَا، وَمن الأقوات وَالثيَاب مَا تحْتَاج إِلَيْهِ لكل مَا ذكرت، فصالحاه على ذَلِك، فَقبل مِنْهُمَا لعلمه أَن مُعَاوِيَة لَا يخالفهما، وَاشْترط شُرُوطًا، وَسلم الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة. قَوْله:(قَالَا: فَإِنَّهُ يعرض عَلَيْك) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن وَعبد الله: فَإِن مُعَاوِيَة يعرض عَلَيْك. قَوْله: (قَالَ: فَمن لي بِهَذَا؟) أَي: قَالَ الْحسن: فَمن يكفل لي بِالَّذِي تذكر أَنه؟ (قَالَا: نَحن لَك بِهِ) أَي: نَحن نكفل لَك بِالَّذِي ذكرنَا. قَوْله: (فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئا) أَي: فَمَا سَأَلَ الْحسن عبد الرَّحْمَن وَعبد الله شَيْئا من الْأَشْيَاء. (إلَاّ قَالَا: نَحن لَك بِهِ) أَي: نَحن نكفل لَك بِهِ. قَوْله: (فَصَالحه) أَي: فَلَمَّا فرغت هَذِه المحاورات بَينهمَا وَبَين الْحسن صَالح الْحسن مُعَاوِيَة. قَوْله: (فَقَالَ الْحسن) أَي: الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (أَبَا بكرَة) ، هُوَ نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ، وَالْوَاو فِي قَوْله:(وَالْحسن) وَفِي قَوْله: (وَهُوَ يقبل) للْحَال. قَوْله: (فئتين) ، تَثْنِيَة فِئَة، الفئة: الْفرْقَة مَأْخُوذَة من: فأوت رَأسه بِالسَّيْفِ، وفأيت: إِذا شققته، وَجمع الفئة فئات وفئون، وَقَالَ ابْن الْأَثِير، رَحمَه الله تَعَالَى: الفئة الْجَمَاعَة من النَّاس فِي الأَصْل، والطائفة الَّتِي تقيم وَرَاء الْجَيْش، فَإِن كَانَ عَلَيْهِم خوف أَو هزيمَة التجئوا إِلَيْهِم، وَمعنى: عظيمتين، قد مر فِي أول الْبَاب.
وَفِيه: فَضِيلَة الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، دَعَاهُ ورعه إِلَى ترك الْملك وَالدُّنْيَا رَغْبَة فِيمَا عِنْد الله تَعَالَى، وَلم يكن ذَلِك لعِلَّة وَلَا لذلة وَلَا لقلَّة، وَقد بَايعه على الْمَوْت أَرْبَعُونَ ألفا، فَصَالحه رِعَايَة لمصْلحَة دينه ومصلحة الْأمة، وَكفى بِهِ شرفاً وفضلاً، فَلَا أسيَد مِمَّن سَمَّاهُ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، سيداً. وَفِيه: وَفِيه أَن الرُّسُل يسمع قَوْلهم وَلَا يتَعَرَّض إِلَيْهِ. وَفِيه ولَايَة الْمَفْضُول على الْفَاضِل لِأَن مُعَاوِيَة ولى وَسعد وَسَعِيد حَيَّان وهما يدريان أَن قتال الْمُسلم الْمُسلم لَا يُخرجهُ عَن الْإِسْلَام إِذا كَانَ على تَأْوِيل. وَقَوله صلى الله عليه وسلم: (إِذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار) ، المُرَاد بِهِ تَأْكِيد الْوَعيد عَلَيْهِم، وَقَالَ الْمُهلب: الحَدِيث يدل على أَن السِّيَادَة إِنَّمَا يَسْتَحِقهَا من ينْتَفع بِهِ النَّاس، لِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، علق السِّيَادَة بالإصلاح بَين النَّاس.
وَقَالَ أَبُو عَبْدُ الله قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله إنَّما ثَبَتَ لَنا سَماعُ الْحَسَنِ مِنْ أبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الحَدِيثِ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. قَوْله:(سَماع الْحسن)، أَي: الْبَصْرِيّ من أبي بكرَة نفيع الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ صرح بِالسَّمَاعِ مِنْهُ والْحَدِيث الْمَذْكُور رُوِيَ عَن جَابر أَيْضا، قَالَ الْبَزَّار: وَحَدِيث أبي بكرَة أشهر وَأحسن إِسْنَادًا، وَحَدِيث جَابر أعرف، وَذكر ابْن بطال أَنه روى أَيْضا عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة، وَزعم الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْحسن رَوَاهُ أَيْضا عَن أم سَلمَة. قَالَ: وَهَذِه الرِّوَايَة وهم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن ابْن أَزْهَر وعَوْف الْأَعرَابِي عَن الْحسن مُرْسلا، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآل.
01 -
(بابٌ هَلْ يُشيرُ الإمَامُ بالصُّلْحِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ هَل يُشِير الإِمَام لأحد الْخَصْمَيْنِ، أَولهمَا جَمِيعًا، بِالصُّلْحِ، وَإِن اتجه الْحق لأَحَدهمَا، وَفِيه خلاف، فَلذَلِك لم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام، فالجمهور استحبوا ذَلِك وَمنعه الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ ابْن التِّين: لَيْسَ فِي حَدِيثي الْبَاب مَا ترْجم بِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ ا
الحض على ترك بعض الْحق، ورد عَلَيْهِ بِأَن أشارته صلى الله عليه وسلم بحط بعض الْحق بِمَعْنى الصُّلْح.
5072 -
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبِي أوَيْسٍ قَالَ حدَّثني أخِي عنْ سُلَيْمَانَ عنْ يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عَن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمانِ قالتْ سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تقولُ سَمِعَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَوْتَ خُصُومٍ بالبابِ عالِيَةٍ أصْوَاتُهُمَا وإذَا أحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ ويَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وهْوَ يَقُولُ وَالله لَا أفْعَلُ فخَرَجَ عَلَيْهِمَا رسوُلُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أيْنَ المُتألَّى على الله لَا يَفْعَلُ المَعْرُوفَ فَقَالَ أنَا يَا رسولَ الله ولهُ أيُّ ذالِكَ أحَبَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي قَوْله: (وَله أَي ذَلِك أحب) معنى الصُّلْح، وأخو إِسْمَاعِيل هُوَ عبد الحميد بن أبي أويس واسْمه عبد الله بن أبي بكر الأصبحي الْمدنِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو الرِّجَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ وكنى بِأبي الرِّجَال لما كَانَ لَهُ أَوْلَاد عشرَة كلهم صَارُوا رجَالًا كَامِلين، وَأمه عمْرَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة الْأَنْصَارِيَّة، مَاتَت سنة سِتّ وَمِائَة.
وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم مدنيون. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الشّركَة، وَقَالَ: حَدثنَا غير وَاحِد عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، قَالَ عِيَاض: إِن قَول الرَّاوِي: حَدثنَا غير وَاحِد، أَو حَدثنَا الثِّقَة، أَو بعض أَصْحَابنَا، لَيْسَ من الْمَقْطُوع وَلَا من الْمُرْسل وَلَا من المعضل عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ، بل هُوَ من بَاب الرِّوَايَة عَن الْمَجْهُول، قَالَ: وَلَعَلَّ مُسلما أَرَادَ بقوله: غير وَاحِد، البُخَارِيّ وَغَيره، وَأَبُو دَاوُد عد هَذَا النَّوْع مُرْسلا وَعند أبي عمر والخطيب هُوَ مُنْقَطع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صَوت خصوم) ، الْخُصُوم، بِضَم الْخَاء: جمع خصم، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْخصم يَسْتَوِي فِيهِ الْجمع والمؤنث لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر، وَمن الْعَرَب من يثنيه ويجمعه فَيَقُول: خصمان وخصوم، والخصم، بِفَتْح الْخَاء وَكسر الصَّاد أَيْضا: الْخصم، وَالْجمع: خصماء، وَيُقَال: الْخصم، بِكَسْر الصَّاد: شَدِيد الْخُصُومَة وَالْخُصُومَة الإسم. قَوْله: (عالية أصواتهما) ، ويروى (أَصْوَاتهم)، أَي: أصوات الْخُصُوم، وَهُوَ ظَاهر، لِأَن الْخُصُوم جمع، وَأما وَجه: أصواتهما، بتثنية الضَّمِير فباعتبار الْخَصْمَيْنِ المتنازعين. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا على قَول من قَالَ: أقل الْجمع اثْنَان، وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ فِيهِ حجَّة لمن يجوز صِيغَة الْجمع بالإثنين، كَمَا زعم بعض الشُّرَّاح، قلت: إِن كَانَ مُرَاده من بعض الشُّرَّاح الْكرْمَانِي: فَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لم يزْعم ذَلِك، بل ذكر أَنه: على قَول من قَالَ أقل الْجمع إثنان، ويروى: أصواتها، بإفراد الضَّمِير للمؤنث، وَوَجهه أَن يكون بِالنّظرِ إِلَى لفظ الْخُصُوم الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، كَمَا قُلْنَا. قَوْله:(عالية) ، يجوز فِيهِ الْجَرّ وَالنّصب، أما الْجَرّ فعلى أَنه صفة، وَأما النصب فعلى الْحَال. وَقَوله:(أصواتهما)، بِالرَّفْع بقوله: عالية، لِأَن اسْم الْفَاعِل يعْمل عمل فعله. قَوْله:(وَإِذا أَحدهمَا)، كلمة: إِذا، للمفاجأة و: أَحدهمَا، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ. (ويستوضع) خَبره، وَإِنَّمَا قَالَ: أَحدهمَا، بتثنية الضَّمِير لما قُلْنَا: إِنَّه بِاعْتِبَار الْخَصْمَيْنِ، وَمعنى: يستوضع، يطْلب أَن يضع من دينه شَيْئا. قَوْله:(ويسترفقه)، أَي: يطْلب مِنْهُ أَن يرفق بِهِ فِي الِاسْتِيفَاء والمطالبة، قَوْله:(فِي شَيْء)، أَي من الدّين وَحَاصِله فِي حط شَيْء مِنْهُ قَوْله (وَهُوَ يَقُول) أَي وَالْحَال أَن الآخر وَهُوَ الطَّالِب يَقُول (وَالله لَا أفعل) أَي: لَا أحط شَيْئا. قَوْله: (فَخرج عَلَيْهِمَا)، أَي: على المتخاصمين اللَّذين بِالْبَابِ. قَوْله: (أَيْن المتألي؟) ، بِضَم الْمِيم وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق والهمزة وَتَشْديد اللَّام الْمَكْسُورَة، أَي: الْحَالِف المبالغ فِي الْيَمين، مَأْخُوذ من: الألية، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي الْيَمين. قَوْله:(فَلهُ أَي ذَلِك أحب)، أَي: فلخصمي أَي شَيْء من الْحَط أَو الرِّفْق أحب، وَفِي روايلاة ابْن حبَان: دخلت امْرَأَة على النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَت:(إِنِّي ابتعت أَنا وَابْني من فلَان تَمرا، فأحصيناه. لَا وَالَّذِي أكرمك بِالْحَقِّ مَا أحصينا مِنْهُ إلَاّ مَا نأكله فِي بطوننا، أَو نطعمه مِسْكينا، وَجِئْنَا نستوضعه مَا نقصنا، فَقَالَ: إِن شِئْت وضعت مَا نَقَصُوا وَإِن شِئْت من رَأس المَال) . فَوضع مَا نَقَصُوا، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا يشْعر بِأَن المُرَاد بِالْوَضْعِ: الْحَط من رَأس المَال، وبالرفق: الِاقْتِصَار عَلَيْهِ، وَترك الزِّيَادَة، لَا كَمَا زعم بعض الشُّرَّاح: أَنه يُرِيد بالرفق الْإِمْهَال. قلت: قد فسر الشَّيْخ مُحي الدّين