الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز كَمَا فِي قتل الْخَطَأ، وَعَن أَحْمد كَقَوْلِنَا وَعنهُ: يجوز مُطلقًا، وَلنَا إِطْلَاق النُّصُوص وَآيَة الْقَتْل مُقَيّدَة بِالْإِيمَان، وَالْأَصْل فِي كل نَص أَن يعْمل بِمُقْتَضَاهُ إطلاقاً وتقييداً.
31 -
(بابُ مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَبِ رَقيقاً فوَهَبَ وباَعَ وجامعَ وفَداى وسَباى الذُّرِّيَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من ملك من الْعَرَب رَقِيقا، وَالْعرب الجيل الْمَعْرُوف من النَّاس وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَسَوَاء أَقَامَ بالبادية أَو المدن، والأعراب ساكنوا الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَ بهَا إلَاّ لحَاجَة، وَالنّسب إِلَيْهَا أَعْرَابِي وعربي. وَاخْتلف فِي نسبتهم، وَالأَصَح: أَنهم نسبوا إِلَى عربة، بِفتْحَتَيْنِ: وَهِي من تهَامَة، لِأَن أباهم إِسْمَاعِيل، عليه الصلاة والسلام، نَشأ بهَا. قَوْله:(فوهب) إِلَى آخِره، تَفْصِيل قَوْله: ملك، فَذكر خَمْسَة أَشْيَاء: الْهِبَة وَالْبيع وَالْجِمَاع والفدى والسبي، وَذكر فِي الْبَاب أَرْبَعَة أَحَادِيث وَبَين فِي كلِّ حديثٍ حُكْمَ كلِّ وَاحِد مِنْهَا غير البيع، وَهُوَ أَيْضا مَذْكُور فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي بعض طرقه، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى، ومفعولات: وهب وَبَاعَ وجامع وفدى محذوفة. قَوْله: (وسبى)، عطف على قَوْله: ملك (والذرية) نسل الثقلَيْن، يُقَال: ذرا الله الْخلق، أَي: خلقهمْ وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِعقد هَذِه التَّرْجَمَة بَيَان الْخلاف فِي استرقاق الْعَرَب، وَالْجُمْهُور على أَن الْعَرَبِيّ إِذا سبي جَازَ أَن يسترق، وَإِذا تزوج أمة بِشَرْطِهِ كَانَ وَلَدهَا رَقِيقا تبعا لَهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ، وحجتهم أَحَادِيث الْبَاب، وَبِه قَالَ الْكُوفِيُّونَ: وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر: يلْزم سيد الْأمة أَن يقومه على أَبِيه ويلتزم أَبوهُ بأَدَاء الْقيمَة، وَلَا يسترق، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: لَا يسترق ولد عَرَبِيّ من أَبِيه، وَقَالَ اللَّيْث: أما مَا رُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من فدَاء ولد الْعَرَب من الولائد، إِنَّمَا كَانَ من أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة، وَفِيمَا أقرّ بِهِ الرجل من نِكَاح الْإِمَاء فَأَما الْيَوْم فَمن تزوج أمة وَهُوَ يعلم أَنَّهَا أمة، فولده عبد لسَيِّدهَا عَرَبيا كَانَ أَو قريشياً أَو غَيره.
وقوْلِهِ تَعَالَى: {ضرَبَ الله مَثَلاً عبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ومَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وجَهْرَاً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لله بَلْ أكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (النَّحْل: 57) .
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله:(من ملك) ، لِأَنَّهُ فِي مَحل الْجَرّ بِالْإِضَافَة، وَفِيه التَّقْدِير الْمَذْكُور، وَهُوَ: بَاب فِي بَيَان من ملك الْعَرَب، وَفِي ذكر قَول الله تَعَالَى:{ضرب الله مثلا} (النَّحْل: 57) . وَفِي بعض النّسخ: وَقَول الله تَعَالَى.
قيل: وَجه مُنَاسبَة الْآيَة للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن الله تَعَالَى أطلق العَبْد الْمَمْلُوك وَلم يُقَيِّدهُ بِكَوْنِهِ عجمياً، فَدلَّ على أَن لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعَرَبِيّ والعجمي.
قَوْله: {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا} (النَّحْل: 47) . لما نهى الله تَعَالَى الْمُشْركين عَن ضرب الْأَمْثَال بقوله: قبل هَذِه الْآيَة: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال} (النَّحْل: 47) . أَي: الْأَشْبَاه والأشكال، إِن الله يعلم مَا يكون قبل أَن يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، علمهمْ كَيفَ يضْرب الْأَمْثَال، فَقَالَ: مثلكُمْ فِي إشراككم بِاللَّه الْأَوْثَان من سوَّى بَين عبد مَمْلُوك عَاجز عَن التَّصَرُّف، وَبَين حر مَالك قد يرزقه الله مَالا، ويتصرف فِيهِ وَينْفق كَيفَ يَشَاء. قَوْله:(عبدا مَمْلُوكا) إِنَّمَا ذكر الْمَمْلُوك ليمين بَينه وَبَين الْحر، لِأَن اسْم العَبْد يَقع عَلَيْهِمَا إِذْ هما من عباد الله تَعَالَى. قَوْله:(لَا يقدر على شَيْء) أَي: لَا يملك مَا بِيَدِهِ وَإِن كَانَ بَاقِيا مَعَه، لِأَن للسَّيِّد انْتِزَاعه مِنْهُ وَيخرج مِنْهُ الْمكَاتب والمأذون لَهُ، لِأَنَّهُمَا يقدران على التَّصَرُّف. فَإِن قلت: من، فِي {وَمن رزقناه} (النَّحْل: 57) . مَا هِيَ؟ قلت: الظَّاهِر أَنَّهَا مَوْصُوفَة كَأَنَّهُ قيل: وحراً رزقناه ليطابق عبدا، وَلَا يمْتَنع أَن تكون مَوْصُولَة، وَإِنَّمَا قَالَ: هَل يستوون، بِالْجمعِ، لِأَن الْمَعْنى: هَل يَسْتَوِي الْأَحْرَار وَالْعَبِيد، فَالْمُرَاد الشُّيُوع فِي الْجِنْس لَا التَّخْصِيص، ثمَّ قَالَ:{الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} (النَّحْل: 57) . أَن الْحَمد لي وَجَمِيع النعم مني. ثمَّ اعْلَم أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي معنى هَذِه الْآيَة، فَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك: هَذَا الْمثل لله تَعَالَى وَمن عبد دونه، وَقَالَ قَتَادَة: هَذَا الْمثل لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر، فَذهب إِلَى أَن العَبْد الْمَمْلُوك هُوَ الْكَافِر، لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع فِي الْآخِرَة بِشَيْء من عمله. قَوْله:{وَمن رزقناه منَّا رزقا حسنا} (النَّحْل: 57) . هُوَ الْمُؤمن.
0452 -
حدَّثنا ابنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ أخْبَرني اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ ذكَرَ عُرْزَةُ أأ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ قَالَ أخبراهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قامَ حِينَ جاءَهُ وفْدُ هَوازِنَ فَسألُوهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ وسَبْيَهُمْ فَقَالَ إنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وأحَبُّ الحَدِيثِ إليَّ أصْدَقُهُ فاخْتاروا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إمَّا المَالَ وإمَّا السَّبْيَ وقدْ كُنْتُ اسْتَأنَيْتُ بِهِمْ وكانَ النبيُّصلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتظرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ فلَمَّا تبَيَّنَ لهمْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم غيرُ رَادٍّ إلَيْهِمْ إلَاّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا إنَّا نَخْتارُ سَبْيَنا فقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فأثْناى علَى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ إخْوَانَكُمْ جاؤنا تائِبينَ وإنِّي رأيْتُ أنْ أرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يُطَيِّبَ ذالِكَ فلْيَفْعَلْ ومنْ أحَبَّ أنْ يَكُونَ على حظِّهِ حتَّى نُعْطِيَهُ إيَّاهُ منْ أوَّلِ مَا يفيءُ الله علَيْنا فلْيَفْعَلْ فقالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا ذالِكَ قَالَ إنَّا لَا نَدْرِي منْ أذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فارْجِعُوا حتَّى يَرْفعَ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أمْرَكُمْ فرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُم ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخْبروهُ أنَّهُمْ طَيَّبُوا وأذِنُوا فهاذا الَّذِي بلَغَنا عَنْ سَبْيِ هَوازنَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من ملك رَقِيقا من الْعَرَب فوهب) وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْوكَالَة فِي: بَاب إِذا وهب شَيْئا لوكيل أَو شَفِيع قومٍ جَازَ إِلَى قَوْله: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: نَصِيبي لكم. وَأخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل
…
إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن اللَّيْث
…
إِلَى آخِره. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (ذكر عُرْوَة) ، هُوَ ابْن الزبير، وَسَيَأْتِي فِي الشُّرُوط من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي عُرْوَة. قَوْله: (أَن مَرْوَان والمسور بن مخرمَة) مَرْوَان هُوَ ابْن الحكم، قَالَ الْكرْمَانِي: صَحَّ سَماع مسور من النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَأما مَرْوَان فقد قَالَ الْوَاقِدِيّ: رأى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَلكنه لم يحفظ عَنهُ شَيْئا، وَقَالَ ابْن بطال: الحَدِيث مُرْسل، لم يسمع الْمسور من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئا، ومروان لم يره قطّ. قَوْله:(اسْتَأْنَيْت)، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْهمزَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: أَي انتظرت. قَوْله: (حِين قفل)، أَي: حِين رَحل. قَوْله: (حَتَّى يفِيء الله) ، بِفَتْح الْيَاء، أَي: حَتَّى يرجع الله إِلَيْنَا من مَال الْكفَّار وَيُعْطِينَا خراجاً أَو غنيمَة أَو غير ذَلِك، وَلَيْسَ المُرَاد الْفَيْء الاصطلاحي مَخْصُوصًا. قَوْله:(عُرَفَاؤُكُمْ) جمع عريف، وَهُوَ النَّقِيب وَهُوَ دون الرئيس. قَوْله:(فَهَذَا الَّذِي بلغنَا عَن سبي هوَازن) ، هُوَ قَول ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة فِي سنة ثَمَان.
1452 -
حدَّثنا علِيُّ بنُ الحَسَنِ قَالَ أخْبرنا عبْدُ الله قَالَ أخْبرنا ابنُ عَوْنٍ قَالَ كتَبْتُ إِلَى نافِعٍ فكتَبَ إلَيَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أغارَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وهُمْ غارُّونَ وأنْعامُهُمْ تُسْقى على الماءِ فقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وسباى ذَرَارِيَّهُمْ وأصابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ قَالَ حدَّثني بِهِ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ وكانَ فِي ذالِكَ الْجَيْشِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وسبى ذَرَارِيهمْ) وَفِي التَّرْجَمَة: وسبى الذُّرِّيَّة.
وَعلي بن الْحسن بن شَقِيق، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْقَاف الأولى: الْمروزِي، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَابْن عون، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: هُوَ عبد الله بن عون، مر فِي الْعلم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن سعيد بن مَنْصُور عَن إِسْمَاعِيل بن علية. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع.
قَوْله: (قَالَ كتبت) أَي: قَالَ ابْن عون: كتبت إِلَى نَافِع فِي أَمر بني المصطلق، فَكتب. . إِلَى آخِره، قد ذكرنَا فِي: بَاب إِذا اخْتلف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن أَن الْكِتَابَة حكمهَا حكم الِاتِّصَال لَا الِانْقِطَاع. قَوْله: (أغار) بالغين الْمُعْجَمَة، يُقَال: أغار على عدوه إِذا هجم عَلَيْهِ ونهبه، ومصدره الإغارة، والغارة اسْم من الإغارة. ومادته: غين وواو وَرَاء. قَوْله: (بني المصطلق)، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالقاف: وَهِي بطن من خُزَاعَة، والمصطلق هُوَ ابْن سعد بن عَمْرو بن ربيعَة ابْن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر، وَيُقَال: إِن المصطلق لقب واسْمه جذيمة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة: ابْن سعد بن عَمْرو. وَعَمْرو هُوَ أَبُو خُزَاعَة، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: سمي المصطلق لحسن صَوته، مفتعل من الصلق، والصلق شدَّة الصَّوْت وحدته، من قَوْله عز وجل:{سلقوكم بألسنة حداد} (الْأَحْزَاب: 91) . وَيُقَال: صلق بَنو فلَان بني فلَان، إِذا وَقَعُوا بهم وقتلوهم قتلا ذريعاً، قَوْله:(وهم غَارونَ) ، جملَة إسمية حَالية بالغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء، والغارون جمع غَار، أَي: غافل أَي أَخذهم على غرَّة وبغتة. قَوْله: (وأنعامهم تَسْقِي) أَيْضا جملَة إسمية حَالية، والأنعام، بِفَتْح الْهمزَة جمع: نعم، قَالَ الْجَوْهَرِي: النعم وَاحِد الْأَنْعَام، وَهل المَال الراعية، وَأكْثر مَا يَقع هَذَا الإسم على الْإِبِل، قَالَ الْفراء: هُوَ ذكر لَا يؤنث، يَقُولُونَ: هَذَا نعم وَارِد وَيجمع على نعْمَان، والأنعام تذكر وتؤنث قَالَ الله تَعَالَى فِي مَوضِع:{مِمَّا فِي بطونه} (النَّحْل: 66) . وَفِي مَوضِع {مِمَّا فِي بطونها} وَجمع الْجمع: أناعيم. قَوْله: (تسقى)، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(فَقتل مُقَاتلَتهمْ) أَي: الطَّائِفَة الْبَالِغين الَّذين هم على صدد الْقِتَال. قَوْله: (ذَرَارِيهمْ)، بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها وَهُوَ جمع ذُرِّيَّة. قَوْله:(يَوْمئِذٍ)، أَي: يَوْم الإغارة على بني المصطلق. قَوْله: (جوَيْرِية) ، مصغر جَارِيَة.
وَمن حَدِيثهَا مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: لما قسم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، سَبَايَا بني المصطلق وَقعت جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي السهْم لِثَابِت بن قيس بن شماس أَو لِابْنِ عَم لَهُ، فكاتبته على نَفسهَا وَكَانَت امْرَأَة حلوة ملاحة لَا يَرَاهَا إحد إلَاّ أخذت بِنَفسِهِ، فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه فِي كتَابَتهَا، قَالَت: فوَاللَّه مَا هُوَ إلَاّ أَن رَأَيْتهَا على بَاب حُجْرَتي، فكرهتها وَعرفت أَنه سيرى مِنْهَا مَا رَأَيْت، فَدخلت عَلَيْهِ فَقَالَت: يَا رَسُول الله {أَنا جوَيْرِية بنت الْحَارِث بن أبي ضرار سيد قومه، وَقد أصابني من البلايا مَا لم يخف عَلَيْك، فَوَقَعت فِي السهْم لِثَابِت بن قيس بن شماس أَو لِابْنِ عَم لَهُ، فكاتبته فجئتك استعينك على كتابتي. قَالَ: فَهَل لَك من خير فِي ذَلِك؟ قَالَت: وَمَا هُوَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أَقْْضِي كتابك وأتزوجك؟ قَالَت: نعم يَا رَسُول الله} قد فعلت. قَالَت: وَخرج الْخَبَر إِلَى النَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جوَيْرِية بنت الْحَارِث، فَقَالَ النَّاس: أصها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا مَا بِأَيْدِيهِم. قَالَت: فَلَقَد اعْتِقْ بتزويجه إِيَّاهَا مائَة أهل بَيت من بني المصطلق، فَمَا أعلم امْرَأَة كَانَت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا.
وروى مُوسَى بن عقبَة عَن بعض بني المصطلق: أَن أَبَاهَا طلبَهَا وافتداها ثمَّ خطبهَا مِنْهُ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَزَوجهُ إِيَّاهَا. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَيُقَال: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، جعل صَدَاقهَا عتق كل أَسِير من بني المصطلق، وَيُقَال: جعل صَدَاقهَا عتق أَرْبَعِينَ من بني المصطلق، وَكَانَت جوَيْرِية تَحت مسافع بن صَفْوَان المصطلقي، وَقيل: صَفْوَان بن مَالك، وَكَانَ اسْمهَا: برة، فغيرها النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فسماها جوَيْرِية، وَمَاتَتْ فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَلها خمس وَسِتُّونَ سنة.
وَأما غَزْوَة بني المصطلق، فَقَالَ البُخَارِيّ: وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَذَلِكَ سنة سِتّ. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: سنة أَربع. انْتهى. وَقَالَ الصغاني: غَزْوَة الْمُريْسِيع من غزوات رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي سنة خمس من مهاجره، قَالُوا: إِن بني المصطلق من خُزَاعَة يُرِيدُونَ محاربة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانُوا ينزلون على بئرٍ لَهُم يُقَال لَهَا: الْمُريْسِيع، بَينهَا وَبَين الْفَرْع مسيرَة يَوْم، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت غَزْوَة بني المصطلق لليلتين من شعْبَان سنة خمس فِي سَبْعمِائة من أَصْحَابه، وَقَالَ ابْن هِشَام: اسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ، وَيُقَال: نميلَة بن عبد الله اللَّيْثِيّ، وَذكر ابْن سعد ندب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس إِلَيْهِم، فَأَسْرعُوا الْخُرُوج وقادوا الْخَيل، وَهِي ثَلَاثُونَ فرسا فِي الْمُهَاجِرين مِنْهَا عشرَة، وَفِي الْأَنْصَار عشرُون، واستخلف على الْمَدِينَة زيد بن حَارِثَة وَكَانَ مَعَه فرسَان لزار والظرب، وَيُقَال: كَانَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَامِل راية الْمُهَاجِرين، وَسعد بن عبَادَة حَامِل راية الْأَنْصَار، فَقتلُوا مِنْهُم عشرَة وأسروا سَائِرهمْ، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: بلغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أَن بني المصطلق يجمعُونَ لَهُ وَقَائِدهمْ الْحَارِث بن أبي ضرار، أَبُو جوَيْرِية بنت الْحَارِث الَّتِي تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا سمع بهم خرج إِلَيْهِم حَتَّى لَقِيَهُمْ على مَاء من مِيَاههمْ يُقَال لَهُ: الْمُريْسِيع، من نَاحيَة قديد إِلَى السَّاحِل، فتزاحف
النَّاس فَاقْتَتلُوا، فَهزمَ الله بني المصطلق وَقتل من قتل، وَنفل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَبْنَاءَهُم ونساءهم وَأَمْوَالهمْ، فأفاءهم عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن سعد: وَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتفوا، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم بُرَيْدَة بن الخصيب، وَأمر بالغلام فَجمعت وَاسْتعْمل عَلَيْهِم شقران مَوْلَاهُ، وَجمع الذُّرِّيَّة نَاحيَة وَاسْتعْمل على سهم الْخمس وسهمان الْمُسلمين محيمة بن جُزْء الزبيدِيّ، وَكَانَت الْإِبِل ألفي بعير، والشياه خَمْسَة آلَاف، وَكَانَ السَّبي مِائَتي بنت، وَغَابَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ثَمَانِيَة وَعشْرين وَقدم الْمَدِينَة هِلَال رَمَضَان، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَأُصِيب بني المصطلق نَاس، وَقتل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مِنْهُم رجلَيْنِ مَالِكًا وَابْنه، وَكَانَ شعار الْمُسلمين يَوْمئِذٍ: يَا مَنْصُور أمت أمت.
2452 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مَال عنْ رَبِيعَةَ بنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمانِ عَن مُحَمَّدِ بنِ يَحْياى بنِ حَبَّانَ عنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ رأيْتُ أَبَا سعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَسألْتُهُ فَقَالَ خرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فأصَبْنَا سبْياٍ مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فاشْتَهَيْنَا النِّساءَ فاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العُزْبَةُ وأحْبَبْنا العَزْلَ فسَألْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا تَفْعَلُوا مَا منْ نَسَمةٍ كائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إلأ وهْيَ كائِنَةٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِيهَا: وجامع، يَعْنِي: بعد أَن ملك من الْعَرَب سبياً وَرَبِيعَة، بِفَتْح الرَّاء: الْمَشْهُور بربيعة الرَّأْي شيخ مَالك، وَمُحَمّد بن يحيى بن حبَان، بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون: مر فِي الْوضُوء، وَابْن محيريز هُوَ عبد الله بن محيريز، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة وَكسر الرَّاء وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة أَيْضا وَفِي آخِره زَاي. وَمر الحَدِيث فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب بيع الرَّقِيق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي محيريز: أَن أَبَا سعيد
…
إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الْعَزْل)، هُوَ نزع الذّكر من الْفرج عِنْد الْإِنْزَال. قَوْله:(مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا) يَعْنِي: لَا بَأْس عَلَيْكُم أذا تركْتُم الْعَزْل. قَوْله: (نسمَة) ، بِفَتْح السِّين، وَهِي: الأنسان، أَي: مَا من نفس كائنة فِي علم الله إلَاّ وَهِي كائنة فِي الْخَارِج، لَا بُد من مجيئها من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، أَي: مَا قدر الله أَن يكون الْبَتَّةَ. وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن الصَّحَابَة أطبقوا على وَطْء مَا وَقع فِي سُهْمَانهمْ من السَّبي، وَهَذَا لَا يكون إلَاّ بعد الِاسْتِبْرَاء بِإِجْمَاع الْعلمَاء، من وَهَذَا يدل أَن السباء يقطع الْعِصْمَة بَين الزَّوْجَيْنِ الْكَافرين.
وَاخْتلف السّلف فِي حكم وَطْء الوثنيات والمجوسيات إِذا سبين، فَأَجَازَهُ سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء وطاووس وَمُجاهد، وَهَذَا قَول شَاذ لم يلْتَفت إِلَيْهِ أحد من الْعلمَاء، وَاتفقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى على أَنه: لَا يجوز وَطْء الوثنيات بقوله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} (الْبَقَرَة: 122) . وَإِنَّمَا أَبَاحَ الله تَعَالَى وَطْء نسَاء أهل الْكتاب خَاصَّة. بقوله: وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} (الْمَائِدَة: 5) . وَإِنَّمَا أطبق الصَّحَابَة على وَطْء سَبَايَا الْعَرَب بعد إسلامهن، لِأَن سبي هوَازن كَانَ سنة ثَمَان، وَسبي بني المصطلق سنة سِتّ، وَسورَة الْبَقَرَة من أول مَا نزل بِالْمَدِينَةِ، فقد علمُوا قَوْله تَعَالَى:{وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يؤمنَّ} (الْبَقَرَة: 122) . وتقرر عِنْدهم أَنه لَا يجوز وَطْء الوثنيات الْبَتَّةَ حَتَّى يسلمن، وروى عبد الرَّزَّاق: حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا يُونُس ابْن عبيد أَنه سمع الْحسن يَقُول: كُنَّا نغزو مَعَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَإِذا أصَاب أحدهم جَارِيَة من الفىء فَأَرَادَ أَن يُصِيبهَا أمرهَا فاغتسلت ثمَّ علمهَا الْإِسْلَام وأمرها بِالصَّلَاةِ واستبرأها بِحَيْضَة، ثمَّ أَصَابَهَا. وَعُمُوم قَوْله تَعَالَى:{وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} (الْبَقَرَة: 122) . يَقْتَضِي تَحْرِيم وَطْء المجوسيات بِالتَّزْوِيجِ وبملك الْيَمين، وعَلى هَذَا أَئِمَّة الْفَتْوَى وَعَامة الْعلمَاء.
وَأما الْعَزْل فقد اخْتلف فِيهِ قَدِيما وإباحته أظهر فِي الحَدِيث عِنْد الشَّافِعِي، سَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة مَعَ الْإِذْن وبدونه، وروى مَالك عَن سعيد بن أبي وَقاص وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس: أَنهم كَانُوا يعزلون، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود وَجَابِر، وَذكر مَالك أَيْضا عَن ابْن عمر أَنه: كره الْعَزْل، وَقيل: رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَاحْتج من كره الْعَزْل بِأَنَّهُ: الوأد الْخَفي، كَمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، وَاتفقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى على جَوَاز الْعَزْل عَن الْحرَّة إِذا أَذِنت فِيهِ لزَوجهَا.
وَاخْتلفُوا فِي الْأمة الْمُزَوجَة، فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: الْأذن فِي ذَلِك لمولاها، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: الْإِذْن إِلَيْهَا،
وَقَالَ الشَّافِعِي: يعْزل عَنْهَا بِدُونِ إِذْنهَا وَبِدُون إِذن مَوْلَاهَا.
3452 -
حدَّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ عُمَارَةَ بنِ الْقَعْقَاعِ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَا أزَالُ أُحِبُّ بني تَمِيم ح وحدَّثني ابنُ سَلَامٍ قَالَ أخبرنَا جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عنِ الْمُغِيرَةِ عنِ الحَارِثِ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وعنْ عُمَارَةَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِيهِمْ سَمِعْتُهُ يَقولُ هُمْ أشَدُّ أُمَّتِي على الدَّجَّالِ قَالَ وجاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنا وكانَتْ سَبِيَّةٌ منْهُمْ عِنْدَ عائِشَةَ فَقَالَ أعْتِقِيها فإنَّها منْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عليه السلام.
(الحَدِيث 3452 طرفه فِي: 6634) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَبَاعَ، وَلَكِن فِي بعض طرقه عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معمر عَن جرير: كَانَت على عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، نسمَة من بني إِسْمَاعِيل، فَقدم سبي خولان، فَقَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله! أبتاع مِنْهُم. قَالَ: لَا، فَلَمَّا قدم سبي بني العنبر قَالَ: ابتاعي مِنْهُم فَإِنَّهُم ولد إِسْمَاعِيل، عليه السلام. وَوَقع عِنْد أبي عوَانَة من طَرِيق الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا:. وجىء بسبي بني العنبر. انْتهى. وَبَنُو العنبر بطن من بني تَمِيم، وَقَالَ الرشاطي: الْعَنْبَري فِي تَمِيم ينْسب إِلَى العنبر بن عَمْرو بن تَمِيم، وَذكر ابْن الْكَلْبِيّ: أَن العنبر هَذَا هُوَ ولد عَامر بن عَمْرو، وَفِي تَمِيم أَيْضا: العنبر بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ عَن شيخين لَهُ أَحدهمَا: عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن جرير، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء الأولى: ابْن عبد الحميد عَن عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع عَن أبي زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْعين الْمُهْملَة: واسْمه هرم، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن جرير عَن الْمُغيرَة بن مقسم عَن الْحَارِث بن يزِيد من الزِّيَادَة العكلي، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف: التَّمِيمِي الْكُوفِي، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَذكر فِيهِ عمَارَة مَقْرُونا بِالْحَارِثِ. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا زلت أحب بني تَمِيم)، هِيَ قَبيلَة كَبِيرَة فِي مُضر تنْسب إِلَى تَمِيم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر. قَوْله:(مُنْذُ ثَلَاث)، أَي: من حِين سَمِعت الْخِصَال الثَّلَاث، وَهِي الَّتِي أَولهَا: هُوَ قَوْله: (هم أَشد أمتِي على الدَّجَّال) . وَثَانِيها: هُوَ قَوْله: (هَذِه صدقَات قَومنَا) وَثَالِثهَا: أمره، صلى الله عليه وسلم، لعَائِشَة بِعِتْق السبية الْمَذْكُورَة. لكَونهَا من ولد إِسْمَاعِيل، عليه السلام، وَزَاد فِيهِ أَحْمد من وَجه آخر عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَمَا كَانَ قوم من الْأَحْيَاء أبْغض إِلَيّ مِنْهُم فأحببتهم. انْتهى. وَكَانَ ذَلِك لما كَانَ بَينهم وَبَين قومه فِي الْجَاهِلِيَّة من الْعَدَاوَة. قَوْله:(يَقُول فيهم) أَي: فِي بني تَمِيم. قَوْله: (سمعته يَقُول)، أَي: سَمِعت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، يَقُول:(هم أَشد أمتِي على الدَّجَّال)، وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة:(هم أَشد النَّاس قتالاً فِي الْمَلَاحِم) ، وَرِوَايَة الشّعبِيّ أَعم من رِوَايَة أبي زرْعَة، على مَا لَا يخفى. قَوْله:(وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ)، أَي: صدقَات بني تَمِيم، فَقَالَ:(هَذِه صدقَات قَومنَا) ، إِنَّمَا نسبهم إِلَيْهِ لِاجْتِمَاع نسبهم بنسبه، صلى الله عليه وسلم، فِي إلْيَاس بن مُضر، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من طَرِيق الشّعبِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث: وأُتي النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بنعم من صَدَقَة بني سعد، فَلَمَّا راعه حسنها، قَالَ:(هَذِه صَدَقَة قومِي) . انْتهى. وَبَنُو سعد بطن كَبِير من تَمِيم، ينتسبون إِلَى سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. قَوْله:(سبية مِنْهُم)، أَي: من بني تَمِيم، وسبية على وزن: فعيلة، بِفَتْح السِّين من السَّبي أَو من السباء، فَإِن كَانَ من الأول يكون بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَإِن كَانَ من الثَّانِي يكون بِالْهَمْزَةِ بعد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَلم يدر اسْمهَا، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق هَارُون بن مَعْرُوف عَن جرير: نسمَة، بِفَتْح النُّون وَالسِّين الْمُهْملَة: وَهِي الْإِنْسَان، وَله